إحياء التواجد الداعشى في سوريا

إعداد/ جميلة حسين محمد 

“لا وجود لداعش اليوم كتنظيم يسيطر على الأرض، وإنما عصابات منهزمة تلاحقها الأجهزة الأمنية”، هكذا صرح رئيس وزراء العراق “محمد شياع السودانى” أثناء حديثه عن خطر الإرهابيين وتمويلهم والتواجد الداعشى.

وفى واقع الأمر، إن التنظيم لم يتم القضاء عليه بصورة كاملة منذ هزيمتهم فى عام 2019، فى سوريا ويسبقها العراق، ولكن يمكن القول إنه فقد تماسكه ووحدته، وتعرض لحالة من التشتيت والهزيمة الجغرافية.

ومن ثم يحاول التنظيم استغلال أى فراغ أمنى أو عسكرى أو أزمة تتعرض إليها الدول التى كان يسيطر على جزء شاسع من أراضيها، من أجل تنفيذ بعض الهجمات والعمليات الإرهابية، وقد كثف التنظيم من عملياته فى الفترة الأخيرة، وبدأ الحديث عن عودته من جديد ومحاولته لتنظيم صفوفه، فما هى مظاهر تلك العودة؟ وما هى العوامل التى ساعدته؟ وأين الدور الأمريكى الذى قاد قوات التحالف الدولى التى تسببت فى هزيمة التنظيم مسبقًا؟

مظاهر العودة

استطاع التنظيم فى فترة قصيرة الظهور بشكل علنى وشن العديد من الهجمات من أجل لفت أنظار الرأى العام تجاه قوته وقدرته، فينشط التنظيم فى ريف حلب، ومنطقة تدمر، ومناطق فى جانبى الفرات، ومناطق بدير الزور، ومناطق بشمال شرق سوريا حيث نفوذ الإدارة الذاتية لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”، هذا بالإضافة إلى تنفيذ عمليات فى مواقع الجيش السورى، واستهدافات مخيم الهول.

ووفقًا لمؤشرات المرصد السورى لحقوق الإنسان، فقد نفذ التنظيم فى عام 2022 حوالى 101 عملية إرهابية فى مناطق متفرقة فى البادية السورية، أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 266 شخصًا، أما بالنسبة لمناطق نفوذ الإدارة الذاتية فتم تنفيذ 201 عملية من خلال إطلاق تفجيرات والقيام بهجمات مسلحة أدت إلى مقتل 147 شخصًا، فى حين استطاع التنظيم القيام بحوالى 25 عملية فى الشهر الماضى، أسفرت عن سقوط حوالى 17 شخصًا.

ويجدر القول إن الانتفاضات فى السجون والتخطيط لعمليات من أجل تحرير المحتجزين من عناصر التنظيم المتواجدين بالسجون والمعتقلات السورية، هدف إستراتيجى منذ الهزيمة، من أجل إعادة الآلاف من المقاتلين إلى صفوفهم من جديد.

ويعتبر هجوم “غويران” الذى نُفذ العام الماضى أكبر عملية للتنظيم منذ انحساره عام 2019، وقد استهدف الهجوم المنظم سجن “الغويران” الذى يقع فى مدينة “الحسكة” ويضم تقريبًا 3500 سجين ضمن عناصر التنظيم، وتعتبر العملية هى الأكبر  لتسببها فى سقوط حوالى 508 قتلى؛ وكذلك محاولة اقتحام مقر احتجاز أمنى تابع لـ “قسد” فى محافظة الرقة فى شهر ديسمبر الماضى، مما أدى إلى سقوط 6 عناصر من القوات التى يقودها الأكراد.

مسببات العودة

1- استغلال كارثة الزلزال فى سوريا وتركيا

تعرضت سوريا وتركيا  فى السادس من الشهر الجارى، لزلزال مدمر بقوة 7.8درجة، وتكرر بقوة 6.4 درجة فى العشرين من نفس الشهر، وأدى إلى فوضى عارمة وسقوط عدد كبير من القتلى والجرحى، وأعطى ذلك مساحة للتنظيم لفرض سيطرته والقيام باختراقات واسعة ضد النظام والأمن السورى، وتنفيذ المزيد من العمليات خاصة فى البادية السورية ضد المدنيين.

فتم استغلال تلك الحالة للقيام بعصيان فى سجون أخرى، فقام بعض النزلاء بتنفيذ عصيان فى سجن “راجو” يقع فى شمال غرب سوريا ويضم حوالى 1300 شخص يشتبه في انتمائهم للتنظيم، واستطاع عشرون منهم الفرار بفعل تصدعات فى عدد كبير من السجون جراء الزلزال.

وأيضًا شن التنظيم هجومًا فى الثانى عشر من الشهر الجارى، أدى إلى مقتل 11 شخصًا، أحدهم من قوات “قسد” والآخرين مدنيين، والحادث الأكبر وقع فى السابع عشر ببادية “حمص” وسط سوريا، أدى لسقوط 53 قتيلًا وفق التصريحات الرسمية السورية.

بالإضافة إلى حادث الخطف الذى وقع فى منطقة تدمر بريف “حمص” لأشخاص أثناء عملهم فى جمع نبات “الكمأة”، حيث تم خطف نحو 75 شخصًا، وقد أعلن المرصد السورى لحقوق الإنسان إعدام 12 شخصًا من المختطفين.

استغلال كارثة سوريا وتركيا إحياء التواجد الداعشى في سوريا

2- الوضع الداخلى السورى المتدهور

تشهد سوريا حالة من الإنهاك السياسى والاقتصادى والاجتماعى منذ عام 2011، لتعدد سنوات الحرب بين قوات النظام والمعارضة السورية وتدخل الأطراف الدولية الكبرى بها، وكذلك بسبب الحصار المفروض عليها؛ فالوضع الاجتماعى والاقتصادى الآخذ فى التدنى جراء تأثيرات فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك مخيمات اللاجئين التى أصبحت تواجه معاناة شديدة وحالة من الفقر، ومن ناحية أخرى الطبيعة الجغرافية لسوريا والتى تمثل حجر عثرة أمام إرسال المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية للمدنيين، وبالتالى يواجه آلاف السوريون أوضاعًا صعبة خاصة بعد أزمة الزلزال، الأمر الذى يستغله التنظيم بين الحين والآخر لمحاولة عودته للساحة من جديد، وإعادة بناء قدراته من خلال استقطاب عناصر للتنظيم عن طريق التأثير على عقول الشباب، كذلك الأطفال فى المخيمات، فمخيم “الهول” وحده يحتوى على الآلاف من الأطفال الذين يمثلون هدفًا مهمًا لنشأة جيل جديد من المقاتلين.

ومن ناحية أخرى، يعانى الداخل السورى من حالة انفلات أمنى واضحة بسبب الحرب الأهلية بين قوات النظام وفصائل المعارضة السورية، ومن ناحية أخرى عدم سيطرة النظام على الوضع فى الشمال السورى، والتى تسيطر عليها “قسد” مما يجعل الأوضاع فرصة سانحة للتنظيم يتوغل خلالها وينتشر على الأراضى السورية.

3- استغلال الخلافات السورية التركية

نتيجة لتكثيف العمليات بين الجيش التركى وقوات سوريا الديمقراطية “قسد” فى المناطق المسيطرة الأخيرة عليها حيث شمال شرق سوريا، خاصة مع الاستهداف التركى الواسع للمقاتلين الأكراد والذى بدأ بشكل متصاعد خلال شهر نوفمبر الماضى، قد أشار “مظلوم عبدى” قائد قوات سوريا الديمقراطية “قسد” محذرًا من النتائج المترتبة على القيام بأى عملية عسكرية برية تركية فى الشمال السورى، حيث قال إن الغزو التركى سيعيد إحياء تنظيم داعش؛ وللانشغال الواقع بين تركيا “وقسد” انعكاسات سلبية تتمثل فى كونه فرصة لتوغل التنظيم للعودة ومواصلة تنفيذ عملياته.

التعامل الأمريكى مع التنظيم

قد نظمت الولايات المتحدة الأمريكية بقيادتها من ذى قبل تحالفًا دوليًا تشكل فى سبتمبر 2019 وضم 79 دولة بالتعاون مع قوات سوريا الديمقراطية “قسد” من أجل مكافحة الإرهاب، وقد صرحت القيادة المركزية الأمريكية بأن التحالف قد نفذ العام الماضى حوالى 120 عملية ضد داعش فى سوريا والعراق، أدت إلى سقوط 700 عنصر من التنظيم واعتقال 374 آخرين.

والجدير بالذكر أنه من ضمن القتلى أبرز قيادات التنظيم، مثل “أبو إبراهيم الهاشمى القريشى” الذى تم قتله فى فبراير العام الماضى، وفى أكتوبر نفس العام قُتل “أبو الحسن الهاشمى القريشى”، أما عن عام 2023 استطاع التحالف الاستمرار فى عملياته وحملاته العسكرية تجاه التنظيم؛ أبرزها تلك العملية التى أدت إلى مقتل القيادى الداعشى المعروف بـ”حمزة الحمصى” الذى كان له دور بارز فى الإشراف على الشبكة الإرهابية للتنظيم فى شرق سوريا وتنفيذ عمليات أدت إلى إصابة 4 جنود أمريكيين.

وعلى الرغم من هزيمة التنظيم على يد قوات التحالف الدولى ومحاولته المستمرة للقيام بالعديد من العمليات لمواجهة الأذرع المختلفة والخلايا النائمة التى تحاول استعادة مواقع تمركزها من جديد، إلا أن إستراتيجية الولايات المتحدة لم تنجح فى القضاء على التنظيم بشكل نهائى، والذى رآه بعض الساسة الأمريكيين نوعًا من الإهمال الإستراتيجى من جانب الولايات المتحدة وحلفائها لخطر إمكانية عودة تمدد “داعش” مرة أخرى.

مما سبق؛ نجد أن التنظيم على الرغم من الهزيمة التى تعرض لها إلا أنها لم تتمكن من القضاء عليه أو وانحساره بل بعد انتزاع الأراضى منه ظلت خلايا نائمة وسرية متواجدة ودومًا ما تطلع إلى انتهاز الفرص للعودة من جديد، وإذا نظرنا إلى مظاهر العودة من خلال قدرة التنظيم على الظهور بشكل علنى وشنه عدد من الهجمات، سنجد ما يشير إلى خطر عودة التنظيم، ومدى فاعليته فى هذا العام وزيادة هجماته.

والعوامل التى أدت ساعدته على انتهاز الفرصة للتمدد من جديد والتى تمثلت أهمها فى كارثة الزلزال فى سوريا وتركيا، والوضع الداخلى السورى الآخذ فى التدنى، وكذلك الخلافات بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية “قسد”.

ومن أجل الحد من هذا التطور خاصة مع تعليق العقوبات على سوريا لمدة 180 يومًا بسبب كارثة الزلزال، لابد من محاولة إعادة الإعمار وتوفير المساعدات الإنسانية المناسبة والتكاتف لتوفير المزيد من الدعم والمعدات التى طالما طالبت بها “قسد”، وأيضًا تشديد الإجراءات الأمنية لسد حالة الفراغ الأمنى الواضحة التى يتخللها التنظيم، هذا بالإضافة إلى ضرورة تكثيف تأمين محيط السجون والمعتقلات التى تضم عناصر التنظيم، وكذلك تأمين المخيمات السورية، هذا من أجل الحفاظ على عدم عودة التنظيم مرة أخرى، والحد قدر الإمكان من المخاطر المحتمل حدوثها بسبب العمليات الإرهابية والحفاظ على قدر من الأمن والاستقرار فى الداخل السورى.

 

كلمات مفتاحية