حسام عيسى: باحث في العلوم السياسية و العلاقات الدولية
لقراءة ما يحدثُ بينَ روسيا وأوكرانيا، علينا معرفة حالة النسق العالمي قبل تلك الأحداث، و وصف الحدثِ، وتحليل آثاره على الدولتينِ (إقليميًّا، وعالميًّا)، مرتكزًا في ذلكَ على التحليلِ الجيوبولوتيكي لما حدثَ، والتحليل النقدي؛ لمعرفةِ الآثارِ المترتبةِ على الحدثِ عالميًّا .
حالة النسقِ العالميِ قبلَ أحداثِ (روسيا – أوكرانيا)
يُعد حالة النسقِ العالميِ أُحادي القطبيةِ، وذلكَ منْ خلالِ التفوقِ العسكريِ والاقتصاديِ للولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ، وقوتها بتحالفاتها العسكرية والاقتصاديةِ، وخاصةً معَ الدولِ الأوروبيةِ واليابانِ وأستراليا، بالإضافةِ إلى أنَّ النظامَ الاقتصادي العالميَ، تحتَ سيطرتها، منْ خلالِ (سعر البترولِ بالدولارِ – الذهبُ بالدولارِ – التبادلُ العالميُ التجاريُ بالدولارِ – صندوقُ النقدِ الدوليِ، والبنك الدوليِ تعاملاتهمْ بالدولارِ – النظامُ البنكيُ العالميُ تديرهُ أمريكا وتسيطرُ عليهِ)، ومنْ ناحيةٍ أخرى، هيَ منْ تقودُ حلفَ الناتو، أكبر قوةٍ عسكريةٍ عالميةٍ، وأمريكا هيَ الدولةُ الوحيدةُ التي تفرضُ العقوبات الاقتصادية، وتحظر بيعَ السلاحِ على الدولِ، وذلكَ أيضًا منْ خلالِ قيادةِ أمريكا للشركاتِ المتعددةِ الجنسياتِ .
وصف الأحداث الروسية الأوكرانية
لقدْ استخدمتْ روسيا الدبلوماسية الصلبة، المتمثلة في التفوقِ الهائلِ في قوتها العسكريةِ على أوكرنيا، الأضعف قوةً؛ لإجبارها بعدمِ دخولها حلفَ الناتو الأمريكيِ العسكريِ الدفاعيِ؛ حيثُ يُعد ذلكَ تهديدًا صريحًا للأمنِ القوميِ الروسيِ – ولقدْ اتبعتْ روسيا الدبلوماسية في التفاوضِ معَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ وأوكرنيا، في خلالِ ثمانيةِ سنواتٍ سابقةٍ، بأنْ تكونَ أوكرنيا خارجَ حلفِ الناتو العسكريِ، ولكنْ لمْ تفلحْ الدبلوماسيةُ الروسيةُ، بإقناعِ المفاوضِ الأمريكيِ، بعدمِ دخولِ أوكرانيا الحلف، وحيثُ صرَّحَ رئيسُ أوكرنيا برغبتهِ الانضمامِ لحلفِ الناتو العسكريِ،
وهذا ما دفعَ روسيا بالقيامِ بعمليةٍ عسكريةٍ؛ الغرضِ منها إجبارِ أوكرانيا بعدمِ الدخولِ في حلفِ الناتو، مستخدمًا في ذلك، القضاء على القوات الدفاعية العسكرية، والسيطرة عليها إلكترونيًّا، وإخراج القوة العسكرية الأوكرانية من الخدمة، دون تدميرٍ للمدن، بشكل كامل، كما فعل “بوتين” في الاجتياح الأخير للشيشان؛ من أجل تغيير نظامٍ سيَاسِيّ بآخر، يعمل لصالح المصالح الروسية، إضافةً إلى تأمينِ الوضعِ اَلْعَسْكَرِيّ اَلرُّوسِيّ في البحرِ الأسودِ، وتغييرِ الحدودِ الروسيةِ الأوكرانيةِ.
تحليلِ جيوبولوتيكي للأحداثِ الروسية الأوكرانية
منْ منظورِ روسي، نجدُ أنَ روسيا شعرتْ بالقوةِ العسكريةِ والاقتصاديةِ، في أنَ تتمددَ إقليميًّا، وتكسرَ الحصار والاحتواء والتهديدِ الأمريكيِ بالمنطقةِ المجاورةِ، وتعلنَ عنْ نفسها، بأنها قوةٌ إقليميةٌ، تغيرُ النسق العالميِ، وتغيرُ مركزها في الترتيبِ بالنسقِ .
ومنْ المنظورِ الأمريكيِ – ترغبَ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ في احتواءِ روسيا، وحصارها، وتقليصِ تمددها، وإضعافُ اقتصادها، وإبعادها عنْ التقاربِ معَ الدولِ الأوروبيةِ، وخاصةً ألمانيا؛ حيثُ أصبحَ التعاونُ الاقتصاديُ والتجاريُ بينَ روسيا والدولِ الأوروبيةِ، خاصةً ألمانيا، يمثلُ خطرًا على الهيمنةِ الأمريكيةِ للعالمِ، وهذا ما حذَّرَ منهُ العالمُ الجيوبولوتيكي ” ماكيندرْ “، بأنَ التحالفَ الروسيَ الألمانيَ، يستطيعُ أنْ يسيطرَ على قلبِ الأرضِ، ومنْ يسيطرْ على قلبِ الأرضِ يسيطرْ على جزيرةِ العالمِ، المتمثلِ في القارةِ (الأوروبيةِ، والآسيويةِ، والأفريقيةِ)، ومنْ يسيطرْ على جزيرةِ العالمِ يسيطرْ على العالمِ، وهذا التحالفُ يفقدُ أمريكا هيمنتها على العالمِ؛
لذا سعتْ أمريكا إلى استدراج روسيا بالدخولِ في صراعٍ قويٍ معَ أوكرنيا؛ ليكونَ هذا الصراعُ ذريعةً بفصلِ روسيا عنْ أوروبا؛ حيثُ تعلم أمريكا منْ خلالِ تفاوضِ الثماني سنواتِ السابقة، بأنَ دخولَ أوكرنيا حلفَ الناتو مرفوضٌ مسبقًا منْ الدولةِ الروسيةِ .
تحليلٍ نقديٍ للأحداثِ الروسيةِ والأوكرانيةِ
اعتمادًا على أنَّ الاقتصادَ هوَ القوةُ الكامنةُ للدولِ، وأنَّ أهمَ عناصرِ القوةِ الذاتيةِ للدولِ، هيَ مقدارُ تراكمِ رأسمالِ الدول؛ حيثُ يسهلُ تحويل هذا المالِ المتراكمِ إلى قوةٍ عسكريةٍ، أصدرتْ مدرسةُ فرانكفورت النقديةِ تقارير، عامَ 2008 م، يفيدُ بأنَ هناكَ دولًا تستطيعُ أنْ تغيرَ طبيعة النسقِ الدوليِ، منْ أُحاديٍ القطبيةِ إلى ثنائيٍ أوْ متعددٍ الأقطابِ، وذلكَ منْ خلالِ زيادةِ معدلِ نموِّها الاقتصاديِ، والقدرةِ على ثباتِ هذا المعدلِ، هذهِ الدولِ هيَ (الصينُ، وروسيا، والاتحادُ الأوروبيُ) .
منْ هذا المنطلقِ الرئيسيِ
تسعى الولايات المتحدة الأمريكية للقضاء على المنافسين المحتملين لها؛ حيث إن هذا من أهم مبادئ السياسة الخارجية الأمريكية؛ للإبقاء على الهيمنة الأمريكية؛ من أجل ذلك، تعمل أمريكا على تقليص معدلات النمو الاقتصادي لكلٍّ من (روسيا، والصين)، فإن تلك الأحداث تُقلِّص وتخفض معدل التبادل التجاري بين (روسيا، والاتحاد الأوروبي)، خاصةً ألمانيا، وذلك من خلال، إيجاد بديلٍ للغاز والنفط الروسي، الذي يمثل الجزء الأكبر في الاقتصاد الروسي؛ ما يؤثر ذلك بالسلب على معدل النمو الاقتصاد الروسي، ومن ناحيةٍ أُخرى، فإن الصادرات الأوروبية لروسيا تشكل جزءًا كبيرًا في الاقتصاد الروسي، وتقليص هذا المعدل يؤثر على معدل النمو الاقتصادي الروسي، كما يؤثر أيضًا على الاتحاد الأوروبي، خاصةً ألمانيا؛ ما يضعف ويقلل معدل النمو الاقتصادي للاتحاد الأوروبي؛ ما يجعلها أكثر تبعيةً لاقتصاد الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تبعية الدفاع العسكري، المنوط بها حلف الناتو، بزعامة أمريكية .
ومنْ ناحيةٍ أُخرَى، السعيُ في فصلِ روسيا عنْ الاتحادِ الأوروبيِ، وعنْ ألمانيا خاصةً؛ لأنَ ذلكَ ما حذَّرَ منهُ “ماكيندرْ” بالاستحواذِ على قلبِ الأرضِ، في التحالفِ الروسيِ الألمانيِ، والأمرِ الآخرِ، هوَ السيطرةُ على المصدرِ الثاني للطاقةِ، و هو الغاز، وخاصةً غاز شرقِ المتوسطِ، عنْ طريقِ السيطرةِ على الدولِ المنتجةِ له في البحر المتوسط، والتحكم في الدولِ المستوردةِ؛ حتى تستطيع إقصاء الغازِ الروسيِ، المصدر الوحيد لأوروبا من (بترول، و غاز).
الصراعُ الروسيُ الأوكرانيُ
جميع المواثيقِ الدوليةِ ترفضُ وتدينُ الاحتلالَ والتعديَ على سيادةِ الدولِ، وعدم التدخلِ في الشؤون الداخليةِ، ونحنُ نرفضُ وندينُ هذا الصراعِ ولا نؤيدهُ، ونطلبُ بسرعةِ الحلَ السلميَ، وفض المنازعاتِ بينَ الدولِ بالطرقِ السلميةِ .
كما نرفضُ العقوبات الاقتصادية التي تفرضُ على الدولةِ الروسيةِ؛ حيثُ إنَّ هذا السلوك يضرُ بالمدنيين دون القائمينَ على إدارةِ الدولةِ، ومنْ ناحيةٍ أُخرى، هذا التصرف يخلقُ جيلًا جديدًا منْ الإرهابيين؛ لأنَ العقوباتِ سوفَ تضرُ الحالة الاقتصادية للمواطنِ العاديِ، ويخلقُ نوعًا من الكراهيةِ، بذلكَ يكونُ منْ السهلِ تجنيدهُ؛ ليكونَ قنبلةً موقوتةً، تنفجرُ في أيِ وقتٍ، وفي أيِ مكانٍ .
النظرةُ الأكاديميةُ للأحداثِ الروسيةِ الأوكرانيةِ
استنادًا للنظريةِ الواقعيةِ الكلاسيكيةِ، لرائدها العالم “مورجنثاوْ “، الذي أوضحَ، أنَ أساسَ العلاقاتِ بينَ الدولِ، هوَ الصراعُ، وذلكَ لعدمِ معرفةِ النوايا الحقيقيةِ للدولِ في تفاعلاتها الداخليةِ والدوليةِ، وأنَ الدولَ كائن حي، ينمو فيكبرُ ويتمددُ، كلُ ذلكَ منْ خلالِ أُولى أولوياتِ الأمنِ القوميِ، و هيَ البقاءُ والاستمرارُ وحمايةُ السيادةِ بأنواعها (السياسيةِ، والاقتصاديةِ، والاجتماعيةِ) .
منْ واقعِ مفاهيمِ النظريةِ الواقعيةِ الكلاسيكيةِ، فإنَّ أحداثَ الصراعِ الروسيِ الأوكرانيِ، هوَ عبارةٌ عنْ التخوفِ الروسيِ منْ دخولِ أوكرانيا حلفَ الناتو، وهذا تهديدٌ صريحٌ يهددُ أمنها القومي، وأنَّ هذا التفكيرِ هوَ تخطيطٌ منْ قِبِلِ أمريكا؛ لاحتواءِ المنافسِ الروسيِ؛ حيث إنَّ إقدامَ روسيا بالدخولِ في أوكرانيا أمرٌ متوقعٌ منْ قِبَلِ صانعِ السياسةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ .
منْ هذا الصراعِ نستخلصُ بعض التحاليلِ السياسيةِ والاقتصاديةِ حولَ النسقِ العالمي
– الأممُ المتحدةُ وقدرتها على الحلِ السلميِ وفرضِ الأمنِ العالميِ
إنَّ الصراعَ الروسيَ الأوكرانيَ، أوضحَ مفهوم عدمِ قدرةِ الأممِ المتحدةِ في تقديمِ الحلِ السلميِ، خاصةً إذا كانَ الصراعُ مرتبطًا بإحدى الدولِ بمجلس الأمنِ (أمريكا، وإنجلترا، وفرنسا، وروسيا، والصينِ)، تقف الأممُ المتحدةُ أمامَ صراعاتِ دولِ مجلسِ الأمنِ، دونَ فعلٍ إيجابيٍ يوقفُ هذهِ الصراعاتِ .
لقدْ أثبتتْ الأحداثُ العالميةُ في الصراعاتِ بينَ الدولِ كافةً، أنَّ الأممَ المتحدةَ تميلُ إلى الدولِ الكبرى، على حسابِ الدولِ الصغيرةِ، وأنَّ الدولَ القويةَ تفرضُ قانونها في العلاقاتِ الدوليةِ، ومن ناحية أُخرى، أوضحتْ الأحداثُ العالميةُ طباعية ميْل الأممِ المتحدةِ إلى الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ في تحقيقِ المصالحِ الأمريكيةِ، خاصةً في (غزوِ العراقِ، وضربِ ليبيا)، دونَ حيادية، خاصةً بالنسبةِ للمشكلةِ الفلسطينيةِ معَ المحتلِ الإسرائيليِ .
ولكنْ تعملُ الأممُ المتحدةُ بشكلٍ مُرْضٍ، في تسييرُ الأعمال الدولية في شكلها العامِ، وبعيدة عنْ الصراعاتِ والحروبِ .
– فشلُ إدارةِ الدولةِ
لقدْ قدمتْ كل منْ العراقِ وليبيا واليمنِ وأوكرانيا نموذجًا على عدمِ القدرةِ في إدارةِ الدولةِ، في قياسِ قوتها الحقيقيةِ، والإقدامِ بلا حساب في تحديدِ مسارها السياسيِ، وعلاقاتها الدوليةِ، هذا الفشل أنتجَ دولًا بعيدةً عنْ المسارِ الطبيعيِ للدولِ ذاتِ السيادةِ .
حيثُ يلزمُ على الدولِ أنْ تحددَ أهدافها، على أنْ تكونَ متوافقةً، معَ إمكانيتها في قوتها الذاتيةِ الشاملةِ، معَ الأخذِ في الاعتبارِ، البيئة الدولية وتحدياتها، وذلكَ منْ أجلِ حمايةِ الدولةِ منْ السقوطِ في هاويةِ الدولِ الفاشلةِ، وهذا ما فعلته أوكرانيا، أرادتْ أَن تدخلَ حلف الناتو؛ لضمانِ الحمايةِ العسكريةِ منْ المهيمنِ اَلْأَمْرِيكِيّ، ولمْ تعتمدْ على زيادةِ قدراتها الذاتيةِ؛ لتحققَ الاستقلالية في الإدارةِ السياسيةِ، ولمْ تعملْ على التوازنِ في علاقاتها الدبلوماسيةِ بينَ كلٍّ منْ (أمريكا، وروسيا)، ولمْ تقدِّرْ قوة الجارِ اَلْقَوِيّ الروسي؛ حيثُ إِنَّ عدمَ القدرةِ على تقديرِ هذهِ الحساباتِ في تحديدِ الأهدافِ الأوكرانيةِ، أوقعها في صراعٍ هيَ الخاسرُ الأكبرُ فيه، ووضع أوكرنيا في مأزقٍ شديدٍ، إما أنْ تقسمَ أوكرانيا إلى قسمينِ (شرقًا، وغربًا)، كما حدثَ في تقسيمِ ألمانيا بعدَ الحربِ العالميةِ الثانيةِ، أوْ يكون النظامُ اَلسِّيَاسِيّ تابعًا للإرادةِ السياسيةِ إلى الدولةِ الروسيةِ، وذلكَ بالإضافةِ إلى الضحايا البشريةِ والماديةِ، وهجرة المواطنينَ، وتدمير جزءٍ كبيرٍ منْ البنيةِ التحتيةِ للدولةِ، بالإضافةِ إلى الانكسارِ في الجيشِ اَلْأُوكْرَانِيّ منْ تلكَ الهزيمةِ.
– آثارُ الموقعِ الجغرافيِ
أظهرَ الموقعُ الجغرافي أهميةً سلبيةً على الدولِ التي لا تعملُ على تعظيمِ قوتها الذاتيةِ الشاملةِ، في مواجهةِ أطماعِ الدولِ الكبرى، فيكون الموقعُ المتميزُ نقمةً على الدولةِ، و ليس ميزةً إيجابيةً .
إنَّ الموقعَ المتميزَ لأوكرنيا، منْ حيثُ تلامسها معَ الحدودِ الروسيةِ ودولِ حلفِ الناتو، جعلها مهمةً لكلا الطرفينِ، ومنْ ناحيةٍ أُخرى، تمثلُ أوكرنيا دولةَ معبرٍ للغازِ الروسيِ، القادم منْ روسيا إلى الدولِ الأوروبيةِ، وهذا الغلوّ إستراتيجيٌ لكلا الطرفينِ، بالإضافةِ إلى التحكمِ الجزئيِ في البحرِ الأسودِ، كلُ هذا خلق لأوكرانيا موقعًا متميزًا، كانَ عليها أنْ تعظمَ قوتها الذاتيةَ الشاملةَ، وتقف حياديةً، أوْ تنحاز إلى دولةٍ بشكلٍ لا يؤثرُ على استقرارها، ولا على إنماءِ قوتها الذاتيةِ، ولا تسعى إلى أنْ تكونَ دولةً تابعةً لطرف ضدَ آخرِ؛ ما يخلقُ صراعًا حتميًّا بالمنطقة، وما حدثَ هوَ تبعيةُ أوكرانيا إلى الدولةِ الأمريكيةِ، والعمل ضدَ الدولةِ الروسيةِ، بدخولها حلفَ الناتو المهددِ العسكريِ الأمريكيِ، تجاهَ الدولةِ الروسيةِ .
ما تريدهُ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ منْ هذهِ الأحداثِ
1 – إضعافُ القدرةِ الاقتصاديةِ الروسيةِ، منْ خلالِ العقوباتِ الاقتصاديةِ .
2 – فصلُ التحالفِ الاقتصاديِ بينَ روسيا وبينَ الاتحادِ الأوروبيِ، خاصةً ألمانيا .
3 – فصلُ روسيا عنْ العالمِ الغربيِ، الموالي للولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ .
4 – خفضُ معدلاتِ النموِ الاقتصاديِ العالميِ بشكلٍ عامٍ؛ ما يؤثرُ أيضًا على الصينِ، في تخفيضِ معدلِ نموِّهُ الاقتصاديِ .
5 – إضعافُ الاتحادِ الأوروبيِ – بشكلٍ خاصٍ- اقتصاديًّا؛ ليجعلهُ أكثرَ تبعيةً لأمريكا .
6 – إضعافُ اقتصادِ الدولِ الناشئةِ والصاعدةِ؛ ما يسهلُ إدارتها منْ قِبَلِ القوةِ الاقتصاديةِ الأمريكيةِ .
7 – زيادةُ التضخمِ الأمريكيِ؛ ما يقللُ قيمةَ الدولارِ عالميًّا؛ ما يؤثرُ في احتياطياتِ الدولِ منْ الدولارِ؛ ما يجعلها أكثرَ احتياجًا إلى الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ .
8 – السعيُ للسيطرةِ على الغازِ في شرقِ المتوسطِ، والتحكمِ في تصديرهِ لدولِ أوروبا، من خلال السيطرة على دول شرق المتوسط .
9 – الإبقاءُ على حلفِ الناتو، معَ إجبارِ أعضائهِ بالمشاركةِ في تكلفةِ الدفاعِ عنهمْ؛ ليكون قوةً في يد المهيمن الأمريكي، و قوةً رادعةً لأي منافس محتمل لتلك الهيمنة.
10 – هذهِ الأحداث الغرض منها، هيَ محاولةُ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ إبقاءَ هيمنتها على العالمِ، والسعي إلى القضاءِ على المنافسينَ لها .
موقفُ الدولِ الأوروبيةِ منْ الأحداثِ الروسيةِ الأوكرانيةِ
إن موافقة الدول الأوروبية على ما أقرتهُ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ، بفرضِ عقوباتٍ اقتصاديةٍ، وعدمِ التعاملِ معَ روسيا، رغم العائد الاقتصادي للدول الأوروبية الكبير من التعاون مع روسيا، و أن هذه العقوبات تضرهم مثل ما تضر روسيا، إلا أن هذه الموافقة تدل على تبعية الدول الأوروبية اقتصاديًّا للولايات المتحدة الأمريكية، تلك التبعية هي (اقتصادية، و دفاعية)، وهذا نجاحٌ كبيرٌ في السياسة الخارجية الأمريكيةِ، في رسمِ سياستها الاقتصاديةِ، بوضعِ دولِ أوروبا تحتَ ضغطٍ أمريكيٍ اقتصاديٍ؛ ما يسهل قيادة الدول الأوروبية، في تحقيق المصالح الأمريكية أولًا، و عند تعارض المصالح بين أمريكا و دول أوروبا، على أوروبا اتباع المسار و السياسة الأمريكية، وأنَ ذلكَ منْ تبعيةِ الاقتصادِ الأوروبيِ للولايات المتحدة الأمريكية، وذلك هو نتيجةٌ لما تمَّ سابقًا في مشروعِ (مارشالِ)، وإنفاقها عامَ 1945 م، حواليْ 12 مليارَ دولارٍ؛ لبناء و تطوير الاقتصاد الأوروبي، وأنَّ هذا وقتُ الحصادِ الأمريكيِ، وجنْيِ المكاسبِ فيما استثمرتْ، منذُ انتهاءِ الحربِ العالميةِ الثانيةِ، وهذا بالإضافةِ إلى التبعيةِ العسكريةِ للدولة أمريكية؛ حيث إنها المسؤولةُ بالدفاعِ عنْ الدولِ الأوروبيةِ، وبالأخص ألمانيا، المجبرة منذُ الحربِ العالميةِ الثانيةِ، أنْ يكونَ لديها قاعدةٌ عسكريةٌ أمريكيةٌ، تنفقُ عليها ألمانيا، أوْ دولة مثل فرنسا لديها جيشٌ نظاميٌ، ولكنها مجبرةٌ على التواجدِ في حلفِ الناتو، وتحمل تكلفَة دفاع حلفِ الناتو عنها، رغمَ وجودِ جيشٍ قويٍ لها.
رغمَ تعاونِ الدولِ الأوروبيةِ معَ روسيا، يحققُ مكاسبَ اقتصاديةً، وفائدةً في النموِ الاقتصاديِ لهمْ، ورغمِ عدمِ وجودِ بديلٍ للبترولِ و الغازِ الروسيِ، وهذا يضرُ بأمنهمْ القوميِ ومصالحهمْ الذاتيةِ، وأنَّ فرضَ العقوباتِ الاقتصاديةِ يحققُ خسائرَ أكبرَ على الدولِ الأوروبيةِ منْ روسيا، إلا أنْ الدولَ الأوروبيةَ انقادتْ وراءَ المخططِ الأمريكيِ، و هذا يبرهنُ على التبعية الأوروبية لأمريكا (اقتصاديًّا، وعسكريًّا، وسياسيًّا) .
تعاظمُ الخسائرِ الاقتصاديةِ الألمانيةِ
إنَ أكبرَ الخاسرينَ منْ الأحداثِ الروسيةِ الأوكرانيةِ هيَ دولةُ ألمانيا؛ حيثُ ما زالتْ تستورد الغاز والبترول منْ روسيا، وذلكَ لعدمِ وجودِ بديلٍ آخر إلا بعدَ خمسةِ أعوامٍ، ولكنْ فقدتْ ألمانيا عائدَ تصديرِ حواليْ ثلث احتياجاتِها الروسية؛ نتيجةً للعقوباتِ الاقتصاديةِ، بالإضافةِ إلى إنفاق ألمانيا حواليْ 35% منْ إجماليِ نفقاتِ 12 مليارَ دولارٍ، على خطِ غازِ (نوردْ ستريمْ 2) موصلِ الغازِ الروسيِ إلى ألمانيا مباشرةً، عبرَ بحرِ البلطيق، كلُ هذا فقدتهُ ألمانيا؛ نتاجَ الحصارِ الاقتصاديِ، التي فرضتهُ أمريكا، وتبعتهُ ألمانيا ضدَ روسيا، بالإضافةِ إلى عدمِ وجودِ بديلٍ للبترولِ والغازِ الروسيِ، اللذان يمثلانِ أكثر منْ 70 % منْ احتياجاتِ الطاقةِ الألمانيةِ السنويةِ؛ ما يؤثرُ ذلكَ على انخفاضِ معدلِ النموِ الاقتصاديِ الألمانيِ، ويضعُ حدًّا للتعاونِ الروسيِ الألمانيِ على كافةِ المستوياتِ .
الخسائرُ الاقتصاديةُ على الاتحاد الأوروبي
إنَّ العقوباتِ الاقتصاديةَ التي فرضتها الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ على روسيا، تمثلُ خسائرَ كبيرةً على الاتحادِ الأوروبي؛ِ إذْ يصدرُ الاتحادُ الأوروبيُ حواليْ 53 % منْ احتياجاتِ روسيا السنويةِ؛ ما يؤثرُ ذلكَ بالسلبِ على الاتحادِ الأوروبيِ، بانخفاضٍ كبيرٍ في النموِ الاقتصاديِ، ويضعفُ القوةَ الاقتصاديةَ للاتحادِ الأوروبيِ، بالإضافةِ إلى خروجٍ بريطانيا، كلُّ ذلكَ يضعفُ منْ القوةِ الاقتصاديةِ للاتحادِ الأوروبيِ، ويجعلهُ أكثرَ تبعيةً (اقتصاديًّا، وعسكريًّا) لأمريكا، وذلكَ يبقي على وجودِ حلفِ الناتو، وتبعية تلكَ الدولِ للحلفِ؛ خوفًا منْ القوةِ الروسيةِ العسكريةِ .
تركيا والأحداثِ الروسيةِ والأوكرانيةِ
لقدْ انهارتْ قوة الدولة التركية، بهزيمتها في الحربِ العالميةِ الأولى، وتمَّ تقسيمُ ممتلكاتها على الدولِ المنتصرةِ، ثمَّ انقادتْ تركيا إلى الدولِ الكبرى في الحربِ العالميةِ الثانيةِ، ثمَّ أصبحتْ دولةً حاجزةً ضدَ النفوذِ السوفيتيِ، وتمَّ ضمُّها لحلفِ الناتو، وأنشأتْ أمريكا قاعدةً عسكريةً بتركيا؛ لذا تُعدُّ تركيا أحدَ الحلفاءِ التي تعتمدُ عليها السياسةُ الخارجيةُ الأمريكيةُ، في تنفيذِ وتحقيقِ المصالحِ الأمريكيةِ، وهذا واضحٌ منْ تواجدِ تركيا في العراقِ وسوريا؛ لتنفيذِ المصالحِ الأمريكيةِ، وتستغلُ تركيا هذا الدورِ الذي رسمتهُ السياسةُ الأمريكيةُ؛ لتحقيقِ مصالحها الذاتية،ِ بشكلٍ انتهازيٍ؛ للفرصِ التي تتيحها أمريكا لتركيا؛ حيثُ تمثلُ تركيا أحدَ أذرعِ أمريكا في الشرقِ الأوسطِ؛ لتنفيذِ السياسةِ الخلفيةِ السوداءِ، مثل الدورِ الذي رسمتهُ السياسةُ الأمريكيةُ في ليبيا؛ للسيطرةِ على البترولِ والغازِ الليبي، بواسطةِ المرتزقةِ التركيةِ، وبدعمِ الدولةِ التركيِ لهمْ، ومنْ جهةٍ أُخرى، تتعاونُ تركيا معَ روسيا تجاريًّا، مستغلةً حاجةَ روسيا إلى المضايقِ التركيةِ (البسفور، والدردنيلَ)؛ لمرورِ السفنِ الروسيةِ إلى البحرِ المتوسطِ، وتقيمُ معها علاقاتٍ تجاريةً، تستفيدُ منها تركيا، وتبتزُ بها روسيا بشكلِ ما، فالعقوبات الأمريكية تطيلُ الاقتصادَ التركيَ، بحرمانِ تركيا منْ التبادلِ التجاريِ معَ روسيا؛ حيثُ هذا التبادل لصالحِ تركيا أكثرَ؛ ما يؤثر على انخفاض معدل النمو الاقتصاد التركي.
التحكمُ الأمريكيُ للاقتصادِ العالميِ
البداية، الرعاية الأمريكية لاتفاقيةِ (اَلْجَات)، منذُ أُكْتُوبَر 1947 م، والتي تَنُصّ على إلغاءِ الجماركِ بينَ الدولِ، وإتاحةِ التبادلِ اَلتِّجَارِيّ، والمنافسةِ الحرةِ، وأرفقتها أمريكا تبعَ الأممَ المتحدةَ، عامَ 1948 م، وَتَمَّ تطويرها إلى منظمةِ التجارةِ العالميةِ، في يَنَايِر 1995 م، على أَن تحكم التجارة الدولية، وأدخلتْ أمريكا فيها 164 دولةً، أيْ حواليْ 98 % منْ دولِ العالمِ، ثم فرضت العملة الأمريكية (الدولار) على العالم، وسعَّرت البترول بالدولار، والذهب بالدولار، وإقراض الدول بالدولار، وبيع الأسلحة بالدولار، ثُمَّ فرضتْ أمريكا نظامَ العولمةِ الأمريكيةِ، واتباع التبادل التجاري بالدولار، وأحدثت طريقةً لمراقبة وتبادلِ الأموالِ؛ بحجةِ مراقبةِ غسيلِ الأموالِ، والقضاءِ على أموالِ الإرهابِ وتتبُّعها، وأنشأتْ نظامًا ماليًّا؛ لتبادلِ الأموالِ بينَ الدولِ العالمِ، مرتكزةً على حلفائها في اتباعِ مخططاتها، بهذا ربطتْ أمريكا دولَ العالمِ (اقتصاديًّا، وماليًّا)؛ لتثبت هيمنتها على العالمِ، وهذا ما اتضحَ منْ قيادةِ أمريكا لتلكَ الدولِ في محاصرة روسيا، ومحاولة تعجيزها اقتصاديًّا، وتقليصِ تعاملاتها المالية.
نجاحُ الإعلامِ الأمريكيِ في تصديرِ الفكرِ الأمريكيِ للعالمِ الغربيِ
لقدْ حققتْ الماكينةُ الإعلاميةُ الأمريكيةُ نجاحًا كبيرًا، في شيْطَنَةِ روسيا، وتصدير الفكرِ اَلْأَمْرِيكِيّ إلى الشعوبِ الغربيةِ، بجعْل ما تفعلهُ روسيا عملًا شيطانيًّا، يَضُرّ بالبشريةِ والديمقراطيةِ، ويعدُ تهديدًا كبيرًا للشعوبِ الأوروبيةِ، خاصةً أنه لا بُدَّ منْ الإبقاءِ على حلفِ الناتو؛ كيْ يستطيعَ أنْ يدافعَ عنْ تلكَ الشعوبِ؛ حيثُ إِنَّ تلكَ الشعوبِ لها قدْرٌ كبيرٌ في تحديدِ ورسمِ السياسةِ العامةِ لدولهمْ؛ ليكونَ لتلك الشعوب – خاصةً شعوب الاتحاد الأوروبي – ورقةَ ضغطٍ على حكامهمْ في الإبقاءِ على حلفِ الناتو، وعدمِ الخروجِ منهُ، وهذا ما يصب في صالح التواجد العسكري، الذي يدعم الهيمنة الأمريكية على العالم .
نتائج الأحداثِ الروسيةِ الأوكرانيةِ على الجانبِ الروسيِ
تمثلُ هذهِ الأحداث ضربةً قاصمةً لطموحاتِ الدولةِ الروسيةِ وأهدافها؛ حيثُ كانَ الهدفُ اَلْإِسْتِرَاتِيجِيّ للسياسةِ الخارجيةِ الروسيةِ، كما أطلقَ عليها العالمُ “أَلِكْسَنْدَر دوجينْ” “إستراتيجيةً الأوراسي” في كتابه Foundations of Geopolitics. وهيَ سعيُ روسيا لربطِ أوروبا بشمالِ شرقِ آسيا ربطًا اقتصاديًّا بينَ دولِ الاتحادِ اَلْأُورُوبِّيّ بالصينِ ودولِ وسطِ وشرقِ آسيا، تكونُ روسيا هيَ مركزُ هذا الرابطِ اَلِاقْتِصَادِيّ؛ حيثُ ترى هذهِ الدولِ في إستراتيجيتها للسياسةِ الخارجيةِ وتحديدِ مسارِ علاقاتها الدوليةِ، أنه منْ الأفضلِ للنسقِ اَلدُّوْلِيّ أنْ يكونَ متعدد الأقطابِ، في حالةٍ منْ التنافسِ اَلاقْتِصَادِيّ، وليسَ بحالةٍ احتكاريةٍ لدولةٍ مهيمنةٍ، كما تريدُ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ؛ لذا نرى هذا التعاونِ اَلاقْتِصَادِيّ بينَ كلٍّ منْ روسيا والاتحادِ اَلْأُورُوبِّيّ في التبادلِ اَلتِّجَارِيّ اَلْإِسْتِرَاتِيجِيّ غير المسبوق، منذُ انتهاءِ الحربِ الباردةِ، وأيضًا العلاقةُ الإستراتيجيةُ الشاملةُ بينَ روسيا والصينِ، في التعاونِ اَلِاقْتِصَادِيّ وَالْعَسْكَرِيّ وَالسِّيَاسِيّ هوَ الأكثرُ تعاونًا منذُ نشأتهمْ، وَأَنَّ ذلكَ سوفَ يزيدُ منْ معدلِ اَلنُّمُوّ اَلِاقْتِصَادِيّ لكلٍّ منْ روسيا وشريكه اَلإسْتِرَاتِيجِيّ الصينَ والاتحادَ اَلْأُورُوبِّي، إن هذه الإستراتيجية ضد السياسة الخارجية ومبادئها؛ حيث إن النمو الاقتصادي لكلٍّ من روسيا والصين – بشكل خاص – يجعلهم دولًا تنافس الهيمنة الأمريكية في النسق العالمي، ويزعزع المكانة الأمريكية في العالم.
وهذهِ الأحداث سوفَ تخفضُ وتقلص منْ التوجهِ والتعاون اَلرُّوسِيّ مع الاتحاد الأوروبي، وهذا ما تنظر إليها روسيا في المستقبل في محافظةِ روسيا على مستوى تصديرِ الغازِ والبترولِ، ولمْ تستخدمهُ كورقة ضغطٍ على الاتحاد الأوروبي، بوقف تصدير البترول والغاز، وهذا لهُ نظرةٌ مستقبليةٌ في إثباتِ صدقِ النوايا الروسيةِ في التعاونِ معَ الدولِ الأوروبيةِ، وخاصةً الاتحاد الأوروبي، كما أَنَّ هذهِ الأحداثِ سوفَ تؤثرُ سلبًا، وتخفضُ منْ معدلِ نُمُوّ الاقتصادِ اَلرُّوسِيّ بشكلٍ ملحوظٍ وكبير.
آثارُ الأحداثِ الروسيةِ الأوكرانيةِ على الصينِ
تمثل الصين ثاني أكبر دولة مستهلكة للبترول، وأكبر مستورد للبترول في العالم، وإن ارتفاع سعر البترول يمثل زيادة في الأعباء والتكلفة الاقتصادية على المنتجات الصينية، وزيادة أسعارها، وتفقد بذلك ميزة مهمة بالسلع الصينية، التي تُوصف بأنها أقل الأسعار العالمية؛ ما يؤثر ذلك على انخفاض الإنتاجية الصينية، وزيادة التنافس الأمريكي، وانتعاش المنتجات الأمريكية على حساب الصينية؛ ما يخفض من معدل نمو الاقتصاد الصيني، ومنْ ناحيةٍ أُخرى، فإِنَّ انخفاضَ قيمةِ الدولارِ عالميًا، يؤثرُ ذلكَ سلبًا في خفْضِ قيمةِ الرصيدِ اَلنَّقْدِيّ منْ الدولارِ لدى الصينِ.
كما تسعى الصينُ باستغلال هذهِ الأحداثِ بشكلٍ إيجابيٍّ لها، بالضغطِ على أمريكا، بِضَمّ تايوان، والاعترافِ بالصينِ موحدةً؛ ما قد يؤثر أيضًا على عقوبات اقتصادية على الصين، إذا قامت بهذا العمل.
آثارُ الأحداثِ الروسيةِ الأوكرانيةِ على إيران
لقد قدمت هذه الأحداث لإيران أفضلَ المكاسبِ؛ حيثُ يسعى إليها كُلّ الأطرافِ لكسبِ ودها، فتسعى الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ إلى الاتفاقِ معَ إيران، بإعطائها حَقَّ تفعيلِ السلاحِ اَلنَّوَوِيّ، في مقابلِ توريدِ النفطِ والغازِ اَلْإِيرَانِيّ إلى الدولِ الأوروبيةِ، تحتَ رعايةٍ أمريكيةٍ، كما تسعى روسيا أيضًا أنْ تدعمَ إيران الموقفَ اَلرُّوسِيّ، في مقابلِ دعمِ روسيا برنامجَ إيران اَلنَّوَوِيّ، والضغطِ على الصينِ في مساعدة إيران في برنامجها اَلنَّوَوِيّ؛ حيثُ يمثلُ الغازُ اَلْإِيرَانِيّ ثاني أكبرِ دولةٍ مُنْتِجَة لِلْغَازِ، كما يمثلُ احْتِيَاطِيّ إيران منْ البترولِ الرابع على العالمِ، كما يعدّ مكسب إيران أيضًا، منْ خلالِ زيادةِ أسعارِ البترولِ؛ ما يزيدُ منْ معدلِ نموها اَلاقْتِصَادِي؛ّ حيثُ تصدرُ إيران البترولَ إلى الصينِ ودولِ وسطِ شمالِ آسيا، إنَ إيران تمثلُ الآنَ حامل الميزانِ؛ حيثُ منْ تقفُ بجانبه، سوفَ يحققُ أهدافهُ.
إن تلك الأحداث، قدمت مكاسب لإيران، في زيادة أسعار البترول والغاز، ومن ناحية أخرى، زيادة التقارب الروسي والصيني، وهذا ما تسعى إيران إلى تحقيقه، ولكن لن تحصل على تأييدٍ لبرنامجها النووي، وذلك ضد الرغبة الروسية والصينية، وضد أيضًا حليفهم الذي تسعى كلٌّ من الصين وروسيا إلى ضمه إليهما، وهي المملكة العربية السعودية.
آثارُ الأحداثِ الروسيةِ الأوكرانيةِ على الهندِ
أوضحتْ هذهِ الأحداثِ، أَنَّ الهندَ محورٌ قويٌّ في القارةِ الآسيويةِ، وَأَنَّ لها إرادةً منفصلةً عنْ القوةِ الأمريكيةِ المهيمنةِ، وتسعى لتحقيقِ مكاسبها، دونَ الارتكازِ على المهيمنِ، وتسعى في بناءِ قوتها الذاتيةِ، معتمدةً على تعظيمِ كافةِ مواردهِ الإستراتيجيةِ، وتبنِّي قوتها بتؤدةٍ ورويةٍ، ولكن حالةَ التضخمِ اَلْعَالَمِيّ، سوفَ يَضُرّ بنموها اَلِاقْتِصَادِيّ، وينخفضُ نسبيًّا؛ ما يزيد من التقارب الروسي والصيني.
ولكن السياسة الخارجية الهندية مع تعددية الأقطاب، وأن يكون النسق العالمي في حالة تنافس، وليس في حالة هيمنة الدولة الواحدة، ومن ناحية أخرى، تسعى الهند بالتقارب الجغرافي مع دول الجوار بالتعاون، على أساس عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وهذا أيضًا مطابق لثقافة الصين الإستراتيجية في سياستها الخارجية، بالارتكاز على دول الجوار، والمساواة في التعاون، وعد التدخل في الشؤون الداخلية، وهذا الترابط الجغرافي يتواءم مع السياسة الخارجية الروسية، التي دعمها في الأواسيا في ربط القار الآسيوية بالدول الأوروبية، وكل من روسيا والصين والهند، ترى الأفضل للنسق العالمي، هو حالة التنافس وتعدد الأقطاب، وليس هيمنة الدولة الواحدة.
آثارُ الأحداثِ الروسيةِ الأوكرانيةِ على السعوديةِ والإماراتِ
إِنَّ الموقفَ اَلسُّعُودِيّ اَلْإِمَارَاتِيّ يدعو لدراسةٍ أكثرَ دقة وتركيز، حيثُ تفاجأَ المحللونَ السياسيونَ بِالْمَوْقِفِ اَلسُّعُودِيّ، غير المنحاز إلى الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ، ورفضتْ في زيادةِ إنتاجها منْ البترولِ والغازِ وتوريدهِ إلى الدولِ الأوروبيةِ؛ ما زادَ ذلكَ منْ سعرِ البترولِ عالميًّا، رغمَ أَنَّ زيادةَ سعرِ البترولِ يعطي أفضليةً في اَلنُّمُوّ اَلِاقْتِصَادِيّ للسعودية والإمارات، ولكنْ تسعى السعوديةُ بتحالفهِا معَ الإماراتِ ومصرَ، بالضغطِ على القرارِ اَلْأَمْرِيكِيّ، بعدمِ الموافقةِ على البرنامجِ اَلنَّوَوِيّ اَلْإِيرَانِيّ، أوْ الموافقةِ لكليهما على التسلحِ نوويًّا، ولذلكَ إِنَّ انعكاسةَ هذهِ الأحداثِ على السعوديةِ والإماراتِ بشكلٍ خاصٍّ، يعدُ مكسبًا (اقتصاديًّا، وسياسيًّا، وعسكريًّا) لهما، ومنْ جانبٍ آخرَ، تسعى روسيا إلى زيادةِ التعاونِ معَ السعوديةِ؛ لدعمِ الموقفِ اَلرُّوسِيّ، في المقابلِ دعمَ روسيا الموقف اَلسُّعُودِيّ ضِدّ برنامجِ إيران اَلنَّوَوِيّ، مستغلةً التحالفِ اَلرُّوسِيّ اَلصِّينِيّ، وإن تلك الأحداث أوجدت تناغمًا للتحالف الثلاثي بين السعودية والإمارات ومصر؛ لتشكيل جبهة موحدة، تحقق المصالح المشتركة، خاصةً دعم رفض البرنامج النووي الإيراني، هذا الرفض يجد قبولًا لدى السياسة الخارجية لكلٍّ من روسيا والصين.
آثارُ الأحداثِ الروسيةِ الأوكرانيةِ على مصرَ
تتأثرُ مصرُ منْ تلكَ الأحداثِ، عنْ طريقِ التضخمِ اَلْعَالَمِيّ، وانخفاضِ قيمةِ الدولارِ، ويؤثر ارتفاع أسعار البترول في زيادة الأعباء المالية على الميزانية؛ ما يخفضُ منْ معدلِ اَلنُّمُوّ اَلاقْتِصَادِيّ، وانخفاضِ الرصيدِ اَلدُّولَارِيّ في البنكِ اَلْمَرْكَزِيّ اَلْمِصْرِيّ، ولكنَ البيانَ اَلرَّسْمِيّ للخارجيةِ المصريةِ في الأممِ المتحدةِ، يعدُ بيانًا رصينًا وحياديًّا، معَ إدانةٍ للعقوباتِ الاقتصاديةِ؛ حيثُ لها الأثرُ الكبيرُ على الجانبِ اَلْمَدَنِيّ، وتداعيات سلبية في خلْقِ بيئةٍ جديدةٍ للإرهابِ اَلدُّوْلِيّ.
إنَّ هذهِ الأحداثِ زادتْ منْ ترسيخِ التعاونِ والتحالفِ اَلْمِصْرِيّ اَلسُّعُودِيّ اَلْإِمَارَاتِيّ على المستوى اَلسِّيَاسِيّ بدرجةٍ كبيرةٍ، بتوحيد الرؤى السياسية، والأهداف والمصالح الإستراتيجية للدول الثلاث؛ ما أعطى لهذا التحالف غير الرسمي قوةً تؤثر في منطقة الشرق الأوسط؛ ما يساهم هذا التحالف بشكل مؤثر في تحديد مسار النسق العالمي، وترتيب مراكز القوة بداخله، إضافةً لإعلانه عنْ تحررِ القرارِ اَلسِّيَاسِيّ لهذا التحالف منْ الضغوطِ الأمريكيةِ، وانحيازِ التحالف المصري السعودي الإماراتي لتحقيق مصالح دولهم أولًا.
استشراقُ المستقبلِ للعالمِ بعدَ الأحداثِ (الروسية – الأوكرانية)
بناءً على ما سبق من رؤية تحليلية سياسية، يرى الباحث ما سوف تكون عليه الدول في النسق العالمي.
إِنَّ الأحداثَ الروسيةَ الأوكرانيةَ سوفَ تُحدِثُ تغييرا على النسقِ العالمي، وعلى موازينِ القوى، ودرجاتِ قوى الدولِ في اَلتَّرْتِيب اَلدُّوْلِيّ في البيئةِ الدوليةِ.
إِنَّ أفضلَ ما أنتجتهُ هذهِ الأحداثِ هيَ نضجُ الدولِ سياسيًّا في رسمِ إستراتيجياتِ سياستهمْ الخارجية،ِ مع القدرة اَلْقَوِيَّة، في تحديدِ أولويات الدول في علاقاتهمْ الدوليةِ.
كما تلعب الأنساق الإقليمية دورًا مهمًا في تغيير النسق العالمي أُحادي القطبية، وهذا يترتب عليه، إعلاء قوة جغرافيا المكان، وأهمية دول الجوار الإقليمي، في المساهمة في قوة الدول الذاتية، واستحداث قوة جديدة على عوامل قوة الدول؛ حيث أصبحت عوامل قوة الدول الذاتية، تكمن في قوة وترابط الدول إقليميًّا، في مسألة جديدة في جيوبولويتكية تعاونية، وليست استعمارية، وأن هذه الأحداث، أظهرت ذلك الفكر الإيجابي للجيوبولوتيك في التعاون الإقليمي الجغرافي؛ للتصدي للتهديد البعيد جغرافيًّا، وعبر الإقليم، وهو ما يسمى “بالتهديد عن بُعْد“.
– الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ
سوفَ تنتجُ هذهِ الأحداثِ فجوةً كبيرةً في المجتمعِ اَلْأَمْرِيكِيّ، في زيادةِ الطبقةِ الرأسماليةِ، بشكلٍ كبيرٍ، وتصيرُ حالةُ المجتمعِ أكثرَ فقرًا وتدهورًا ماليًّا؛ ما يجعل الديمقراطية الأمريكية أكثرَ بوليسيةً، واعتمادها على فرضِ الأمنِ اَلدَّاخِلِيّ بالقوةِ، ولصالحِ رجال الأعمالِ، هذا خاصٌّ بالشأنِ اَلدَّاخِلِيّ.
أما بالنسبةِ بعلاقاتها الدوليةِ، فلنْ تستطيعَ الولاياتُ المتحدةُ في البقاءِ على هيمنتها على العالمِ، ولكنْ سوفَ تصبحُ الأكثر قوةً اقتصاديةً وعسكريةً؛ ما يعطيها فرصةَ تحقيقِ مصالحَ ومكاسبَ للدولةِ الأمريكية ورجالِ الأعمالِ والشركاتِ المتعددةِ الجنسياتِ، التابعةِ لها، والتي سوفَ تفرضُ سياستها الاقتصاديةَ على الدولِ الضعيفةِ، وسوفَ تتلاعبُ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ باقتصادياتِ معظم الدولِ، وتؤثرُ سلبًا على الدولِ الناشئةِ والضعيفةِ.
كما سوف تزيد هذه الأحداث من التقارب الأمريكي للاتحاد الأوروبي واليابان وأستراليا و كوريا الجنوبية، وتحاول إرضاء القوة الإقليمية للشرق الأوسط، وخاصةً لدول شرق المتوسط، وذلك بما يستحوذ من قيمة اقتصادية من الغاز، سوف تنجح أمريكا في تقليص التعاون الروسي مع الاتحاد الأوروبي، ويزداد الصراع الاقتصادي بين أمريكا و الصين.
– الاتحادُ الأوروبيُ
استمرارُ الاتحادِ اَلْأُورُوبِّيّ بشكلهِ اَلْحَالِيّ، واعتمادهِ على اَلشِّقّ اَلاقْتِصَادِيّ بشكلِ أكبرَ، ولكنْ سوفَ يَمُرّ بحالةِ ضعْفٍ اقتصاديٍّ كبيرٍ؛ لارتباطهِ بالاقتصادِ اَلْأَمْرِيكِيّ، وسوفَ تتجهُ الدولُ الأوروبيةُ بالاهتمامِ ببناءِ قوةٍ عسكريةٍ منفصلةٍ لِكُلّ دولةٍ على حدةٍ، معَ البقاءِ في حلفِ الناتو لفترةٍ، ثُمَّ تنفصلُ دفاعيًّا عنْ حلفِ الناتو، وذلكَ خاصٌّ بـ(ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا).
سوفَ يتمُ الفصلُ بينَ الاتحادِ اَلْأُورُوبِّيّ وروسيا، ويزدادُ الاتحاد الأوروبي في التقارب معَ دولِ منطقةِ الشرقِ الأوسطِ، وخاصةً دول شرق المتوسط، بالإضافة إلى التحالف اَلثُّلَاثِيّ (مصر، والسعودية، وَالْإِمَارَات)؛ لتلبيةِ احتياجاتهمْ منْ البترولِ والغازِ؛ لتحقيق التوازنَ في الطاقةِ، و الحصول على بديلٍ للطاقة الروسية من بترول و غاز .
عندما تسترد ألمانيا قوتها العسكرية، سوف تتعاونُ معَ روسيا اقتصاديًّا؛ حيثُ تمثلُ روسيا سوقًا قويًّا لدولِ الاتحادِ اَلْأُورُوبِّيّ.
– روسيا
إنَّ هذه الأحداثُ سوفَ تدفعُ روسيا بزيادةِ الارتباطِ بالصينِ أكثرَ، في تعاونٍ شاملٍ في كافةِ الميادينِ، وسوفَ تعملُ على تنشيطِ منظمةٍ (البركس)، المكونة منْ (روسيا، والصينِ، والهندِ، والبرازيلِ، وجنوبِ أفريقيا)، وتزيد منْ التواجدِ في منظمةٍ (شنجهايْ)، المكونة منْ (الصينِ، وروسيا، ودولِ وسطِ وشرقِ آسيا)، وتزيد منْ التعاونِ معَ إيران ودولِ الشرقِ الأوسطِ، وخاصةً (السعودية، وَالْإِمَارَات، ومصر)، وسوفَ يزدادُ تواجد روسيا في البحرِ المتوسطِ، عنْ طريقِ سوريا وليبيا، معَ الإبقاءِ على فتحَ طريق تجاري بينَ روسيا والتحالفاتِ الثنائيةِ في أوروبا، مثًلا( ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا).
نتيجةً لتلك الأحداث، سوف تؤثر سلبًا على نمو الاقتصاد الروسي بشكل كبير؛ ما يزيد ذلك من التقارب الروسي للصين.
سوف تسيطر روسيا على أوكرانيا، إما بتعيين نظام سياسي موالٍ لروسيا، أو تقسيم أوكرانيا (شرقًا، وغربًا) على أن يكون الشرق تابعًا لروسيا.
لن تمتد أطماع روسيا التوسعية إلى دول شرق أوروبا، ولكن سوف تسعى للتقارب والتعاون مع كافة الدول الأوروبية، وخاصةً الاتحاد الأوروبي.
سوف تقيم روسيا تحالفًا أقوى مع (الصين، و الهند، و إيران،، ينضم إليها دول وسط آسيا، خاصةً دول الاتحاد السوفيتي القديم، و تعمل على زيادة نشاط منظمة (البيركس، و شنجهاي) .
– الصينُ
سوفَ تزدادُ الصينُ تقاربًا إلى روسيا وإلى إيران، وسوف تتعاون مع الهند، بضمانة روسية، كما تتعاون إيران مع روسيا، بضمانة صينية، يكون ذلك بشكلٍ خاصٍّ، وسوفَ تسعى الصين إلى إعلانِ سيطرتها على تايوان؛ ما يزيدُ منْ فرضِ العقوباتِ الأمريكيةِ على الصينِ، وسوفَ يؤدي ذلك إلى تعاونِ الأعداءِ بينَ الصينِ والهندِ بشكلٍ غيرِ مسبوقٍ منْ قبل، بضمانة روسية، وَالْعَمَل على التبادلِ والتعاونِ لتحقيقِ المكاسبِ الإقليميةِ سويًّا، وتكون روسيا ثالثهما؛ ما يخلقُ نظامًا جديدًا تكونُ فيها قوةٌ جماعيةٌ مكونةٌ منْ (الصينِ، وروسيا، والهندِ) بقوة متفاوتة القوى، ومتحدة في المصالحِ، محققةً القوة الذاتية لِكُلّ دولةٍ على حدة، وبذلك تتكون قوة إقليمية ذات تأثير عالمي، محققةً تجاذب دول الجوار، مستغلةً القوة الجغرافية؛ لتحقيق التعاون المشترك؛ ما يزيد هذا التحالف قوة ذاتية لكل الدول المشاركة إقليميًّا.
وعلي الجانبِ الآخرِ، تقفُ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ تقودُ الاتحاد الأوروبي والدول الناشئة والضعيفة.
– إيران
سوفَ تنحازُ إيران إلى الجانبِ الروسيِ الصينيِ؛ لارتباطهم اقتصاديًّا وعسكريًّا، وسوفَ تضغطُ إيران عليهما؛ لتحقيقِ مكاسبَ تجاريةٍ وعسكريةٍ، وذلكَ منْ أهمِ الأسبابِ التي سوفَ تؤدي بظهورِ قوى أخرى، متعددة الدولِ، تضمُ (الصينُ، وروسيا، والهندُ)، وإذا زادتْ أمريكا ضغطًا على تلكَ الدولِ، سوفَ تساعدُ الصينُ وروسيا إيران في تنفيذِ برنامجها النوويِ؛ ما يخلقُ صراعًا آخرَ نوويًّا بينَ إيران من جهة، والسعودية ومصر والإمارات من جهةٍ أُخرى.
– الشرقُ الأوسطُ والتحالفاتُ الإقليميةُ
أظهرتْ هذهِ الأحداث النضوجَ اَلْفِكْرِيّ لصانعِ قرارِ دولِ المنطقةِ، وخاصةً التعاون بينَ مصرَ والسعوديةِ والإماراتِ، وازدياد تقارب الفكر اَلسِّيَاسِيّ بينهمْ، والتعاون الشامل في مواجهةِ التحدياتِ المفروضةِ عليهمْ، وَأَنَّ قوتهمْ في تحالفهمْ، في رسمِ إستراتيجيةٍ للسياسةِ الخارجيةِ، متقاربة المفاهيمِ والمصالحِ، ونجد انحيازهمْ لمصلحةِ بلادهمْ، وليسَ لمصلحةِ المهيمنِ اَلْأَمْرِيكِيّ.
لقدْ أوجدَ هذا التحالفِ قاعدةً ثابتةً للتعاونِ والعملِ سويًا، وسوفَ يزدادُ التقاربُ بينَ هذا التحالفِ الثلاثي مع الصينِ وروسيا، ومن ناحيةٍ أُخرى، يُقِيمُ التحالف الثلاثي تحالفاتٍ ثنائيةٍ أيضًا معَ فرنسا وألمانيا، وسوفَ يكونُ هذا التحالفِ الثلاثي منْ أسبابِ ظهورِ القوى المتعددةِ في النسق العالمي، وسوفَ تتغيرُ العلاقةُ بينَ هذا التحالفِ الثلاثي معَ إيران من صراع وعداء إلى منافسةٍ حادةٍ، معَ إعلانِ هذا التحالفِ الثلاثي، بأنهمْ يقودونَ منطقة الشرقِ الأوسطِ، وتواجدهمْ في المشاكلِ الإقليميةِ في (سوريا، والعراقِ، وليبيا، واليمنِ)، والسعيِ للسيطرةِ عليها، وتحقيقِ مكاسبَ للمنطقةِ اقتصاديةٍ وتجاريةٍ، وبهذا التحالف تظهر قوة إقليمية في منطقة الشرق الأوسط، مرتكزةً على التقارب الجغرافي في بناء أهداف ومصالح مشتركة؛ لتحقيقها سويًّا ضد التحديات العالمية.
– حالةُ النسقِ الدوليِ
سوفَ تستقرُ حالة النسقِ في خلال الأشهر القادمة، بوضعٍ جديدٍ للنسق العالمي، فلنْ يكونَ النسقُ العالمي أُحاديًّ القطبيةِ وصاحبِ الهيمنةِ العالميةِ (الولاياتِ المتحدةِ)، ولنْ يكونَ أيضًا ثنائي القطبيةِ؛ أيْ لنْ تستطيعَ دولةٌ أنْ تكونَ متماثلةً في القوةِ معَ أمريكا، ولنْ يكونَ النسقُ العالمي أيضًا متعدد الأقطابِ، وسوفَ يتكونُ النسقُ العالمي منْ الدولةِ الأكثر قوةً عسكريةً واقتصاديةً، ولكنها ليستْ مهيمنةً، وهيَ (الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ)، ولنْ تستطيعَ فرضَ إرادتها على البيئةِ الدوليةِ كافةً، ولكنْ تستطيعُ فرضَ إرادتها على الدولِ الناشئةِ والضعيفةِ، وسوفَ تظهرُ قوة متعددة للدولِ، بقيادةٍ روسيةٍ صينيةٍ، وأعضاؤها إيران والهندِ، معَ مساندةِ دولِ منطقةِ الشرقِ الأوسطِ .
بينما ترتكزُ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ على (بريطانيا، واليابانِ، وأستراليا)؛ ليكونَ العالمُ نسقًا جديدًا، بآليةٍ جديدةٍ، بأطرافِ مختلفةٍ؛ حيث تكون الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهةِ عددٍ منْ الدولِ مجتمعة، متمثلة في كلٍّ من (روسيا، والصين، وإيران) .
فلنْ يكونَ النَّسق العالمي أُحادي القطبيةِ، ولا متعدد الأقطابِ .
القوةُ الذاتيةُ الشاملةُ للدولةِ
إِنَّ الأحداثَ الروسيةَ الأوكرانيةَ تقدم للعالمِ درسًا قويًّا، هوَ أن بقاء الدولِ واستقرارها يعتمدُ بشكلٍ أساسيٍّ على القوةِ الذاتيةِ الشاملةِ، والتي أشارَ إليها منْ قبلُ المفكرِ اَلسِّيَاسِيّ، السفيرِ مُحَمَّد العرابيّ، وزير الخارجيةِ الأسبقِ لمصر بقوله: إِنَّ بقاءَ الدولِ يرتكزُ على قوتها الذاتيةِ، وإنْ العقد القادم سوفَ تتلاشى بعض الدولِ، ومنْ يبقى في النسقِ العالمي سوفَ يكونُ قوةً إقليميةً، مكونة من أنساق إقليمية، وإنْ تحققَ هذا سوفَ يختلفُ النسقُ العالمي، وينقسمُ إلى قوى إقليميةٍ تؤثرُ وتتأثرُ بالقوى الإقليميةِ الأخرى، وبالبيئةِ الدوليةِ، بمقدارِ قوتها وترابطها بدولِ الجوارِ.
بذلك تظهر القوة الجغرافية، في إعلاء أهمية دول الجوار في زيادة القوة الذاتية للدول، ويصبح الترابط الجغرافي من عوامل قوة الدول.
فعلى الدولِ الاعتماد على قوتها الذاتيةِ، وتنميتها بخطةِ إستراتيجيةٍ شاملةٍ، وزيادةِ ترابطها مع دول الجوار الإقليمي فكريًّا وسياسيًّا، وقيامها بتعاونٍ وتبادلٍ تجاريٍّ فعَّالٍ، معَ وضعِ محدداتِ السياسةِ الخارجيةِ؛ لتحقيقِ المصالحِ المشتركةِ معَ دولِ الجوارِ، في اختيارِ البدائلِ المناسبةِ؛ لزيادةِ الترابطِ والتواصلِ، وعدمِ خلْقِ تعارضٍ في المصالحِ بينَ دولِ الجوارِ؛ ما يزيد الدول قوة، فتكون قادرة على التصدي للتحديات من بُعْد، والعالمية التي يفرضها النسق العالمي.