أبعاد الشراكة الاستراتيجية بين “الولايات المتحدة الأمريكية وأفريقيا”: قراءة في ضوء زيارة “أوستن” إلى أفريقيا

إعداد: منة صلاح

تُعتبر الجولة الأفريقية لوزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، والتي زار خلالها “كينيا، وجيبوتي، وأنجولا”، ابتداءً من 24 سبتمبر 2023م، الجولة الأولى من نوْعها لـ”أوستن” في القارة الأفريقية، وتُعدُّ استمرارًا لمساعي الولايات المتحدة الأمريكية، في تعزيز حضورها في القارة الأفريقية، خاصَّةً في ظلِّ التنافس الدولي على تلك القارة؛ إذ جاءت للتأكيد على أهمية الوجود «العسكري/الأمريكي» في “جيبوتي، والمنطقة”، كما يتمثل الهدف الأساسي منها؛ في بناء شراكات دفاعية ثنائية، ومواجهة الإرهاب والتطرُّف؛ إذ جاءت هذه الجولة في ظلِّ مخاوف منطقة شرق أفريقيا من تصاعُد إرهاب حركة شباب المجاهدين؛ ما يشير إلى تبنِّي الولايات المتحدة استراتيجيةً جديدةً في أفريقيا، خاصَّةً في ظلِّ ما تشهده من مُتغيِّرات.

المتغيرات المرتبطة بالجولة الأفريقية لوزير الدفاع الأمريكي

جاءت جولة وزير الدفاع الأمريكي إلى القارة الأفريقية، تزامنًا مع مجموعة من التغيرات الطارئة على المشهد الأفريقي، ويمكن تناولها على النحو التالي:

التحولات الجيوسياسية في أفريقيا: تشهد القارة الأفريقية مجموعةً من التحولات الجيوسياسية، وفي مقدمتها؛ تصاعد الانقلابات العسكرية في بعض دول القارة، وعلى الرغم من تركُّز الانقلابات في غرب أفريقيا ومنطقة الساحل، إلا أنها من المحتمل أن تمتد إلى دول أخرى، وتجْدُر الإشارة إلى أن العسكريين الذين كان لهم دوْرٌ بارزٌ في تلك الانقلابات العسكرية، تلقوْا تدريبات من قِبَلِ الولايات المتحدة؛ ما يشير إلى ضرورة إعادة النظر في الاستراتيجية «الأمنية/الأمريكية» في القارة، وتشمل التحولات الجيوسياسية أيضًا تصاعُد الجماعات الإرهابية وتهديداتها في العديد من دول القارة الأفريقية؛ لذا تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز جهودها العسكرية على الجماعات الإرهابية الدولية في أفريقيا، والتي قد تُشكِّلُ تهديدات لها ولحلفائها.

الهيمنة الصينية على المعادن في أفريقيا: هناك قلق أمريكي من التحرك الصيني في القارة الأفريقية، خاصَّةً في ظلِّ سعي الصين للسيطرة على المعادن الاستراتيجية، لاسيما في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وفي سياق الحرب الباردة بين البلديْن، تُمثِّل المعادن أهميةً خاصَّةً فيها؛ لذا تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز تواجدها في القارة لوضع حدٍّ للهيمنة الصينية على معادن أفريقيا.

تحركات مجموعة البريكس في أفريقيا: تسعى مجموعة البريكس إلى تعزيز تواجدها ونفوذها داخل القارة الأفريقية؛ لذا تسعى الولايات المتحدة أيضًا إلى تعزيز تواجدها؛ في محاولة منها لمواكبة التنافس الإقليمي والدولي في القارة، وهو ما توضحه التوجهات الأمريكية الأخيرة في القارة، لاسيما زيارة الوفد الأمريكي، برئاسة قائد القيادة «العسكرية/الأمريكية» في أفريقيا (أفريكوم) إلى ليبيا، في 20 سبتمبر 2023م.

وتُمثِّلُ الجولة الأفريقية لـ”أوستن” تمهيدًا للجولة المرتقبة للرئيس الأمريكي، جو بايدن، إلى أفريقيا، والتي قد تكون قبْل نهاية عام 2023م؛ إذ تعهَّد خلال القمة «الأفريقية – الأمريكية»، في ديسمبر 2020م، بزيارة أفريقيا، خلال عام 2023م، وسوف تصبح أول زيارة لرئيس أمريكي إلى القارة الأفريقية، منذ زيارة الرئيس الأسبق، باراك أوباما، في عام 2015م.

تنامي نفوذ فاجنر في أفريقيا: خلال زيارة “أوستن” إلى جيبوتي، أوضح أن أفريقيا لا تزال تشهد حضورًا كبيرًا لعناصر فاجنر في القارة الأفريقية، ولم تشهد أيَّ انسحابٍ من مناطق انتشارها، كما أن هناك تطلعات روسية لتوسيع انتشار مجموعة فاجنر في القارة، وتوظيف الأوضاع السياسية في بعض دول القارة؛ لتعزيز الانخراط فيها، لاسيما النيجر، والتي أعلن الرئيس الفرنسي، في 24 سبتمبر 2023م، عن إنهاء الوجود «العسكري/الفرنسي» فيها، قبل عام 2023م.

أهداف ودوافع الجولة الأفريقية لوزير الدفاع الأمريكي

تتعدد وتتنوع دوافع الجولة الأفريقية لوزير الدفاع الأمريكي لكُلٍّ من “أنجولا، وجيبوتي، وكينيا”؛ إذ جاءت تزامنًا مع إعلان وزير الخارجية الأمريكي، في أغسطس الماضي، عن استراتيجيةٍ جديدةٍ إزاء أفريقيا، وسنتطرق إلى أهداف تلك الجولة كما يلي:

تعزيز التواجد الأمريكي في أفريقيا: تمثل القارة الأفريقية مرتكزًا رئيسًا للتوجهات الأمريكية؛ بهدف الحفاظ على العلاقات الاستراتيجية، بمختلف أقاليم العالم، وشكَّلت قمة القادة «الأمريكية – الأفريقية» الثانية، في ديسمبر 2022، بعد ثماني سنوات من انعقاد القمة الأولى، في أغسطس 2014، نقطة تحوُّلٍ في الإدراك الأمريكي لأهمية القارة، واستعادة الشراكات التنموية مع دول القارة؛ ما عزَّز زيارات وجوْلات الإدارة الأمريكية في دول القارة.

وتستهدف الجولة موازنة التحركات «العسكرية/الروسية» في القارة؛ نظرًا للزيارات «العسكرية/الروسية» لبعض دول القارة، والتي أبرزها؛ زيارة وفد عسكري إلى ليبيا، في أغسطس الماضي؛ لتعزيز فرص الجيش الروسي في بعض دول القارة؛ إذ تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز دور القوات الأمريكية في قاعدة ليمونيه بجيبوتي، خاصَّةً أن الأزمة السودانية كشفت عن أهمية دور هذه القاعدة في تأمين إجلاء الدبلوماسيين الأمريكيين من السودان، بعد اندلاع المواجهات بين الجيش وقوات الدعم السريع.

تعزيز الشراكات «العسكرية/الأمنية» في أفريقيا: تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز شراكاتها العسكرية مع دول القارة الأفريقية، وتعمل على تشجيعهم وحثِّهم على تقليل الاعتماد على الأسلحة الروسية، واستبدالها بالأسلحة الأمريكية والغربية، ومن المتوقع أن تشهد الفترة القادمة المزيد من صفقات التسليح الأمريكية مع دول القارة، إضافةً إلى تقليل القيود السابقة على هذه الصفقات.

تعزيز التجارة والاستثمار في أفريقيا: تسعى الولايات المتحدة إلى تعزيز حجم التبادل التجاري مع دول القارة الأفريقية؛ إذ كانت قد وقّعت مذكرة تفاهم مع الأمين العام لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، في ديسمبر 2022م؛ بهدف تنسيق التعاون المشترك في التجارة والاستثمار، والالتزام بعقْد اجتماعٍ مشتركٍ سنويًّا، وقد يعقد هذا الاجتماع خلال الزيارة المرتقبة للرئيس الأمريكي للقارة الأفريقية، ويمكن عقْدُه في كينيا؛ لتوثيق الشراكة التجارية والاستثمارية بين البلديْن.

مكافحة الإرهاب في أفريقيا: تعتبر مواجهة الإرهاب من البنود الرئيسية في الاستراتيجية الأمريكية الجديدة، خاصَّةً أن القارة الأفريقية أصبحت موطنًا للعديد من التنظيمات الإرهابية، وتُعدُّ الحرب على الإرهاب في مقدمة الأولويات الأمريكية، واتضح ذلك خلال لقاء وزير الدفاع الأمريكي بالرئيس الصومالي؛ لمناقشة جهود مواجهة العمليات الإرهابية لحركة الشباب في المنطقة، وعلى الرغم من إشادة وزير الدفاع الأمريكي بما حققته القوات الصومالية في مواجهة حركة الشباب الإرهابية، إلا أنه حذَّر من استمرار قدرة الحركة على تنفيذ عمليات إرهابية، إضافةً إلى ذلك، أكَّد “أوستن” على دعم الجهود الإقليمية لمواجهة الإرهاب.

ملامح وأبعاد الجولة الأفريقية لوزير الدفاع الأمريكي

تعكس الزيارة الأولى لوزير الدفاع الأمريكي إلى القارة الأفريقية، عدة مؤشرات ودلالات، تتعلق بأولوية القارة على أجندة الرئيس الأمريكي في المرحلة القادمة، ومن ثمَّ يمكن تناول أبرز ملامح تلك الجولة كما يلي:

زيارة القاعدة «العسكرية/الأمريكية» في جيبوتي: بدأت الجولة الأفريقية لوزير الدفاع الأمريكي من جيبوتي، والتي بها أهم قاعدة أمريكية في أفريقيا؛ إذ تنطلق منها الهجمات التي تشُنُّها القوات الأمريكية على حركة الشباب الصومالية، وتهدف الولايات المتحدة من هذه الزيارة إلى تعزيز تواجدها في منطقة القرن الأفريقي، وخلال هذه الزيارة، اجتمع وزير الدفاع الأمريكي مع الرئيس الصومالي؛ لمناقشة مستقبل الأوضاع الأمنية في مقديشو، وتعزيز الدعم الأمريكي للحرب الراهنة التي تقودها مقديشو ضد حركة الشباب، وفي السياق ذاته، هناك تخوُّفات أمريكية من تداعيات سحْب قوات السلام الأفريقية من الصومال، وعدم تخصيص موارد لمقديشو، بما قد يسمح لحركة الشباب الإرهابية باستغلال الفراغ الأمني؛ لتعزيز سيطرتها في الصومال.

الاتفاقية الدفاعية مع كينيا: خلال زيارة وزير الدفاع الأمريكي إلى كينيا، التي تُعدُّ موطنًا للقاعدة البحرية الأمريكية (خليج ماندا)، وتم توقيع اتفاقية دفاعية بين الدولتيْن لمدة خمس سنوات؛ لتعزيز التعاون فيما بينهما؛ لمواجهة التهديدات الإرهابية المشتركة، فضلًا عن تعهُّد “أوستن” بدعم كينيا، بحوالي 100 مليون دولار؛ بهدف تعزيز عمليات الانتشار الأمنية؛ إذ تستعد كينيا لقيادة وحفظ السلام متعددة الجنسيات في هايتي.

زيارة أنجولا: تم اختتام الجولة الأفريقية بزيارة أنجولا، وتُعدُّ هذه أول زيارة لوزير دفاع أمريكي إلى لواندا، وعمل “أوستن” على انتقاد التغلغل الروسي في القارة الأفريقية، وقد وجّه انتقادات أيضًا للمجالس العسكرية في الدول التي شهدت انقلابات عسكرية، خاصَّةً “النيجر، وبوركينا فاسو، والجابون، ومالي”.

التداعيات المحتملة للجولة الأفريقية لوزير الدفاع الأمريكي

زيادة حِدَّة الاستقطاب الدولي: قد تؤدي تلك الجولة إلى اتساع نطاق الاستقطاب الدولي في القارة الأفريقية؛ بسبب سعي الكثير من القوى الدولية إلى تعزيز نفوذهم، مثل روسيا، التي استغلت الانقلابات العسكرية التي شهدتها منطقة غرب أفريقيا؛ لتحقيق هذا الهدف، خاصَّةً أن التطورات تحدث مع تراجُع قوى أخرى، مثل فرنسا.

تصاعد وتيرة التنافس مع “روسيا والصين”: تسعى روسيا إلى تعزيز علاقاتها بدول القارة الأفريقية، خاصَّةً بعد الحرب «الروسية – الأوكرانية»؛ بهدف التقليل من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قِبَلِ الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة، إضافةً إلى سعيها لتوظيف قدرات مجموعة فاجنر؛ لتوطيد نفوذها أيضًا؛ ما جعل وزير الدفاع الأمريكي خلال زيارته لجيبوتي، يؤكد على أنها تتمتع بنفوذٍ كبيرٍ في القارة.

كما تسعى الولايات المتحدة إلى الحدِّ من النفوذ الصيني، الذي يدعم التنمية في دول القارة؛ ما أدَّى إلى سعي الدول الأفريقية لتعزيز علاقاتها مع الصين، وتعزيز حجم التبادل التجاري فيما بينهما؛ ما جعلها أكبر شريكٍ تجاريٍّ لأفريقيا، إذ تهدف زيارة وزير الدفاع لجيبوتي إلى تحجيم النفوذ الصيني، باعتبار أن جيبوتي هي الدولة الأفريقية التي تستضيف أول قاعدة عسكرية للصين.

توسيع التعاون «العسكري/الأمني»: أوضحت هذه الجولة مدى الاهتمام الأمريكي بتعزيز التعاون «العسكري/الأمني» ليس فقط مع جيبوتي، بل مع الدول الحليفة في المنطقة أيضًا، خاصَّةً بعد توقيع “أوستن” مع نظيره الكيني، اتفاقية تعاون دفاعي لمدة خمس سنوات، إضافةً إلى تقديمه 100 مليون دولار؛ لدعم كينيا في عمليات الانتشار الأمنية.

ختامًا

جاءت الجولة الأفريقية لوزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن؛ لتوسيع الحضور الأمريكي في القارة، وذلك من خلال تعزيز الشراكات الأمنية والتنموية مع دول القارة، التي أصبح بها تنافس دولي بين القوى الكبرى، في سياق إعادة توزيع مناطق النفوذ؛ ما قد يجعل القارة بُؤْرةً لتوازنات الدول الكبرى، بما يُعمِّقُ أزماتها الداخلية، ومن المتوقع أن تشهد الفترة القادمة المزيد من التوجهات الأمريكية في سياق «الاستراتيجية/الأمريكية» الجديدة نحو القارة؛ لتحجيم النفوذ “الروسي، والصيني”.

كلمات مفتاحية