أوكرانيا أزمة جيوسياسية هل تعيد عقارب الساعة مرة أخرى لعام 1990 ؟

رابعة نورالدين وزير

في الوقت الحالي تعج وسائل الإعلام بأخبار حول الازمة الأوكرانية، وكيف تتسع الفجوة بين كلًا من أوكرانيا، وروسيا والولايات المتحدة الامريكية، وما الذي تريده أوكرانيا من روسيا ومن الغرب؟ وما الذي تريده روسيا من الغرب؟ وهل يمكن القبول بما طرحته روسيا في المفاوضات الأخيرة لحل الأزمة؟

وقبل الدخول إلى إجابات الأسئلة الكبيرة الخاصة بروسيا وما تريده وأوكرانيا وما تريده والغرب وما يريده، نلقي نظرة سريعة على الدولة التي تدور الأزمة حولها وهي أوكرانيا، التي كانت عضواً مؤسساً مع روسيا في الاتحاد السوفييتي السابق، وكانت مقراً لثلث الأسلحة النووية السوفييتية وقوة كبيرة في حلف وارسو.

 

خلفية الازمة بين أوكرانيا وروسيا اختلاف الرؤى حول مستقبل الدولة

تأخذنا أزمة أوكرانيا إلى حقبة الخمسينات فترة الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي والتي كادت ان تأخذ العالم إلى حرب عالمية ثالثة، حيث أنها كانت مكون هام من مكونات الاتحاد السوفيتي أيان فترة الحرب الباردة مع الغرب، وبعد تفكك الاتحاد السوفيتي وحصول أوكرانيا على استقلالها في عام 1991بعد تصويت للخروج من مظلة الاتحاد السوفيتي، واندلعت ثورة البرتقال التي أطاحت بالرئيس “يانكوفيتش” عام 2004 وتولى الرئيس “بوشتشنكو” شئون البلاد وكان من المعروف عنه تطلعه لدعم العلاقات وتوطيدها مع الغرب وهو ما جعله يخط صفحة جديدة من التقارب الأوكراني الغربي سواء مع الولايات المتحدة الامريكية أو الاتحاد الأوروبي أو حلف الناتو.

ولكن مع عدم استمراره في الحكم بعد انتخابات عام 2010 التي أعادت الرئيس “يانكوفيتش” إلى الحكم، والذي أشتهر بتطلعه نحو توطيد وتوثيق العلاقات مع الجانب الروسي وعليه فقد بدأ عهد الاخر في فصل جديد من العلاقات نحو الجانب الشرقي بل وبدأ يتخذ إجراءات لوقف التعاون مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما أدى بالطبع إلى حدوث انقسام داخلي بين فريقين الأول يميل إلى الغرب ويريد الانضمام لحلف الناتو وقاعدته الرئيسية في الأقاليم الغربية من البلاد، والثاني يريد التقارب مع روسيا والانضمام لها رسمياً وقاعدته في الأقاليم الشرقية التي يتحدث أغلب سكانها اللغة الروسية كلغة أولى، وفي مطلع عام 2014 اندلعت ثورة ضد الرئيس “يانكوفيتش”، على غرار ثورة البرتقال التي كانت أيضاً داعمة للتقارب مع الغرب، وفي النهاية هرب يانكوفيتش من العاصمة كييف واتجه نحو الشرق، واستمر التوجه نحو دعم التقارب مع الغرب حتى وقتنا الحالي حيث تريد الحكومة الأوكرانية برئاسة فولوديمير زيلينسكي من روسيا أن تترك كييف وشأنها وتتوقف عن التدخل في الشؤون الأوكرانية. وتريد أوكرانيا أن تنضم إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، كما تدعو روسيا إلى التوقف عن دعم تلك الحركات وأن تكون للجيش الأوكراني السيطرة الكاملة على حدود البلاد، كما تريد أوكرانيا أيضاً أن تستعيد إقليم شبه جزيرة القرم الذي ضمته روسيا إليها عام 2014، وقد تجددت المساعي مررًا حول إنضمام أوكرانيا إلى الحلف سواء بدعوة من إحدى الدول أو طلب من السلطات الأوكرانية نفسها، وهو ما سيتم توضيحه خلال العنصر التالي.

أوكرانيا والانضمام إلى حلف الناتو هل تسعى إلى إثارة غضب روسيا؟

بداية يجدر الإشارة إلى أن رغبة الحكومة الأوكرانية للانضمام إلى “حلف الناتو” –حلف أمني تم إنشاءه عام 1949 بغرض مجابهة الاتحاد السوفيتي واحتواءه ويضم 30 دولة-، ولعل أكثر ما يخيف “روسيا” من انضمام أوكرانيا إلى الحلف هو نص المادة الخامسة في ميثاق الحلف على ” يعتبر الاعتداء على أي دولة من الدول الأعضاء بالحلف بمثابة اعتداء على كامل الدول المكونة له، ويجب أن تتصدى له”، حيث أن هذه المادة مع بعض المعطيات التي تتعلق بارتباط كلًا من الدولتين على المستوى الجغرافي في حدود يتجاوز طولها  2.000 كيلو متر مربع، وأن إنضمامها يعني السماح للقوات التابعة للحلف بالتواجد على طول الحدود بين أوكرانيا وروسيا وهو ما تعتبره القيادة الروسية خطًا أحمر، حيث أن أوكرانيا تعتبر من أهم البلاد بالنسبة لروسيا على عدة مستويات منها الاقتصادية والتاريخية والاستراتيجية، كما أن وجود إحتمالية تقضي بإمكانية اقتراب القوات من الحدود الروسية الأوكرانية وهو ما ترفضه روسيا بشكل قاطع، بالإضافة إلى أن روسيا تعتبر أن “أوكرانيا” هي روسيا الصغرى ولم تخلو مناسبة من الحديث حول أهميتها بالنسبة لروسيا، وعلينا التذكر بأن الدولتين كانتا دولة واحدة غرفت باسم “كييف روس” في القرن التاسع الميلادي واستمرت لمئات السنين وانبثق عنها ثلاثة دول هم؛ (روسيا- بيلاروسيا- أوكرانيا).

جدير بالذكر أن هذه الأزمة المتعلقة بإنضمام أوكرانيا إلى الحلف ليست حديثة العهد بل هو تطلع لأوكرانيا لأكثر من أربعة عشرة عامًا، ولكن طرأ على الوضع بعض المستجدات التي تعرقل من إنضمام أوكرانيا إلى الحلف في الوقت الحالي ولعل أهمها ما يلي:-

تزايد الدور الروسي وتعاظم قدرته في التأثير على القرارات الدولية: إن قوة روسيا في الوقت الحالي على عدة مستويات أصبحت تمكنها من لعب دور هام في القرارات التي يتخذها الغرب، وأن طبيعة العلاقات بين روسيا والغرب والمبنية على التنافس جزء من الرفض الروسي لانضمام أوكرانيا للحلف، حيث أن القيادة السياسية الحالية موالية للغرب بقيادة الولايات المتحدة وهذا يعني أن روسيا في موقف ضعيف وأمنها الحدودي في تحدي كبير في مواجهتهم.

تفكك الاتحاد السوفيتي ومفاوضات من الذاكرة: فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وبدء مفاوضات توحيد ألمانيا الشرقية وألمانيا الغربية، وعدت الولايات المتحدة الأمريكية روسيا بأنها في حالة النجاح في توحيد الالمانيتين في لمقابل لن يتقدم الحلف شبرًا واحدًا ناحية الشرق، أي لن يضم الحلف مزيدًا من الدول باتجاه الشرق (شرق ووسط أوروبا)، ما يعني لن يضم أي دول تقع فما بين روسيا وألمانيا، وبالفعل اقتنعت القيادة الروسية بهذه الوعود، ولكن سرعان ما تراجع الغرب عن وعده وبدأ في ضم الكثير من الدول في المساحة الواقعة بين ألمانيا وروسيا ومنها دول كانت واقعة تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي.

توسع الحلف ناحية الشرق وثورة الأيام الخمس 2008: بالتأكيد إن موضوع انضمام أوكرانيا إلى الحلف ليس حديث العهد بل أن الدعوة بدأت منذ 2004 في عهد الرئيس الأمريكي “جورج بوش الإبن”، وقبلها ، ولم تقتصر الدعوة على انضمام “أوكرانيا فقط” بل جورجيا أيضًا، ولكن في عام 2004 لم تكن روسيا تمتلك من القوة ما يمكنها من التصدي لمثل هذه الدعوات وأكتفت في هذا التوقيت بالتعبير عن رفضها لانضمام كلًا منهما، ولكن في عام 2008 ومع تجدد الدعوات لانضمام “أوكرانيا وجورجيا” كانت روسيا تعتبر من أهم القوى في العالم وخصوصًا في المجال العسكري ما مكنها من الوقوف في وجه هذه الدعوة والتهديد بشن حرب عرفت باسم “حرب الأيام الخمس” في أغسطس 2008 والتي قامت بالأساس لقطع الطريق أمام الدولتين في الانضمام للحلف،  وأن يتم الإنصات لروسيا وأن تؤخذ مصالحها في عين الاعتبار، كما أن أحد أسباب هذه الحرب أيضًا هو محاولة صرف الغرب عن انضمام أوكرانيا حيث أن ميثاق الحلف ينص على أن الدول المنضمة له يجب أن تكون إضافة لأمن الحلف وليست عبئًا عليه، وبدخول الجنود الروس إلى أوكرانيا فإن ذلك يعتبر إثبات عكس ذلك، وبالفعل فقد رفضت الدول انضمام “أوكرانيا عمليا للحلف ولكن ابقوا على دعوة الانضمام نظريًا.

الأزمة الاقتصادية الأوكرانية وتجدد طلب الانضمام: في عام 2013 تعرضت أوكرانيا لأزمة الاقتصادية طلب على أثرها الرئيس الاوكراني أنداك “فيكتور يانكوفيتش”  طلب حزمة من المساعدات من روسيا والغرب ممثلًا في الاتحاد الأوروبي، وقد قدم كلًا منهم حزمة المساعدات الخاصة به ولكنه فضل الجانب الروسي ما أدى إلى إثارة المعارضة الأوكرانية الموالية للغرب والتي تؤيد انضمام أوكرانيا إلى الحلف في الداخل والتي بدورها قامت باحتجاجات ودعوات للتظاهر أدت إلى فراره إلى روسيا، وتولت حكومة أخرى موالية للغرب، وكان رد الفعل الروسي حول ذلك هو أن الولايات المتحدة الامريكية وراء الاحداث الأخيرة في أوكرانيا، وسعت للتدخل وحماية مصالحها ورعاياها بالداخل وهو ما أسفر عنه سيطرة روسيا على “شبه جزيرة القرم عام 2014″، وظل الوضع في حالة صراع بين أقاليم مختلفة في أوكرانيا وروسيا ونمت الحركات الانفصالية المعادية وظهرت دعوات لتوقيع اتفاقية “مينسك الأولى” أواخر عام 2014 بين الحكومة الأوكرانية والانفصاليون في الأقاليم الشرقية المتاخمة للحدود الروسية والمدعومون من موسكو.

اتفاقيتي “مينسك الأولى والثانية”

تم التوقيع على اتفاقية “مينسك1″، 2014 التي اشتملت على 12 بنداً أبرزها تبادل الأسرى (بين القوات النظامية الأوكرانية والقوات الانفصالية) والسماح بوصول المساعدات الإنسانية للمدنيين في مناطق الصراع، وسحب القوات الانفصالية أسلحتها الثقيلة من خطوط المواجهة مع القوات الحكومية، مع استمرار المفاوضات للوصول إلى حل سلمي للصراع، لكن هذه الاتفاقية لم تصمد سوى 5 أشهر فقط، في ظل اختراقات مستمرة لجانبي الصراع لبنودها، وبالتالي سرعان ما اندلعت الصراعات مرة أخرى، وهو ما تسبب في مقتل أكثر من 2600 شخص وقتها.

عادت المساعي الدبلوماسية مرة أخرى في ذلك الوقت ونتج عنها توقيع اتفاقية مينسك 2 في فبراير2015، والتي وقَّع عليها قادة فرنسا وألمانيا وروسيا وأوكرانيا في روسيا البيضاء، وتم عرض الاتفاقية على مجلس الأمن الدولي، الذي أقرها وأصدر قراره رقم 2202 لعام 2015 لحل الصراع في أوكرانيا على هذا الأساس، وتولى زعماء المعارضة الحكم خلفاً ليانكوفيتش وأصدروا أوامر باعتقاله ومحاكمته بتهمة قتل المتظاهرين، لكن موسكو اعتبرت السلطة الجديدة في كييف “تمرداً مسلحاً” واستدعت سفيرها للتشاور. في المقابل، وجدت السلطة الجديدة في كييف دعماً متواصلاً من أوروبا الغربية والولايات المتحدة.

وأعلنت الأقاليم الشرقية في أوكرانيا عدم اعترافها بالحكومة المركزية في كييف، ومن تلك الأقاليم شبه جزيرة القرم ودونباس وغيرهما، واشتد القتال في تلك الأقاليم بين القوات الحكومية الأوكرانية من جهة والقوات الانفصالية من جهة أخرى. وأعلنت حكومة إقليم القرم الانفصال عن أوكرانيا وإعلان جمهورية القرم المستقلة.

ووجّه حاكم القرم رسالة رسمية إلى روسيا طالباً الانضمام إلى موسكو، ودخلت القوات الروسية إلى الإقليم وأعلنت ضمه رسمياً إليها في 2014، مما أدى إلى فرض عقوبات على موسكو من جانب الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا، لكن ذلك لم يوقف الدعم الروسي للانفصاليين في الأقاليم الشرقية الأخرى، وهكذا تم التوصل إلى اتفاقيات مينسك، والتي يتمسك بها بوتين الآن كمخرج للأزمة الحالية.

تجدد الصراع في 2020-2021: من أهم العوامل التي ساهمت في إعادة فتح ملف الانضمام هو جهود الرئيس الاوكراني “زلنسكي” حيث أنه سعى من خلال وسائل الإعلام ومراكز الفكر لشن حملة علاقات عامة في الغرب لدعم فكرة إعادة الانضمام للحلف وكانت الحملة تحت قيادته، ثم أطلق حملة أخرى تستهدف إعادة “شبه جزيرة القرم” تحت السيطرة الأوكرانية، وبدأ في اتخاذ بعض الإجراءات التي اعتبرتها روسيا معادية لها على سبيل المثال؛ (وقف إتمام خط غاز نورد ستريم 2)، والذي تعتبره روسيا بالغ الأهمية بالنسبة لها، ثم بدء الحكومة الأوكرانية في تطوير استراتيجيتها التسليحية وهو ما أثار مخاوف الجانب الروسي.

ما سبق يلقي الضوء على أهم أبعاد الأزمة وبعض جذورها، ومن هنا ننتقل للحديث حول الوضع الآن وإمكانية التوصل إلى حل مرضي لجميع الأطراف.

منحنى الصراع في ظل تباعد المواقف وصعوبة التوصل إلى اتفاق

أصدرت العديد من أجهزة المخابرات التابعة لحلف الناتو وللحكومة الأوكرانية والرئيس الأمريكي “جو بايدن” بيانات توضح حجم الانتشار العسكري الروسي على الأراضي الأوكرانية بطول الحدود وقد تراوحت التقديرات بين 120 ألف جندي إلى 127 ألف جندي، كما توقعت أن تقوم روسيا بشن هجومًا عسكريًا على أوكرانيا في بداية العام الحالي 2022، وهو ما نفته روسيا واتهمت الغرب باستفزازها عن طريق وضع أسلحة هجومية بالقرب من حدودها، وهو ما يخالف ما تم الاتفاق عليه قبل ثلاثة عقود.

مساعي إيجاد حلول للصراع: وهكذا بدأت الأزمة تتصاعد بصورة ملحوظة وتسير في مسارين، الأول سياسي ودبلوماسي شمل اتصالات مباشرة بين بوتين وبايدن في مناسبات عدة منها اتفاق جينيف بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية 10 يناير 2022: يعتبر من أول الخطوات التي أتخذها الأطراف مؤخرًا من أجل إيجاد حل للأزمة وفيه أتضحت الرؤية حول مطالهم كما يلي؛ باختصار تريد روسيا من أوكرانيا أن تلغي أي اتفاقيات للتعاون مع حلف الناتو وأن تنهي تماماً على أي مظهر من مظاهر استعدادها لأن تصبح عضواً في الحلف في المستقبل.

وبخصوص ما تريده روسيا من الغرب فيتمثل في ضمانات قانونية مكتوبة تقدمها الولايات المتحدة بأن أوكرانيا لن تنضم أبداً إلى حلف الناتو، إضافة إلى سحب الحلف العسكري الغربي لأسلحته الهجومية من دول شرق أوروبا كبولندا والمجر (دول كانت أعضاء في حلف وارسو سابقاً)، على اعتبار أن وجود تلك الأسلحة يمثل تهديداً لروسيا لا يمكنها قبوله، وينطلق موقف بوتين من حقيقة تقديم الأمريكيين وعداً قبل أكثر من ثلاثين عاماً بأن حلف الناتو لن يتمدد في شرق أوروبا، وهو ما لم يحدث بالطبع؛ إذ ضم الحزب دولاً كثيرة من أوروبا الشرقية والباب مفتوح لانضمام أوكرانيا أيضاً كما سبقت الإشارة.

أما فيما يتعلق بالجانب الأوكراني: فالأقاليم الشرقية المتاخمة للحدود مع روسيا والتي تشهد حركات مسلحة تريد الانفصال عن أوكرانيا (مثل القرم ودونتسيك وغيرها) تفضل الانضمام إلى روسيا، بينما الأقاليم الغربية تريد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو

لقاءات دبلوماسية: أهمها لقاء في موسكو بين بوتين ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون ولقاء آخر مع المستشار الألماني أولاف شولتز، في موسكو 14 فبراير حيث طالب روسيا اغتنام “عروض الحوار” الهادفة إلى التوصل لخفض التوتر، في خضم أزمة غير مسبوقة بين روسيا والغرب منذ انتهاء الحرب الباردة مع نشر موسكو 130 ألف جندي على طول الحدود الأوكرانية.

وتهدف هذه التحركات جميعاً إلى أن تستجيب روسيا لما يريده الغرب وهو بالأساس أن تسحب حشودها العسكرية من الحدود الأوكرانية وتتوقف عما يقول الغرب إنها تهديدات لاستقرار أوكرانيا.

اجتماع مجلس الأمن الروسي في 21 فبراير 2022: يعتبر هذا الاجتماع تحركًا غير مسبوق فيما يتعلق بإدارة الأزمة الأوكرانية فقد أنطوى على عدة قرارات كان من بينها، تبني روسيًا اقتراحاً بإعلان الاعتراف باستقلال إقليمي (لوغانسك ودونيتسك) الانفصاليين في شرق أوكرانيا، كما أكد على أن هذه الخطوة جاءت لحماية الامن العالمي وأمن القارة الأوروبية بشكل خاص، وقد تناوب المسؤولون في عرض وجهات نظرهم حول أهمية الاعتراف بهما ولكن ما زال الموضوع في طور الاقتراح لحين قبول الرئيس الروسي به، ولعل ذلك يمثل بابً أخرًا تطرقه روسيا للضغط على أوكرانيا بإتجاه التراجع عن الانضمام في حلف الناتو، لأن اعتراف روسيا بالأقاليم الانفصالية بالتأكيد يضعف من قوة الدولة ويفتح المجال أمام أقاليم أخرى في المنطقة الشرقية لديها رغبة في الانفصال، وهو بالتالي ما يجعل أوكرانيا غير مستوفيه لشروط الانضمام للحلف.

وتأكد من خطاب بوتين اعتزامه عدم التنازل عن أيّ من مطالبه الأمنية المتمثلة في وجوب إعادة النظر في توسّع حلف شمال الأطلسي الناتو، وأن عضوية أوكرانيا في الحلف خط أحمر، في النهاية نجد ان الخطاب في جملته وتفصيله لم يحمل جديدًا فيما يتعلق بالموقف الروسي من توسع حلف “الناتو ” تجاه الشرق.

مستقبل الصراع الأوكراني الجميع في مأزق

عند الحديث عن مستقبل الصراع الأوكراني وهل تستطيع الولايات المتحدة أو روسيا حسم الصراع لصالحهما بشكل نهائي؟ وفي هذا السياق يمكننا الوقوف على هذه الرؤية:

القبول يعني منح روسيا حق الفيتو: من المؤكد أن الغرب لن يقبل بالشروط التي تقدمت بها روسيا، وذلك لأن قبوله بمثل هذه الشروط يجعل لروسيا سلطة الاعتراض على انضمام الدول للحلف، كما أن رضوخه للمطالب الروسية يخالف ميثاق الحلف الذي ينص على “باب الحلف مفتوح لأي دولة أوروبية تستوفي شروط الانضمام للحلف”.

مخالفة أهداف إنشاء الحلف: حيث أن الهدف الأساسي من إنشاء الحلف هو مجابهة النفوذ السوفيتي وبالتالي فإن هدف إنشاءه يتعارض مع الرضوخ لمطالبها، بالإضافة إلى أن موافقة الحلف على مطالبها تسمح لروسيا بإنشاء منطقة عازلة لها في الجزء الشرقي من القارة الأوروبية، والتي كان معظمها دول تابعة للاتحاد السوفيتي، ويعيدنا بالذاكرة إلى عام 1990 فترة التفاوض على ضم الألمانيتين ما يعني إلغاء الشروط التي وقعت في إطار هذه لتحركات ما يترتب عليها ترتيبات أمنية واستراتيجية جديدة للاتحاد السوفيتي تنطوي على توقيع العقوبات الاقتصادية وعزلها سياسيًا.

قبول المطالب الروسية تمهيد لدعم الصين: على الرغم من عدم استيفاء أوكرانيا للشروط الفعلية للانضمام وهو ما ثبت خلال الأيام الفائتة فقد أدلى بعض رؤساء الدول المكونة للحلف وعلى رأسهم (الرئيس الأمريكي- والفرنسي- الألماني)، بأن أوكرانيا لم تسوفي الشروط الفعلية للإنضمام للحلف، ولكن لن يتم الرجوع عن طلب الانضمام حتى لا يسمح الغرب للصين بالتمدد في بحر الصين الجنوبي وضم جزيرة “تايوان” ما يعني تغيير النظام العالمي، أو يساهم في تقوية شوكة كلًا من روسيا والصين مقابل الولايات المتحدة الأمريكية.

ما سبق يجعلنا أمام أزمة كبرى يتمسك كل أطرافها بمطالبهم ولا يريدون تقديم أية تنازلات، فعلى الجانب الروسي فقد رفض التفاوض حول المطالب التي قدمت في مفاوضات جينيف 10 يناير 2022 وأشار إلى أنه مطالبه هي حزمة واحدة يجب الموافقة على جميعها وليس الانتقاء منها، كما توعد الجانب الأمريكي بإمكانية نقل السلاح إلى الجوار الأمريكي ممثلًا في (كوبا وفنزويلا(، بما يهدد المصالح والامن الأمريكي، وقد ردت الولايات المتحدة على ذلك بأنها ستدعم الحركات الانفصالية المعادية لها وستتخذ العديد من الإجراءات الأمنية، إن الجانب الروسي لن يسمح بتمدد الحلف تجاه الشرق وما يساعدها في ذلك حجم قوتها الذي تمتلكه في الوقت الحالي.

أما الجانب الأمريكي، لن يسمح بتكرار أزمة كوبا أن تتصدى لبوتين وهو ما يأخذ الأزمة إلى صراع مفتوحة وهو ما ترفضه الإدارة الأمريكية الحالية، على الجانب الاوكراني فيتم التأكيد على مبدأ احترام حق دول الجوار في اتخاذ إجراءات أمنية لحفظ أمنها واستقرارها.

أخيرًا، كل ما سبق طرحه يضعنا أمام احتمالين أولهما أن تتبع أوكرانيا سياسة الحياد وتتراجع عن الانضمام للحلف لأن روسيا لن تسمح بتمدده شرقًا، كما أنه في حالة تطورت الازمة فإنها الخاسر الأكبر منها، وأنها بحكم كونا دولة مجاورة لدولة كبرى مثل روسيا فإنها يجب أن تحافظ على الحد الأدنى من العلاقات الدافئة معها، مثلما تفعل المكسيك مع الولايات المتحدة الامريكية حيث تتقيد كثير من قراراتها بالولايات المتحدة الامريكية لعدم استفزازها حفاظًا على أمنها واستقرارها، الاحتمال الثاني غض الطرف والسماح لروسيا التمدد وهو احتمال غير وارد أيضًا لأن ذلك يدعم النفوذ الصيني للتمدد في بحر الصين لجنوبي وضم “تايوان”.

كلمات مفتاحية