الأهمية الاستراتيجية للموانئ البحرية في اليمن.. كيف تشكل معادلة هامة في مسارات تسوية الأزمة اليمنية؟

إعداد: هنا أشرف الحصى

المقدمة:

تمتلك اليمن العديد من الموانئ البحرية التي تمتاز بطبيعة خاصَّة، بسبب مواقعها الاستراتيجية المناسبة لخطوط التجارة والشحن العالمية؛ الأمر الذي جعل الصراع في اليمن أكثر تعقيدًا، حيث يتصارع أطراف الصراع بشكلٍ واضحٍ؛ للسيطرة على السواحل والموانئ البحرية والمنافذ البحرية التي يتحكم بها الموقع الاستراتيجي للبلاد، المطلة علي بحر العرب والبحر الأحمر.

وألقت الأعمال الأخيرة التي قامت بها جماعة الحوثي (أنصار الله) من استهداف للسفن الإسرائيلية في البحر الأحمر ردًّا على الحرب الإسرائيلية على غزة، الضوء مرة أخرى، على أهمية الموانئ البحرية في اليمن؛ إذ يُوجد توتُّرٌ حادٌّ وملحوظاٌ تجاه السواحل اليمنية؛ حيث قام الحوثي على مدار شهر نوفمبر، بعمليات عديدة في البحر الأحمر، سواءً باعتراض ناقلة سفن إسرائيلية أو أمريكية، أو إطلاق صواريخ على مدمرة أمريكية في خليج عدن.

بالرغم من وجود مؤشرات سابقة، توضح سياسات الحوثي الترهيبية في البحر الأحمر قبل اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، إلا أن مشاركة الحوثي في هذه الحرب، تؤدي إلى زيادة المخاطر المحتملة، التي من شأنها أن تترك بشكلٍ سلبيٍّ آثارًا تجارية واقتصادية عالمية، ولا تقتصر فقط على إسرائيل، ولكن أيضًا على الملاحة البحرية بشكلٍ عامٍ.

وتهدف هذه الورقة إلى مناقشة الأهمية الاستراتيجية للموانئ البحرية، وكيف تُشكِّلُ معادلةً هامَّةً في الأزمة اليمنية؟

المحور الأول:

الأهمية الاستراتيجية للموانئ البحرية:

تتمتع الجمهورية اليمنية بموقع استراتيجي مهم ومميز؛ نظرًا لوقوعها في الجهة الجنوبية الغربية لشبه الجزيرة العربية، وتُطل على بحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر، كما تقع بين دولة عمان والمملكة العربية السعودية، وتبلغ مساحة الدولة ٥٢٧،٩٧٠ كم مربع، و تتسم اليمن بتضاريسها و السهول الساحلية المنبسطة، وتعتبر اليمن ملتقى طرق التجارة و الاتصالات القديمة و الحديثة؛ نظرًا لوقوعها علي المدخل الجنوبي لجزيرة البحر الأحمر ، تضم اليمن عددًا كبيرًا من الجزر، و منها؛ جزر قمران التي تقع قرب الحديدة في البحر الأحمر، وجزيرة سقطرى وهي اهم الجزر الموجودة باليمن، تنقسم اليمن إلى خمس مناطق رئيسية، و هي: “سهل تهامة الساحلي، و مرتفعات اليمن و الجبال الوسطي، المرتفعات الشرقية، المناطق الصحراوية الشرقية و المناطق الصحراوية الشمالية الشرقية”.

تتمتع الموانئ البحرية باليمن بأهمية استراتيجية كُبرى، يُوجد داخل اليمن حوالي ٦ موانئ بحرية دولية (ميناء عدن، ميناء الحديدة، ميناء المكلا، ميناء المخاء، ميناء الصليف وميناء نشطون)، وهي موانئ مجهزة لاستقبال السفن والبضائع وتقديم خدمات الشحن والتفريغ، لعبت تلك الموانئ منذ القدم دوْرًا حيويًّا هامًّا، ليس في الاقتصاد اليمني فقط، بل في حياة شبه الجزيرة العربية بأكملها.

المحور الثاني: خريطة السيطرة على الموانئ البحرية في اليمن

تنتشر الموانئ على طول الساحليْن “الجنوبي، والغربي” لليمن، ويعتبر بعضها من أقدم الموانئ في شبه الجزيرة العربية، كما أنها شكَّلت جزءًا مهمًا من التاريخ اليمني والمنطقة، بالإضافة إلى أهميتها الجغرافية والاقتصادية والاستراتيجية، ويمكننا تقسيم الموانئ من خلال أطراف الصراع، وما هي الموانئ التي تم احتلالها، وكانت تلك الموانئ تحت سيطرة أي طرف من أطراف الصراع؟

اليمن 11111111111 cleanup الأهمية الاستراتيجية للموانئ البحرية في اليمن.. كيف تشكل معادلة هامة في مسارات تسوية الأزمة اليمنية؟

أطراف الصراع وسيطرتها على الموانئ البحرية:

موانئ تحت سيطرة الحوثي:

ميناء الحديدة:

يُعدُّ ميناء الحديدة على رأس أهم الموانئ اليمنية الواقعة تحت سيطرة الحوثيين، وهو تحت سيطرتهم منذ 2014 حتى الآن، ومنه أيضًا تمد إيران وفق تقارير دولية الحوثيين بالأسلحة الثقيلة والآليات البحرية، وتكْمُن أهمية ميناء الحُديدة الذي حاولت قوات التحالف السيطرة عليها كثيرًا؛ لوقوعه في منتصف الساحل الغربي لليمن على البحر الأحمر، وهو من مراكز التجارة التاريخية على الساحل اليمني؛ نظرًا لقُرْبه من الخطوط الملاحية العالمية، وأُنْشِئَ في محافظة الحديدة عام 1961، بالتعاون مع الاتحاد السوفيتي.

ميناء الصليف:

سيطر عليه الحوثيون منذ 2014 حتى الآن، ويُعدُّ ميناء الصليف من أهم الموانئ الاستراتيجية في اليمن؛ حيث يقع في الشمال الغربي لمدينة الحديدة، ويبْعُدُ عنها بمسافة تصل إلى 60 كم، وكان قديمًا يتم تصدير الملح منه.

يمتلك الميناء رصيفًا مُجهَّزًا لرسو السفن العملاقة، بالإضافة إلى منشآت صوامع ومطاحن القمح والحبوب، كما تشتهر المدينة التي تحتضنه “الصليف” بمناجم الجبس والملح الصخري عالي النقاوة، الذي يُعتبر من أجود أنواع الملح في العالم، وتُقدَّرُ كميات الاحتياطيات منه بحوالي ١٥٠ مليون طن.

موانئ تحت سيطرة المجلس الانتقالي:

ميناء عدن:

طوال السنوات الماضية، كانت قوات الحكومة اليمنية الشرعية، بقيادة عبد ربه منصور هادي، تسيطر على الميناء الاستراتيجي، إلى أن سيطرت عليه قوات المجلس الانتقالي، بعد خوْضه اشتباكات مسلحة، في أغسطس ٢٠١٩ مع القوات الحكومية، يُعدُّ ميناء عدن من أهم الموانئ الطبيعية في العالم، وله دوْرٌ كبيرٌ ومهم، وازداد دور الميناء بعد افتتاح قناة السويس عام١٨٦٩؛ نظرًا للخدمات التي كان يقدّمها الميناء للسفن المتجهة من القناة وإليها، وبالدرجة الأولى، فيما يخص تموين السفن بالوقود.

موانئ تحت سيطرة الحكومة اليمنية:

ميناء المخا:

يعتبر هذا الميناء من أقدم وأهم الموانئ البحرية اليمنية؛ لقُرْبِه من الممر الدولي بمسافه مائة كيلومترًا، وموقعه بالنسبة للمناطق الجنوبية والمناطق الوسطي لليمن، وكان من أهم الموانئ لتصدير البُن اليمني، وقع الميناء تحت سيطرة قوات الحوثي، حتى تم استعادته من قِبَلِ قوات الحكومة اليمنية، المدعومة من قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، بقيادة المملكة العربية السعودية، عام ٢٠١٧

ميناء المكلا:

وقع ميناء المكلا تحت سيطرة الحوثيين لفترة، حتى تمت استعادته من قِبَل الحكومة اليمنية، بدعمٍ من قوات التحالف، ورغم صعوبات العمل به؛ بسبب استمرار الحرب، وتعرُّضه لهجمات صاروخية، يوفر الميناء لمحافظة حضرموت والمحافظات المجاورة لها، كل احتياجاتها الضرورية من مواد غذائية متنوعة ومشتقات نفطية، ومعدات وآليات وغيرها.

ميناء نشطون:

وقع الميناء تحت سيطرة الحكومة اليمنية، ولكن إلى جانب الإدارة المحلية، تدير القوات التابعة للتحالف العربي لدعم الشرعية الميناء، منذ عدة أعوام، ويُوفر ميناء نشطون ملاذًا آمنًا للسفن الصغيرة، وقد تم استكماله عام 1984م، وهو نفس العام الذي أصبح تحت إدارة مصلحة الموانئ اليمنية سابقًا، بعد أن كان يُدَارُ من قِبَلِ مؤسسة الثروة السمكية، يُستخدم ميناء نشطون لاستقبال سفن الاصطياد، وبعض السفن الصغيرة التي تُفْرِغُ المواد الغذائية والمحروقات.

المحور الثالث: الموانئ البحرية معادلة هامة في الازمة اليمنية

أثارت حوادث قرصنة جماعة الحوثي، المدعومة من إيران للسفن التجارية في الموانئ البحرية، خلال السنوات الماضية، استياءً واسعًا، سواءً على المستوى الإقليمي أو الدولي؛ لأنها أثرت على الملاحة العالمية، بل وما يمكن أن يجلبه من مخاطر على اليمن وشعبها، وكانت دائمًا ما تؤكد الحكومة اليمنية على رفضها المطلق لأعمال القرصنة البحرية التي تنفذها الجماعة الحوثية بدعمٍ كاملٍ من النظام الإيراني في المياه الإقليمية اليمنية.

وعلى مدار السنوات الماضية، قامت جماعات الحوثي بعملية زراعة الألغام في المياه الإقليمية اليمنية، قُبَالَة سواحل ميناء ميدي، والبحر الأحمر، وبالقرب من خط الملاحة الدولية في البحر الأحمر، عبْر عناصرها الذين تمَّ تدريبهم، أو عبْر خبراء إيرانيون  تمَّ استقدامهم لهذا الغرض، وحسب مصادر عسكرية، فإن الميليشيا كثَّفت زراعة الألغام البحرية، وعملت على تمويه بعضها، وزراعة بعضها الآخر بشكلٍ عشوائيٍّ، في مساحاتٍ شاسعةٍ من البحر، مستخدمةً بذلك القوارب والزوارق البحرية لهذا الغرض، فضلًا عن تحويلها المياه الإقليمية اليمنية إلى منصةٍ لاستهداف عددٍ من الموانئ السعودية، منها ميناء جازان عام ٢٠١٨، وينبع، والتي أفشلتها قوات التحالف أكثر من مرة، وبهذا استطاع الحوثي المدعوم من إيران استخدام المياه اليمنية كورقة ضغط على السعودية؛ لممارسة ضغوط على الأطراف الأخرى للصراع .

كما أن الاعتداءات النفطية التي قامت بها الميليشيات الحوثية خلال السنوات الماضية، أثَّرت بشكلٍ كبيرٍ على المياه اليمنية، فكانت الجماعة مستهدفة ميناء الضبة النفطي بحضرموت، وميناء قنا النفطي بشبوة، وبهذا أصبحت أعمال الحوثي تُمثِّلُ ابتزازًا واضحًا للمجتمع الدولي وورقة ضغط صريحة وقوية.

الرد الإسرائيلي والأمريكي تجاه عمليات الحوثي ومستقبل المفاوضات (السعودية –الحوثية):

أمَّا في السياق الراهن، حول ما يدور في غزة منذ عملية السابع من أكتوبر، أطلقت جماعة الحوثي، عددًا من الصواريخ والطائرات المسيّرة باتجاه إسرائيل، في تحرُّكٍ قد لا يُؤثِّرُ فقط على مسار الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس، بل يُلْقِي بظلاله على اليمن، ومع تعهُّد الحوثي بإطلاق المزيد من الهجمات، ذلك بجانب اختطاف سفن إسرائيلية.

وردَّت إسرائيل بإرسال زوارق صاروخية إلى البحر الأحمر؛ لتنضم إلى السفن الحربية الأمريكية المنتشرة بالفعل في المنطقة، كما أعلنت وزارة الدفاع الامريكية إجراء مباحثات؛ من أجل تأسيس قوة مهام بحرية دولية؛ بحجة ردْع هجمات الحوثي على السفن التجارية في البحر الأحمر.

وكانت السعودية قبْل هذا التصعيد الخطير في غزة، تسعى إلى تسوية الأزمة اليمنية، عن طريق خلْق قنوات تواصل مع الحوثيين، بواسطة عمانية؛ انطلاقًا من إدراك القيادة السعودية، بأن إطالة أَمَدِ الحرب في اليمن استنزف الكثير من قدراتها، وسيُؤثِّرُ على تحقيقها لرؤية 2030، التي تتطلب بيئةً مستقرةً أمنيًّا واقتصاديًّا، وهذا ما يُسْتَدَلُّ عليه بعودة العلاقات «السعودية – الإيرانية» بوساطة صينية، في شهر مارس الماضي، والذي تلاه، زيارات متبادلة لوفود من «السعوديين، والحوثيين»، سواءً في صنعاء أو في الرياض؛ من أجل بحْث مسار التسوية في اليمن.

ولكن وصلت المفاوضات بين «الحوثيين، والسعودية» قبْل حرب غزة إلى مرحلةٍ حسَّاسةٍ؛ فبالرغم من الزيارة الأولى والرسمية التي قام بها الحوثي إلى الرياض، في منتصف شهر سبتمبر الماضي، أُفِيدَ بأن الحوثيين شنُّوا هجومًا في أواخر الشهر نفسه على القوة التي تمَّ نشْرُها ضمن قوات تحالف دعْم الشرعية في اليمن، على الحدود الجنوبية للسعودية، وأسفر هذا الهجوم عن مقتل ما يقارب ثلاثة جنود بحرينيين.

لكن يبدو أن الحرب في غزة أعادت خلْط الأوراق من جديدٍ مرةً أُخرى؛ حيث قد تتأثر السعودية في حال اتَّسعت رقعة الصراع في الإقليم؛ وقد يؤدي هذا الأمر إلى تقسيم المنطقة إلى مُعسكريْن “إيراني، ومعادٍ لها”، وهذا احتمال مطروح، وبحكم ارتباط دول الخليج الأمني مع الغرب، قد تنهار كل محاولات الاتفاق مع إيران أو مع الحوثيين، وبالرغم من أن الحرب جمَّدت حتى اللحظة المحادثات «السعودية – الحوثية» لكن لم تُنْهِهَا.

خلاصة القول:

كانت دائمًا ما تُمثِّلُ الموانئ البحرية في اليمن ورقة ضغطٍ كبيرةٍ، خاصَّةً لجماعة الحوثي المدعومة من إيران على باقي الأطراف في المنطقة، ولكن من المحتمل أن تضع الهجمات الحوثية التي تستهدف إسرائيل بعد الحرب الإسرائيلية على غزة منطقة البحر الأحمر في قلب الصراع المتأجج، وهو ممر دولي تعتمد عليه ناقلات الشحن الكبرى، وتتسابق عليه العديد من الدول لأهميته الاستراتيجية الكبرى، ومن المرجح، أن تتصاعد المواجهة في البحر الأحمر والمناطق التي تحيط به، خلال الفترة القادمة؛ لذا فهناك ضرورة مُلِحَّة لمراقبة أعمال الحوثي في منطقة البحر الأحمر؛ باعتباره تهديدًا متطورًا في المنطقة؛ حيث لن تؤثر تلك الأعمال على حركة الملاحة العالمية فقط، بل قد تؤثر بشكلٍ سلبيٍّ على مسارات تسوية الأزمة اليمنية في حدِّ ذاتها.

كلمات مفتاحية