أبعاد جديدة تهم روسيا فى الحرب الأوكرانية
إعداد : مصطفي أحمد مقلد
دخل الرئيس الروسى على مدار الأيام القليلة الماضية فى نشاط دبلوماسى مكثف يسعى من خلاله لتعزيز موقفه والتأكيد على مضيه فى تحقيق أهدافه فيما يخص الحرب الأوكرانية، وإرسال رسالة للغرب أنه لازال لديه كروت رابحة يمكنه الاعتماد عليها بغية إرباك خطط الغرب لمحاصرته وفرض عزلة دولية على روسيا وإنهاء الإعتماد على الغاز والنفط الروسيين.
وعلى هذا عمل بوتين على الانخراط أكثر فى الدبلوماسية متعددة الاطراف وتدعيم علاقاته مع دول الخليج باعتبارها أحد أهم مصادر الطاقة فى العالم، والتى يحاول الغرب الضغط عليها تارة وإستقطابها تارة أخرى لجانبه بغرض إتخاذ موقف واضح ومعارض لروسيا فى حربها على أوكرانيا، بجانب ذلك يهتم بوتين بصورة روسيا فى المؤسسات الأممية لمنع إلصاق تهم تثير الرأى العام العالمى ضد روسيا، لذا استقبل مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتباحث فى شأن محطة زابوريجيا النووية.
قمة روسية قطرية:
على هامش مؤتمر منتدى التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا “قمة سيكا” فى كازاخستان الذى استمر على مدى يومى 12-13 أكتوبر 2022، اجتمع بوتين مع الأمير القطرى، وناقشا الأزمة الأوكرانية وتداعياتها على أسواق الطاقة، كأحد أبرز الملفات المشتركة بهدف تخفيف التوتر بين البلدين، حيث يأتى ذلك اتخاذ قطر خطوات منها انتقاد روسيا في الآونة الأخيرة بسبب ضمها لأراض أوكرانية ما أثار حفيظة موسكو، بعد أن التزمت الحياد إلى حد كبير في الصراع الأوكرانى.
يعتبر التعاون في سوق الطاقة بين روسيا وقطر في إطار منتدى الدول المصدرة للغاز والاستثمار من الركائز المنتظرة لتنشيط وتجديد العلاقات الثنائية، حيث صرح وزير الخارجية القطرى بأن الاستثمار في روسيا يخضع حاليا للكثير من المراجعة وأن الدوحة لا تفكر في زيادة استثماراتها هناك حتى يتم رؤية “بيئة أفضل ومزيد من الاستقرار السياسي”، وهو ما تعتبره روسيا عقوبات ناعمة عليها من قبل شركائها غير الغربيين وتحاول حلحلة الأمور، وهو ما تجلى فى دعوة بوتين الأمير القطرى لزيارة روسيا.
وتسعى قطر كغيرها من أطراف إقليمية أخرى للعب دور وسيط في النزاع وبالتالى هى في حاجة لعلاقات ودية مع روسيا، كما أنه من الناحية الواقعية، لا تملك قطر القدرة على استبدال الصادرات الروسية من الغاز لأوروبا، وبالتالى لا توجد لديها مصلحة للتشدد فى علاقاتها مع روسيا.
وقد أثرت الاستثمارات الضخمة لجهاز “قطر للاستثمار” في شركة النفط الروسية العملاقة “روسنفت” على منظور الدوحة تجاه الصراع، فكانت حريصة على تجنب الرد بطرق يمكن أن تثير استعداء بوتين لذا امتنعت عن دعم الحرب المالية التي يشنها الغرب ضد روسيا، واكتفت بتصريحات تفيد الدفاع عن كرامة أوكرانيا الإقليمية وحقوقها السيادية، وهو موقف يساعد قطر على إثبات أن تصنيفها كحليف رئيسي من خارج الناتو كان مستحقًا.
ويمثل ذلك الوضع فرصة سانحة لروسيا لبدء مشاورات وتفاهم مع قطر فيما يخص سوق الغاز، حيث تسعى قطر حاليا إلى زيادة إنتاج الغاز الطبيعي المسال بحلول عام 2027، بعد طلب قوي وارتفاع الأسعار، فالقادة الغربيون يحثون قطر على زيادة الإمدادات إلى أوروبا وسط مخاوف بشأن روسيا، وتزداد أهمية الخطوة الروسية حيث لم تعلن قطر بعد عن عقود أوروبية جديدة طويلة الأجل، حيث ستستغرق وقتًا للتفاوض وتتطلب بنية تحتية جديدة.
وتشل خطط قطر، اتفاقيات مشاريع مشتركة مع شركات النفط العالمية لتطوير مشروع ضخم بقيمة 29 مليار دولار يعرف باسم حقل “غاز الشمال الشرقي”، ويهدف هذا المشروع إلى زيادة إمدادات الطاقة التصديرية السنوية لقطر من 77 مليون طن إلى 110 ملايين طن بحلول عام 2026، مما يساعدها على تجاوز أستراليا كثاني أكبر منتج للغاز بعد الولايات المتحدة.
قمة روسية إماراتية:
بينما كانت قطر أكثر ارتباطًا بموقف الولايات المتحدة، كانت الإمارات العربية المتحدة تتعاطى بشكل أكثر صداقة مع روسيا فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية، فلم تصوت على مشروع قرار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة صاغته الولايات المتحدة يدين الغزو الروسي، حيث منحت الحرب الإمارات فرصة ثمينة لتأكيد استقلاليتها عن واشنطن وهو أمر مهم للمسؤولين الإماراتيين.
تزداد خصوصية وأهمية اللقاء الذى جمع الرئيسين، حيث يأتى بعد قرار “أوبك بلس” بخفض إنتاج النفط بعد تفاهم اتفقت عليه دول التجمع التى من بينها روسيا والامارات، وهو الوتر الذى يحاول بوتين اللعب عليه، وهو جعل الدول التى تمثل مصادر الطاقة فى العالم توطد علاقاتها معه لتحقيق هدفين أساسيين هما:
1) إحكام سيطرته على القرارات المتعلقة بالطاقة فى العالم بما يزيد من نجاح خطته التى تدور حول حرمان أوروبا من الغاز والنفط بما يضغط على أوروبا إقتصاديا فى ضوء العقوبات والعقوبات المضادة نتيجة الحرب الأوكرانية، وبالتالى نجاح رهان بوتين على توقف الغرب عن إمداد أوكرانيا بالمساعدات العسكرية واللوجيستية على أساس تعاظم الضغوط الداخلية على الحكومات الأوروبية نتيجة ارتفاع أسعر المحروقات.
2)المضى قدما فى الترويج لتحقق الهدف الروسى فى بناء نسق دولى متعدد الأطراف، تكون روسيا أحد أقطابه، وهو ما يحتم على روسيا بناء علاقات وثيقة مع أطراف دولية أخري تمتلك ثقل دولى يضفى شيئ من المصداقية على رؤية بوتين لروسيا بعد تداعيات الحرب الأوكرانية.
ورغم ترويج الإمارات للزيارة باعتبارها تأتى فى إطار الجهود لإيجاد تسوية سلمية لإنهاء الحرب والتوسط بين الدولتين المتحاربتين، إلا أن ذلك يصعب تحقيقه عمليا فى الوقت الراهن بعد أن وقع الرئيس الأوكرانى مرسوم يحظر الجلوس للتفاوض مع بوتين بعد إعلان روسيا ضم 4 أقاليم أوكرانية، وهو ما يدعم القول بأن دور الوساطة الإماراتية مجرد ستار تعزز الإمارات من وراءه العلاقات مع روسيا ضمن خطتها لتعزيز استقلاليتها عن الولايات المتحدة.
لقاء بوتين ورافاييل غروسي:
قال بوتين لدى استقباله المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية “رافاييل غروسي” في سان بطرسبرغ أن المحادثات تتناول كل المسائل ذات الاهتمام المشترك أو التي قد تثير قلقاً، خاصة ما يتّصل بالأوضاع في محيط محطة زابوريجيا النووية والأمن النووي.
وترفض الوكالة الأممية -التي تنشر مراقبين في الموقع منذ سبتمبرالماضى بعد تفاهمات مع روسيا- الاستحواذ الروسى على المحطة باعتبار أن الموقع أوكراني. وتأتى تلك الزيارة فى محاولة من روسيا لتبديد مخاوف أممية بشأن الأمن النووى ولنقض اتهامات غربية بقصف روسيا للمحطة النووية بما يمثل خطر على المنطقة المحيطة، كذلك سعى “غروسي” لمناقشة إنشاء منطقة حماية حول المحطة بهدف الحيلولة دون وقوع حادث نووي.
محطة زابوريجيا هى أكبر محطة نووية لتوليد الكهرباء فى أوروبا، وسعى روسيا للسيطرة عليها يحمل فى طياته بُعد سياسى واستراتيجى، فروسيا تستهدف السيطرة على البنية التحتية الأوكرانية بهدف تسريع وتيرة تحقيق أهداف العملية العسكرية، حيث قامت روسيا بفصلها عن شبكة الكهرباء الأوكرانية لأول مرة في تاريخها.
تصر روسيا على إظهار أنها تحترم المواثيق الدولية التى تحظر أي عمل عسكرى ضد المنشآت النووية التى من شأنها التسبب فى أضرار للمدنيين، من خلال إتهام أوكرانيا بأنها هى التى هاجمت المحطة النووية بجانب السماح لمفتشى الوكالة الدولية بالوصول للمحطة وتوفير الحماية لهم رغم المعارك المشتدة فى محيط المحطة، وهو ما يمثل بُعد أخلاقى تحاول روسيا مراعاته خلال الحرب الدعائية الموجهة لها من الغرب.
ختاما، فإنه مع تطور الحرب الأوكرانية وتشعب الاحداث والجبهات، تتطور لدى روسيا خطط للتعامل مع مستجدات الحرب، لذا تسعى روسيا من وراء الحرب ليس مجرد منع انضمام أوكرانيا للناتو أو ضم أقاليم أوكرانية، لكن تسعي للترويج وتحقيق صورة جديدة للنسق الدولى هو ما يحتاج من روسيا تشكيل علاقات وطيدة مع أطراف دولية ذات ثقل دولي مثل الصين والهند والانخراط أكثر في هيئات دولية ومنظمات من خلال الدبلوماسية الجماعية، وتقوية الاقتصاد الروسى وتحقيق السيادة فى مجال الطاقة على المستوى الدولى باتباع طرق ونظم جديدة فى بيع الوقود الأحفورى، ومن خلال التنسيق مع دول الخليج.
ويأتى ذلك بجانب الحفاظ على النفوذ الروسى فى المؤسسات الدولية والأممية من خلال تبنى بُعد أخلاقى للإجراءات الروسية خلال الحرب.