الأوضاع في السودان.. هل ترجح كفة الفصيل المدني مبكرًا؟
إعداد حسناء تمام كمال
مازالت الأوضاع في السودان في حالة تأزُّم، وبالرغم من سيطرة الأجواء المأزومة على العلاقات بين كافة الأطراف في السودان، إلا أنه لم يستطع أيٌّ من الأطراف حسْم المسألة لصالحه، فلم يستطع المجلس السيادي، الذي يترأسه المُكوِّن العسكري حاليًّا، فرْض سيطرته على الأوضاع الميدانية، ولم تستطع القوى المدنية التوافُق حول خارطة موحدة للمنطقة، وبالرغم من ذلك يبقى هناك اتجاه عام مشترك، حول ضرورة اتخاذ إجراء؛ لتمكين الفصيل المدني، لكن هذه الرؤى متباينة.
أولًا: رؤى متباينة لتمكين العنصر المدني
بالرغم من أن هناك شبه اتفاق على أهمية تمكين واحتواء العنصر المدني، لكن يبقى هناك اختلاف حول مفهوم التمكين، فبالنسبة لـ«قوى الحرية والتغيير- القوى المركزية»، ترى أن التمكين يكون بإزالة المُكوِّن العسكري من سُدَّة الحكم، وترفض –حتى الآن- أيَّ حوارات مع المجلس السيادي برئيسه، وكذلك ترفض القوى المدنية الأُخرى، الدعوة للحوار مع القوى العسكرية.
وبحسب «قوى الحرية»، فإنها لن تجلس مع «قوى التوافق الوطني»؛ لأنهم ليسوا الطرف الأصيل الذي يجب الجلوس معه في أي عملية سياسية، ويرون أن الجلوس لتسليم السلطة للمدنيين، يتم مع العسكريين، ويتهمون «قوى التوافق الوطني»، بالسعي لإغراق المشهد السياسي بمبادرات؛ الغرض منها المناورة، والالتفاف، وكسْب الوقت.
أما «قوى التوافق الوطني»، فترى أن التمكين يكُون بالتوافق، ويبدأ بالحوار بين الطرفيْن، وفي آخر محاولاتها للسعي في هذا الطريق، دعت «قوى التوافق الوطني»، في 10 سبتمبر، إلى حوارٍ قائمٍ على النِّدِّيَّة، دون إقصاءٍ لحل الأزمة السياسية في البلاد، ويؤكد أعضاء التحالف، على ضرورة توافق القوى السياسية في السودان، والابتعاد عن الإقصاء، باعتبار أن الإقصاء هو السبب وراء ما يعيشه السودان الآن، مُبْدين استعدادًا للتعامل مع كل القوى السياسية، واختصار الوقت؛ للوصول لحل الأزمة.
وفيما يتعلق برؤية المُكوِّن العسكري: يرى المُكوِّن العسكري، أن التمكين يتمثل في دعم تشكيل حكومة كفاءات، فبعد الانسحاب من حوار الآلية الثلاثية، التي جرت برعاية «الاتحاد الأفريقي، والأمم المتحدة»، وإيجاد تقريب وجهات النظر بين الفصيل «السياسي، والعسكري»، وكذلك في سياق مطالبة رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، السياسيين، بعدم التدخل في شؤون الجيش، والدعم السريع، وتشكيل حكومة انتقالية، مُشدِّدًا على عدم قدرة أيِّ أحد على تفكيك المؤسسة العسكرية، داعيًا إلى تشكيل حكومة كفاءات برعاية السياسيين، حسب وصفه.
ويمكن القول: إن هذا الخلاف والتجمُّد في المواقف بين الفصائل المختلفة، سيزيد من حالة تفاقُم الوضع، استمرار رفض «قوى الحرية والتغيير»: يؤكد أنها لم تعِ الدرس، فلم تتقدم بأجندة فعَّالة تقود تطبيقها، بل أصبحت تتعامل بردِّ الفعل، أما الفصيل العسكري، فحالة التَّذَبْذُب التي تظهر في تصريحاته وتحركاته، وخصوصًا قراره بالانسحاب من حوار الآلية، ثم تبادل الاتهامات مع القوى المدنية الأخرى، يؤدي إلى التشكيك في جِدِّيَّتِها بالتوصُّل إلى حل.
ثانيًا: قوى دولية تنخرط بصورة أوسع في المشهد
من ناحية بعثة «يونامتس»، التابعة للأمم المتحدة، أعرب رئيس البعثة، عن عدم الرضا تجاه انسحاب المُكوِّن العسكري من المحادثات مع المدنيين، إلا أنه رغم ذلك، أكَّد أن هذا الانسحاب أطلق ديناميكية جديدة بين المدنيين، تمثَّلت في المبادرات المتعددة، والحوارات بين القوى المدنية المختلفة.
جاء في التقرير الـ«ربع السنوي»، الذي أصدره «غوتيريش»، بشأن الوضع في السودان، وأنشطة بعثة الأمم المتحدة، طالب الأمين العام للأمم المتحدة ،أنطونيو غوتيريش، رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو «حميدتي»، بالانسحاب من المشهد السياسي، مطالبًا بترجمة أقواله إلى أفعال، وتنفيذ الالتزامات التي قطعها مع نائبه، بالانسحاب من المشهد السياسي، في الرابع من يوليو الماضي؛ لإفساح المجال أمام القوى المدنية؛ للاتفاق على تشكيل الحكومة، واستكمال الهياكل الانتقالية.
تدخُّل الولايات المتحدة: بعد مرور 25 عامًا على تخفيض الولايات المتحدة الأمريكية تمثيلها الدبلوماسي، وسحْب سفيرها من السودان، سنة 1997م، عيَّنت «واشنطن»، مطلع سبتمبر، جون جودفري، سفيرًا لها في «الخرطوم»؛ ما يعكس اهتمامَ أمريكا بتطوير العلاقات مع «السودان، والدول الأفريقية»، وإدارة «بايدن» لديها تفضيل للمُكوِّن المدني، في المطلق؛ لذا قد تُفْضِي هذه الخطوة إلى دعم المدنيين، في الضغط عن قُرْب وبقوة على المُكوِّن العسكري؛ حتى يستجيب للمدنيين عن مطالب كبيرة، تُرْضِي الشارع، أهمها؛ تشكيل حكومة مدنية كاملة، ونقْل السلطة السيادية للمدنيين، ومن ناحيةٍ أُخرى، قام السفير الأمريكي في «الخرطوم»، جون غودفري، يرافقه وفد من «الكونجرس» بزيارةٍ لإقليم «دارفور»، وهي الأولى لسفير أمريكي منذ توتُّر العلاقات بين البلديْن، وتدنِّي مستوى التمثيل الدبلوماسي إلى درجة قائمٍ بالأعمال، في منتصف تسعينيات القرن الماضي، ومن المقرر، أن يلتقي الوفد خلالها بالنازحين في معسكرات اللجوء، وقادة المجتمع الأهلي، والقوى السياسية، ويضم الوفد الأمريكي مسؤولًا رفيعًا في وكالة المعونة الأمريكية، ميرفن فيرو، ويمكن القول: إن الاتجاهات السابقة تسير في دعم مطالب الفصيل المدني في السودان.
ومن المواقف الأخيرة لتلك الأطراف، نرى أن تفاعلهم مع المشهد أصبح أكثر تحديدًا من أيِّ وقتٍ سابقٍ، وأنهم يتفاعلون باتجاه تقديم الدعم للفصيل المدني أكثر من أيِّ فصيلٍ آخر.
ثالثًا: خيارات التقارُب وسيناريوهاته
تفاقمت حالة الانقسام الداخلي بين الفصائل المختلفة المتصارعة في السودان، فالآن تُعدُّ المبادرة بين «قوى الحرية والتغيير»، الذي أصبح يُشار إليها بالمركزية من جهة، بجانب «قوى التوافق»، وعددٍ من التيارات الأُخرى منقسمين فيما بينهم، حول الرؤية المدنية للتسوية، من جهةٍ أُخرى، تصاعد الحديث عن الخلافات بين الفصيل العسكري، المُمثل في رئيس المجلس السيادي ونائبه، هذا الانقسام بين المُكوِّنات الداخلية، يتطلب معه بذْل مجهودات مضاعفة؛ للوصول إلى تسوية، وفيما يلي، نُشير إلى أبرز المسارات المطروحة للتسوية.
موافقة «قوى التغيير» على مبادرة «قوى التوافق»: ويرجح هذا السيناريو، أن الحل يأتي من القوى المدنية، باحتواء داخلهم، وموافقة «قوى التغيير» على الجلوس مع «قوى التوافق»، وبناءً عليه، توحيد الرؤية المدنية؛ لبحث سُبل التسوية، وهذا سيناريو غير مرجح.
تواصل مباشر بين المُكوِّن العسكري و«قوى الحرية»: تسوية سياسية وفق اشتراطات محددة، يخرج فيها الفصيل العسكري من السلطة، لكنهم سيحتفظون بجزء من الصلاحيات في الجهاز التنفيذي للحكومة المدنية المرتقبة، بجانب تطبيق ما يُعْرف بالعدالة «الشخصية» على مرتكبي الجرائم ضد المتظاهرين بصورة فردية، لا تمس القيادات العليا، وهذا سيناريو غير مُسْتَبْعَد، غير أنه يحتاج جهودًا كبرى، وتسهيلات، وضمانات مُبْرَمة من الطرفيْن.
رعاية أطراف دولية لتقريب وجهات النظر: ويرجح هذا السيناريو، أن تطرح بعض القوى الدولية الفاعلة، عقْد اجتماعات – ربما تكون رسيمة أو غير رسمية- تحاول الجمْع فيها بين قيادات من «قوى الحرية والتغيير»، أو المُكوِّن العسكري، ويرجح لعب هذا الدور « أمريكا، أو السعودية، أو بريطانيا، أو الإمارات»؛ لبحث سُبل إنهاء الأزمة السياسية.
لكن لا شك أن الفترة الحالية، تستوجب تعزيز الجهود لتقريب وجهات النظر بين الفصائل السودانية المختلفة، خصوصًا «المدني، والعسكري» منها، كما تتطلب مرونةً في مواقف هؤلاء الفاعلين، وعدم تصلُّب أو جُمودٍ في مُحدِّدات التوافق مع الفصائل الأخرى.
ومن قراءة مستجدات المشهد، نجد أن عددًا من الأطراف الدولية الفاعلة في الأزمة، أصبحوا أكثر ميْلًا لدعم الفصيل المدني، ودعوة الفصيل العسكري للتراجع قليلًا، ذلك بجانب المواقف الداخلية، والقوى النسبية للفصيل المدني في الشارع؛ لذا يمكن القول: إن الاتجاه سيكون أقرب لتعزيز موقف الفصيل المدني، واحتوائه؛ للسيطرة على حالة الاضطراب الأمني، وفي المقابل، طرح تقديمه تنازلات من جهة المُكوِّن العسكري.