“الأسطول الشبح” .. أداة روسية للالتفاف على العقوبات النفطية

إعداد: إسراء عادل 

المقدمة:

تشهد صناعة النفط العالمية اضطرابات مستمرة، تُفاقمها التوترات الجيوسياسية والتحولات الإستراتيجية في مواقف الدول الكبرى المُنتجة للنفط الخام، فمع دخول الحرب الروسية الأوكرانية عامها الثالث، وفي مواجهة العقوبات الغربية المفروضة على موسكو ولا سيما تلك المرتبطة بتصدير النفط الروسي عبر البحر، تمكنت موسكو من تشكيل أسطول من ناقلات نفط تابعة لجهات غامضة و تفتقر إلى التأمين المناسب، عرف بـ”الأسطول الشبح” لتصدير النفط والالتفاف على العقوبات، وفي 23 فبراير الجاري، أدرجت واشنطن على قائمتها السوداء 14 ناقلة نفط تستخدمها روسيا، في إطار سعي الولايات المتحدة للإبقاء على السقف المحدد لأسعار الخام الذي فرضه الغرب على روسيا على خلفية غزوها لأوكرانيا.

ما هو “الأسطول الشبح” ولماذا تستخدمه روسيا؟

“الأسطول الشبح” هو عبارة عن مراكب تجارية غير مملوكة لدول ضمن ائتلاف مجموعة السبع أو الإتحاد الأوروبي، ولا تستخدم تأمين الحماية المخصص للنقل البحري والذي يعوّض الأضرار إن حصلت من دون سقف محدد، ويستخدم هذا النوع من السفن التي يطلق عليها أيضاً اسم “الأساطيل الغامضة” أو “أساطيل الظل” في دول مثل إيران وفنزويلا الخاضعتين لعقوبات نفطية أمريكية، وحتى كوريا الشمالية، ويبدو أن عدد هذه السفن تضاعف العام الماضي وباتت حالياً تمثل نحو 10 % من ناقلات النفط التي تعمل دولياً، ويعادل ذلك حوالى 1400 سفينة، كما يصعب تحديد الجهة الحقيقية المالكة للسفينة بسبب تجمع شركات في شركة واحدة أو اللجوء إلى شركات وسيطة.

وفي ظل الهجوم الروسي على أوكرانيا قبل سنتين، فُرض حظر نفطي على موسكو وسقف لأسعار الخام الروسي، بالإضافة إلى حظر على تقديم خدمات لنقل النفط بحراً؛ وذلك لحرمانها من تمويل حربها في أوكرانيا، وللالتفاف على هذه العقوبات، اضطرت موسكو لخفض اعتمادها على الخدمات البحرية الغربية عبر شراء ناقلات وتوفير تأمين خاص بها، واتضح أن أكثر من 70% من النفط الروسي الذي ينقل بحراً يستخدم “الأسطول الشبح”

مخاطر كارثية وشيكة:

قد ينتج عن الأسطول الشبح تداعيات كارثية، فيبدو أن الجزء الأكبر من هذا الأسطول الغامض لم يخضع لأي تفتيش مؤخراً، كما أن صيانة سفنه دون المستوى، بالإضافة إلى أن السفن المتقادمة تشكل خطراً بيئياً هائلاً للاتحاد الأوروبي، إذ تمر السفن القديمة وذات الصيانة الرديئة من أمام سواحل عدد من الدول الأوروبية، وتشير إلى أن 73 % من السفن التي نقلت النفط الروسي في ديسمبر الماضي، بنيت قبل أكثر من 15 عاماً، ولا تملك أي من السفن المنضوية في “الأسطول الشبح” الروسي تأمين حماية وتعويضاً مناسباً، وهو أمر إجباري بالنسبة للمراكب التجارية لتغطية المخاطر الناجمة عن الحروب أو حوادث الاصطدام أو الأضرار البيئية مثل التسرب النفطي، فضلاً عن ارتفاع نسبة الحوادث التي حصلت لهذا الأسطول بسبب تقادمها، وكذلك، لأنها لكي تتجنب الرادارات، قد تُطفئ غالباً أجهزة التعرف الأوتوماتيكي عليها (AIS)وهو نظام تعقب “جي بي أس” يفترض استخدامه بالسفن التجارية.

هل تعصف العقوبات الأمريكية ضد النفط الروسي بشركات الإمارات؟

يبدو أن هناك شركات بحرية تتخذ من الإمارات العربية المتحدة مقراً وتشكّل قلب “الأسطول الشبح” الروسي، فضلاً عن ظهور خمس شركات نقل جديدة، تنظيمها وهيكليتها غير شفافتين؛ وقد بدأت بنقل النفط الروسي منذ نوفمبر 2023 من دون تأمين الحماية، وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على ثلاثة كيانات في الإمارات وناقلة خام مسجلة في ليبيريا بزعم انتهاكها الحد الأقصى لأسعار النفط الروسي الذي فرضته مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي وأستراليا على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، وتمثل في سقف سعر قدره 60 دولاراً للبرميل، بهدف الحفاظ على إمدادات موثوقة من النفط الخام والمنتجات النفطية للسوق العالمية مع تقليل عائدات النفط الروسية بعد الهجوم على أوكرانيا الذي تسبب في تضخم أسعار الطاقة العالمية. والشركات الإماراتية الخاضعة للعقوبات هي شركة Zeenit Supply and Trading DMCC، وشركة Talassa Shipping DMCC، وشركةOil Tankers SCF Mgmt FZCO ، كما تم إدراج ناقلة النفط NS Leader التي ترفع علم الغابون، وشركة NS Leader Shipping، المسجلة في ليبيريا.

ومن هنا يتضح أن سقف الأسعار والعقوبات التي فُرضت سوف تُزيد من الخصومات على النفط الروسي، الأمر الذي يُحد من الإيرادات التي تعتمد عليها الكرملين في حربها على أوكرانيا، وبالتالي فإن العقوبات كانت بمثابة تحذير مستمر بأن واشنطن سترد على أي انتهاكات للحد الأقصى لسعر النفط.

عقوبات غربية جديدة على موسكو

منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، فرضت واشنطن وحلفاؤها مجموعة من العقوبات، استهدفت إيرادات موسكو ومجمعها الصناعي العسكري، كما عملت على وضع سقف لأسعار النفط بهدف خفض إيرادات موسكو النفطية، وفي 23 فبراير الجاري أعلنت واشنطن عن فرض أكثر من 500 عقوبة جديدة ضد روسيا، رداً على حربها المستمرة على أوكرانيا ووفاة المعارض الروسي، ألكسي نافالني، في خطوة تأتي بالتزامن مع إقرار المجلس الأوروبي لـ”الحزمة الـ13″ من التدابير التقييدية على موسكو، والتي تستهدف خصوصاً ثلاث شركات صينية ضمن مساعي تجنب الالتفاف على الإجراءات القائمة، وأيضا شركات من الهند وسريلانكا وتركيا وتايلاند وصربيا وكازاخستان لمساهمتها في مجهود موسكو الحربي، بالإضافة إلى إدراج 27 منظمة في حزمة العقوبات الجديدة بزعم دعمها للمجمع الصناعي العسكري الروسي، كما أعلنت بريطانيا حزمة جديدة من العقوبات ضد روسيا شملت أكثر من 50 فرداً وكياناً، في إطار سعيها إلى تقليص ترسانة أسلحة الرئيس بوتين والأموال اللازمة للحرب، ورداً على هذه العقوبات قامت موسكو بتوسيع قائمة ممثلي المؤسسات الأوروبية والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي الممنوعين من الدخول إلى روسيا.

واجه الاقتصاد الروسي خلال عام 2022 صعوبات عديدة نتيجة التداعيات السلبية للعقوبات الغربية الموقعة على روسيا بسبب حربها على أوكرانيا، فضلاً عن امتصاص الحرب جانباً كبيراً من إيرادات الدولة، ورغم تمّكن روسيا من إنعاش الناتج المحلي الإجمالي لها في عام 2023، والخروج من انكماش 2022، ونمو اقتصادها بنسبة 3.6%، لكن مع اقتراب الانتخابات الروسية في مارس 2024،  ومع فرض العقوبات الغربية الجديدة بعد وفاة المعارض ألكسي نافالني، فمن المرجح أن الاقتصاد الروسي سيواجه هذا العام أوقاتاً حرجة للغاية، على الرغم من تحسن توقعات النمو، كما ارتدت العقوبات على مبيعات النفط والغاز الروسيين التي دفعت نحو انخفاض معدل الإيرادات الروسية من الطاقة إلى الربع، فضلا عن آثار العقوبات على شركات الطيران، وهو ما يزيد من تحديات الاقتصاد الروسي بما يؤثر بشكل مباشر على المواطنين.

خلاصة القول

من الواضح أن الاقتصاد الروسي أظهر قوة ومرونة في التكيف مع التحديات الاقتصادية التي خلقتها العقوبات الغربية على روسيا بشأن غزوها لأوكرانيا، وذلك لشل اقتصاد البلاد، وإضعاف قدرة موسكو على تمويل الآلة الصناعية العسكرية، ويبدو أن روسيا اتبعت استراتيجية “التحضير المبكر” للتغلب على تأثير العقوبات التي فرضت عليها منذ عام 2014 بعد ضمها لشبه جزيرة القرم وحتى الحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى تطوير علاقاتها الدولية والذي يمثل جانباً مهماً في تعاملها مع التحديات الحالية، حيث تمتلك موسكو شبكة علاقات دولية واسعة، أبرزها العلاقات مع تركيا والصين ودول الخليج، فضلاً عن نجاح معظم الشركات في استبدال الموردين الغربيين بمنتجين محليين أو من “دول صديقة”، وقد يعكس ذلك جهود الشركات الروسية للبحث عن حلول بديلة ومستدامة في ظل تغيرات السوق الدولية.

وفي هذا السياق، نجد أن روسيا اتبعت الاستراتيجية الإيرانية في نقل النفط، بالالتفاف على العقوبات النفطية عن طريق استخدام “الأساطيل الغامضة” في نقل النفط الروسي، ففي ظل فرض حظر نفطي وسقف لأسعار الخام الروسي، اضطرت موسكو لخفض اعتمادها على الخدمات البحرية الغربية عبر استخدامها “للأسطول الشبح” على الرغم من وجود تداعيات بيئية ومخاطر كارثية لهذا الأسطول.

كلمات مفتاحية