إعداد: مروة سماحة/ وسام العربي
تبْرُزُ الحرب “الروسية – الأوكرانية” كأحد أبرز الأحداث المعاصرة محوريةً، تُجسِّدُ التوترات الجيوسياسية والتداعيات المُعقَّدة، ويُعدُّ فهْم هذه الحرب وتقييم تأثيراتها يمثل تحدِّيًا لا غنى عنه؛ لفهم تباين أبعادها المتعددة، وفي هذا السياق، يسعى هذا التقرير إلى استعراض وتحليل تداعيات الحرب “الروسية – الأوكرانية” على المستوييْن الاقتصادي والاجتماعي، فضلًا عن تسليط الضوء على أبرز التطورات على الصعيديْن السياسي والعسكري، والآثار المترتبة على ذلك.
يهدف هذا التقرير إلى توفير رؤية أعمق للتحديات التي تنشأ عن النزاعات المسلحة، وكيفية التعامل معها؛ من أجل تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة وخارجها، من خلال تقديم تحليل موضوعي وشامل، سيتم تسليط الضوء على الأبعاد المختلفة للحرب “الروسية – الأوكرانية”، والتأثيرات التي لم تقتصر على الأوضاع المحلية فحسب، بل امتدت لتشمل الأبعاد الإقليمية والدولية.
أبرز التطورات على الصعيد السياسي
موسكو تتولَّى رئاسة مجلس الأمن. . وتعهُّد أوروبي بالتصدِّي لأي انتهاك
وقفت موسكو أمام وابلٍ من الانتقادات الحادة على إثر تولِّيها رئاسة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في الأول من أبريل العام الجاري، وجاء ذلك بالتزامن مع استمرار الحرب بينها وبين أوكرانيا، واتهامات بارتكاب جرائم حرب تحاصر الرئيس الروسي بوتين.
وفي ضوء ذلك، أثار هذا القرار حفيظة الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، كذلك استنكر الفشل الكامل للأمم المتحدة، واعتبرها صفعةً لمجلس الأمن.
على الوتيرة نفسها، استنكرت الدول الغربية ذلك القرار، ووصفته بكذبة أبريل، في حين اعتبرت روسيا ذلك كراهية غربية جماعية.
وفي ذلك الصدد، حثَّت الولايات المتحدة موسكو على “التصرف بشكل احترافي” عندما تتولَّى هذا الدور، مؤكدةً أنه لا توجد وسيلة لمنع موسكو (العضو الدائم في مجلس الأمن) من تولِّي المنصب.
وكان آخر مرة تولَّت فيها موسكو الرئاسة الدورية للمجلس المسؤول عن حفظ السلام ومواجهة أعمال العدوان دوليًّا، في فبراير 2022، حينما بدأت قواتها الحرب الشاملة ضد أوكرانيا، وفي تلك الأثناء، استخدمت روسيا حقَّ النقض (الفيتو)؛ لمنع تبنِّي قرار في مجلس الأمن الدولي يدين قيامها بضم 4 مناطق أوكرانية (دونيتسك، ولوغانسك، وخيرسون، وزابوريجيا)، فيما امتنعت كُلٌّ من “الصين، والهند، والبرازيل، والغابون” عن التصويت، ومشروع القرار الذي أعدته “الولايات المتحدة، وألبانيا” أيَّدته 10 دول أعضاء.
هل من الممكن طرْد دولة عضو دائم في مجلس الأمن؟
لم يسبق أن حدث ذلك، في تاريخ الأمم المتحدة منذ إنشائها عام 1945، أن طردت دولة منها، مع أنه جرى تعليق عضوية بعض الدول فيها، بموجب المادة الـ5 من الميثاق، كما في حالة جنوب أفريقيا تحت حكم نظام الفصل العنصري، ما بين أعوام 1970-1974، ولم تشارك جنوب أفريقيا في أنشطة الجمعية العامة إلا عام 1994، بعد انهيار نظام الأبارتهايد فيها، ولكن حتى تعليق العضوية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، يحتاج موافقة مجلس الأمن؛ إذ تنصّ المادة الـ5، على أنه “يجوز للجمعية العامة أن توقف أيَّ عضو اتخذ مجلس الأمن قِبَله عملًا من أعمال المنع أو القمع، عن مباشرة حقوق العضوية ومزاياها، ويكون ذلك بناءً على توصية مجلس الأمن، ولمجلس الأمن أن يردّ لهذا العضو مباشرة تلك الحقوق والمزايا”؛ ما يعني أن أيَّ محاولةٍ لتعليق عضوية روسيا سيكون شبه مستحيل.
والجدير بالذكر، أنه يجري تناوب الرئاسة أبجديًّا كل شهر بين الأعضاء، البالغ عددهم 15، وعلى رغم أنها خطوة روتينية إلى حدٍّ كبيرٍ، تعهَّد الكرملين ومسؤولون آخرون في روسيا، أنها “ستمارس كل حقوقها” في أثناء تولِّي المنصب.
كيف انتهت قمة الناتو في ليتوانيا؟
انطلقت في العاصمة الليتوانية (فيلنيوس) قمة لحلف شمال الأطلسي (ناتو)؛ لمناقشة عددٍ من الملفات، أبرزها: “دعم أوكرانيا وآليات انضمامها للحلف، ووضع آليات دفاع ضد روسيا، وانضمام السويد للحلف”، والجدير بالذكر، أن انعقاد قمة الناتو في ليتوانيا وعلى حواف الحدود الروسية، مثل رسالة واضحة لروسيا، بأن “أمريكا، والناتو” أصبحا على حدودها، خاصةً بعد أن أصبح بحر البلطيق بحيرة تابعة للناتو؛ ما يكرس لمعادلة أمنية جديدة في شرق أوروبا.
وشهدت القمة انقسامًا واضحًا بين حلفاء الناتو، بشأن انضمام أوكرانيا للحلف، فتدعم ذلك القرار الدول المجاورة لـ(كييف)، وتطالب بتحديد جدول زمني واضح لانضمامها، وعلى النقيض، تمَّ التأكيد في مخرجات القمة، أن أوكرانيا غير مستعدة للانضمام لحلف الناتو؛ لعددٍ من الاعتبارات، أهمها؛ عدم ترحيب كثيرٍ من دول الحلف لانضمام (كييف)، وعلى رأسهم؛ “ألمانيا، وإيطاليا، واليونان”؛ حيث إن دعوة أوكرانيا للانضمام إلى الناتو قد تساهم في إطالة أمد الصراع مع روسيا؛ ما سيفتح جبهات أُخرى للحرب؛ إذ إن جنود الناتو سيكونون مجبرين على السيْر إلى (كييف)؛ لمحاربة الجيش الروسي، في صباح اليوم التالي لقبول عضويتها، علاوةً على ذلك، هناك معضلة قانونية في طلب أوكرانيا، وهي أن الحلف لا يضم أيَّ دولة بداخلها صراع عسكري، وفقًا للمادة الـ٥، وبالتالي، حلف الناتو يجب أن ينظر بطريقةٍ استثنائيةٍ للتعامل مع الطلب الأوكراني، إمَّا أن يقدم العضوية، أو ضمانات تقارب العضوية، خاصةً المادة 5 من ميثاق الحلف، وتمكين أوكرانيا من استخدام قدرات الناتو ومن المعلومات الاستخباراتية.
“أردوغان” يتخلَّى عن معارضته لانضمام السويد إلى حلف الناتو
بعد قمة ثلاثية، جمعت كلًّا من “الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء السويدي أولف كريسترسون، والأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ” على هامش قمة الناتو، أعلن “ستولتنبرغ”، أن “أردوغان” وافق على إحالة بروتوكول انضمام السويد إلى مجلس الأمة التركي في أقرب وقتٍ ممكنٍ، والعمل عن كثب مع المجلس؛ لضمان التصديق عليه.
وأخيرًا؛ وافقت أنقرة على طلب السويد في الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، بعد عام من الممانعة، وكان لسياسة تركيا غير المتوقعة، بتأييدها لوجود السويد في حلف شمال الأطلسي، بعد عرْض الأمر على البرلمان التركي، دلالة على تحوُّل مرتبط بكثير من النقاشات السياسية بين تركيا وشركائها في الغرب، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، التي وافقت بإمداد أنقرة بطائرات ”إف – 16”، فضلًا عن الاتفاق الثلاثي، بين كُلٍّ من: “تركيا، والناتو، والسويد”، والذي ناقش قضايا الإرهاب التي تواجهها تركيا، المنبثقة من جماعة الأكراد، وفي مقابل تلك السياسة المنفتحة من جانب تركيا غير المتوقعة، من الممكن أن يقابل ذلك بقبول تركيا في الاتحاد الأوروبي، أو تعزيزها اقتصاديًّا أو عسكريًّا بشكلٍ يشبه المساومة.
وبهذا الشكل، سيصبح الناتو على قرب من موسكو، ويصبح العالم على شفا تهديدٍ كبيرٍ غير محتملٍ.
انسحاب روسيا من اتفاقية تصدير الحبوب
أعلن الكرملين في الآونة الأخيرة، قرار انسحابه من اتفاقية لتصدير الحبوب والأسمدة عن طريق البحر من أوكرانيا، والتي توسَّطت فيها الأمم المتحدة وتركيا سابقًا، وهذا من شأنه، الحدُّ من صادرات المواد الغذائية الأوكرانية الحيوية، التي تساهم في إطعام ما يقرب من 400 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، قبل عام 2022، وذلك وفقًا لبرنامج الغذاء العالمي.
ويمكن النظر إلى ذلك الانسحاب، على أنه جزء من إستراتيجية تفاوضيةٍ؛ لتخفيف العقوبات، والحصول على مزيدٍ من حريّة المناورة.
ويصف مراقبون ذلك الفعل، بأنه يعتبر ممارسة معتادة لروسيا في تشريط الإجراءات الإنسانية بالامتيازات التي تخدم مصالحها العسكرية والاقتصادية والسياسية، مثلما فعلت مع المفاوضات السابقة، بشأن اتفاقية تصدير الحبوب، ومرات عديدة بشأن عمليات تسليم المساعدات في سوريا، وتشمل المطالب المحددة في هذه الحالة، إعادة إدراج البنك الزراعي الروسي ضمن نظام “سويفت”؛ ما سيسمح لروسيا باستيراد قطع غيار للآلات الزراعية، وإلغاء تجميد الأصول الأخرى، وتدَّعي موسكو أن الاتفاقية المعروفة باسم “مبادرة حبوب البحر الأسود” لم تُسْفِر عن فوائد لروسيا، لكن هذه الجولة من الضغط؛ هدفها بالتأكيد تخفيف ضغط العقوبات.
وردًّا على ذلك، أعلنت أوكرانيا عن “ممر إنساني” على مقربة من الساحل الغربي للبحر الأسود، بالقرب من “رومانيا، وبلغاريا”، وعَبَرَتْ الممر الأسبوع الماضي، سفينة حاويات ترفع علم هونغ كونغ، كانت عالقةً في ميناء أوديسا منذ الحرب، دون أن تتعرض لإطلاق نار.
حرب الحدود.. ليتوانيا تغلق معبريْن أمام بيلاروسيا
أغلقت سلطات ليتوانيا معبريْن من المعابر الـ6 الحدودية مع بيلاروسيا، وأفاد قائد جهاز حرس الحدود الليتواني، أن إغلاق المعبريْن اللذين يُستخدمان بشكل أساسي لعبور الأشخاص والمركبات الخفيفة، لن يكون له تأثير على حركة البضائع عبر الحدود.
وهذا الفعل، ندَّدت به (مينسك) واعتبرته قرارًا غير بنَّاء وغير وُدِّيٍّ، وعلى غرار ذلك، تدرس بولندا أيضًا قرار غلْق الحدود أمام (مينسك) منذ أسابيع، وترتب على ذلك حالة من التوتُّر المتصاعد.
وتبقى التدريبات التي أعلنت عنها ليتوانيا، ضمن رسائل الدول التابعة للحلف إلى حلفاء روسيا بالتهديد، وإعلان درجات الاستعداد للحرب، أو مواجهة أيِّ تهديد من حلفاء موسكو، وعلى رأسهم بيلاروسيا؛ حيث إن بيلاروسيا هي جزء من روسيا، وموسكو تعتبرها حديقة خلفية لها، ووضعت بها صواريخ تكتيكية نووية؛ هدفها الأول هو استخدامها حال فشلها في حسْم المعركة الحالية مع (كييف)، كما أنها تستخدمها بالفعل، ولكن على نطاق محدود؛ حيث تستخدم موسكو مطارات (مينسك) كنقطة انطلاق للعديد من عملياتها الجوية في أوكرانيا.
مقتل قائد فاغنر.. ملف يشوبه التساؤلات
توفي مؤسس مجموعة مرتزقة فاغنر، يفغيني بريغوجين، بعد تحطم طائرته الخاصة، شمال العاصمة الروسية موسكو، في ظلِّ العديد من الظروف المشكوك فيها.
وقالت وسائل إعلام روسية رسمية: إن “بريغوجين” كان على متن طائرة خاصة، تحطمت في منطقة تفير الروسية، شمال مدينة موسكو، وقتلت 10 أشخاص.
وقال محللون: إن الفاعل الحقيقي لذلك الاغتيال هو الرئيس بوتين؛ وذلك لعدة أسباب، أبرزها؛ غضب بوتين جرَّاء التمرُّد المسلح الذي قام به “بريغوجين” في يونيو الماضي، وتشدَّد الكرملين حيال أيِّ معارضة لاندلاع حرب أوكرانيا سابقًا.
ومن جهة أخرى، يرى البعض – منها الروايات الروسية – أن ذلك ما هو إلا انتقام لوجود فاغنر في أوكرانيا.
أبرز التطورات على الصعيد العسكري
أمريكا تدعم أوكرانيا بالقنابل العنقودية لصدِّ الهجوم الروسي
أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية رسميًّا، تزويد أوكرانيا بالقنابل العنقودية، وذلك ضمن المساعدات العسكرية لدعم أوكرانيا في هجومها ضد روسيا، وتوقَّع الخبراء دخول الحرب مرحلة أعنف، بعد إعلان أوكرانيا استلام دفعة أمريكية من القنابل العنقودية المُحرَّمة دوليًّا، وقد تثير هذه الخطوة انتقادات شديدة من قِبَلِ جماعات حقوق الإنسان؛ لأن هذا النوع من الأسلحة محظورٌ من جانب الكثير من الدول، وفْق اتفاقية الذخائر العنقودية لعام 2008م.
ويمكن القول: إن الولايات المتحدة الأمريكية تواصل جهودها؛ بهدف إنجاح الهجوم الأوكراني المضاد، من خلال إمداد أوكرانيا بالقنابل العنقودية، لا سيما بعدما تكبدت (كييف) خسائر فادحة في هجومها المضاد، دون أن تحقق انتصارات ميدانية، وسوف يعتمد تأثير القنابل العنقودية في الحرب الأوكرانية على كيفية استخدامها، فإذا تم استخدامها بشكل مقتصد وضد الأهداف العسكرية، فقد تكون مفيدةً لأوكرانيا، أمَّا إذا تمَّ استخدامها بشكلٍ عشوائيٍّ، فقد يكون لها تأثير مُدمر في المدنيين، وعلى الصعيد الآخر، ستتجه روسيا إلى دراسة الخيارات المتاحة للرد على هذا التصعيد، سواء من خلال استهداف شحنات الأسلحة الأمريكية إلى أوكرانيا، أو من خلال استخدام قنابل عنقودية مماثلة.
روسيا تشُنُّ حرب الحبوب ردًّا على الدعم الغربي لأوكرانيا
بعد حالة من التصعيد في الإمدادات العسكرية الغربية، والتي تتمثل في زيادة حصة أوكرانيا من الأسلحة وتزويدها بطائرات الـ F16 والقنابل العنقودية المدمرة، كذلك استهداف أوكرانيا لمناطق في موسكو، كان آخرها المطار، كان ردُّ روسيا على ذلك، يتمثل في انسحابها من اتفاقية الحبوب التي سبق وأبرمتها العام الماضي، وأخذت تضرب في صوامع تخزين خاصة بالحبوب والمنتجات الأوكرانية، وتسْخر من الدعم الغربي لأوكرانيا، ومدى هشاشته أمام السلاح الروسي.
وفي السياق المتأجج من الصراع، أعلن “زيلنيسكي” عن بدْء الطيارين الأوكران التدريب على طائرات الـF16 ، وأن ذلك التدريب سيستمر لقرابة 6 أشهر، ويرى مختصون، أن تلك المدة غير كافية مطلقًا لتدريب الجنود بشكلٍ محترفٍ يجعلهم يحققون انتصارات أمام الخطر الروسي.
ثالثًا: التداعيات الاقتصادية للحرب
أظهرت التقارير والبيانات الاقتصادية منذ بداية الحرب تأثيرات كبيرة على الاقتصاد العالمي؛ حيث تراجعت وتيرة النمو الاقتصادي العالمي، وشهدت الأسواق المالية تقلُّبات حادة، وازدادت أسعار السلع الأولية بشكلٍ ملحوظٍ؛ نتيجة انقطاع سلاسل التوريد، والقلق من تباطؤ النمو وزيادة التضخم، وقد تأثرت مختلف قطاعات الاقتصاد العالمي من الزراعة إلى الطاقة والتجارة بالتبعات السلبية للنزاع، وارتفعت أسعار السلع الأولية، مثل الغذاء والطاقة؛ ما أثَّر على مؤشرات التضخم في العديد من الدول، بالإضافة إلى تعرُّض الاقتصادات المجاورة للاضطرابات في سلاسل التوريد والتجارة؛ ما أثَّر على أنشطة الإنتاج والتصنيع، وتعكس تداعيات الحرب على الاقتصاد العالمي أهمية الاعتماد المتبادل بين الدول والقطاعات الاقتصادية المختلفة، فإذا كانت أوكرانيا وروسيا من أكبر منتجي السلع الأولية، مثل القمح والنفط، فإن توقف سلاسل التوريد وزيادة الأسعار لهذه السلع يؤثر على العديد من القطاعات حول العالم، فضلًا عن كوْن التأثيرات المباشرة على الاقتصادات، فقد تسبَّبت الحرب في نقلات في نفسية المستثمرين والأعمال؛ ما أدى إلى خفْض ثقتهم في الاقتصاد، وزادت حالة عدم اليقين، وأثَّر ذلك على أسعار الأصول والأوضاع المالية.
أثَّرت الحرب بشكلٍ كبيرٍ على الاقتصاد العالمي؛ حيث كلفت الاقتصاد العالمي حوالي 1.3 تريليون دولار، خلال عام 2022، وقد تأثرت الاقتصادات الغربية بشكلٍ كبيرٍ؛ حيث فقدت ثلثيْ إنتاجها العالمي، وقد شملت تداعيات الحرب مشاكل إمدادات الطاقة والمواد الخام؛ ما أثَّر بشكلٍ كبيرٍ على الشركات في جميع أنحاء العالم، وأسعار الطاقة المرتفعة أدَّت إلى تضخم مؤقت، وانخفضت قوة الشراء لدى الأسر، وتشير التوقعات إلى أن استمرار الحرب لعام آخر قد يكلف الاقتصاد العالمي تريليون دولار إضافي، كما أن النقص في المواد الخام وعدم اليقين من المستقبل سيظلان يؤثران على التكاليف والاستثمارات، ورفع صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي بشكلٍ طفيفٍ، في عام 2023.
تمثل أصداء الحرب ضربة قوية للاقتصاد العالمي؛ حيث الشعور بتباطؤ النمو وزيادة سرعة التضخم، تأتي هذه التأثيرات من خلال 3 قنوات رئيسية:
- أولاً: ارتفاع أسعار السلع الأولية، مثل الغذاء والطاقة؛ ما رفع من معدلات التضخم؛ وبالتالي قلَّل من قيمة الدخول وأثَّر على الطلب.
- ثانيًا: تعاني الاقتصادات المجاورة من انقطاعات في التجارة وسلاسل الإمداد وتحويلات العاملين في الخارج، بالإضافة إلى زيادة تدفقات اللاجئين.
- ثالثًا: أدَّى تراجع ثقة مجتمع الأعمال وزيادة عدم اليقين لضعف أسعار الأصول؛ ما أثَّر على الأوضاع المالية، وقد شجَّع على انسحاب رؤوس الأموال من الأسواق الصاعدة.
بما أن روسيا وأوكرانيا من أكبر منتجي السلع الأولية، تسبَّبت انقطاعات سلاسل الإمداد في ارتفاعٍ حادٍّ للأسعار العالمية، خاصةً فيما يتعلق بأسعار النفط والغاز الطبيعي، وقد تأثرت تكاليف الغذاء أيضًا بزيادة سعر القمح؛ حيث تشكل أوكرانيا وروسيا معًا نحو 30% من صادرات القمح العالمية، وعلى صعيد كبرى أسواق التصدير، تُضيف التحديات إلى التأثيرات السلبية التي يُخلفها الصراع؛ إذ تشهد اليابان وكوريا تداعيات مماثلة، وتقديم دعم جديد في مجال النفط قد يساهم في تخفيف تأثير تلك الآثار، وبالنظر إلى ارتفاع أسعار الطاقة، من المتوقع أن يزيد التضخم في الهند، والتي بلغت بالفعل الحدَّ الأعلى المستهدف من قِبَلِ البنك المركزي.
بالإضافة إلى تراجُع ضغوط أسعار الغذاء في آسيا؛ نتيجةً للإنتاج المحلي، والاعتماد على الأرز أكثر من القمح، ورغم ذلك، تؤدي الواردات المكلفة للمواد الغذائية والطاقة إلى زيادة أسعار المستهلكين، على الرغم من أن وجود دعم وحدود عُليا لأسعار الوقود والغذاء والأسمدة قد يُخفِّف من تأثيرها المباشر، ومع ذلك المالية العامة هي التي ستتحمل تكاليف هذه الإجراءات، ولا تقتصر التأثيرات العالمية للحرب فقط على روسيا وأوكرانيا، بل تمتد إلى المنطقة والعالم بأكمله، وتُظهر هذه الصدمة أهمية وجود شبكة أمان عالمية وترتيبات إقليمية لحماية الاقتصادات من التحديات المشابهة، وتُعبِّرُ مديرة صندوق النقد الدولي عن هذا المفهوم، مُشددةً على ضرورة تعاون الدول لمواجهة التحديات، بالرغم من أن الصورة الكاملة للآثار قد لا تكون واضحة حتى بعد مرور فترة طويلة، إلا أن هناك إشارات واضحة تشير إلى أن قفزة تكاليف السلع الأولية الأساسية نتيجة للحرب؛ ستزيد من تعقيد مهمة صانعي السياسات في مواجهة تحديات تحقيق توازن بين احتواء التضخم ودعم عمليات التعافي الاقتصادي بعد الجائحة، وتواجه اقتصادات دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أزمات متعددة، خاصة فيما يتعلق بالغذاء والطاقة، فقد أدَّت حرب روسيا على أوكرانيا إلى ارتفاع الأسعار بشدة مع اختلال سلاسل التوريد، وتداعيات هذه الحرب وصلت إلى الأُسر العربية.
التداعيات امتدت إلى الأسواق العربية؛ بسبب تعطيل طرق التجارة وسلاسل التوريد؛ ما أثَّر على النشاط الاقتصادي في أوكرانيا وروسيا، بالإضافة إلى فرْض العقوبات الاقتصادية على روسيا، وتأثر دوائر الإنتاج وموانئ التصدير الأوكرانية، أثر أيضًا على التجارة العالمية، ومنها المبادلات التجارية بين الدول العربية و”روسيا، أوكرانيا”؛ حيث تتعامل الكثير منها مع طرفيْ النزاع تصديرًا واستيرادًا، وقد تأثرت مبادلات التجارة بين الدول العربية و”روسيا، أوكرانيا” بشكلٍ كبيرٍ؛ حيث انخفضت حجم التبادل التجاري؛ بسبب تعطيل السلاسل اللوجستية والتجارية؛ ما أدَّى إلى زيادة أسعار السلع والمنتجات المستوردة، وأثَّر على القوى الشرائية للأسر العربية، وزاد من تحديات مواجهة التضخم.
رابعًا: التداعيات الاجتماعية للحرب:
- النزوح واللاجئين: تسببت الحرب في نزوح مئات الآلاف من الأوكرانيين من منازلهم؛ ما أدَّى إلى تشتُّت الأسر والتمزُّق الاجتماعي، وتفرض هذه الأوضاع عِبْئًا نفسيًّا واجتماعيًّا ضخمًا على النازحين واللاجئين؛ حيث يجدون أنفسهم يواجهون تحديات كبيرة في البحث عن مأوى آمن وظروف معيشية لائقة، وتتفاقم الصعوبات عندما يتعلق الأمر بالأطفال وكبار السن، الذين يصبحون أكثر عرضةً للتهميش والتأثُّر بالظروف القاسية.
- الأثر النفسي والعقلي: يعاني الأفراد في المناطق المتأثرة بالحرب من آثار نفسية وعقلية خطيرة كالقلق المستمر والخوف من العنف وفقدان الأحباء؛ ما يؤثر سلبًا على الصحة النفسية للأفراد، ويُعرِّض الأطفال والشباب لخطر تطور مشاكل نفسية أكبر، وقد يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة والقلق المستمر.
- تفكُّك الأُسر والمجتمعات: يؤدي التشرُّد والنزوح إلى تفكك الأسر والعائلات؛ ما يؤثر على البنية الاجتماعية للمجتمع؛ فالأطفال والشباب يمكن أن يتبعوا طرقًا مختلفة، ويعيشوا بعيدًا عن أولياء الأمور؛ ما يجعلهم أكثر عرضةً للخطر.
- التوترات الاجتماعية والانقسامات: زادت الحرب من التوترات الاجتماعية الموجودة بالفعل بين مجموعات مختلفة داخل المجتمع، وتصاعد الانقسام القائم بين مختلف الجماعات الدينية والعرقية والقومية؛ نتيجةً للاشتباكات والتوترات المستمرة.
- التعليم والبنية التحتية: تأثرت البنية التحتية والخدمات الأساسية بالتدمير والتخريب الناتج عن الحرب؛ ما أثَّر على الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية والخدمات الأساسية، ولا تزال الصعوبات التي يواجهها الأفراد في الحصول على الخدمات الضرورية تتصاعد.
- الانخراط في الصراعات والتطرف: تتيح الأوضاع المستقرة الناجمة عن الحروب الفرصة للتطرف والانخراط في صراعات مسلحة أو تنظيمات إرهابية، يمكن أن يتم تجنيد الشبان والشابات في هذه التنظيمات؛ نتيجةً للفراغ الاجتماعي وعدم الاستقرار.
وفي الختام:
من المتوقع أن تستمر الحرب “الروسية – الأوكرانية” بدون حسْم أمام الوضع الميداني الحالي، وكذلك استمرار حالة التصعيد بين الطرفيْن، ولا سيما بعد تزايد عزْم الدول الغربية بتزويد أوكرانيا بالعتاد والأسلحة في قمة الناتو الأخيرة، والسماح لأوكرانيا باستخدام القنابل العنقودية من قِبَلِ الولايات المتحدة الأمريكية؛ ليتسع نطاق الحرب؛ فتصير حربًا روسية ضد الناتو؛ ما يجعل روسيا تزداد انهماكًا في الحرب، واستئناف عملياتها العسكرية كفرصة لاستعراض قوتها، ومدى صمودها أمام الغرب، واستخدامها لحبوب الغذاء كوسيلة للحدِّ من الدعم الغربي؛ لتثبت أن لديها كل المقومات التي تجعلها طرفًا في نظام دولي متعدد القطبية.
وبصدد الدعم الغربي العسكري لأوكرانيا خلال الفترة الحالية، فمن المتوقع، عدم استسلام الجيش الأوكراني وصموده أمام الرُّوس، وهذا يظهر في خلْق ممر إنسانيٍّ جديدٍ في ميناء أوديسا بالبحر الأسود، لا سيما أن دولًا غربيةً، مثل (ليتوانيا، وبولندا)، تشْرَع في غلْق بعض المعابر أمام بيلاروسيا الحليفة لروسيا؛ لتُضيِّقَ الخناق عليها وتدعم أوكرانيا.