استضاف مركز “بحوث الشرق الأوسط والدراسات المستقبلية”، في جامعة عين شمس، في يوم 23 مارس 2022م، معالي السفير محمد العرابي، وزير خارجية مصر الأسبق، ورئيس مجلس الأمناء في مركز “شاف”، وسعادة السفير علاء الحديدي، سفير مصر الأسبق في روسيا، و ا.د/ عيد رشاد، رئيس شعبة الدراسات الاقتصادية، في رحاب مركز بحوث الشرق الأوسط والدراسات المستقبلية؛ لمناقشة الأزمة (الروسية – الأوكرانية)، وتأثيرها على مصر ومنطقة الشرق الأوسط، في ظلِّ حضور نخبةٍ من الأساتذة والمسئولين والطلاب، وتحت إشراف رئيس مجلس إدارة المركز ا.د/ أشرف مؤنس، وذلك في إطار الموسم الثقافي، الذي يعقده مركز “بحوث الشرق الأوسط”، تحت رعاية ا.د/ محمود المتيني، رئيس جامعة عين شمس.
وفي كلمته، أشار ا.د/ أشرف مؤنس، مدير المركز، إلى أن الندوة تستهدف استعراض الأسباب الجذرية لهذه الحرب وتوابعها على المستوى الإقليمي والعالمي، على الأصعدة (الأمنية، والإستراتيجية، والسياسية، والاقتصادية)، والتغيُّرات التي طرأت على التوازنات الدولية؛ جراء هذه الحرب، وما يترتب عليها من تداعيات على (مصر، والعالم العربي، ومنطقة الشرق الأوسط).
في كلمته، أبدى السفير محمد العرابي، سعادته بتواجده في حرم جامعة عين شمس، وفي مركز “بحوث الشرق الأوسط والدراسات المستقبلية”، الذي أصبح له دور متقدم في مجال الفكر والسياسة في مصر.
وأشار السفير محمد العرابي، إلى خطورة الأزمة (الروسية – الأوكرانية)، وما لها من تداعيات على مصر والشرق الأوسط، كما أكد أن الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية، يمثل غزوًا رسميًّا من دولة لأخرى، واجتياحًا لأراضيها وضمّها بالقوة، وأن كافة الاتفاقيات والقوانين الدولية، تنصُّ على عدم شرعية وجواز ذلك، وأن ذلك الاحتلال العسكري، سيترتب عليه عواقب وخيمة، على جميع الأطراف، دون أي انتصار لأيٍّ من الأطراف، فإن جلسة اليوم، ليست في إطار إلقاء اللوم على طرفٍ أو غيره في هذه الأزمة العالمية، (فمن المتوجب علينا، النظر في القضية المطروحة، من حيث ما بعد الأزمة)؛ حيث إن روسيا لن تحقق مكاسب في أمنها القومي، ولن يكسب الغرب موطئ قدمٍ في الاقتراب من الحدود الروسية، ولن يكسب الرئيس الأوكراني، ويعوّض المأزق السياسي التي وقعت فيه بلاده، والأزمة التي نتجت عنها، وألحقت بالعالم أجمع، فإذًا الجميع خاسر، بما في ذلك الدول العربية وباقي دول العالم.
لذلك، فمن شأن الغزو الروسي لأوكرانيا، وخروج روسيا عن النَّسَقِ الدُّولي، بأن يعزل روسيا الآن، وفي العقْد القادم، عن المجتمع الدولي؛ ما سيؤدي إلى اضمحلال الدعم (الروسي) الذي حصلنا عليه (الدول العربية)، في قضايا، مثل (القضية الفلسطينية) وغيرها، عند طرحها على الأمم المتحدة، وستفقد مصر والعرب حليفًا أمنيًّا وإستراتيجيًّا قويًّا.
وفي المقابل، استفادت الدول الغربية والولايات المتحدة من الأزمة الأوكرانية، من حيث تزايد التضامُن الغربي في مجابهة روسيا، وذلك بالرغم من زلزلة العلاقات الغربية في الفترة الأخيرة، من الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، إلى أزمة الغواصات بين فرنسا وأستراليا، أما بالنسبة إلى دولة ألمانيا، فدائمًا ما اتبَّعت نسق التوجه نحو الشرق (Ostpolitik) في سياستها الخارجية؛ حيث وقفت بتوجه سياسي واقتصادي مع دولة روسيا، وهو ما عدَلَت عنه في ظل الاضطراب والفوضى الإستراتيجية العالمية؛ الناتجة عن الغزو الروسي لأوكرانيا.
وأوكرانيا هي دولة ذات ثقل إستراتيجي لمصر ودول العالم؛ كونها سلَّه غذاء عالمية، ومتصدرة في التقدم التكنولوجي، ومجال الطاقة، ومهمة أيضًا من حيث السياحة في مصر، كما أنه تم إطلاق الأقمار الصناعية المصرية من قواعد أوكرانية سابقًا.
كما أكد السفير العرابي، أن العقوبات الاقتصادية سيكون لها تأثير سلبي في كلا الاتجاهين، وستؤثر بنتيجة سلبية على الجانب الغربي، وليس على الجانب الروسي فقط، كما أثبتت العقوبات الاقتصادية تاريخيًّا، أنها ليست إجراءات حاسمة، في استطاعتها إضعاف الخصم، ولكن ليست بالأمر الكافي لحل المعضلات، وعلى سبيل المثال، عاشت إيران فترات طويلة تحت العقوبات الاقتصادية، وظلَّت متماسكة حتى الآن، وتسير في برنامجها النووي بشكل طبيعي.
أما في ظلِّ نظامٍ عالميٍ متغيرٍ، كان من المتصور اختفاء دور الجيوش التقليدية، واستبدالها بهجمات سرية، سواء في الفضاء السيبراني، أو من خلال الطائرات المسيرة، والقذائف البالستية، وفي نظام عالميٍ متشابكٍ اقتصاديًّا، تصور الجميع استحالة وقوع حرب كبرى، تهدد المصالح المشتركة بين الدول، فكان من شأن الغزو الروسي لأوكرانيا، بأن يفوق جميع التوقعات؛ حيث اشتملت على كل من الحروب التقليدية، ونشر الجيوش التقليدية على الأرض، والحرب عن بُعْد، بالقذائف الموجهة، والطيارات المسيرة، والحرب السيبرانية، وذلك من شأنه، بأن يُعيد تنظيم التوازنات الدولية، في النظام العالمي المتعدد الأقطاب، ولكن ليس في صالح روسيا؛ حيث تصبح هي القطب الأضعف، فكانت هناك أساليب أخرى، قد تحقق بها روسيا أهدافها الأمنية، وتحمي العالم من التدهور الشديد للأوضاع في الوقت نفسه، وسيتم التعامل مع روسيا – الآن – كتهديدٍ أمنيٍ، ودلالة ذلك، قيام الدول الأوروبية، وعلى رأسهم ألمانيا، برفع ميزانيتها الأمنية والعسكرية، وهذه سمة جديدة للعلاقات الدولية داخل أوروبا؛ حيث انتقل مسرح الأحداث المأساوية من الشرق الأوسط إلى أوروبا، واتجهت أعْيُنُ العالم إلى الأزمة الأوكرانية، بدلًا من التكاتف حول القضايا الملحة في الشرق الأوسط، وجائحة وباء كورونا، وتغير المناخ، وبالتالي، فإن الجميع يعاني من تداعيات الأزمة؛ حيث لا يفوز طرفٌ على الآخر.
تناول الكلمة عقب ذلك، سعادة السفير علاء الحديدي، الذي أكد على أن روسيا شنَّت هذه الحرب؛ حفاظًا على أمنها القومي، وحقها الإستراتيجي في تأمين حدودها، وأضاف سيادته، أن روسيا تقوم بعمل خطوات متباعدة؛ لمعرفة ردِّ الفعل الدولي والعسكري، وأيضًا لمعرفة تفكير حلف شمال الأطلسي) الناتو (، وبناء على ردود أفعال كل خطوة، يتحرك الروس، وأشار السفير (الحديدي) إلى أن روسيا تستهدف نزع سلاح أوكرانيا، وأن تكون دولة محايدة، مثل فنلندا، وهو ما طرحه (ماكرون) عندما التقى (بوتين)، منوّهًا أن البعض يقول: إن (بوتين) يريد أن تكون أوكرانيا موالية لروسيا، وهناك هدف أكبر، وهو تغيير المعادلة الإستراتيجية في أوروبا، مؤكدًا أن (بوتين) يعتبر أن الغرب أخلَّ بتعهداته التاريخية، وبالأخص الوثيقة التأسيسية الناتجة عن اجتماع روسيا و(الناتو) عام 1997، ومن هذا المنطلق، استدعى (بوتين) الشعور بعدم الاحترام، وعدم استماع الغرب له، حيال مخاوف روسيا، بشأن نظام الدفاع البالستية في أوروبا الشرقية، (بالأخص في دول حلف “وارسو” سابقًا)، إضافةً إلى توسعات (الناتو) إلى حدوده، وفشل زيارة الرئيسين (ماكرون، وشولتز)؛ حيث دعوا إلى العودة إلى صفقات (مينسك ١) في التعامل مع إقليم الدونباس؛ ما أدى إلى استياء الحكومة الروسية، وفرض واقع الغزو الروسي لأوكرانيا، ويشمل قرار الغزو عوامل أخرى، من ضمنها:
1. الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وتراجع النفوذ الأمريكي في منطقة أسيا الوسطى.
2. الانقسام الأمريكي الداخلي، حول مواجهة روسيا بين مؤيدين ومعارضين؛ حيث يكمن التأييد لروسيا من جانب الحزب الجمهوري، والموالين للرئيس السابق، دونالد ترامب.
3. الانقسام الأوروبي؛ حيث إن بعض الدول الأوروبية لها مصالح مشتركه مع روسيا، مثل (فرنسا، وألمانيا، وإيطاليا( مقابل الدول الأوروبية الشرقية، مثل (دول البلطيق، وبولندا( التي تعمل على مجابهة روسيا.
4. اعتماد الدول الأوروبية بشكل كبير على صادرات الطاقة الروسية من (غاز، ونفط).
5.العلاقات (الروسية – الصينية) في استمرار قوي، في حين صدر بيان، في 4 فبراير 2022 ، من الصين، يصف العلاقة بين البلدين، بأنها: “صداقة بلا حدود”
ولقد استعرض السفير علاء الحديدي، المنطلقات الفكرية التي تستند عليها السياسة الخارجية الروسية، في رؤيتها للأزمة مع أوكرانيا؛ حيث أشار إلى أن هناك اتجاهين، أولهما: يتمثل في المدرسة الأوراسية، أو السلافية، وثانيهما: يتمثل في المدرسة الأوروبية، وأن التوجهات الروسية بعد تفكُّك الاتحاد السوفيتي، تمثل انعكاسًا لأفكار (يفكيني بريماكوف)، والتي تصاعدت للسيطرة على التوجهات الخارجية الروسية، وفق مفهوم الوطن التاريخي، وتراجع سيطرة التوجهات الأوروبية على صانع القرار الروسي.
وأشار د /عيد رشاد، إلى أن روسيا تمثل عاشر أكبر اقتصاد على مستوى العالم، وأنها تتمتع بثروة كبيرة، تزيد من قيمتها وثقلها السياسي والإستراتيجي على مستوى العالم؛ ما يجعلها لاعبًا رئيسيًّا في الاقتصاد العالمي، خاصةً في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما يزيد من تفاقُم تداعيات الأزمة (الروسية – الأوكرانية)، وتأثيرها على مختلف بلدان العالم، ولا سيما أن روسيا وأوكرانيا يصدِّران 30% من ناتج القمح العالمي، كما تعتبر أوكرانيا سلَّة الغلال بالنسبة للعالم، فضلًا عما تتمتع به روسيا من ثروات معدنية، ومصادر وقود متنوعة، تصدِّرها لمختلف أنحاء العالم، وهو ما يوضح فداحة تداعيات تلك الأزمة، وما يترتب عليها من آثار اقتصادية جسيمة، تلقي بظلالها على مختلف بلدان العالم.