إعداد: جميلة حسين محمد
انعكست الأحداث الجارية فى قطاع غزة على العديد من مصالح الدول والكيانات التى تباينت فى التعامل مع الأزمة، ومنهم من حاول توظيفها لصالحه ولتحقيق أهدافه الخاصة، ومن أبرز هؤلاء الفاعلين تنظيم داعش فى سوريا الذى حاول منذ تولى زعيم جديد لقيادته أن يعود مجددًا للمشهد السورى من خلال تكثيف أنشطته وعملياته المتنوعة، الأمر الذى يطرح تساؤلًا بشأن كيفية توظيف التنظيم للقضية الفلسطينية وأحداث العنف الدائرة فى غزة خاصة مع احتمالات الدخول البرى لإسرائيل واتساع دائرة الصراع لتشمل أطرافًا وجبهات أخرى يمكن أن تضمن الساحة السورية؟
سياقات محفزة
تكثيف عملياتى إسرائيلى تجاه سوريا: تقصف إسرائيل بين الحين والآخر بقصف مواقع ومنشآت داخل سوريا بزعم إنها لإيران وحزب الله وتمثل لها تهديدًا، ولكن بعد أحداث طوفان الأقصى أطلقت قوات جيش الاحتلال الإسرائيلى قذائف مدفعية باتجاه الأراضى السورية وقصفت مطارى دمشق وحلب صاروخيًا، وبررت إسرائيل ذلك بأنه رد على سقوط ثلاث قذائف صاروخية أطلقت من سوريا قرب مستوطنة بالجولان السورى المحتل.
أزمات النظام السورى: يحاول النظام السورى توظيف أزمة التنظيم الإرهابى لغض الأنظار عن الوضع الاقتصادى المتردى فى البلاد بالحديث عن خطر الإرهاب الذى تتعرض له البلاد، ومحاولات التنظيم الإرهابي المستمرة لعودة أنشطته وإحداث بلبلة فى المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام السورى خاصة البادية السورية ومنطقة دير الزور وحمص الشرقى والغربى.
محاولات تنصل التنظيم من مجابهات النظام: على الرغم من استمرارية تنفيذ قوات النظام السورى لعدد من العمليات ضد التنظيم وإلقاء القبض على عدد من عناصر التنظيم، إلا أن تلك العمليات تكشف النقاب عن نشاط داعش وامتلاكه للعديد من العناصر والأسلحة والذخيرة والعبوات الناسفة المستخدمة لشن المزيد من العمليات ضد قوات النظام والمدنيين على حد سواء.
تصعيد تركى فى شمال شرق سوريا: على إثر الهجوم الذى استهدف وزارة الداخلية فى أنقرة فى مطلع الشهر الحالى وتبناه حزب العمال الكردستانى، شهدت مناطق فى شمال شرق سوريا سلسلة من الهجمات التركية الجوية والبرية التى استهدفت البنى التحتية وعدد من المنشآت الحيوية والخدمية ومواقع لقوات سوريا الديمقراطية.
الأمر الذى استدعى تحرك قوات التحالف الدولى للحرب على داعش بقيادة أمريكا من أجل تعزيز القواعد فى الشمال الشرقى خاصة فى محافظة الحسكة لمجابهة التصعيد التركى، وعليه نقلت قوات التحالف رتلًا عسكريًا جديدًا من إقليم كردستان العراق من خلال معبر الوليد، مكونًا من 30 شاحنة تحمل صهاريج وقود ومعدات لوجيستية باتجاه قواعدها فى الحسكة.
حشد إيرانى فى موافع جديدة: يعيد الحرس الثورى الإيرانى السيطرة على مواقع فى حمص وحماة كانت تسيطر عليها مجموعة فاغنر قبل انتقالهم إلى ساحة الحرب فى أوكرانيا، من أجل دعم جهود إيران فى التواجد الدائم فى سوريا، فى محاولة لسد الفراغ الروسى، إلا أن هناك عددًا من المواقع خاصة تلك التى تضم حقول غاز ونفط لم يتم ملؤها حتى الآن لا من إيران أو النظام السورى.
حدود التفاعل
التحريض على إشعال قطاع غزة: يعمل التنظيم على تحويل القضية الفلسطينية إلى شكل من أشكال “صراع الأديان” وظهر الأمر جليًا فى إصدار صحيفة النبأ الأسبوعية الناطقة باسم التنظيم فى أعدادها الأخيرة التى افتُتحت بعنوان “نصرة المسلمين”، وعنوان “خطوات عملية لقتال اليهود”، فى دعوة صريحة الى الجهاد لوقف العدوان على غزة، باعتبار أن الجهاد فى سبيل الله الحل الوحيد للرد على اليهود واستنقاذ بيت المقدس كواجب شرعى يجدر على كافة المسلمين العمل عليه، الأمر الذى يترتب عليه تبرير أفعال التنظيم والسعى نحو توظيف تلك النظرة المعادية لتجنيد عناصر جديدة لديه.
التحول من أسلوب “الذئاب المنفردة”: يحاول تنظيم داعش إعادة سيطرته من جديد على مناطق النفوذ فى سوريا والإبقاء على تواجده على الرغم من خسارته للعديد من قيادات الصف الأول، وهو ما ظهر جليًا من خلال العمليات المتصاعدة التى ينفذها فلول التنظيم فى إطار ما يعرف بعمليات الذئاب المنفردة، والتى بدأت تأخذ نمط العمليات النوعية والتحول من شن الهجمات من الجنوب السورى حيث معقل تواجده إلى النشاط الملحوظ فى مناطق أخرى فى الشمال الشرقى حيث دير الزور والرقة والحسكة لتنفيذ هجمات ضد قوات سوريا الديمقراطية، والسعى لتحرير عناصر التنظيم من السجون ومقرات الاحتجاز والمخيمات الواقعة تحت سيطرة “قسد”، وبعد الأحداث الأخيرة فى قطاع غزة شن التنظيم حوالى 10 عمليات أسفرت عن حوالى 12 قتيلًا وجريحًا، وأبرز العمليات تلك التى تم تنفيذها فى بادية حمص حيث منطقة السخنة وأسفرت عن استهداف عدة نقاط ومواقع عسكرية تابعة لقوات النظام السورى، والسيطرة على بعض منها وعدد من الذخائر والأسلحة مما أدى إلى مقتل 3 عناصر واختطاف 15 عنصرًا من قوات النظام، وعلى الرغم من دفع النظام بتعزيزات عسكرية فى تلك المواقع إلى أن ذلك الهجوم شهد استنفارًا كبيرًا لسكان المنطقة وفرار العشرات من قوات النظام.
إمكانية إعادة التموضع فى نطاقات جديدة: من الممكن للتنظيم استغلال الفراغ الذى قد تخلفه الميليشيات الإيرانية فى مناطق تمركزها فى حال تم تحويلها باتجاه الحدود السورية مع لبنان أو هضبة الجولان، لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل مرتبطة بتصاعد العدوان فى قطاع غزة، الأمر الذى يتيح مساحة أكبر لتحرك عناصر التنظيم بقدر من الحرية النسبية، وإثبات إمكانياته التكتيكية وقدرته على التأثير كسابق عهده.
انشغال إحدى جبهات مكافحة التنظيم: تتمثل أبرز جبهات مجابهة تنظيم داعش فى قوات النظام السورى من ناحية، ومن ناحية أخرى قوات سوريا الديمقراطية وقوات التحالف الدولى لمحاربة تنظيم داعش بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أطلقت الأخيرة تعزيزات وتدريبات عسكرية فى قاعدة حقل العمر النفطى شمال شرقى سوريا، ضمت أسلحة متطورة وذلك فى ظل الاستهدافات المتكررة لهذه القواعد بالصواريخ والطائرات المسيرة فى سوريا والعراق.
توجيه رسالة أمريكية مضادة: يعكس ظهور تنظيم داعش ومحاولة استعادته للنشاط العملياتى تطبيقًا لجزء من نظرية السياسة الأمريكية القائمة على “الفوضى الخلاقة” من أجل تطبيق مصالح الأجندة الأمريكية الموجودة على الأراضى السورية من جانب، ومن جانب آخر تشتيت الانتباه نحو جبهات أخرى، خاصة مع تركيز القوات الأمريكية المنتشرة فى شرق سوريا على الهجمات التى تلاحق قواعدها فى الشمال الشرقى السورى.
مما سبق؛ تُظهر الأزمة الأخيرة فى قطاع غزة براعة التنظيم فى استغلال الأزمات واستثمارها من أجل إعادة بنائه وتوسعه مرة أخرى، خاصة مع احتمالية تحول الأراضى السورية إلى جبهة حرب مفتوحة بين الميليشيات الإيرانية وقوات الاحتلال الإسرائيلى وقوات التحالف الدولى، لخلق قدر من المساحة الواسعة للتنظيم لتكثيف عملياته وخروجها من النمط الاعتيادى المتعارف عليه منذ تلقى الهزيمة العسكرية فى عام 2019، والتحرك نحو التموضع فى نطاقات جغرافية، فضلًا عن السعى نحو تحقيق أهداف إستراتيجية تضمنها أجندة التنظيم خاصة مع الرؤية المغايرة لزعيم التنظيم الجديد.