“العقوبات على سوريا تعرقل جهود البناء بالبلاد”، عبارة حاكمة كاشفة، أطلقها صباح اليوم الثلاثاء 16-11- 2021، المبعوث الأممي الخاص لسوريا “جير بيدرسون”.
إعادة الإعمارعمليةٌ ذات أبعاد اقتصادية وسياسية واجتماعية مهمة، تشمل الجهات الفاعلة (المحلية والوطنية والإقليمية والدولية)، وكذلك الجمهور والقطاع الخاص، وهناك أولويات مهمة لتحليل سياسات التنمية الشاملة، وجمع المناهج ووجهات النظر من مختلف أصحاب المصلحة والجوانب الاجتماعية؛ لاعتبارات الاقتصاد الكلي الصارمة، فضلًا عن إيلاء اهتمام خاص للاقتصاد السياسي للبلدان الخارجة من الصراع .
إن عملية إعادة بناء الدول بعد الصراعات، لا بُدَّ فيها من تناول وعلاج الجذور المسببة للصراعات المدمرة للدول وشعوبها، فيجب الاهتمام بتوطيد السلام، وتبني العناصر الفاعلة، والأدوات المثالية لنموذج بناء الدولة، مثل (الديمقراطية والاقتصاد الليبرالي والحكم الرشيد وحقوق الإنسان، والشرعية، وبناء القدرات، والمصالحة، والمساءلة، وجبرضحايا انتهاكات القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان).
يرتكز نجاح عملية الإعمار على بناء الدولة بشكل فعّال، وتحقيق تعافٍ اقتصادي مستدام ومتوازن وطويل الأمد، وبحال ما إذا كان ناقصًا أو مفقودًا، تتعطّل إعادة الإعمار؛ ما يمنح الأطراف الفاعلة الخارجية هامشًا أكبر للتأثير بمسار هذه العملية لخدمة أجنداتها الخاصة.
بخلاف التدمير المادي، والحالة السورية برهان ساطع بهذا السياق، تقوم الصراعات المسلحة بتشويه الهياكل الاقتصادية لهذه البلدان، وتدمر المؤسسات وتغير علاقات القوى، وتخلق توازنات قوى ومساحات مغايرة؛ للتفاعل وتوزيع الموارد وغيرها .
بحال التوصل لاتفاق سلام مستقر، مثل إبرام اتفاقات الهدنة “ذات الطبيعة السياسية العسكرية”، تبدأ إعادة الإعمار، وستكون مهمةً وضخمةً؛ لحجم الدمار وما يكمن من مواجهات، وليس مؤملًا بدْأ عمليات الإعمار قبل وقف دوي المدافع، واقترح البعض الحالة اللبنانية، أي قبل انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) .
إن أي برنامج لإعادة الإعمار بحاجةٍ لأهداف قصيرة وطويلة المدى بشكل واضح، وآليات الوصول إليها، فعلى المدى القصير، تم تحديد الاحتياجات الأمنية، ومساعدات الإغاثة، والأمن الغذائي، والبنى التحتية للطاقة الأساسية، والبنى التحتية للصحة والصرف الصحي، باعتبارها الجوانب الجوهرية الأُولى، التي يجب علاجها، أما على المدى الطويل، يجب تركيز أولويات طويلة المدى على الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الهيكلية، وإعادة بناء البنى التحتية بشكل عام.
تفتقر سوريا – تقريبًا – لجميع الشروط اللازم توافرها لتحقيق إعادة إعمار ناجحة بمرحلة ما بعد الحرب، فالعوامل الجيواقتصادية المحرّكة للصراع، تشير لتواصل التشرذم السياسي والأمني الحاد للبلاد، بظل قدرتها المحدودة على توفير التمويل لإعادة الإعمار، ونظرًا لموارد سوريا المحدودة والخسائر الفادحة التي ألحقتها الحرب ببنيتها التحتية وبشعبها، سيتعيّن بالبلاد الاعتماد بشكل شبه كامل على التمويل الخارجي لإعادة الإعمار، من خلال المساعدات والقروض والاستثمارات.
لكن ثمة عوامل جيواقتصادية تقوّض الحصول على التمويل؛ إذ يُستبعد توفير الدول الغنية بالاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة التمويل اللازم لعملية إعادة إعمار يديرها النظام، فالولايات المتحدة فرضت عقوبات على النظام السوري؛ لمنعه الحصول على قروض واستثمارات أجنبية.
ومن المهم تسهيل عودة النازحين واللاجئين، واعتماد مقاربة قائمة على الحقوق، وقادرة على المساهمة بالمعافاة ليس فقط من الأضرار المادية الضخمة، ولكن أيضًا بالتعافي والمداواة للأضرار الأدبية والنفسية التي خَلَّفتها الانتهاكات، والتي تعافت منها دول عديدة بشرق أوروبا وأمريكا اللاتينية وغيرها؛ وفقًا لآليات العدالة الانتقالية .