“اتفاق بريتوريا”: مؤشرات الصمود والتعثُّر في المشهد الأثيوبي

إعداد: حسناء تمام 

مرَّ شهران على توقيع وثيقة بريتوريا، التي وُقِّعت بين “جبهة تحرير تيجراي” والحكومة الفيدرالية في أثيوبيا، واشتملت على إيقاف الأعمال العدائية، ونزْع الأسلحة بمنهجية، ويُعوَّلُ على هذا الاتفاق بشكلٍ كبيرٍ في حلِّ الصراع بين الطرفيْن.

ووفقًا للوثيقة، فإن أهداف هذه الاتفاقية، هي الوصول إلى وقْفٍ فوريٍّ ودائمٍ للأعمال العدائية؛ بهدف إسكات المدافع، وخلْق بيئةٍ مُوَاتيةٍ، وإرساء أُسس السلام المُسْتدام، واستعادة النظام الدستوري المُعطَّل؛ بسبب النزاع في منطقة “تيجراي”، ونبْذ العنف كوسيلةٍ لحل الخلافات السياسية، وضمان الأمن للجميع، وضمان تسويةٍ دائمةٍ للنزاع، وتوفير إطار عمل لمعالجة المسائل الناشئة عن الصراع، وتوفير إطارٍ لضمان المُسَاءَلة عن الأمور الناشئة عن النِّزاع، وتعزيز المصالحة، وإعادة تأهيل الروابط الاجتماعية، وتسهيل الانتعاش الاقتصادي، وإعادة الإعمار، والالتزام بمعالجة الخلافات السياسية الأساسية، وتوفير إطارٍ للرَّصْدِ والتَّحقُّق من تنفيذ الاتفاقية.

وفي هذا الصدد، نستعرض أبرز مؤشرات الصمود والتعثُّر الأوَّلِيّة، منذ بدْء تنفيذ الاتفاق، ومدى الالتزام بالأُطُر الزمنية الأوَّليّة في تنفيذ هذه الأهداف.

أولًا: مؤشرات الصمود

بوادر انسحاب القوات الإريترية: فمع الحديث عن المفاوضات في سبتمبر 2022، وبحسب تقارير، طالبت الـ”تيجراي” بسحْب القوات الإريترية بالكامل، كشرطٍ للتوافُق مع العاصمة “أديس”، في حين دعا مبعوث الاتحاد الأفريقي للسلام في أثيوبيا، أوباسانجو، بأن تكون إريتريا مشاركةً في مفاوضات حلِّ الصراع.

وفي نوفمبر، ومع توقُّع اتفاق سلام بيْن “أبي أحمد، و’جبهة تحرير تيجراي’”، وبالرغم أن إريتريا لم تُذْكر بالاسم في الاتفاقية، لكن ورد نصٌّ يتضمن بنْدًا لإنهاء “التواطؤ مع أيِّ قوةٍ خارجيةٍ مُعَاديةٍ لأيٍّ من الطرفيْن”؛ ما يُشير على الأغلب إلى إريتريا، لكن التزمت إريتريا الصَّمْت، ولم تُعقِّبْ على اتفاقية السلام تلك، من ناحيةٍ أُخرى، يبدو أن “أبي أحمد” يلتزم  بتنسيق هذاالانسحاب.

وفي أواخر ديسمبر، أشارت تقارير إلى تراجُع القوات الإريترية، وقال شهود: إن جنودًا إريتريين انسحبوا من بلدتيْ “شاير، وأكسوم” في إقليم “تيجراي”، بشمال أثيوبيا، باتجاه الحدود، وذكر موظفو إغاثةٍ في “شاير، وأكسوم”، أنهم شاهدوا شاحناتٍ عدة، وعشرات السيارات المُكدَّسة بجنودٍ إريتريين، تغادر نحْوَ بلدة “شيرارو” الحدودية، لكن لم يتضح إنْ كانت القوات الإريترية تغادر “تيجراي” بالكامل، أم تنسحب فحسب من بلْدَاتٍ بعينها، وقال وزير الإعلام الإريتري، يماني جبر مسقل: إنه لا يستطيع تأكيد أو نفي انسحاب القوات.

عودة الجنود الصوماليين:  يُعْتبر ملف الجنود الصوماليين الذين أُرسلوا للتدريب في إريتريا مؤشرًا آخر، وقيل: إنهم انضموا للقوات الإريترية في حربها ضد “تيجراي”؛ إذ توالت مساعٍ لتنسيق عودة الجنود الصوماليين من إريتريا، بعد تصاعُد احتجاج أهالي الجنود في “مقديشو”، ومطالبتهم بالكشف عن مصير أبنائهم، وقد تكرَّرت مطالب الرئيس الصومالي بإعادة الجنود.

وقد أعلن رئيس جمهورية الصومال، حسن شيخ محمود، بدْءَ عودة القوات الصومالية المتدربة في إريتريا إلى البلاد، خلال شهريْ “ديسمبر، ويناير”، كما رصدت وسائل الإعلام، وصول الدُّفْعة الأُولى من الجنود الصوماليين المتدربين في إريتريا إلى مطار “آدم عدي” الدولي، بالعاصمة “مقديشو”، وأفادت مصادر، بأن 400 جنديٍّ من المجندين الصوماليين، الذين تدرَّبُوا لأعوامٍ في إريتريا عادوا إلى “مقديشو”، وسط استقبالٍ رسميٍّ.

تشكيل قوات “الدَّمْج والتسريح”: شكَّلت الحكومة الأثيوبية لجنةً وطنيةً؛ لإعادة التأهيل تُعْنَى برعاية المواطنين، الذين سيتم تسريحهم، بموجب أحد بنود الاتفاقية، وقد أعلن  وزير السلام، بين ألف أندواليم، رئيس منسقية المساعدات الإنسانية، وإعادة التأهيل في شمال أثيوبيا، أن هذه الخطوة تهدف إلى إعادة تأهيل هؤلاء المقاتلين، بما يُمَكِّنُهم من ممارسة حياةٍ مدنيةٍ طبيعيةٍ، بينما تتسارع وتيرة تنفيذ اتفاق السلام، غير أنه لم يتم  الإعلان عن آلياتٍ وتوقيتاتٍ؛ لتنفيذ عمليتيْ “الدَّمْج، والتسريح”

وصول المساعدات إقليم “تيجراي”: كما أكَّد مفوض إدارة الكوارث، شيفراو تيكليماريام، وصول حواليْ 170000 طن من المساعدات الغذائية العاجلة إلى أقاليم “تيجراي، وأمهرة، وعفار”، ولاحظ أن 8.3 مليون شخص استفادوا من تلك المساعدات الغذائية العاجلة.

وأوضح أن الحكومة الاتحادية تعمل على وصولٍ بلا عراقيل للمساعدات الإنسانية، من خلال طُرُقٍ “برية، وجوية”، طبقًا للاتفاق، كما وصلت حواليْ 1400 طن من الأدوية، و10000 طن من المواد غير الغذائية.

عودة الرحلات بين “تيجرا ي وأمهرة”: أعلنت الخطوط الجوية الأثيوبية، الأسبوع الأول في يناير، استعداداتها لاستئناف الرحلات الجوية المنتظمة إلى منطقة “تيجراي”، كجزءٍ من الاتفاق المُوقَّع.

بدْء تسليم الأسلحة: كان أبرز ما نصَّ عليه الاتفاق، وذلك بموافقة “الجبهة الشعبية لتحرير تيجراي” بموجب الاتفاق، على نزْع سلاح قواتها، وتسليم أسلحتها الخفيفة، في غضون 30 يومًا، مع السماح للقوات الفيدرالية، بالسيطرة على المنشآت الفيدرالية في تيجراي، وبحسب “جيتاتشو رضا” المتحدّث باسم الجبهة، أن “إقليم تيجراي سلَّم أسلحته الثقيلة في إطار التزامه تنفيذ اتفاق بريتوريا”، وذلك في الأسبوع الثاني من يناير، ويُعتبر مؤشر تسليم الأسلحة الثقيلة مؤشرًا إيجابيًّا، بالرغم من تأخُّر التنفيذ نسبيًّا.

ثانيًا: مؤشرات التعثُّر

غياب الثقة بين الطرفيْن: بالرغم من فتْح الخطوط الجوية بين الطرفيْن، لكن لم يعكس ذلك انتظامًا وانفتاحًا تامًّا لحركة التنقُّل بين الطرفيْن، قال “ركاب” في “ميكيلي” عاصمة إقليم تيجراي شمال أثيوبيا: إنهم ممنوعون من السفر إلى العاصمة الاتحادية “أديس أبابا”، وزعم الـ”ركاب”، أن الشرطة في مطار المدينة منعت أيَّ شخصٍ يتراوح عمره بين “16 و 64” عامًا، من الصعود على متْن الرحلات الجوية، دون تفسير.

اتهامات بعرقلة استلام الحكومة: بعد توقيع الاتفاق، اتهم رئيس الوزراء الأثيوبي، أبي أحمد، حكومة إقليم “تيجراي”، بمهاجمة القوات الاتحادية المتمركزة هناك، وقال: إن القوات ستستخدم القوة لتأمين البلاد، وأن قواتٍ مواليةً لقادة الـ”تيجراي” هي من نفَّذت هذه الهجمات.

إشكاليات تسليم تام من قادة “تيجراي”: بعد توقيع الاتفاق، أطلق “أبي أحمد” حملةً عسكريةً في الإقليم، وقال: إن القوات الموالية للقادة هناك، هاجمت قاعدةً عسكريةً، وحاولت سرقة بعض المعدات، ويتهم “أبي أحمد” القادة في “تيجراي”، بتقويض إصلاحاته الديمقراطية، وقصفت طائرات حربية حكومية خلال الأيام الماضية أهدافها في “تيجراي”، بما فيها مستودعات للأسلحة.

بالأخير: يمكن القول: إن بعد مررور شهريْن على توقيع الوثيقة، فإن الالتزام بتنفيذ الاتفاق على المستوى  الإجرائي الأوَّلي، يسير بوتيرةٍ جيدةٍ، وبشكلٍ عامٍ لصالح السلطات الفيدرالية، التي بدأت في السيطرة على المنشآت الفيدرالية في “تيجراي”، بما في ذلك العاصمة “ميكيلي”، وهو امتيازٌ رئيسيٌّ، ومع ذلك، لا يمكن تجاهُل أن هناك حالةً من عدم الثِّقة بدرجةٍ ما، بيْن الطرفيْن، والتي انعكست في حالة  تخوُّف سكان الـ”تيجراي”، من عدم التزام الحكومة الفيدرالية، بتنفيذ الانفتاح الكامل بيْن الطرفيْن من ناحيةٍ، وكذلك غُمُوض حالة النَّزْع الكامل  للسلاح، وتوقيت وآلية رفْع الجبهة من التصنيف كمنظمةٍ إرهابيةٍ، وإسقاط التُّهم الجنائية المُعلَّقة ضد قادة الجبهة،

 ذلك بجانب التحديات المتعلقة بالقيادة الآخرين في إقليم “تيجراي”، والذي تتهمه الفيدرالية، بشنِّ هجمات ضد قواته، واتِّهامه بإعاقة عمل القوات؛ ما يطرح تحديًا رئيسيًّا، وهو كيفية التعامُل مع هؤلاء القادة والقوات الموالية لهم، مع أن مجهودًا إضافيًّا مطلوب من الحكومة الفيدرالية؛ لبناء الثِّقة مع الجانب الـ”تيجراني”.

 

كلمات مفتاحية