إمكانية التنسيق الصيني-الأمريكي لاحتواء الحرب الإسرائيلية على غزة

إعداد: رضوى الشريف

باحث متخصص في الشرق الأوسط

في زيارة طال انتظارها، قام وزير الخارجية الصيني وانغ بزيارة إلى واشنطن الخميس 26 أكتوبر والتقى بنظيره أنتوني بلينكن ومستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان، ليصبح بذلك أكبر مسؤول صيني يزور الولايات المتحدة منذ ما يقرب من خمس سنوات. وجاءت تلك الزيارة لإجراء محادثات تتناول سبل “إدارة” التوترات بين البلدين والتمهيد على الأرجح لزيارة محتملة للرئيس الصيني شي جينبينغ للولايات المتحدة قبل نهاية العام.  وكان آخر اجتماع بين الرئيسين على هامش قمة مجموعة العشرين في الجزيرة الإندونيسية، الذي عُقد في نوفمبر الماضي.

لا شك بأن العلاقات بين البلدين متوترة بشكل ظاهر بسبب ملفات عدة أبرزها الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة تايوان وما تعتبره الولايات المتحدة تحركات صينية توسعية في المياه المجاورة للفيليبين، إلا أن تلك الزيارة تأتي في سياق مختلف عجَل من حدوثها، حيث ترى بكين أن منطقة الشرق الأوسط تقترب على حفا حرب إقليمية واسعة على خلفية العدوان الإسرائيلي على غزة والذي يلقي بتهديدات خطيرة على مصالحها في المنطقة.

يوجد مقاربات مختلفة لدى كل من الولايات المتحدة الأمريكية والصين تجاه الحرب الجارية على غزة، فبينما تدعم أمريكا بشكل قوي إسرائيل للدفاع عن نفسها، تحاول الصين بذل بعض الجهود الدبلوماسية لاحتواء الصراع، حيث دعت إلى “عقد مؤتمر دولي أقوى وأوسع نطاقاً وأكثر فاعلية في أسرع وقت ممكن لدعم استئناف محادثات السلام”. كذلك، طالبت المجموعة العربية في مجلس الأمن تطالب بوقف فوري لإطلاق النار، في أعقاب جلسة للمجلس على مستوى وزراء الخارجية لبحث الوضع في فلسطين والحرب على غزة.

الموقف الصيني تجاه الحرب الجارية على غزة

كان الموقف الصيني من الحرب الإسرائيلية على غزة منذ عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر واضحًا ومحددا كالآتي:

  • عبرت بكين عن القلق الشديد إزاء التصعيد والعنف، مشيرةً إلى فلسطين وإسرائيل كطرفين في أعمال العنف. ولم تأت على ذكر فصائل بعينها. ومن المعلوم أن الصين قد اعترفت منذ العام 1988 بالدولة الفلسطينية التي أعلنت قيامها منظمة التحرير الفلسطينية. كما أنها ترى أن فلسطين قد تعرضت لظلم تاريخي يحتاج من المجتمع الدولي أن يقف إلى جانب الحق والعدالة.
  • دعوة الطرفين للتحلي بضبط النفس وإيقاف الأعمال العدائية لحماية المدنيين.
  • التأكيد على ضرورة إحياء عملية السلام وأن المخرج الأساسي من هذه الحلقة المفرغة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو في إقامة دولة فلسطينية مستقلة في إطار حل الدولتين.
  • دعوة المجتمع الدولي للتحرك سريعاً، ويزيد من اهتماماته بالقضية الفلسطينية، ويسهل عملية المفاوضات، ويوجد السبل اللازمة لكي يتحقق السلام الدائم. وطالما أن الصين جزء من هذا المجتمع الدولي فإنها في النقطة السابعة أكدت على مواصلتها العمل مع المجتمع الدولي من أجل تحقيق ذلك.

يطرح الموقف الصيني العديد من الأسئلة حول مكانة القضية الفلسطينية ضمن أولويات الدول الكبرى، والجهود التي يتم بذلها لحل هذا الصراع. ومن الضروري أيضًا التأمل في موقف الصين كواحدة من أبرز القوى الدولية تجاه هذه القضية.

ورغم أن الصين لم تتجه نحو الانحياز لطرف عن الآخر وأكدت على الحاجة لتجنب تصعيد العنف، إلا أن هذا الموقف لم يلقى استحسانًا من إسرائيل. كانت إسرائيل تتوقع توجيه انتقادات واضحة للفلسطينيين. وفي هذا السياق، اعتبر يوفال واكس، المسئول الإسرائيلي للسفارة في بكين، أن الظروف لا تسمح بالنقاش حول فكرة حل الدولتين الآن. وفي الجانب الآخر، أعرب زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأمريكي، تشاك شومر – الذي قاد وفدًا إلى بكين – عن خيبة أمله من الموقف الصيني، معتبرًا أنه لم يظهر التعاطف الكافي مع إسرائيل في هذه الأزمة.

وفي مقارنة مع القوى العالمية الأخرى، يظل موقف الصين مغايرًا للموقف الأمريكي والغربي بشكل عام، حيث وقفت هذه القوى بحزم مع إسرائيل. وهذا الموقف الصيني يتميز أيضًا باختلافه عن مواقف اليابان وكوريا الجنوبية التي أدانتا أفعال المقاومة الفلسطينية بشدة.

كيف تنظر الصين إلى القضية الفلسطينية؟

يستند الموقف الصيني من الحرب على غزة إلى جذور تاريخية وسياسية؛ فالصين سبق وأن أقرت بالدولة الفلسطينية، ودعمت انضمامها كعضو مراقب في الأمم المتحدة في 2012. وكانت أيضا من المروجين للقرار الذي تم تقديمه للجمعية العامة بهذا الشأن.

وبعيدًا عن ذلك، تعتبر الصين القضية الفلسطينية بمثابة قضية محورية وأساسية في الشرق الأوسط، وتحتل مكانة خاصة من حيث الأهمية. ولذلك، ترى الصين الحاجة الملحة للتركيز الدولي عليها للوصول إلى حل عادل. كما أوضح الرئيس الصيني شي جينبينج، فإن تجاهل القضية الفلسطينية أو وضعها جانبًا لا يعد خيارًا. وركز على أهمية استئناف مفاوضات السلام وتنفيذ الاتفاقيات المبرمة، مع التأكيد على أسس العدل والمساواة.

من ناحية أخرى، تعتبر الصين أن الجانب الاقتصادي يجب أن يتم مرافقته مع الأبعاد السياسية، وتشدد على أهمية إعادة الإعمار. وتقف الصين على موقف حازم من إسرائيل كقوة احتلال، مؤكدة على مسؤولياتها بموجب اتفاقية جنيف الرابعة. وتعتبر أن الأعمال التي تقوم بها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967 تتعارض مع القوانين الدولية، بما في ذلك الاستيطان المستمر، الذي يخترق القرارات الدولية المتعلقة بهذا الموضوع.

المقترح الصيني للسلام

في عام 2013، طرحت الصين مقترحًا مكونًا من أربع نقاط لحل القضية الفلسطينية، ويعد الهدف الرئيسي من المقترح هو تأسيس دولة فلسطينية مستقلة بكامل سيادتها على حدود 1967 مع القدس الشرقية كعاصمة لها، معتبرةً هذا حقًا للشعب الفلسطيني وأساسًا لحل القضية. في المقابل، يؤكد المقترح على حق وجود إسرائيل وضرورة احترام مخاوفها الأمنية، ويشدد على ضرورة التعايش السلمي بين الطرفين.

وتركز النقطة الثانية من المقترح على أهمية الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين كوسيلة لتحقيق السلام. وتحمل الصين الطرفين المسئولية لتحقيق ذلك بناءً على التفاهم المتبادل. وتُبرز الحاجة لوقف العنف ورفع الحصار والتعامل مع قضية السجناء ووقف الاستيطان، مع تأكيد أهمية المصالحة الفلسطينية لدعم عملية السلام.

وتشير النقطة الثالثة إلى أهمية الالتزام بقرارات الأمم المتحدة ومبادرة السلام العربية ومبدأ “الأرض مقابل السلام”. أما النقطة الرابعة فتتناول الدور العالمي في تقديم الضمانات لتحقيق تقدم في المفاوضات، مع التأكيد على الحاجة لتقديم المساعدة لتنمية فلسطين اقتصاديًا.

وفي إطار جهودها لتعزيز السلام في المنطقة، قامت الصين بتعيين مبعوث خاص للشرق الأوسط في عام 2002، مما يعكس الاهتمام الصيني بالموضوع. وتظل مبادرة الحزام والطريق الصينية متأثرة بأوضاع المنطقة، مع الاعتراف بالدور الذي يمكن أن تلعبه في تعزيز التعاون الإقليمي.

فرص التنسيق الصيني – الأمريكي لاحتواء حرب غزة

في إطار الموقف الصيني السالف ذكره، أبدت إسرائيل استياءها من التوجه الصيني، مشيرة إلى أن الوقت غير مناسب للحديث عن حل الدولتين؛ فإسرائيل في هذه المرحلة مأخوذة من درجة الجرأة في محاربة الفصائل الفلسطينية ولكل من يتجرأ على دعم المقاومة؛ أي أذرع إيران، الأمر الذي يدفعها بغريزة الانتقام.

لكن السؤال الملح هو: إلى متى وحتى أي حد؟، وإلى أي مدى يمكن أن تدافع الولايات المتحدة عن إسرائيل؟

وللإجابة على هذا السؤال، يجب التأكيد على أن الموقف الأمريكي تجاه الوضع الراهن ليس بالمفاجئ على أحد، حيث تعهدت الولايات المتحدة منذ بداية هجوم السابع من أكتوبر بدعمها القوي لإسرائيل، وعززت ذلك بمساعداتها العسكرية، كما أوضح الرئيس جو بايدن، في أول رد فعل له على هجوم حماس، عندما قال “الولايات المتحدة تدعم إسرائيل دعما مطلقاً”. وأضاف: “أقول كلمة واحدة لأي شخص يفكر في استغلال الوضع: لا تفعل ذلك”.؛ ومن الواضح أن هذا التحذير كان موجهاً لإيران وأذرعها في المنطقة.

ولدى الولايات المتحدة بالفعل حاملة طائرات هجومية في شرق البحر المتوسط، وانضمت إليها حديثاً حاملة أخرى في المنطقة، وتضم كل حاملة طائرات أكثر من 70 طائرة – وهي قوة كبيرة، كما وضع بايدن الآلاف من القوات الأمريكية على أهبة الاستعداد للانتقال إلى المنطقة إذا لزم الأمر.

الدعم الأمريكي “المطلق” هو في واقعه غير “مطلق”

مع الشعور المستمر بآثار الحروب والنزاعات الماضية في المنطقة التي لاتزال تعاني منها أمريكا، يبدو أن واشنطن في موقف صعب خاصة أن القوات الأمريكية في العراق وسوريا تعرضت لهجوم عدة مرات في الأيام الأخيرة، كما اعترضت مدمرة أمريكية موجودة في البحر الأحمر، صواريخ تم إطلاقها من اليمن “يُحتمل” أنها كانت موجهة نحو إسرائيل.

كما يتزايد قلق واشنطن إزاء رغبة بعض كبار المسؤولين الإسرائيليين، ومنهم وزير الدفاع يوآف غالانت، في الدعوة إلى توجيه ضربة استباقية إلى حزب الله، حيث يقول مسؤولون أمريكيون إن إسرائيل ستواجه صعوبة في خوض حرب على جبهتين في وقت واحد إذا شن حزب الله معركة واسعة النطاق في الشمال.

وداخليا، تواجه الإدارة الأمريكية رأي عاما غاضباً بسبب المجازر التي ترتكبها إسرائيل في حق المدنيين الفلسطينيين العزل، حيث يوجد نقد كبير تجاه الدعم الأمريكي لتلك المجازر ويرون أن الإدارة الأمريكية هي من تعطي الضوء الأخضر لإسرائيل لترتكب تلك الإبادة الوحشية، ذلك بجانب اقتراب الانتخابات الأمريكية، فإن أخر ما تريده الولايات المتحدة خلال الفترة القادمة هو التورط في حرب إقليمية، خاصة أن المغامرات العسكرية الأمريكية الأخيرة في المنطقة أثبتت أنها مكلفة سياسياً واقتصادياً ومن حيث عدد الضحايا من الأمريكيين.

لذا فمن المتوقع بأن الدعم الأمريكي لإسرائيل سوف يتعرض عاجلا أم أجلا للضغوط بمجرد أن تنخرط إسرائيل في عمليتها البرية في غزة وتزيد الخسائر في صفوف المدنيين. وبالفعل هذا ما ظهر خلال زيارة الرئيس بايدن لإسرائيل، حيث تداولت بعض الصحف الأمريكية على لسان مسؤولون أمريكيين بأن الدعم الأمريكي لإسرائيل مشروط، وليس مطلق مثلما أشار بايدن؛ فهو يريد من إسرائيل أن تسمح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، ولا يريد أن يرى إسرائيل تحتل قطاع غزة إلى أجلٍ غير مسمىً، وقال بايدن لشبكة سي بي إس إن فعل ذلك سيكون “خطأً كبيراً”، كما قد يكون الدعم الأمريكي أيضاً محدداً بالوقت.

يبدو جلياً أن الولايات المتحدة تطبق استراتيجية (العصا والجزرة) في الحرب على غزة لإبطاء الاجتياح البري للقطاع أو تنفيذه على مراحل؛ فهي تأمل في أن يكون دعمها العسكري لإسرائيل، ووجودها العسكري المعزز في المنطقة كافياً لمنع اتساع الصراع من أجل حماية مصالحها في المنطقة.

وكان اندفاع واشنطن إلى تلك الاستراتيجية، خوفًا من «التهديدات العلنية» باتساع الحرب، والتي ترجمتها تصريحات كبار المسؤولين الأمريكيين لموقع «أكسيوس»، قائلين إن التهديدات باتساع حرب غزة حقيقية ومتصاعدة، مما أجبر البنتاغون على وضع المزيد من القوات الأمريكية في حالة تأهب قصوى للانتشار السريع والتعجيل بأنظمة أسلحة إضافية إلى المنطقة.

تكامل المصالح الأميركية والصينية – في الوقت الحالي

بالرغم من أن واشنطن وبكين تخوضان منافسة شديدة حول التجارة والتكنولوجيا ووضع تايوان. وعلى الرُغم من وجود أدلة متزايدة على أنَّ المنافسة بين الولايات المتحدة والصين قد انتقلت إلى الشرق الأوسط، إلا أن البلدين لديهما مصلحة مشتركة في الاستقرار الإقليمي والحفاظ على موازين القوة – وفي الوقت الحاضر، يُعَدُّ تجنّب حرب إقليمية أوسع هدفًا مشتركًا مُلحًّا. حيث يُذكر أن الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينيكن إلى المملكة العربية السعودية عقب عملية طوفان الأقصى، أجرى بلينكِن مكالمة هاتفية لمدة ساعة مع وزير الخارجية وانغ، حيث أفادت مصادره أنه دعا الصين إلى استخدام نفوذها لثني “الأطراف الأخرى” عن الدخول في الصراع.

فبجانب أن أمريكا تخشى حدوث حرب إقليمية بسبب ما سبق ذكره، فالوضع مختلف بالنسبة للصين حيث تستورد بكين نصف وارداتها الهيدروكربونية من الشرق الأوسط، وتبدو أسواق النفط على حافة الهاوية؛ إذ دفعت الحرب الجارية على غزة أسعار النفط إلى أكثر من 90 دولارًا للبرميل، وهناك مخاوف من إنَّ اتساعَ نطاق الصراع سيجبرها على الارتفاع أكثر.

وبالرغم من أن الإضافات الكبيرة التي زادتها الصين إلى مخزونها من النفط الخام منذ أشهر عدة قد تحميها من مستوى معين من مخاطر العرض والأسعار، ولكن ليس لفترة طويلة جدًا، وربما كان انخراط الصين العميق في الشرق الأوسط قد أدّى إلى توسيع نفوذها في المنطقة، لكنه لم يُقلّل بشكلٍ كبير من نقاط ضعف أمن الطاقة لديها. وبعيدًا من النفط، فمع تزايد أسهم الصين في الشرق الأوسط، فقد زاد أيضًا تعرّض مشروعها “مبادرة الحزام والطريق” للمخاطر الناجمة عن الصراعات الإقليمية.

إجمالًا:

تتفق كلا من الصين وأمريكا في الفترة الأخيرة بأنه من المفيد والضروري الحفاظ على الحوار حتى مع وجود اختلافات وتناقضات مختلفة وقضايا يتعين حلها. الأمر الذي قد يكون بادرة لخلق نوع من التفاهم المشترك بين البلدين تجاه المخاوف المشتركة، خاصة أن ما يسعى اليه الطرفان في منطقة الشرق الأوسط هو الاستقرار -حتى وإن كان نسبياً- مع الحفاظ على موازين القوة. وفي سعيها للتعاون مع جميع أصحاب المصلحة لتخفيف التناقضات في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، تعترف بكين بالدور المحوري الذي تلعبه الولايات المتحدة في تلك القضية ومصلحتها المشتركة في الاستقرار الإقليمي.

كلمات مفتاحية