إعداد: شيماء عبد الحميد
عاد ملف النووي الإيراني إلى الواجهة مرةً أُخرى؛ حيث أفادت تقارير صحافية إسرائيلية، أن هناك مفاوضات مباشرة بين “الولايات المتحدة، وإيران” قد انطلقت في الأسابيع الأخيرة؛ بغرض التوصل لاتفاق مؤقت بين البلديْن، وذلك بعدما كانت توقفت مفاوضات فيينا غير المباشرة؛ لإحياء الاتفاق النووي المُبْرم عام 2015، والتي قادها الاتحاد الأوروبي منذ أبريل 2021 حتى توقفها في سبتمبر 2022، على خلفية موقف طهران من الحرب “الروسية – الأوكرانية”، ووجود بعض القضايا الخلافية التي ظلَّت عالقة بين إيران ووكالة الطاقة الذرية، وعلى رغم نفي واشنطن لوجود هذه المفاوضات، تثير عودة الحديث عن اتفاق نووي وشيك بين “طهران، وواشنطن”، العديد من التساؤلات، وعلى رأسها؛ مدى إمكانية التوصُّل فعلًا لاتفاق، وما موقف إسرائيل في حال حدوث مثل هذه الخطوة، وما هو السياق الإقليمي والدولي المتزامن لهذا الاتفاق المزعوم؟
تفاصيل الاتفاق وبنوده:
في مطلع يونيو الجاري، أكدت تقارير عدة، أن إيران والولايات المتحدة عقدتا وللمرة الأولى منذ 2018، مفاوضات مباشرة غير رسمية في نيويورك؛ حيث تمَّ الحديث عن لقاء المبعوث الأمريكي الخاص بإيران، روبرت مالي، والسفير الإيراني لدى الأمم المتحدة، سعيد إيرواني، لـ3 مرات على الأقل في الأسابيع الماضية؛ بهدف التوصُّل لاتفاق مؤقت بين الجانبيْن في غضون الأسابيع القليلة المقبلة.
وترجح تلك التقارير أنه من المتوقع، أن ينص الاتفاق المحتمل المعروف بصيغة “الأقل مقابل الأقل” على:
صفقة تبادل سجناء بين “طهران، وواشنطن”، مقابل الإفراج عن الأصول الإيرانية المُجمَّدة، بحيث تشمل المرحلة الأولى الإفراج عن نحو 20 مليار دولار، خفْض إيران مستويات التخصيب لديها دون مستوى الـ60%، ووقف تقدمها نحو السلاح النووي مقابل تخفيف بعض العقوبات الأمريكية، تعاون طهران مع وكالة الطاقة الذرية بعودة كاميرات المراقبة بالمنشآت النووية الإيرانية مقابل السماح لها بتصدير ما يصل إلى مليون برميل من النفط يوميًّا، وبالتالي؛ سيوقف هذا الاتفاق المؤقت البرنامج النووي الإيراني، لكن لا علاقة له باليورانيوم المخصب أو المنشآت النووية الإيرانية.
ويرى البعض، أن هذه اللقاءات المزعومة قد جاءت بدوافع “إيرانية، وأمريكية” عدة؛ منها: قراءة المشهد الإقليمي والدولي، تظهر أن الخيار الدبلوماسي بات أفضل الموجود لدى الإدارة الأمريكية بعد فشل سياسة العقوبات القصوى، وفي ظل قلقٍ متزايدٍ من تسارُع وتيرة الملف النووي الإيراني، وارتفاع مستويات التخصيب، إلى درجة قد تؤدي إلى تمكُّن طهران من إنتاج سلاح نووي، فضلًا عن تخوُّف إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، من حدوث أزمةٍ قبل انتخابات 2024، هذا إلى جانب الأوضاع الاقتصادية المتردية لطهران، التي قد تدفعها لقبول مثل هذه الصفقة؛ للحصول على المزايا الاقتصادية التي ستعود عليها منه.
السياق الإقليمي والدولي الدافع لعودة المفاوضات:
هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها الحديث عن استمرار المفاوضات بين “إيران، والولايات المتحدة”، ولكن الاختلاف هذه المرة يرجع إلى السياق الذي يأتي فيه الحديث عن الاتفاق المحتمل؛ حيث هناك عدة تغيرات وتطورات طرأت على السياق الإقليمي والدولي للملف النووي الإيراني، منها:
– جهود وساطة عُمانية بين الدولتيْن؛ يتزامن الحديث عن الاتفاق المؤقت بين “إيران، والولايات المتحدة”، مع تأكيدات تشير إلى لعب سلطنة عُمان دور الوساطة بين الدولتيْن؛ إذ قامت السلطنة بتحركات دبلوماسية واسعة النطاق، فيما يتعلق بإيران في الأسابيع الأخيرة، حيث:
- أفادت مصادر مطلعة، أن وفدًا إيرانيًّا، ضمَّ كبير المفاوضين النوويين، علي باقري كني، زار عُمان في مايو الماضي، تزامنًا مع وجود منسق البيت الأبيض للشرق الأوسط، بريت ماكغورك، في مسقط، إذ زار عُمان سرًّا في 8 مايو 2023، وقد أوضحت هذه المصادر، أن مسؤولين عُمانيين نقلوا رسائل بين “ماكغورك، وباقري” استهدفت التوصُّل إلى تفاهُمٍ حول سبل كبح طهران لبرنامجها النووي.
- في 26 مايو الماضي، تمَّت صفقة تبادل سجناء بين “إيران، وبلجيكا” بوساطة عُمانية، وأفضت إلى إفراج بروكسل عن الدبلوماسي الإيراني، أسد الله أسدي، الذي كان يمضي عقوبة بالسجن منذ عام 2021، مقابل إطلاق طهران سراح عامل الإغاثة البلجيكي، أوليفييه فانديكاستيل، بعد احتجازه لمدة 455 يومًا.
- كان سلطان عُمان، هيثم بن طارق، قد أنهى يوم 29 مايو 2023، زيارةً رسميةً لإيران، التقى خلالها كلًا من المرشد الأعلى، علي خامنئي، والرئيس إبراهيم رئيسي، ويُقال: إن السلطان العُماني حمل خلال هذه اللقاءات رسائل أمريكية تتعلق بمصير الموقوفين الغربيين، وتبادل الموقوفين مع طهران، واستئناف المفاوضات النووية.
- يوم 2 يونيو الجاري، أعلنت سلطنة عُمان، وصول 3 أوروبيين؛ “نمساويان، ودنماركي”، إلى مسقط، قادمين من طهران، عقب وساطة قامت بها مع إيران.
– حدوث بعض التفاهمات بين إيران ووكالة الطاقة الذرية؛ كانت الخلافات العالقة بين طهران والوكالة من الأسباب الرئيسية التي عرقلت محاولات إحياء الاتفاق النووي خلال مفاوضات فيينا النووية، ولكن بدأت في الآونة الأخيرة حلحلة تلك الخلافات؛ حيث:
- قررت الوكالة إنهاء التحقيق بشأن وجود يورانيوم مخصب بنسبة 83.7% بمنشأة فوردو، بعد أن قدمت إيران توضيحات تقنية حول الموضوع.
- تمكنت طهران من تسوية قضية العثور على آثار اليورانيوم في موقع مريوان بمدينة آباده، في محافظة فارس جنوب البلاد، وهو أحد المواقع الثلاثة التي تطالب الوكالة الدولية إيران بتقديم تفسيرات حول أنشطة نووية سابقة، ولم تبلغ عنها في محادثات الاتفاق النووي لعام 2015؛ حيث قدمت طهران ضمانات وتوضيحات معقولة في هذا الشأن.
- أكدت الوكالة الدولية، أنها أعادت تركيب بعض معدات المراقبة التي كانت موجودة في الأصل، بموجب الاتفاق النووي المُبْرم عام 2015 مع القوى الكبرى، التي أمرت إيران بإزالتها العام 2022، وشملت معدات المراقبة كاميرات في موقع بأصفهان؛ حيث تُنتج أجزاء من أجهزة الطرد المركزي، بالإضافة إلى معدات مراقبة في مُنْشأتيْن معلنتيْن للتخصيب.
– الانفتاح العربي على إيران؛ فلا يمكن إغفال تطور مهم من شأنه أن يعني الكثير بالنسبة للملف النووي الإيراني؛ ألا هو الاتفاق “السعودي – الإيراني” وعودة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتيْن، وافتتاح طهران لسفارتها في الرياض مرةً أُخرى؛ حيث قد تلعب المملكة دورًا فعَّالًا لتقريب وجهات النظر بين “إيران، وواشنطن”، فضلًا عن الحديث عن وساطة عُمانية بين “مصر، وإيران”؛ لتعزيز التقارُب بينهما.
– التطور الهائل في البرنامج النووي الإيراني؛ مع تعثُّر مفاوضات إحياء الاتفاق النووي بين “إيران، والغرب”، أعلنت إيران قيامها بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60%؛ إذ أنتجت 70 كيلوجرامًا من اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، كما بلغت كمية اليورانيوم المخصب بنسبة 20% نحو 1000 كيلوجرامًا، وقد أشار المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رفاييل جروسي، في 25 يناير 2023، إلى أن إيران جمعت ما يكفي من المواد لصنع عدة أسلحة نووية.
هذا إلى جانب تحدُّث بعض التقارير – أخيرًا- عن إنشاء إيران منشأة نووية عميقة تحت الأرض، بالقرب من قمة جبال زاغروس في وسط إيران، ويتُوقع أن يكون الهدف منها، أن تكون خارج نطاق الذخائر والقاذفات “الأمريكية، والإسرائيلية” المخصصة لمهاجمة التحصينات تحت الأرض، وتلك الخطوة تعني قيام إيران بتحصين برنامجها النووي بعيدًا؛ حتى لا تتمكن إسرائيل من استهدافه عبر الضربات الجوية أو التخريب والاختراق.
وفي ضوء هذه المعطيات؛ باتت الولايات المتحدة مدركة إلى أن طهران وصلت بالفعل إلى المرحلة النووية الحرجة التي كانت تأمل في ألا تصل إليها؛ ما يضعها أمام مأزقٍ صعبٍ؛ إذ إنها لم تمتلك من الخيارات ما يمكن أن يدفع إيران إلى التراجع عن سياستها الحالية، ولذلك قررت واشنطن إعادة إحياء المفاوضات الدبلوماسية مع إيران، ولكن بشكلٍ مباشرٍ هذه المرة.
تحركات إسرائيلية تحسُّبًا لأي اتفاق مع إيران:
دائمًا ما أعلنت إسرائيل رفضها لأي اتفاق مع إيران، وأكدت أن العمل العسكري المشترك ضد طهران هو الحل الفعَّال الوحيد لردع إيران وبرنامجها النووي، ولذلك حاولت تل أبيب عرقلة توقيع الاتفاق النووي عام 2015، في عهد إدارة باراك أوباما، وكذلك عرقلة محاولات إحيائه، في عهد إدارة “جو بايدن”، وتتناقض الرؤية الإسرائيلية هذه مع الرؤية الأمريكية التي لا تزال تحاول حل الأمر بالأدوات الدبلوماسية، وقد أقر المندوب الإسرائيلي الدائم لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، بوجود خلافات بين بلاده والولايات المتحدة، بشأن التهديد النووي الإيراني، مؤكدًا أن رؤية إسرائيل لا تتطابق مع رؤية الولايات المتحدة، فيما يتعلق بكيفية إيقاف إيران.
وما يزيد قلق تل أبيب، هو أن واشنطن لم تطلعها على المفاوضات الجارية الآن، حول هذه القضية ومستجداتها؛ ما يعني أن قدرة إسرائيل في التأثير على بنود الاتفاق المحتمل تكاد تكون معدومة، وأنه سيكون من الصعب جدًا عليها حشْد معارضة حقيقية في الكونجرس الأمريكي لأي تفاهمات مع إيران، خاصةً وأن وضع إسرائيل في الكونجرس ساء في السنوات الأخيرة؛ لأن “الحزب الديمقراطي” يسيطر على مجلس الشيوخ، بينما الأغلبية الجمهورية في مجلس النواب ضئيلة للغاية، وهذا الوضع يضع مصاعب أمام إسرائيل لحشد معارضة مؤثرة في الكونجرس لخطوات إدارة “بايدن”، فضلًا عن أن الاتفاق إذا تم التوقيع عليه كاتفاق مرحلي إلى حين التوصل إلى اتفاق آخر، فإنه سيزيل عن الطاولة بشكل نظري تهديدًا عسكريًّا أمريكيًّا ضد إيران، وفي ضوء هذه المعطيات؛ بدأت تل أبيب الاستعداد لمواجهة الاتفاق المحتمل؛ حيث:
– على الصعيد السياسي في إسرائيل؛ عارض رئيس الوزراء، بنيامين نتانياهو، اتفاقًا مؤقتًا من هذا النوع، وأبلغ وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أن أي اتفاق تبرمه واشنطن مع إيران حول برنامجها النووي، لن يكون مُلْزِمًا لإسرائيل التي ستفعل كل شيء للدفاع عن نفسها، فيما هدَّد رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، بعمل عسكري ضد نووي إيران، مؤكدًا أن “نتانياهو” سيحصل على دعم لضرب منشآت إيران النووية، إذا استُنفذت كل الطرق.
– على الصعيد العسكري؛ أنشأت إسرائيل وحدةً جديدةً باسم “الفرع 54″، تابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية “أمان”؛ لاستكمال ما سمته مخطط الحرب ’الإسرائيلية – الإيرانية’ الأولى؛ حيث يتكون الفرع الجديد من 30 مقاتلًا فقط؛ ثلثهم ضباط، ويركز عمله على جمع المعلومات الاستخباراتية، حول الحرس الثوري، وتحديد الأهداف الأكثر أهمية من الأهداف العسكرية، التي يمكن لإسرائيل مهاجمتها في إيران، مع وضع طريقة ناجحة؛ للتعامل مع كل تشكيل من تشكيلات الحرس الثوري، وتأتي الوحدة الجديدة جنبًا إلى جنب مع خطة محدثة أعدها الجيش الإسرائيلي والقوات الجوية لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية.
كما عبَّرت إسرائيل عن موقفها المعارض لاتفاق نووي مع إيران، من خلال تدريباتها العسكرية الأخيرة أيضًا؛ حيث بدأ الجيش الإسرائيلي تدريبات القبضة الساحقة، يوم 29 مايو الماضي، واستمرت على مدار 11 يومًا، قام خلالها الجيش الإسرائيلي بتمرين قواته النظامية والاحتياطية، بدءًا بالقيادة العامة، وانتهاءً بالوحدات العسكرية من جميع القيادات والأذرع والهيئات، وقد حاكى التمرين التعامل مع التحديات على الجبهات كافة بشكلٍ متزامنٍ، كما شمل عدة أهداف لم تكن معلنةً حتى الآن، من بينها؛ تنفيذ غارات مباشرة على الأراضي الإيرانية، وتنفيذ عدة عمليات اجتياح برية في “لبنان، وسوريا، والمناطق الفلسطينية” وهجمات سيبرانية.
وعلى الرغم من ذلك، يبدو أن التهديدات الإسرائيلية بهجوم إسرائيلي على منشآت النووي في إيران، لن تخرج إلى حيِّز التنفيذ – على الأقل ليس في المنظور القريب – لأسباب عدة، من بينها؛ إدراك تل أبيب أن أيَّ اعتداء عسكري إسرائيلي على طهران سيُقابَلُ بردٍّ واسعٍ وغير مسبوقٍ، وذلك لن يكون في مصلحة الطرفيْن، فضلًا عن أن إسرائيل لن تستطيع الإقدام على أي تحرك عسكري ضد إيران، من دون دعم أمريكي أو على الأقل موقف واضح من قِبَلِ الولايات المتحدة.
سيناريوهات محتملة:
– التوقيع على اتفاق مرحلي؛ يرى البعض أن التوقيع على اتفاق مؤقت يكون مقدمة للتوصُّل إلى اتفاق نووي جديد بين “إيران، والولايات المتحدة”، هو السيناريو الأكثر عقلانية في هذا التوقيت؛ نظرًا لمجموعة من المعطيات والدوافع بالنسبة لـ”واشنطن، وطهران”؛ حيث:
- بالنسبة لواشنطن؛ فإن التوقيع على اتفاق مرحلي يحافظ على الوضع الراهن، والحد من مخاطر التصعيد وأنشطة التخصيب الإيرانية، حتى ولو كان مقيدًا جدًا في بنوده، أفضل من الوضع القائم الذي تواصل فيه إيران التقدم في البرنامج النووي بدون أيِّ عائق، فضلًا عن رغبة إدارة “بايدن” في استغلال هذا الاتفاق بحال إتمامه، في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
- بالنسبة لطهران؛ فهي ترغب في تحسين العلاقات مع السعودية، وتأمين إعفاء مالي محدود، وتخفيض العقوبات، والاستفادة من الحوافز الاقتصادية التي يشملها الاتفاق المؤقت، مثل “بعض صادرات النفط، وتحرير بعض أصول طهران المجمدة”، كما أن توقيع الاتفاق من شأنه أن يعرقل أي عمل عسكري محتمل ضد إيران ومنشآتها النووية.
– فشل المفاوضات وعدم توقيع الاتفاق المؤقت؛ يواجه المفاوضات بين الدولتيْن مجموعة من التحديات التي قد تعرقل التوصل لاتفاق؛ منها:
- عدم اليقين بشأن العقوبات طويلة الأجل؛ سيؤدي إلى استمرار العديد من الشركات المالية الغربية في تجنُّب المعاملات المتعلقة بإيران؛ خوفًا من تبدُّل الأوضاع.
- الانتخابات الأمريكية المقبلة في 2024، والتي يمكن أن تأتي برئيس جمهوري من جديد؛ ليستأنف التصعيد ضد طهران وبرنامجها النووي.
- التفويض الأمريكي المحتمل لبعض صادرات النفط، من شأنه أن يمنح إيران حافزًا جديدًا؛ للنظر في اتفاق مؤقت، إلا أنه سيكون له تأثير متواضع على إجمالي صادرات النفط الإيرانية؛ فحتى إذا تم توقيع اتفاق يتضمن تخفيف العقوبات النفطية، فسيستغرق إنتاج النفط الإيراني ستة أشهر على الأقل؛ للارتفاع من مستوياته الحالية، البالغة حوالي 2.5 مليون برميل يوميًّا، إلى أقصى قدرة لإيران، تبلغ حوالي 3.5 مليون برميل يوميًّا.
- هناك مؤسسات عديدة داخل إيران ربما تعترض على المضي قدمًا في هذا المسار، الذي قد يساهم في تحسين الوضع الاقتصادي مؤقتًا، دون أن يعالج كافة مشكلاته، لا سيما أن الحوافز التي سوف تتلقاها إيران لن تكون بالضخامة التي يمكن أن تساعد أي اتجاه مؤيد لهذه الصفقة؛ من أجل الترويج لها وتمريرها.
- الدعم العسكري الإيراني لروسيا يبقى عقبةً أُخرى قائمة، ويرتبط بتعاون عسكري أكبر بين الطرفيْن، يمكن أن تتسلم إيران بمقتضاه مقاتلات روسية حديثة من طراز “سوخوي 35″، وبالتالي؛ فإن إقدام إيران على ربط هذا الدعم بالصفقة النووية مع الدول الغربية يبقى بدوره محل شك.
- عدم الثقة بين “واشنطن، وطهران”، فحكومة الرئيس الإيراني المحافظ، إبراهيم رئيسي، تدرك أن الولايات المتحدة التي خرجت من الاتفاق الشامل عام 2018، لن يعجزها الخروج عن هذا الاتفاق الجزئي عند أدنى سبب، ولا سيما أن الانتخابات الأمريكية باتت قريبة، ويوجد احتمال كبير لعودة الجمهوريين الأمريكيين إلى الحكم، الذين يعارضون أصلًا فكرة الاتفاق النووي مع إيران.
– العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015؛ وهو سيناريو صعب للغاية تحقُّقه في الوقت الراهن؛ نظرًا لتغيُّر العديد من المعطيات؛ منها:
- التقدم الذي حققه البرنامج النووي الإيراني، سواء من الناحية العلمية أو التوسُّع أو حجم احتياطيات اليورانيوم المخصب، والتي لا تُقارَن بما كان موجودًا عام 2015، عندما أبرم الاتفاق النووي بين إيران والمجموعة الدولية؛ إذ تقوم إيران بتخصيب اليورانيوم إلى 60%، وزادت مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب بنسبة 27%، خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
- قرب انتهاء مواعيد القيود الأساسية المُدرجة في الاتفاق النووي، وخاصة أن القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن تكميلًا للاتفاق النووي، سينتهي أجله في عام 2025، فضلًا عن انتهاء صلاحية استخدام آلية “فض النزاع” المنصوص عليه بالقرار والاتفاق النووي، والتي يلجأ إليها في حال أخلَّ أيٌّ من الطرفيْن بتعهداته، كما أن القيود المفروضة على البرنامج الصاروخي الباليستي والمسيرات الإيرانية أيضًا ستنتهي خلال أكتوبر 2023.
– اللجوء إلى العمل العسكري؛ وهو سيناريو مستبعد؛ لأن الولايات المتحدة تدرك أبعاد ومخاطر الدخول في مثل هذه الحرب التي ستطال المنطقة جميعًا، فضلًا عن مجموعة من العوامل لا تستطيع واشنطن إغفالها، مثل؛ التعاون العسكري المتنامي بين “موسكو، وطهران”، تأثير هذه الحرب على قدرة واشنطن على دعم أوكرانيا؛ إذ ليس بإمكان الولايات المتحدة أن تقدم الدعم العسكري لكييف ضد روسيا، وتفتح جبهة حرب واسعة في الشرق الأوسط، وتراقب الصين في بحر الصين الجنوبي وملف تايوان في آنٍ واحدٍ؛ لهذا ستتجنَّبُ واشنطن هذا السيناريو، خاصةً في الوقت الحالي.
إجمالًا:
الملف النووي الإيراني هو من الملفات الممتدة، والتي تتعلق باستقرار الشرق الأوسط بشكلٍ عامٍ؛ لذا فإن تسويته ترتبط بالعديد من العوامل الإقليمية والدولية، التي ستحدد مساره المستقبلي، وعلى رأس هذه العوامل؛ (العلاقات “السعودية – الإيرانية”، التقارب الإيراني العسكري مع روسيا، العلاقات الإيرانية الصينية المتنامية، نتائج الانتخابات الأمريكية الرئاسية المقبلة، مصير روسيا في حربها مع أوكرانيا)، وأيُّ تطور في هذا الملف سيكون بلا شك انعكاسًا لأيّ تطورات وتغيرات في تلك العوامل؛ ما يجعل استشراف مستقبل الاتفاق النووي صعبًا ومهمًا في الوقت ذاته.