إفلاس «سيليكون فالي».. ماذا يعني ذلك لأفريقيا؟

مصطفي أحمد مقلد

مقدمة:

أدَّى انهيار بنك «سيليكون فالي» إلى حالةٍ من الفوضى في الشركات الناشئة «العلمية، والتكنولوجية»، كما ترك العديد من التساؤلات، حول مصدر الاستثمار في المستقبل؛ حيث أغلق المنظمون البنك بعد عدة أيام من الاضطرابات بعد الإعلان عن حاجته إلى جمْع ملياري دولار؛ لتغطية الديون؛ بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، أدَّى ذلك إلى التهافُت على البنك؛ حيث نصح العديد من شركات رأس المال الاستثماري، عملاءها، بسحْب الأموال، لكن في 12 مارس، أعلنت الحكومة الأمريكية، أنها ستضمن الودائع لدى البنك؛ ما يطمئن عملاءها السابقين.

«سيليكون فالي»: هو بنك متخصص يخدم الصناعات التقنية والشركات الناشئة، والتي تعتمد بدورها على رأس المال الاستثماري للتمويل.

أين بدأت المشكلة؟

خلال جائحة «Covid – 19»، وجد البنك نفسه غارقًا في الودائع، والتي استثمرها في السندات الأمريكية والأوراق المالية، المدعومة بالرهن العقاري، بعائد ثابت، ومع ذلك، أدَّت الارتفاعات المتتالية الأخيرة في أسعار الفائدة إلى انخفاض قيمة أصولها، ومع تدهور الظروف الاقتصادية، بدأت الأطراف المتعاملة مع البنك – خاصةً شركات التكنولوجيا التي احتاجت إلى السيولة في الوقت الذي كانوا يكافحون فيه للحصول على التمويل – في سحْب ودائعها؛ ما  دفع البنك لبيْع سنداته بخسارةٍ كبيرةٍ، وتخفيف أسهمه لتغطية عمليات السحب؛ ما أدَّى إلى أكبر فشلٍ لمؤسسة مالية أمريكية، منذ ذروة الأزمة المالية؛ حيث أعلن البنك، أنه خسر 1.8 مليار دولار، في بيْع سندات الخزانة والأوراق المالية.

انهيار البنك هو أحد أعراض المشكلات التي تواجه البيئة المالية الأوسع؛ فالبيئة تزداد صعوبةً، فيما يتعلق بتمويل رأس المال الاستثماري؛ بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، ومع هذا، يتوقع حتى بدون البنك، أن تستمر الشركات الناشئة في مجال إزالة الكربون، في جذْب الاستثمار في “الولايات المتحدة”؛ بسبب قانون خفْض التضخُّم، الذي أصدرته الحكومة الأمريكية، والذي يحفز الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة.

لكن يظل رواد الأعمال في مجال تكنولوجيا المناخ متوترين، فبالرغم من أنه يمكن استبدال قدرة الإقراض لدى البنك بمؤسسات أُخرى، فإن التخفيض المحتمل في الإقراض على نطاقٍ واسعٍ، يمكن أن يكون ضارًا، كما أن البنك كان المفضل لمعظم الشركات الناشئة وأصحاب رأس المال الاستثماري.

خطة الإنقاذ:

تغطي خطة الإنقاذ مشاكل التدفُّق النقدي الفورية، مثل رواتب الموظفين، لكن الخطوة التالية، لا تزال غير واضحة، في وقتٍ يرى محللون، ضرورة أن تقوم الحكومة بتعزيز برامج الإقراض الحالية للشركات الصغيرة؛ حتى لا يتراجع المستثمرون عن الاستثمار في الشركات الصغيرة؛ ما يؤثر حتمًا على الشركات الناشئة الصغيرة، التي تعمل على حلول المناخ.

كما بلغت قيمة القروض التي منحها الاحتياطي الفيدرالي للبنوك الأمريكية، بموجب برنامجٍ جديدٍ، كُشف النقاب عنه، نحو 12 مليار دولار، مع تحرُّك السلطات في «واشنطن»؛ لتخفيف الضغوط عن النظام المالي، في أعقاب انهيار بنك «وادي السيليكون».

وكان الاحتياطي الفيدرالي بالتعاون مع وزارة الخزانة والمؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع، قد كشف عن برنامج القروض؛ لتجنيب بنوك أخرى مشكلات السيولة، التي دفعت بنك «سيليكون فالي» للانهيار.

البنك وأفريقيا:

بنك «وادي السيليكون» يعود بالفائدة على الشركات الأفريقية الناشئة، على سبيل المثال، أقام البنك تعاونًا مع أكبر مركز للتكنولوجيا المالية في أفريقيا، وهو “Africa Fintech Foundry”، في عام 2020؛ لتقديم الخدمات المصرفية والدعم لشركات التكنولوجيا المالية الأفريقية.

ويبدو أن التأثير الفوري على أفريقيا “مختلط”:

فمثلًا صرَّح رئيس شركة “Y-Combinator”، أن العديد من الشركات المتعاملة مع البنك لا يمكنها تقديم كشوف رواتب خلال هذا الشهر، وتمتلك Y-Combinator أكثر من 80 شركة ناشئة أفريقية في محفظتها.

ووفقًا لموقع البنك، كانت «Chipper Cash»، إحدى الشركات الناشئة الأكثر قيمة في أفريقيا، وأحد عملائه، وهي من الشركات التي تستعد لإجراء جولة أُخرى من تسريح العمال، بعد تسريح 12.5٪ من موظفيها العام الماضى.

في المقابل، أشار الصحفي التكنولوجي النيجيري “فرانك إليانيا”، إلى أن التأثير سيكون ضئيلًا، ويرجع ذلك أساسًا إلى حقيقة أن عددًا صغيرًا فقط يتعاملون مع «SVB»، فمثلًا؛ قالت شركة «Future Africa»، وهي واحدة من أكبر صناديق رأس المال الاستثماري التي تُركِّز على أفريقيا: إن “صناديقها لديها قدْر ضئيل من التعامل مع بنك Silicon Valley”، ومع ذلك، أشار الصندوق إلى أن فريقه “يعمل بسرعةٍ كبيرةٍ لبناء علاقات حساب جديدة مع المؤسسات المصرفية العالمية القائمة بمجرد توفُّر الأموال”.

أشكال التأثر:

إن الصعوبة التي تواجهها الشركات الناشئة الأفريقية في فتْح حسابات مصرفية في الولايات المتحدة، ربما تكون قد قامت بحماية القارة من تداعيات أسوأ، ولكن إذا لم تكن الآثار المتتالية واضحة تمامًا بعد، يعتقد المراقبون، أن التداعيات طويلة المدى قد تكون أكثر أهمية.

تعتمد العديد من الشركات الناشئة على الموارد والدعم الذي يقدمه «وادي السيليكون»، مثل الوصول إلى رأس المال الاستثماري، والإرشاد، وشبكة من رواد الأعمال المتشابهين في التفكير، وانهيار البنك يعني أن الشركات الأفريقية ستفقد ذلك.

ونظرًا لأن العديد من الشركات الناشئة الأفريقية تعتمد على «SVB» في كشوف المرتبات والخدمات المالية الأخرى، والتي قد تكون مُعطَّلة الآن أو غير متوفرة تمامًا، فمن المحتمل، أن تواجه صعوبات في دفْع الرواتب، فضلاً عن تسريح العمال وتجميد التوظيف.

أيضًا من المرجح، أن تحجب معظم المستثمرين الأجانب عن استثماراتهم؛ حتى يحين الوقت الذي ستعود فيه الثقة إلى الاستثمار في أفريقيا، ومن المتوقع، أن يتسبب هذا في اضطرابٍ كبيرٍ في عمليات الشركات الناشئة الأفريقية، وقد يؤدي إلى إغلاق بعضها.

خصوصية أفريقيا:

مشهد الاستثمار الأفريقي ليس متنوعًا، فوفقًا لتقريرٍ صادرٍ، عن معهد «توني بلير» للتغيير العالمى، فإنه بين عامي «2014، و 2020»، جاء 57 % من الاستثمار، من رأس المال الاستثماري ومستثمري الأسهم الخاصة، في حين جاء 1 % فقط من مستثمرين مؤسسيين، و 10 % من الشركات، وكان التمويل المحلي للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا نادرًا؛ حيث شارك 22 % فقط من المستثمرين في صفقات رأس المال الاستثماري الأفريقي، مقارنةً بنحو 40 % من أمريكا الشمالية.

انجذب المستثمرون الأجانب وأصحاب رؤوس الأموال المغامرة إلى الشباب والحيوية في القارة وأسواقها غير المستغلة؛ ما أدَّى إلى النمو السريع للشركات الناشئة في أفريقيا في السنوات الأخيرة، ومع ذلك، من المرجح، أن تجعل أزمة «SVB» المستثمرين الأجانب وأصحاب رؤوس الأموال يترددون في الاستثمار في الشركات الناشئة الأفريقية.

مصادر تمويل بديلة:

قد تكون صناديق رأس المال الاستثماري – على وجه الخصوص – أقل استعدادًا للمخاطرة في أعقاب انهيار «SVB»؛ ما قد يؤدي إلى إبطاء تمويل بدْء التشغيل في جميع أنحاء القارة؛ لذا ظهرت دعوات لحماية الشركات الأفريقية، من خلال تقليل الاعتماد على رأس المال الأجنبى، ويرى بعض الخبراء في انهيار «SVB» فرصةً لتعزيز بيئة عمل الشركات الناشئة في أفريقيا وتشجيع زيادة الاستثمار من المصادر المحلية، مع ظهور دول، مثل «نيجيريا، وكينيا، وجنوب أفريقيا»، كنقاطٍ ساخنةٍ للابتكار وريادة الأعمال.

ومن أجل أن تكون هذه الاستثمارات المحلية قادرة على مجاراة الحجم الحالي للاستثمار الأجنبي، فهناك حاجة إلى وجود اتفاقٍ بين أصحاب المصلحة مع الحكومة الأفريقية المعنية لتعزيز ثقتهم، وكذلك تعبئة الموارد.

كذلك يمكن الاستفادة من مصادر التمويل البديلة، مثل «التمويل الجماعى، والمنح»؛ حيث أصبحت منصات التمويل الجماعي، مثل «Kickstarter، و Indiegogo» ذات شعبية متزايدة في السنوات الأخيرة؛ ما يُوفِّر طريقةً للشركات الناشئة لجمْع الأموال مباشرة من عملائها وداعميها.

من ناحية أُخرى، يمكن أن تكون المِنَح المقدمة من منظمات، مثل «بنك التنمية الأفريقي، والبنك الدولي» مصدرًا قَيِّمًا للتمويل للشركات الناشئة، وأخيرًا: يمكن أن يكون المستثمرون المؤثرون الذين يمنحون الأولوية للتأثير «الاجتماعي، والبيئي» على العوائد المالية مصدرًا جيِّدًا للتمويل للشركات الناشئة ذات المهمة الاجتماعية أو البيئية القوية.

التداعيات على مصر:

في حين أكَّد البنك المركزي المصري، أنه لا يوجد أية تداعيات سلبية على القطاع المصرفي المصري تأثُّرًا بالأوضاع المالية التي يتعرض لها بنك «سيليكون فالي»؛ نظرًا لعدم امتلاك البنوك المصرية أية ودائع أو توظيفات أو معاملات مالية لدى البنك، جاءت تراجعات في البورصة المصرية؛ جراء مبيعات المستثمرين الأجانب، وخروجهم من السوق، وسط حالةٍ من الهلع؛ الناجم عن انهيار البنك؛ حيث تتجاوز الخسائر سقْف الـ 3.4 مليار دولار، وفقًا لعضو مجلس إدارة البورصة المصرية “رانيا يعقوب”.

وتأتي التقلُّبات في الأسواق المالية العالمية، في وقتٍ مهم بالنسبة إلى الحكومة التي تخطط لبيْع حصصٍ في شركات مملوكةٍ للدولة لمستثمرين، كجزْءٍ من برنامج الطروحات، وتعرضت خطط الطروحات للتوقف مرات عدة؛ بسبب اضطرابات السوق.

كلمات مفتاحية