اتفاقية التعاون الدفاعي والاقتصادي بين الصومال وتركيا.. الدلالات والأهداف

إعداد: منة صلاح

باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية

وقَّع كُلٌّ من مجلس الوزراء والبرلمان الصومالييْن على اتفاقيةٍ للتعاون الدفاعي والاقتصادي مع تركيا، في 21 فبراير الجاري، وذلك على خلفية التوتُّرات الإقليمية بين “الصومال، وإثيوبيا”؛ جرَّاء توقيع أديس أبابا اتفاقيةً مع أرض الصومال الانفصالية، وبموجب هذه الاتفاقية والتي مدتها عشر سنوات، قد يتمكن الصومال من إعادة بناء القوات البحرية وحماية الساحل الصومالي من الإرهاب والقرصنة، كما قد يُعزِّزُ جهود الحكومة الصومالية لحماية سيادتها، وعلى الرغم من أن العلاقات “الصومالية – التركية” تتسم بالقِدَمِ، إلا أنها تشهد سعيًا متزايدًا؛ لتعزيز العلاقات الثنائية، وتعزيز التواجد التركي في الساحل الصومالي.

نبذة عن العلاقات “الصومالية – التركية”

تم افتتاح السفارة التركية في مقديشو عام 1979م، وأُغلقت في عام 1991م؛ بسبب الحرب الأهلية، وأُعِيدَ افتتاحها في عام 2011م، وفي العام ذاته، زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “رئيس الوزراء آنذاك” الصومال، وقدَّمت حينها وكالة التعاوُن والتنسيق التركية والهلال الأحمر التركي والمنظمات التركية غير الحكومية أكبر عملية مساعدات دولية للصومال؛ إذ تجاوزت تلك المساعدات مليار دولار أمريكي، كما زار الرئيس “أردوغان” الصومال في عاميْ 2015م و2016م، وخلال زيارته في عام 2016م، تم افتتاح مجمع السفارة التركية في مقديشو، وبالإضافة إلى ذلك، تستقبل الصومال أكبر قاعدة عسكرية تركية.

وتجمعُ البلديْن علاقاتٌ وثيقةٌ؛ إذ تُعدُّ تركيا أوَّلَ شريكٍ اقتصاديٍّ للصومال، وبلغ حجم التجارة الثنائية مع الصومال 187,3 مليون دولار أمريكي في عام 2018م، و250,850 مليون دولار أمريكي في عام 2019م، ووصلت الاستثمارات التركية في الصومال إلى حواليْ 100 مليون دولار أمريكي، وتعمل الشركات التركية في الصومال على إدارة مطار مقديشو الدولي وميناء مقديشو البحري، ومنذ عام 2013م، تقوم تركيا بدورٍ هامٍ في المحادثات بين حكومة الصومال الفيدرالية وإدارة أرض الصومال[1].

أسباب توقيع الاتفاقية “الصومالية – التركية”

يواجه الصومال العديدَ من التحديات الأمنية، ويتمثل أبرزها في الهجمات التي تشُنُّها “حركة الشباب الإرهابية”، وعودة أعمال القرصنة البحرية، فضلًا عن التوتُّر بين “الصومال، وإثيوبيا” – وهما الجارتان في القرن الأفريقي – نتيجة مذكرة التفاهم الموقَّعة بين “إثيوبيا، وأرض الصومال” الانفصالية، منذ بداية يناير 2024م، والتي اعتبرتها الدولة الصومالية بمثابة اعتداءٍ على سيادتها؛ إذ تسمح لإثيوبيا باستئجار 20 كيلومترًا حول ميناء بربرة على خليج عدن، بما يُمكِّنُها من الوصول إلى البحر الأحمر لمدة 50 عامًا.

ومقابل ذلك، ستصبح إثيوبيا أوَّلَ دولة تعترف بأرض الصومال، التي أعلنت استقلالها عن الصومال من جانبٍ واحدٍ، في عام 1991م؛ لذا تهدف الاتفاقية إلى منْع إثيوبيا من الوصول إلى منْفذٍ بحري؛ أيْ ردْع الجهود الإثيوبية الخاصة بتـأمين وصولها إلى البحر الأحمر عن طريق أرض الصومال، ولكن على الرغم من ذلك، لا تعتبر الاتفاقية المُوقَّعة بين “الصومال، وتركيا” بمثابة هجومٍ على إثيوبيا، بل إنها لدعْم الصومال.

بنود الاتفاقية “الصومالية – التركية”

نظرًا لأهمية بنود الاتفاقية المُوقَّعة بين “الصومال، وتركيا” وصفها وزير الدفاع الصومالي “عبد القادر محمد نور”، بأنها فجٌر جديدٌ أشْرَقَ على الصومال، وسوف نتطرَّق إلى بنود الاتفاقية كما يلي:

  • تدخل هذه الاتفاقية حيِّزَ التنفيذ بعد 24 ساعة من التوقيع عليها.
  • حصول تركيا على 30% من إيرادات المنطقة الاقتصادية للصومال، والتي تُعْرَفُ بمواردها الوفيرة.
  • تتحمل تركيا مسؤولية تأمين المياه الصومالية ومواجهة كافَّة التحديات، مثل القرصنة والاتّجار بالبشر وتهريب الأسلحة والتدخُّلات الخارجية، وفي حال تعرُّض الصومال لأيِّ انتهاكاتٍ ستدافع تركيا عن المياه بنفس القوة التي تدافع فيها عن مياهها.
  • تؤدي تركيا دورًا رئيسيًّا في تطوير الاقتصاد الصومالي، وذلك من خلال استكشاف وتعزيز الموارد البحرية.
  • مساعدة تركيا للصومال في تدريب وبناء البحرية الصومالية، وتعزيز قدرة الدولة على حماية مياهها الإقليمية.
  • تحديد مواقع الوجود العسكري التركي في الصومال، إضافةً إلى القواعد العسكرية التي ستقوم تركيا بإنشائها في كُلٍّ من “هوبيو، ولاسكوراي، وكيسمايو”.

أهداف الاتفاقية “الصومالية – التركية”

تهدف الاتفاقية إلى تعزيز أمن الصومال وتحقيق استقراره، سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي، وحماية السيادة الصومالية ضد الأطماع الخارجية، وذلك من خلال تعزيز التعاون المالي والعسكري مع الصومال؛ إذ ستتولَّى تركيا مهمة بناء البحرية الصومالية وتزويدها بالمعدَّات العسكرية اللازمة؛ حتى تتمكَّنَ من حماية مياهها الإقليمية، خاصَّةً من الإرهاب وعمليات القرصنة والصَّيْد غير المشروع والتدخُّلات الأجنبية، وتجدر الإشارة إلى أنها لا تستهدف الهجوم ضد إثيوبيا أو أيِّ بلدٍ آخر.

ولا تقتصر أهداف الاتفاقية على الأمن البحري فقط، بل تمتد لتشمل تنمية الصومال في عدة مجالات، مثل التعليم والصحة وتطوير البنية التحتية؛ ما يساهم في تطوير القدرات الاقتصادية والاجتماعية للصومال، كما تهدف إلى الدفاع عن المياه الإقليمية للصومال وحماية موارده البحرية وتأمين القوات البحرية التركية للسواحل الصومالية؛ إذ تهدف إلى تعزيز الاستفادة من الثروة البحرية في السواحل الصومالية، ودعْم توجُّه الحكومة نحو الاقتصاد الأخضر.

النتائج التي قد تنْجُمُ عن الاتفاقية “الصومالية – التركية”

سوف تساهم الاتفاقية “الصومالية – التركية” في تعزيز الدور التركي، باعتبار أن تركيا الفاعل الإقليمي بمنطقة القرن الأفريقي، وقد تدخل ضمن السياسة التركية التي تُعرف بـ “الحزام الآمن”، والتي تنُصُّ على مَدِّ النفوذ التركي إلى كُلِّ الأقاليم المحيطة بتركيا؛ ما قد يجعل هناك ارتباطًا استراتيجيًا بين الأمن القومي “الصومالي، والتركي”.

كما قد تساهم هذه الاتفاقية في إعادة بناء الجيش الصومالي، وتعزيز قدراته القتالية؛ ليتولَّى مسؤولية أمْن البلاد بشكلٍ كاملٍ، خاصَّةً بعد مغادرة قوات حفظ السلام “ATMIS”، إضافةً إلى ذلك، قد تُقدم تركيا كافَّة أشكال الدعم للصومال؛ للتأكيد على رفْضها لمذكرة التفاهم الموقعة بين “إثيوبيا، وأرض الصومال”، ويُمكن أيضًا أن تتوسط بين “الصومال، وإثيوبيا”؛ نظرًا لعلاقاتها الجيدة بالدولتيْن.

ختامًا:

تُوصف الاتفاقية “الصومالية – التركية” بأنها إطارية؛ لأنه قد يترتب عليها بروتوكولات يمكن تطبيقها وتمتد لمدة عشْر سنوات، كما أنها تاريخية؛ نظرًا لأنها قد تُنْهِي مخاوف الصومال من الإرهاب والقرصنة، فضلًا عن منْع التهديدات الخارجية للسواحل الصومالية، وتأتي هذه الاتفاقية في إطار تعزيز منظومة الدفاع والأمن الصومالية بعْد رفْع حظْر الأسلحة على الصومال، واحتمالية تراجُع المساعدات الأمنية الدولية للصومال، وتشير سرعة التصديق على الاتفاقية من قِبَلِ مجلس الوزراء والبرلمان الصومالييْن إلى مدى رغبة وحاجة الصومال إلى هذا النَّوْع من الاتفاقيات، لا سيما فيما يتعلق بالدفاع البحري.

المصادر:

[1] Relations between Turkey and Somalia, Ministry of Foreign Affairs, Republic of Türkiye, 2022.

https://www.mfa.gov.tr/relations-between-turkey-and-somalia.en.mfa

كلمات مفتاحية