أبرز الرسائل التى حملتها زيارة الرئيس الأريترى إلى مصر

إعداد: دينا لملوم

باحثة متخصصة فى الشئون الأفريقية

تذخر العلاقات المصرية الإريترية بماضٍ عريق، وتوافق حول العديد من القضايا، كان آخرها الاتفاق الإثيوبى مع أرض الصومال، والرفض المشترك لهذه المخططات التى من شأنها تهديد استقرار المنطقة، وعليه فقد جاءت زيارة الرئيس الإريترى إلى العاصمة المصرية؛ للتباحث حول مجمل القضايا الإقليمية التى تؤرق المنطقة بأكملها، فضلًا عن تحديث سبل التبادل التجارى بين البلدين، وذلك يأتى استكمالًا للدور المصرى فى القارة الإفريقية، وبصفة خاصة منطقة القرن الإفريقى، ومساعيها الحثيثة لتصفية المشاكل والتحديات التى تجابه هذه المنطقة، والتى تؤرق أمن واستقرار دول القارة أجمع وتشكل تهديدًا للأمن القومى المصرى، بما يخدم فى نهاية المطاف سياسة الاحتواء المصرية فى العمق الإفريقى.

التطور التاريخى للعلاقات المصرية الإريترية

كان لمصر اهتمام ملحوظ بالقضية الإريترية بدءًا من الأربعينيات فى القرن المنصرم ويعود هذا التقارب إلى الدور التاريخى المصرى الداعم للجانب الإريترى فى قضايا التحرر والاستقلال؛ فمنذ خمسينات القرن الماضى، شهدت القاهرة تأسيس أول اتحاد طلابى إريترى، وافتتاح إذاعة لقادة الثورة، فضلًا عن استضافتها مقرًا لجبهة التحرير الإريترية فى مطلع الستينات، كما كانت مصر أول من أقام علاقات مع إريتريا عقب الاستقلال فى أوائل التسعينيات، ناهيك عن الدور المصرى فى رفع العقوبات عنها مؤخرًا عقب الانفتاح على محيطها الإقليمى، وبعد استقلال إريتريا عن إثيوبيا، رحبت مصر بإقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين ليكون هناك قناة شرعية بين القاهرة وأسمرا، وقد لعبت الدبلوماسية المصرية دورًا بارزًا فى الحرب الحدودية التى نشبت بين إريتريا وإثيوبيا بين عامى (1998-2000)، حيث سعت مصر لتحقيق السلام بين الجانبين، وتتلاقى وجهات النظر المصرية الإريترية حول حزمة من القضايا الإستراتيجية، سواء المتعلقة بمكافحة الإرهاب والقرصنة وأمن البحر الأحمر، وكذلك فى ملف سد النهضة، وكيفية إرساء الأمن فى تلك المنطقة، أو المرتبطة بمجالات التعاون الثنائى الفنى والاقتصادى عبر الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية فى مجالات التجارة والاستثمار والكهرباء والصحة وغيرها، علاوة على تعميق العلاقات الثقافية بين الجانبين.

زيارة رئيس إريتريا إلى مصر:

استقبل الرئيس المصرى “عبد الفتاح السيسى” نظيره الإريترى “أسياس أفورقي” 24 فبراير الحالى بقصر الاتحادية، وعلى هامش هذه الزيارة أُجريت مباحثات ثنائية فحواها تأكيد مدى عمق العلاقات التى تجمع بين البلدين، بما يساعد على تحقيق نقلة نوعية وتعميق التعاون بين الجانبين على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والتجارية والأمنية، وقد تطرقت هذه المباحثات أيضًا إلى سبل تعزيز التبادل التجارى بين مصر وإريتريا، وتحقيق طفرة استثمارية من خلال دعم تواجد الشركات المصرية فى السوق الإريترى بالقطاعات ذات الاهتمام المشترك، والتى تحظى فيها هذه الشركات بمزايا تنافسية وخبرات متراكمة.

إضافة إلى ذلك فقد تباحث الرئيسان حول مسار الأوضاع الإقليمية التى تشهدها المنطقة، فى مقدمتها التطورات بالبحر الأحمر، وما يعقبها من تحديات أمنية خطيرة، فى إشارة إلى ضرورة التوقف عن محاولات التصعيد والدعوة إلى احتواء الموقف بدلًا من ذلك، وكذا تم التشديد على ضرورة التوصل لوقف فورى لإطلاق النار فى قطاع غزة بشكل يمهد لنفاذ المساعدات الإنسانية بشكل كامل ومستدام للقطاع، وإطلاق مسار حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفقًا للمرجعيات الدولية المعتمدة، علاوة على ذلك فقد تمت مشاورات حول التهديدات التى تجوب منطقة القرن الإفريقى، سواء فيما يتعلق بالاتفاق الإثيوبى مع صومالى لاند، والذى من شأنه تهديد سيادة الصومال، مع الرفض المطلق لمثل هذه التحركات، بجانب مناقشة تطورات الأزمة السودانية والتأكيد على أهمية مواصلة العمل الدؤوب والمشترك بين القاهرة وأسمرة فى إطار مسار دول الجوار، من أجل التوصل إلى حلول جادة للأزمة تفضى إلى وقف إطلاق النار، بما يضع حدًا للمعاناة الإنسانية التى يمر بها الشعب السودانى الشقيق، ويلبى تطلعاته وآماله فى تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية.

رسائل عدة:

يأتى هذا اللقاء فى ضوء الخطوات الأحادية الاستفزازية التى تقوم بها إثيوبيا للحصول على منفذ بحرى على سواحل البحر الأحمر؛ متعديةً بذلك على سيادة الصومال، وضرب مبادئ حسن الجوار عرض الحائط؛ تحقيقًا للمصالح الذاتية على حساب الآخرين، وتؤشر هذه الزيارة لمدى الحضور المصرى، والقبول الذى تحظى به مصر لدى العديد من دول القارة السمراء، وهو ما شوهد فى حجم الاستثمارات والمشاريع التنموية التى تقوم بها فى حوالى 24 دولة إفريقية من خلال الشركات المصرية أبرزها المقاولون العرب، فقد أدركت القيادة المصرية الحكيمة مدى أهمية الاندماج بشتى صوره مع دول القارة الأشقاء الذين تجمعهم روابط تاريخية حافلة، فأرادت بذلك أن تطوع ما تقوم به الحكومة الإثيوبية فيما يتعلق بملف سد النهضة لصالح سياساتها الاحتوائية التى تحاول مصر من خلالها تقوية نفوذها وتعزيز حضورها فى هذه الرقعة الجغرافية؛ بما يمكنها من تكوين حشد إقليمى يمكن أن تستند إليه حال استمرت أديس أبابا فى تعنتها، أو حاولت انتقاص حصة مصر المائية من نهر النيل، أيضًا تحمل زيارة الرئيس الإريترى، ومن قبله الرئيس الصومالى رسائل عديدة، تشير إلى مدى الثقة التى تحظى بها الإدارة المصرية، سواء سياسيًا، حيث الرغبة المشتركة من قبل بعض الدول الإفريقية للجوء إلى هذا الحصن الآمن، لمجابهة المطامع الإثيوبية مستقبلًا، أو اقتصاديًا، فقد بات الاقتصاد المصرى يحظى بثقة موفورة من قبل العديد من الدول، وهو ما اتضح فى المشروعات الاستثمارية الضخمة، سواء التى بدأت تُضخ بالفعل فى مصر، أو التى تقوم بها الأخيرة بشكل تنموى وتكاملى مع العديد من دول القارة السمراء.

زيارات سابقة:

لم تكن الزيارة الحالية التى يقوم بها الرئيس الإريترى الأولى من نوعها، بل سبقها العديد من الزيارات يمكن إجمالها على النحو التالى:

سبتمبر 2014:

فى سبتمبر 2014 استقبلت القاهرة زيارة للرئيس الإريترى “أسياس أفورقي” وناقش خلالها مع نظيره المصرى “عبد الفتاح السيسى”  تطورات الأوضاع فى إفريقيا حينذاك، والتى كانت متعلقة بمكافحة الإرهاب والأفكار المتطرفة والقرصنة، وتبادل الطرفان رؤى مشتركة حول ضرورة دعم أسس التعاون والتنسيق بين دول القارة الإفريقية فى هذا الإطار، بما يضمن تحقيق الأمن والاستقرار والسلام فى كافة ربوع القارة.

نوفمبر 2016:

التقى الرئيس السيسى قرينه الإريترى فى نوفمبر 2016؛ للتشاور حول سبل تنمية وتدعيم أواصر العلاقات المتبادلة بين القاهرة وأسمرة، وتناول أبرز تطورات الأوضاع فى إفريقيا، لاسيما منطقة القرن الإفريقى.

يناير 2018:

قام بزيارة مصر يناير 2018؛ للتباحث حول ما وصلت إليه العلاقات الثنائية بين البلدين، إضافة إلى استعراض مستجدات الوضع فى دول حوض النيل، والقرن الإفريقى، بجانب تطورات القضايا ذات الاهتمام المشترك التى تعج بها المنطقة سواء إقليميًا أو دوليًا.

يونيو 2019:

التقى رئيس دولة إريتريا العديد من المسؤولين على هامش زيارة له استغرقت يومين إلى العاصمة المصرية يونيو 2019؛ لبحث العلاقات بينهما، والتشاور حول كيفية تقوية سبل التعاون البناء والمشترك بين الدولتين فيما يتعلق بالقطاعات المختلفة، منها الزراعة واستغلال الثروات الحيوانية والسمكية، ناهيك عن البنية التحتية والتجارة.

يوليو 2020:

فى يوليو 2020، زار مصر، وتم التطرق إلى أبرز ما آلت إليه الأمور فى المنطقة الإقليمية، والتى تحظى باهتمام مشترك بين البلدين، وبصفة خاصة ملفات البحر الأحمر والقرن الإفريقى، وخلال هذا اللقاء تم التوافق على تعزيز التنسيق والتشاور الحثيث بشكل مشترك؛ لمتابعة هذه التطورات؛ دعمًا للأمن والاستقرار الإقليمى.

حجم التبادل التجارى بين مصر وإريتريا:

بلغ حجم التبادل التجارى بين مصر وإريتريا  119.05 مليون دولار خلال 2018، مقابل 104.8 مليون خلال 2017، وفق تقرير صادر عن إدارة الدول والمنظمات الإفريقية ووحدة الكوميسا بجهاز التمثيل التجارى،  كما لفت التقرير إلى:

  • ارتفاع الصادرات المصرية إلى إريتريا؛ لتسجل 116.99 مليون دولار خلال 2018، مقابل 103.43 مليون خلال 2017.
  • ارتفاع الواردات المصرية من إريتريا لتسجل 2.05 مليون دولار خلال 2018، مقابل 1.4 مليون دولار خلال 2017 .

– تقدر نسبة السلع المصرية الموجودة بالسوق الإريترى “بصفة ثابتة” بنحو 10% من إجمالى السلع (تبلغ أحيانًا نسبة السلع المصرية 60%)، لا سيما مع القبول الذى تتمتع به السلع المصرية على مستوى المواطن الإريترى، فضلًا عن سمعتها الطيبة.

– تُعد آلية إقامة معارض المنتجات المصرية هى الآلية الأكثر أهمية فى عملية التبادل التجارى، وهناك عدة مؤشرات إيجابية لإمكانية تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية المصرية الإريترية، تتمثل أهم مؤشراتها فى المحادثات القائمة لبدء التعاون فى المجالات التالية:

  • التعدين والطاقة والذى يضم شبكة الربط الكهربائى بدولة إريتريا.
  • حفر الآبار ومشروعات إنشاء السدود وتخزين مياه الأمطار، واستخدام تكنولوجيا الصوبات الزراعية فى الزراعات.
  • جذب الاستثمارات المصرية فى مجال التصنيع الدوائى بإريتريا.
  • عقد لقاءات مستمرة للمستثمرين المصريين والإريتريين.
  • التعاون فى مجال المصايد وصيد الأسماك.
  • المجال الطبى والعلاجى، والطيران المدنى.[1]

ختامًا:

إن ما تقوم به الإدارة المصرية من احتواء العديد من الأخطار التى تحيط بها، جعلها تحظى بثقة كبيرة لدى دول عدة، فهى دومًا ما تتعامل بدبلوماسية حيادية ومتوازنة تراعى من خلالها شواغل دول الجوار، ولعل سياسة النفس الطويل التى اتبعتها فى ملف سد النهضة أقوى دليل على ذلك، فلقد سلكت كافة الدروب دون تجاوز الخطوط غير المسموح بها، على عكس الجانب الإثيوبى الذى تعامل بكل غطرسة وتعنت ولم يعبأ بحقوق مصر وجارتها السودان، ولكن عندما أقدمت إثيوبيا على خطوة من شأنها تهديد أمن وسيادة دولة الصومال خرجت مصر عن صمتها، وأكدت رفضها التام لهذه التحركات، وهو ما يشير إلى أن محاولة انتهاك حقوق مصر المائية لن يكون مسموحًا به على حد الإطلاق، وسيناريوهات التحرك المصرى لن تكون متوقعة، كل هذه الأمور عززت من موقف مصر ومدى حضورها على مستوى القارة، وقد تكون زيارة الرئيس الإريترى وغيره مقدمة لتعاون مثمر وبناء يخدم تطلعات مصر مستقبلًا.

[1] https://2u.pw/IDb4moN

كلمات مفتاحية