أزمة الخلاف بين المعارضة والنظام الحاكم في كينيا: الأسباب والتأثيرات

إعداد: شيماء ماهر 

يحظى تاريخ كينيا بالعديد من الاحتجاجات السياسية التي اندلعت بسبب الخلاف بين المعارضة والنظام الحاكم، وعندما نتأمل – في وقتنا هذا-  المشهد الداخلي في كينيا، نجد أن رئيس كينيا الحالي، وليام روتو، منذ تولِّيه الرئاسة، في أغسطس 2022م، اندلعت ضده موجات احتجاجية عديدة من المعارضة؛ اعتراضًا على فوزه بالرئاسة، ثم تصاعدت وتيرة الاحتجاجات يومًا بعد يوم، وكان أكثرها قوة وتأثيرًا؛ موجة الاحتجاجات التي نظمتها المعارضة السياسية، في مارس 2023، التي كان أهم مطالبها؛ استقالة الرئيس الكيني، ولم تتوقف مسيرة الاحتجاجات بعد هذه المبادرة، بل أعقبها العديد من الاحتجاجات، التي كان آخرها نهاية يوليو 2023م.

أسباب الخلاف بين الحكومة والمعارضة في كينيا

عقب فوز الرئيس الحالي، وليام روتو، بالانتخابات الرئاسية، في أغسطس 2022م، اعترض زعيم المعارضة، رايلا أودينغا، زعيم تحالف أزيميو أموجا، على نتيجة خسارته للانتخابات الرئاسية، وأعلن أن نتيجة فوزه بالرئاسة سُرقت لصالح الرئيس الحالي “روتو”؛ إذ إن الفارق في النتيجة كان ضئيلًا للغاية بين المتنافسيْن، فقد حصد “وليام روتو” نسبة 50.49%، مقابل حصول “رايلا أودينغا” على 48.85% من الأصوات، وتقدم بتظلم ضد نتيجة الانتخابات في المحكمة العليا الكينية، ولكن المحكمة رفضت الطلب، وأثبتت صحة النتيجة.

قام “أودينغا” بعد هذا الفشل، بعرض ثلاثة مطالب للحكومة الجديدة، متمثلة في إعادة تشكيل هيئة انتخابات كينية، تخفيض تكاليف المعيشة، وإعادة فتح خوادم هيئة الانتخابات من جديد؛ لكي تنفذها الحكومة، ولم تستجب الحكومة لهذه المطالب؛ ما دفعه إلى حشد الرأي العام ضد الحكومة؛ بسبب تدهور الأوضاع المعيشية.

احتجاجات متصاعدة. . ما السبب؟

اندلعت الموجة الأولى من الاحتجاجات الداخلية، في 20 مارس 2023م، مع قيام زعيم المعارضة بالدعوة إلى الاحتجاجات في العاصمة نيروبي، وقد امتدت الاحتجاجات إلى جميع أنحاء كينيا، وتتمثل أسباب هذه الاحتجاجات في الآتي:

  • تدهور الأوضاع الاقتصادية في كينيا؛ إذ يعاني الاقتصاد الكيني من ارتفاع أسعار الفائدة، انخفاض احتياطي النقد الأجنبي، انخفاض قيمة العملة الوطنية، ارتفاع الإنفاق الحكومي وتزايد أعباء الديون وتراجع حصيلة الإيرادات، وارتفاع تكاليف الكهرباء والمياه والغاز، وزيادة مستويات الديْن العام، فقد ارتفع الديْن العام في أواخر عام 2022م، إلى ما يقرب من 68.81 مليار دولار، بالإضافة إلى ارتفاع التضخم وزيادة الاضطرابات التجارية.
  • اعتراض زعيم المعارضة على قرار الرئيس “روتو”، بإيقاف أربعة مفوضين انتخابيين، رفضوا المصادقة على فوزه في الانتخابات العامة، التي جرت في أغسطس 2022، واتهم الرئيس الكيني، بمحاولة السيطرة على إدارة الانتخابات المقبلة في عام 2027م، من خلال قيامه بتعيين أعضاء تابعين له في اللجنة؛ لتنفيذ عمليات التزوير والفوز بالرئاسة مرة ثانية.
  • ارتفاع أسعار المواد الغذائية؛ بسبب تداعيات الحرب “الروسية – الأوكرانية” فتستورد كينيا نصف احتياجها من القمح من روسيا وأوكرانيا، زيادة أسعار الغاز والنفط؛ ما أدى إلى ارتفاع سعر الكهرباء في المنزل، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الجفاف؛ بسبب قلة هطول الأمطار؛ ما أدى إلى فقد 70 % من محاصيل المزارعين؛ ما أدى إلى وجود نسبة كبيرة من البطالة بين العاملين في قطاع الزراعة وهجرتهم من الريف إلى المدن.

وقد عملت المعارضة على استغلال تردِّي الأوضاع وعجز الحكومة الجديدة على تلبية مطالب الشعب؛ فقامت بحشد الجماهير للنزول في احتجاجات نحو القصر الرئاسي؛ لمعارضة تدهور الأوضاع الاقتصادية وعجز النظام الحاكم عن الوفاء بوعوده، واستجاب المواطنون لهذه الدعوة، وأسرعوا بالنزول إلى الشارع، وطالبت المعارضة بتنحِّي الرئيس، وليام رتو، عن الحكم، ودعت إلى تنظيم احتجاجات أسبوعية ضد الحكومة، وطالب “أودينغا” جميع الطلاب والعاملين في القطاع العام والخاص للمشاركة في الحركة الاحتجاجية التي نظمها.

وكان رد فعل الشرطة الكينية على هذه الاحتجاجات عنيفًا، فقامت باستخدام الغاز المسيل للدموع، واعتقال أكثر من 200 شخص؛ من أجل وقف الاحتجاجات، وتم إصابة أكثر من 400 شخص، بينهم ما لا يقل عن 60 ضابطًا من الأمن.

وفي ظل رغبة الرئيس الكيني بالحفاظ على الأمن والاستقرار في البلاد، طلب من المعارضة إلغاء الاحتجاجات وحل الخلافات بين النظام والمعارضة، باستخدام الوسائل السلمية، وقام بإطلاق مبادرة الحوار مع المعارضة.

عودة من جديد إلى الاحتجاجات

عقب فترة من استقرار الأوضاع في كينيا، اندلعت موجة جديدة من الاحتجاجات، في يوليو؛ بسبب قانون الزيادات الضريبية، التي وقَّعتها الحكومة؛ إذ يرى النظام الحاكم، أن هذه الزيادة الضريبية وسيلة لخلق فرص عمل جديدة وزيادة الإيرادات الحكومية.

كما قامت الحكومة بزيادة الضرائب على المنتجات البترولية؛ ما أدى إلى ارتفاع تكلفة النقل والسلع الأساسية والغذاء والتحويلات المالية بالهاتف، بالإضافة إلى وقف الدعم على المواد الغذائية والوقود والكهرباء، وسرعان ما استغلت المعارضة هذه الأوضاع، فقامت بتعبئة الرأي العام ضد النظام الحاكم، ونزل العديد من المحتجين إلى الشوارع؛ للمطالبة بتحسين الأوضاع، وتعطل الكثير من القطاعات الحكومية عن العمل، في ظل هذه الاحتجاجات، وردَّت الحكومة على ذلك، بحظر الاحتجاجات، واعتبرتها غير قانونية، ووصف الرئيس الكيني مطالب المعارضة بـ”الابتزاز”، وأنها تسعى إلى تعطيل الحكومة وأجندتها التنموية.

محادثات جديدة لحل الاحتجاجات

أعلن سياسيون كبار من الحكومة والمعارضة في كينيا، في 29 يوليو 2023م، أن الطرفين سيشكلان فريقًا بهدف حل نقاط خلافهما وديًّا، وذلك بعد سلسلة من الاحتجاجات التي نظَّمتها المعارضة؛ بسبب ارتفاع تكلفة المعيشة وزيادة الضرائب.

وحسب ما ورد في بيان المعارضة، أنه سوف يتم تشكيل لجنة لقيادة المباحثات من الطرفيْن، وسوف يترأس الرئيس النيجيري السابق، أولوسيجون أوباسانجو، اللجنة التي تضم عشرة أعضاء ينتمون للحزب الحاكم والمعارضة، وكان هذا الاتفاق بعد إعلان “أودينجا” عن استعداده لإجراء مباحثات مع الحكومة، ولن يتم وقف المظاهرات حتى تنخفض الضرائب، ويتم مراجعة انتخابات العام الماضي، التي أسفرت عن فوز “روتو” بالرئاسة.

وأعلنت الحكومة والمعارضة في بيان مشترك، أن اللجنة سوف تتألف من أربعة نواب وأربعة أعضاء من خارج البرلمان وقادة الأغلبية والأقلية في الجمعية الوطنية، وسوف تبحث اللجنة في مسائل عديدة، منها؛ تعديلات اللجنة الانتخابية، وتخصيص منصب لـ”أودينجا” الذي خسر خمسة انتخابات.

ولم يوقع زعيم الأقلية في البرلمان، أوبيو وانداي، الذي يمثل تحالف أزيميو المعارض، على البيان المشترك، بالرغم من ذكر اسمه، وأصدر “وانداي” بيانًا منفصلًا بالنيابة عن تحالف المعارضة، يؤكد فيه تشكيل فريق لإجراء محادثات، لكنه لم يقدم تفاصيل حول ما ستتناوله هذه المحادثات.

ختامًا:

يمكن القول: إن النظام الحاكم في كينيا سوف يعمل على احتواء المعارضة السياسية؛ من أجل التغلُّب على التحديات الاقتصادية التي تعاني منها كينيا، ووقف الاحتجاجات التي راح ضحيتها عددٌ كبيرٌ من الأفراد، وحتى يتم ذلك، فإنه من المحتمل، أن يكون هناك اتفاق تقاسم للسلطة بين النظام الحاكم والمعارضة، يتيح للمعارضة المشاركة في الحياة السياسية، من خلال اندماجها في الحكومة، وتولِّي “أودينجا” منصبًا جديدًا في الحكومة؛ للتخفيف من حِدَّة الاحتجاجات، ومن المحتمل، أن تقوم الحكومة بإجراء إصلاحات اقتصادية تعمل على التخفيف من معاناة المواطنين، والتقليل من حدة الضرائب؛ لتفادي المخاوف المتعلقة بتكرار العنف والقتال.

كلمات مفتاحية