إعداد: جميلة حسين
يشهد الداخل النيجرى حالة من التعقيد فى ظل استمرارية أزمة الانقلاب العسكرى والضغط الخارجى لإعادة النظام الدستورى للبلاد بجانب اتخاذ الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “الإيكواس” قرارًا باللجوء إلى التدخل العسكرى باعتباره الخيار الأخير المطروح، ذلك فى ضوء توالى الهجمات الإرهابية على البلاد منذ وقوع الانقلاب مما تسبب فى سقوط حوالى 100 شخص فى أقل من شهر من جانب الجماعات المتطرفة المنتشرة فى المواقع النيجيرية المختلفة، خاصة تلك التى تتخذ الحدود مع مالى وبوركينا فاسو مناطق نفوذ وسيطرة لها، وتشن من خلالها عملياتها الدموية التى تصاعدت بفعل الاضطرابات الداخلية وعدم الاستقرار. فما هى أهم التفاعلات الإرهابية التى تشهدها الساحة النيجيرية بعد الانقلاب؟ وما أبرز دوافعها؟ وماذا عن تداعيات الاستخدام المحتمل للقوة ودخول “الإيكواس” فى النيجر على الجماعات الإرهابية؟
تعاقب العمليات الإرهابية
- يوم 4 أغسطس نصب “تنظيم داعش ولاية الصحراء الكبرى” كمينًا لشاحنات فى طريقها إلى النيجر تضمن وحدات من الجيش المالى قرب بلدة “ميناكا” بشمال شرق البلاد، وعليه تم أسر بعض الجنود الماليين والحصول على كميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة.
- يوم 9 أغسطس تبنت “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” الموالية لتنظيم القاعدة هجومًا ضد جيش النيجر نُفذ فى منطقة “تيلابيري” أدى إلى سقوط 6 عناصر من الجيش وإصابة 6 آخرين.
- يوم 13 أغسطس تبنى “تنظيم داعش ولاية غرب إفريقيا” إطلاق هجوم إرهابى على ثكنة عسكرية تابعة لجيش النيجر على بعد 100 كم من العاصمة “نيامى”.
- يوم 13 أغسطس نصب “تنظيم داعش ولاية الصحراء الكبرى” كمينًا فى منطقة “تيلابيرى” بجنوب غرب البلاد، وقد أسفر عن مقتل 7 جنود وإصابة 10 آخرين.
- يوم 15 أغسطس نصب متطرفون – لم ينسبوا بعد إلى تنظيم القاعدة أو داعش- كمينًا لوحدة من الجيش فى بلدة “كوتوغو” القريبة من بوركينا فاسو وقد أدى إلى سقوط 17 جنديًا وإصابة 20 آخرين.
- شنت إحدى الجماعات الإرهابية عملية ضد المجلس العسكرى فى النيجر بمدينة “بونى” فى منطقة ماكالوندى، أسفرت عن مقتل 20 مقاتلًا من قوات الجيش.
دلالات متعددة
يمكن الوقوف على أبرز دوافع التحركات الإرهابية المتنوعة منذ الانقلاب فيما يلى:
- التضييق الأمنى للشركاء الدوليين: حيث أوقفت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبى تدريباتهما العسكرية مع القوات النيجرية، وكذلك علقتا إجراءات التعاون فى المجال الأمنى لمحاولة الضغط على سلطة الانقلاب، بعدما اعتمدت كل من فرنسا والولايات المتحدة على النيجر فى الحرب ضد الإرهاب باعتبارها حليفًا مهمًا فى منطقة الساحل والصحراء فى الفترة الأخيرة ولها دور مهم على المستوى الإقليمى فى مجال المكافحة، ولكن بعد التطورات الأخيرة ستتفاقم الاضرابات الأمنية خاصة وأن جيش النيجر ليس بالجيش الكبير ولا يمكنه السيطرة على كامل الحدود الهشة التى تتحكم فيها الجماعات الإرهابية.
- تقليص المساعدة التنموية والعقوبات الدولية: مع بداية الانقلاب تم تجميد برامج الدعم وفرض عقوبات اقتصادية خاصة من جانب مجموعة طالإيكواس”، كما أوقفت عدة دول برامج المساعدات وجمدت الولايات المتحدة مساعداتها جزئيًا، الأمر الذى يؤثر على الأوضاع الاقتصادية ويزيد من حدة الفقر وتراجع مستوى المعيشة لدى المواطنين مما يشكل المزيد من الضغط الاقتصادى والشعبى على المجلس العسكرى فى النيجر من ناحية، ومن ناحية أخرى يشجع على اتباع التنظيمات الإرهابية إستراتيجية الماء والطعام مقابل تجنيد عناصر جديدة فى ظل ما تستطيع تلك التنظيمات أن تقدمه من توفير الاحتياجات الأساسية وتقديم حلول لتلك المشاكل التى يعانون منها، كما يزيد من الهجمات التى تشنها الجماعات فى غرب البلاد وجنوبها الشرقى.
- استغلال الفوضى والفراغ الأمنى: خلف الانقلاب العسكرى حالة من الهشاشة الأمنية والفوضى فى العديد من المناطق خاصة تلك التى تهيمن عليها الصراعات العرقية والقبلية، وتراجع خطط الجيش والأمن فى مكافحة الإرهاب التى تنفذها قوات الجيش جنوبًا وغربًا لملاحقة العناصر الإرهابية مما يمثل بيئة خصبة ومناسبة لتمدد الجماعات الإرهابية كبديل عن نظام الدولة يستطيع من خلاله ممارسة شكل من الحكم غير المباشر والسيطرة الاجتماعية المؤقتة على بعض المناطق، ولكن ليست السيطرة الطويلة وإنشاء إمارات على غرار تجربة داعش فى سوريا والعراق لتوسيع نطاق عملياتها وأنشطتها واستقطاب المزيد من العناصر الجديدة، فضلًا عن عواقب عدم مراقبة الحدود بما يؤدى إلى زيادة تسلل الإرهابيين عبر الحدود.
- استغلال الموارد الطبيعية: حيث تحاول بعض الجماعات الإرهابية وعلى رأسها تنظيمى “داعش ولاية الصحراء الكبرى” و”جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” استغلال عدم الاستقرار فى البلاد من أجل تعزيز نفوذها فى إطار ما تمتلكه النيجر من ثروات طبيعية أهمها اليورانيوم، فالدولة التى شهدت أحدث انقلاب عسكرى هى أحد أكبر مصدرى اليورانيوم فى العالم، الأمر الذى جعلها مطمعًا من قبل تلك التنظيمات ومن ثم يؤدى إلى تسريع وتيرة العمليات الإرهابية فى تلك المنطقة.
تداعيات أمنية مشددة
- احتمالات التدخل العسكرى لمجموعة الإيكواس: مع اتجاه المجموعة باتخاذ قرار اللجوء إلى الخيار العسكرى فى النيجر “the D-day” دون الكشف عن موعد التدخل وفق ما أشار إليه مفوض الشؤون السياسية والأمنية “عبد الفتاح موسى” بعد اجتماع استمر قادة دفاع غرب إفريقيا لمدة يومين، وذلك أمام فشل الطريق السلمى لاستعادة النظام الدستورى فى البلاد. وخلفًا لهذا الإعلان بدأت مجموعة كبيرة من تنظيم داعش ولاية غرب إفريقيا فى نقل قاعدتها فى الساحل والنيجر إلى أطراف بحيرة تشاد والشمال والغربى، وإعادة التوطين فى مناطق “كوكاوا وأبادام وغيدام وغوزامالا” فى منطقة بحيرة تشاد، تلك المنطقة التى تتقاسمها نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد، وذلك خشية من التدخل العسكرى المحتمل لمجموعة “إيكواس” فى النيجر وإغلاق الحدود مما يفرض خطرًا كبيرًا على المنطقة.
مع افتراض قيام دول “الإيكواس” بحشد قواتها للتحرك نحو “نيامى” من أجل الإطاحة بالمجلس العسكرى وإعادة الرئيس بازوم إلى السلطة بالتوازى مع الدعم الغربى لهذه العملية ضد الجيش النيجرى الذى يحتاج إلى زيادة عناصره وأسلحته لمواجهة هذا الخطر، الأمر الذى يشير إلى حالة محتملة من الصدام بين كلا الطرفين، وينذر بحرب إقليمية قد تتجاوز حدود النيجر لمواجهة هذا الخطر مما يؤدى إلى مضاعفة حالة عدم الاستقرار والاضطرابات الداخلية وتراجع تأمين البلاد من النشاط الإرهابى وانشغال جيش النيجر بالحرب ضد الإيكواس، بمعنى أخر يمكن أن يؤثر التدخل العسكرى فى النيجر سلبًا على الأمن فى منطقة الساحل وغرب إفريقيا بزيادة الجماعات والعمليات الإرهابية، الوضع الذى تستغله تلك الجماعات لتعزيز نفوذها وسيطرتها نحو مناطق أخرى خلافًا للمناطق الحدودية حيث التمدد نحو المناطق الشمالية والغربية والشرقية والمتقاطعة مع دول مالى وبوركينا فاسو ونيجيريا، والتحالف مع القبائل فى تلك المناطق التى تشهد التعددية الإثنية والعرقية.
ولكن يظل هذا السيناريو يقابله المزيد من التحديات أمام عدم قدرة دول “الإيكواس” على حشد القوات للتدخل فى النيجر، خاصة إذا تدخلت قوات الجيش المالى والبوركيناسو بجانب قوات جيش النيجر لدعم الانقلابين فى مواجهة التدخل العسكرى، قد يرجح ذلك الكفة ضد مجموعة “الإيكواس” ويضعف جبهتها الداخلية خاصة على مستوى دولة نيجيريا أكبر قوة فى “إيكواس: التى تواجه ضغطًا داخليًا من جانب مجلس الشيخ الرافض منح الرئيس استخدام القوة ضد النيجر، ومن ثم قد تنسحب مما يؤدى إلى فشل العملية وانهيارها، وبالتالى ستصبح المجموعة جزءًا من الأزمة بدلًا من أن تكون وسيلة لحلها، بل وقد تصبح عرضة للتفكك، خاصة إذ نفذ قادة المجالس العسكرية فى مالى والنيجر وبوركينا فاسو تهديداتهم بالانسحاب منها ونشر الطائرات الحربية فى 19 أغسطس لدعم النيجر فى حال حدوث أى تدخل عسكرى.
ختامًا:
أمام تشبث الانقلابيون بمطالبهم نتيجة تدهور الوضع الأمنى وفشل حكومة “بازوم” فى مكافحة الإرهاب الجهادى والحاجة إلى نهج مختلف، تشهد دولة النيجر حالة من عدم الاستقرار الأمنى والفوضى التى تفسح المجال أمام التنظيمات الجهادية المختلفة فى الداخل النيجرى لإطلاق عملياتها وتوسيع أنشطتها، وتغير الأجندة الخاصة بها لتحاكى التغيرات الطارئة على الساحة النيجرية، واحتمالات أى تدخل خارجى وإلحاق الضرر خاصة بعناصر الجيش، لتسير على خطى الحركات الإرهابية الموجودة فى مالى وبوركينافاسو وتمتد تفاعلاتها بشكل دموى وفوضوى إلى خليج غينيا، حيث توغو وبنين وساحل العاج، بجانب التمدد فى منطقة بحيرة التشاد شرق النيجر.