اعتماد خارطة طريق جديدة في ليبيا: هل تؤتي ثمارها ؟

إعداد: رضوى الشريف

يدخل المشهد السياسي الليبي في منعطف جديد وذلك عقب الخطوة التي اتخذها مجلس النواب الليبي لحل الأزمة الليبية وللدفع بالعملية السياسية وإجراء الانتخابات، إذ وافق مجلس النواب في جلسته التي عقدت أمس الثلاثاء، على اعتماد خارطة طريق المسار التنفيذي لقوانين الانتخابات المنبثقة عن لجنة 6+6، لكنه سجل عدة ملاحظات عليها وطالب بتعديلها.

وقال رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، في نص قرار الموافقة، إنه تقرر اعتماد خارطة الطريق مع ملاحظة أن مجلس النواب هو صاحب الاختصاص الأصيل في منح الثقة للحكومة دون غيره. وطلب مجلس النواب تعديل خارطة الطريق بأن تعطى الثقة للحكومة على أساس برنامجها متضمنا طريقة عملها، وتحدد شروط اختيار رئيس الوزراء وتنتهي ولاية حكومته في المدة المحددة. وطلب أيضاً أن تكون حكومة مصغرة يختارها رئيس الوزراء مع مراعاة المناطق الجغرافية، مع ضرورة حصول رئيس الوزراء على تزكية من عدد من مجلس النواب ومجلس الدولة.

وأحال مجلس النواب هذه الملاحظات إلى لجنة 6+6 لمحاولة تقريب وجهات النظر وإعادتها إلى مجلس النواب حتى يتم الاعتماد النهائي. وكانت خارطة الطريق المقترحة من لجنة 6+6 تضمنت أهم بنودها على إنجاز الاستحقاق الانتخابي خلال 240 يوماً من اعتماد الخارطة، وتشكيل حكومة موحدة مصغرة تشرف على الانتخابات، على أن تنتهي ولاية السلطة التنفيذية بمجرد إجراء الانتخابات.

وتبدأ الخارطة بالمسار التنفيذي واعتماد مجلسي النواب والأعلى الدولة بجلسات رسمية للمجلسين لهذه الخارطة لتكليف حكومة جديدة موحدة، تكون مهمتها الأساسية تنفيذ العملية الانتخابية بشكل نزيه وشفاف، وضمان تأمينها عبر أجهزة الدولة الأمنية الرسمية على أن تكون الحكومة مصغرة ويراعى في تشكيلها التمثيل الجغرافي العادل مع عدم الإخلال بمعايير النزاهة والكفاءة.

وبموجب تاريخ اعتماد خريطة الطريق، تم فتح باب الترشح لرئاسة الحكومة لمدة 20 يوما، ويشترط فيمن يترشح لرئاسة الحكومة حصوله على تزكية 15 عضوا من مجلس النواب، و10 من مجلس الدولة. وخلال أسبوع من إعلان قائمة المرشحين، يعقد مجلس الدولة جلسة علنية ويتم التصويت من خلال الاقتراع السري، وبعد ذلك تحال نتائج تصويت مجلس الدولة إلى مجلس النواب خلال 24 ساعة من تاريخ الاختيار.

وحددت الخارطة مهام الحكومة الموحدة والتي تشمل دعم المفوضية العليا للانتخابات وتهيئة البيئة المناسبة لإجراء ونجاح الانتخابات، والإشراف على الإنفاق العام خلال الفترة التمهيدية، وكذلك ضمان حيادية مؤسسات الدولة ومواردها، بحيث لا يتم استخدامها وتوظيفها لدعم أو محاربة أي من المترشحين، وضمان تنقل المترشحين في كافة أنحاء البلاد، والعمل على تحسين واستمرار الخدمات العامة في كافة أنحاء البلاد، وضمان تأمين ودعم التسليم السلمي للسلطة المنتخبة.

كما تضمنت الخارطة على تشكيل لجنة لمتابعة عمل الحكومة في تنفيذ الخارطة، وتنفيذ مشروع لمراجعة بيانات السجل المدني والأرقام الوطنية.

وتضمنت الخارطة أيضاً على أن تتولى اللجنة العسكرية المشتركة 5+5 وضع الخطط لتأمين الهيئة التي ستشكل للنظر في الطعون الانتخابية، وتتولى وضع تصور لتوحيد المؤسسات العسكرية يعتمد من مجلسي النواب والدولة.

انعكاسات لتوافق إقليمي حول ليبيا

بالرغم من عدم وجود تعليق حتى الآن من جانب رئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، مثلما كان الحال في كل مرة يخرج فيها معلنا رفضه لأي مسعى لمجلس النواب لحلّ حكومته أو لتشكيل حكومة واحدة جديدة أو بسلطة موازية. إلا أن المسعى الأخير بتشكيل خريطة طريق جديدة يأتي في سياق إقليمي مختلف بتقارب القاهرة وأنقرة، خاصة مع تداول الإعلان التركي عن زيارة مرتقبة للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى أنقرة.

وخلال الولاية الجديدة للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان الجديدة، من المحتمل أن تحاول تركيا توسيع مشاريع البناء وتطوير مصالحها الاقتصادية في ليبيا، حيث لديها العديد من مشاريع البناء غير المكتملة في المنطقة الشرقية؛ بمعنى أن أردوغان سيعسى لتعزيز المصالحة مع بنغازي، مع الحفاظ على العلاقات مع حكومة طرابلس.

لذا فإن تلك الخطوة تعكس وجود دعم إقليمي كبير من مصر وتركيا، اللتين تنخرطان بشكل توافقي في مساعدة الأطراف الليبية على إطلاق مشروع سياسي جديد، وتلعبان دورا مركزيا وحيويا في دفع الجميع نحو المصالحة.

بجانب ذلك، يعكس توافق المجلسين أيضا مشهدا دوليا سيقوده مدير وكالة الإستخبارات الأمريكية، وليام بيرنز، في ليبيا، حيث يُذكر أنه وللمرة الثالثة في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية يقوم رئيس بترفيع مدير وكالة الإستخبارات الأمريكية لعضو في الحكومة الفيدرالية، لذا فمن المرجح بأن تصبح ليبيا أمام تحول استراتيجي في السياسية الخارجية الأمريكية، خاصة أن ليبا كانت إحدى محطات وليام بيرنز مطلع العام 2023 وقد كانت زيارته القصيرة محددة المعالم والأهداف وبترفيعه عضوا بالحكومة أضحى المسؤول الأول والأخير عن الملف الليبي، وسيذهب لتنفيذ مقترحاته للحل في ليبيا دون قيد أو شرط.

أما تشكيل حكومة شاملة فقد كان حجرة عثر واتفاق المجلسين يعني القاهرة وأنقرة ينخرطان بشكل بناء وهو ما سيساعد، وليام بيرنز في مهمته في ليبيا، وسيكون لهما – القاهرة أنقرة – دور مركزي في تغيير الوضع الراهن وإطلاق مشروع سياسي جديد في ليبيا، وفي حال حدوث ذلك فمن المتوقع بأن يقوم المشروع على إنتاج نخبة سياسية جديدة في المدى القصير والمتوسط – نخبة – تولي أهمية خاصة للشراكة مع الغرب وتستوعب محددات الصراع مع روسيا والصين.

ختامًا:

من المتوقع أن العملية السياسية في ليبيا ستلتهب لتصل مداها خلال الأسابيع القادمة في إطار خارطة للحل مرتكزاتها الثلاث هي: استمرار تدفق النفط، الاتفاق على حكومة شاملة، وإجراء الانتخابات على أي حال.

ويبقى أي تحرك حقيقي لحل الأزمة الليبية مرهونا في المقام الأول برغبة خالصة من كافة الفرقاء الليبيين بالتخلي عن أي مصالح شخصية والمضي قدماً  لتلبية تطلعات الشعب الليبي في إنهاء المرحلة الانتقالية والذهاب للانتخابات وفقا لقوانين عادلة .

كلمات مفتاحية