إعداد: مروة سماحة – ميار هاني
تشُنُّ إسرائيل حربًا لا هوادةَ فيها ضد وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”؛ لمزاعم بتورُّط اثنيْ عشر من موظفيها بهجمات السابع من أكتوبر، واستخدام منشآت “الأونروا”؛ “لأغراض إرهابية”، وما جعل الأمور أكثر تعقيدًا، هو تعليق 16 دولةً مساهماتها للوكالة، على رأسها: الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك حتى قبل استكمال التحقيقات؛ ما أدَّى إلى تحذير الوكالة من أنها قد تضطر إلى وقْف عملياتها في الشرق الأوسط، وليس فقط في غزة، بحلول نهاية شهر فبراير الجاري، إذا لم يتراجع مموِّلُوها عن قرارهم، مع عدم وجود – حتى وقتنا الحالي – خطة لأيِّ وكالةٍ أُخرى لملْء الفراغ إذا توقَّفْت “الأونروا” عن تقديم خدماتها.
ما هي “الأونروا”؟
تأسست وكالة “الأونروا”، اختصارًا للأمم المتحدة لغوْث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، بموجب قرار (302)، أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة، في الثامن من ديسمبر عام 1949، في أعقاب الحرب “الإسرائيلية – العربية”، والتي نَتَجَ عنها اضطرار أكثر من 760 ألف فلسطينيٍّ إلى النُّزُوح القسْري أمام تقدُّم القوات الإسرائيلية، ولجوء معظمهم إلى دول مجاورة.
وقد تسلَّمت وكالة “الأونروا” مهام “برنامج الأمم المتحدة لمساعدة اللاجئين الفلسطينيين” الذي سبق نشأتها في عام 1948، ومع غياب حلولٍ لمسألة اللاجئين الفلسطينيين، جدَّدت الأمم المتحدة ولاية “أونروا” على مدار الـ 75 عامًا بشكلٍ متكررٍ، وترْمُزُ الوكالة، بحسب مفهومها السياسي وفْق القانون الدولي، إلى حقِّ عودة الفلسطينيين إلى أراضيهم مرةً أُخرى من خلال إدامة قضية اللاجئين؛ ما جعلها محلَّ استهدافٍ من قِبَلِ إسرائيل لزيادتها عدد اللاجئين في عام 1948، من 750 ألف شخص إلى 6 ملايين شخص في وقتنا الحالي؛ لمنحها أبناء وأحفاد اللاجئين صفة لاجئ.
وتُعدُّ “الأونروا” جهةً فاعلةً أساسيةً بالنسبة للاجئين الفلسطينيين، الذين يتواجدون في أقاليمها الخمسة، وهي “قطاع غزة، والضفة الغربية، والأردن، وسوريا، ولبنان”، ويعمل بها نحو 30 ألف موظفٍ، من بينهم حواليْ 13 ألف شخصٍ في قطاع غزة، وتعتمد وكالة “الأونروا” بشكلٍ أساسيٍّ على المساهمات الطوْعية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والتي تُمثِّلُ أكثر من 93.28% من التبرُّعات المالية للوكالة، وتساهم الولايات المتحدة الأمريكية بالنسبة الأكبر بـ30 %، تليها “ألمانيا، والاتحاد الأوروبي”، وقدّرت موازنة الوكالة عام 2022، بنحو مليار و200 مليون دولار، وفي عام 2023، قدّرت بنحو 1.6 مليار دولار، تمَّ تخصيص معظمها لخدمات تشمل الرعاية الصحية والتعليم والخدمات الاجتماعية، تليها خدمات أُخرى، مثل البنية التحتية والتمويلات الصغيرة.
وقد تعرَّضت “الأونروا” إلى انتقاداتٍ من قِبَلِ الفلسطينيين والإسرائيليين، فضلًا عن الدول المساهمة، وخاصَّةً خلال فترات التوتُّرات المتصاعدة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وذلك لتصرُّفاتها السياسية الشبيهة بوظائف الدولة في مناطق عملها الخمسة، فيما يتعلق بخدمات الصحة والتعليم والبنية التحتية، وقد نَبَعَتْ الانتقادات الفلسطينية لـ”الأونروا” من تركيز الوكالة الأساسي على محاولة تحقيق التمكين الاقتصادي ودمْج اللاجئين الفلسطينيين في الدول المضيفة، وبالتالي تمَّ اعتبارها وكالةً ” ذات طابعٍ سياسيٍّ تعمل ضد مصالحهم، بينما جاءت الانتقادات الإسرائيلية والغربية؛ لتحويل الوكالة اهتمامها الأساسي للتعليم بدلًا من توفير الوظائف، وذلك بناءً على طلب اللاجئين الفلسطينيين، وقد اعتبرت إسرائيل المواد التعليمية التي يتم تدريسها في مدارس الوكالة، بمثابة تغذية لأفكار متطرفة تشجع على النضال ضد القوات الإسرائيلية؛ ما انعكس في إصرار إسرائيل على فحْص المواد التعليمية قبْل تدريسها، وتلتزم الوكالة بتلك المطالب مع نشرها لقائمة سنوية بأسماء العاملين لديها؛ ليتم فحْصهم من قِبَلِ إسرائيل والحكومات المضيفة.
التوقيـت والدوافـع
تزامن توقيت إثارة إسرائيل لملف الـ 12 موظفًا بـ”الأونروا” واتهامهم بالضلوع في أعمال السابع من أكتوبر فورًا مع قرار محكمة العدل الدولية، الذي أفْضَى لإسرائيل بالعمل الفوري لمنْع الإبادة الجماعية في غزة، وبالرغم من أن ذلك القرار لم يكن أمرًا لإسرائيل بوقْف إطلاق النار، إلا أنه حذَّر من أعمال ترْقَى إلى الإبادة الجماعية، ويرجح أن هذا التوقيت يشير إلى أن ذلك الملف كان مُعَدًّا سَلَفًا، وأن الغرض من توقيته – كان تحديدًا – تشتيت الأنظار عمَّا صَدَرَ عن محكمة العدل الدولية، وبالفعل نجحت الخطة الإسرائيلية إلى أبْعَد الحدود؛ بسبب التجاوب الذي لاقته من العواصم ووسائل الإعلام الغربية.
كذلك فإن التجاوُب الاستثنائي والفوري الدولي مع مزاعم إسرائيل وتجميد المساعدات لـ”الأونروا” يثير تساؤلاتٍ عِدَّة، وخصوصًا مع غضِّ النظر عما ارتكبته إسرائيل من انتهاكاتٍ للقانون الدولي الإنساني على مرْأَى البصر، كقصف المدارس والمستشفيات ومقرَّات الوكالة في جميع أنحاء غزة، وعن الهجمات التي تسبَّبت في مقتل 132 موظفًا تابعين لـ”الأونروا” منذ انطلاق حربها على القطاع، وتجميدها لتمويلها لـ”الأونروا”؛ بسبب اتهامات لـ 12 موظفًا من أصل 30 ألفًا في وقتٍ عسيرٍ، تحتاج فيه الوكالة للتمويل أكثر من أيِّ وقتٍ مضى، لا سيما وأن الاحتياج الآن مَهُولٌ جدًّا مع الازدياد المستمر لأعداد النازحين منذ بداية الحرب، في السابع من أكتوبر، وأفاد الناطق باسم “الأونروا” في رام الله، بأن أعداد النازحين في مدينة رفح الفلسطينية وصلت إلى نحو 50 % من سكان غزة بأكملها، في حين أن المدينة لا تَسَعُ إلّا لنحو 280 أو 300 ألف شخص؛ وذلك نتيجة النُّزُوح المستمر جنوبًا داخل القطاع.
ويمكن القول: إن لقرارات تجميد التمويل مآلات كارثية، تتعلق بتعريض 5 ملايين و900 ألف لاجئٍ فلسطينيٍّ لخطر المجاعة، من بينهم 1.9 مليون في قطاع غزة، وتخشى الدول العربية المستضيفة للاجئين من أن يُؤَدِّي وقْف خدمات “الأونروا” إلى زعزعة الاستقرار بشكلٍ كبيرٍ؛ لعدم امتلاكها الموارد اللازمة لسدِّ الفجوة؛ ما ينقل العِبْءَ إلى الدول المضيفة.
ولم تكتفِ الدول الغربية بالإجراءات التي قام بها مسؤولو الوكالة من المسارعة في فصْل المشبه فيهم، بالرغم من عدم وجود أيِّ أدلةٍ ملموسةٍ، بل عجَّلوا بتعليق التمويل للوكالة، ومن الجدير بالذكر، أن التُّهم لم يُفْصِحْ عن صحتها – حتى الآن – أحد؛ حيث أبقت إسرائيل البراهين التي جمعتها عن الموظفين الـ 12 سرية، بحيث لم تتمكنْ أيُّ جهةٍ محايدةٍ من الاطّلاع عليها والتأكُّد من صحتها.
وتُعدُّ من أبرز الدوافع الكامنة وراء استهداف إسرائيل لوكالة “الأونروا” واتهامها بالتعاوُن مع “حماس” والتورُّط في هجمات السابع من أكتوبر، هو محاولة محْو ملف اللاجئين وحق العودة؛ إذ يرتبط وجود “الأونروا” بالحفاظ على حقوق الفلسطينيين، بصفتهم لاجئين حتى عودتهم إلى أراضيهم مرةً أُخرى؛ لذلك تريد إسرائيل تصفيتها والتخلُّص منها؛ لتنطوي بعدها صفحة اللاجئين وبعدها القضية الفلسطينية بأكملها، ووفْق تصريح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يوم 31 يناير: ( إنها تسعى إلى الإبقاء على قضية اللاجئين الفلسطينيين، يجب أن نستبدل بـ”الأونروا” وكالات أُخرى تابعة للأمم المتحدة، ووكالات مساعدات أُخرى، إذا أردنا حلَّ مشكلة غزة وفْق ما نخطط).
فضلًا عن سياسة العقاب الجماعي للفلسطينيين في قطاع غزة، وجعل النُّزُوح هو الخيار الوحيد مقابل الحياة، وهذا ما تسعى إليه إسرائيل منذ بداية الحرب، ولكن هنا الأمر يختلف؛ فممارسة العقاب الجماعي على الفلسطينيين تعدَّى حيِّز إسرائيل ليتسع لأكثر من 16 دولةً توقَّفت عن تمويل “الأونروا” المسؤولة عن تقديم الخدمات الحيوية للاجئين.
أبرز ردود الفعل
كان لتعليق أكثر من 16 دولةً مساعداتها لـ”الأونروا”، ودفْع أكثر من مليونيْ فلسطينيٍّ نحْو هاوية المجاعة والتهجير القسْري، عددٌ من ردود الفعل القوية، التي عارضت تلك القرارات بشدة، منها:
أولًا: الموقف الفلسطيني: أكَّد “محمود عباس” أن إسرائيل تشُنُّ حملةً مضللةً ضد “الأونروا”؛ بهدف تصفية قضية اللاجئين، وأفاد رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية، أن ما تمَّ من تجميد للتبرُّعات بـ”الأونروا” ما هو إلا تعطيلٌ لقرار محكمة العدل الدولية، الذي أدْلى بتسريع المساعدات لقطاع غزة، وخلال مؤتمر أكَّد “أشتية” على شعوره بالصدمة حِيالَ تجميد التبرُّعات، خصوصًا وأن الدول التي علَّقت تمويلها لوكالة “الأونروا” تصل نسبة تمويلها إلى 80%، وأكَّد أن تجميد المساعدات لـ”الأونروا” ا يتزامن مع سعْي إسرائيل لتهجير الفلسطينيين من غزة، وفي السياق ذاته، تابع “أشتيه” أن حرب إسرائيل على “الأونروا” ليست بالجديدة من نوْعها، وهي تعمل على تصفية ملف اللاجئين، منذُ بداية الحرب وإسرائيل تعمل على تلفيق التُّهم بـ”الأونروا” لتُبرِّرَ قصْف المدارس والمستشفيات.
كما ندَّدت حركة “حماس” بـالتهديدات الإسرائيلية ضد الوكالة الأممية، وأضافت في بيانٍ: “ندعو الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية إلى عدم الرضوخ لتهديدات وابتزازات إسرائيل”.
ثانيًا: الموقف المصري: أجرى وزير الخارجية المصرية سامح شكري، اتصالًا هاتفيًّا، يوم الأحد موافق 28 يناير، مع فيليب لازارني المفوض العام لوكالة “الأونروا”، وفي خِضَمِّ ذلك، أشاد “شكري” بدوْر “الأونروا” الإنساني الهائل ودورها الفعَّال الذي تضطلع به الوكالة في تلبية الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين في غزة، وسط تأزُّم الأوضاع الإنسانية في القطاع، كذلك أبْدى رفْضَه القاطع بشأن اتخاذ بعض الدول قراراتٍ بتعليق تمويل أنشطة الوكالة، لا سيما في ذلك التوقيت دقيق الحساسية، واعتبره “شكري” أنه بمثابة ممارسة نوْعٍ من العقاب الجماعي ضد جميع العاملين بـ”الأونروا” الذي يبلغ عددهم قرابة الـ 30 ألفًا، كذلك الفلسطينيون، على إثْر مزاعم لا تزال قيْد عملية التحقيق حوْل تورُّط عددٍ محدودٍ من موظفي “الأونروا” في أحداث السابع من أكتوبر، وفي السياق نفسه، أكَّد “شكري” أن محاولات استهداف وكالة “الأونروا” في ذلك التوقيت الحسَّاس، ووضْع حجر عثرة أمام مهامها، يُفاقِمُ من الآثار الخطيرة لسياسة الحصار والتجويع التي تفرضها إسرائيل على الفلسطينيين، كذلك أكَّد بشدةٍ على تضامُن مصر الكامل مع وكالة “الأونروا”، وتقديم كافَّة أوْجُه الدعم لضمان استمرار خدماتها الحيوية للفلسطينيين، ومن الجانب الآخر، أعرب المفوض العام لوكالة “الأونروا” عن أسفه البالغ حيال محاولات استهداف الوكالة بتعليق التمويل، خاصَّةً في ظلِّ ذلك التوقيت الحَرِج الذي يمُرُّ فيه القطاع بأزمةٍ إنسانيةٍ كارثيةٍ، وبالأخير: أشاد “فيليب” بالجهود الحيوية المصرية التي تضطلع بها في تقديم المساعدات للشعب الفلسطيني بقطاع غزة.
ثالثًا: الموقف الأممي: أكَّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن “الأونروا” ما زالت العمود الفقري للاستجابة الإنسانية في غزة، ودعا الدول المُعلِّقة إلى إلغاء تجميد التبرعات، مؤكدًا أن “الأونروا” ستتخذ الإجراءات اللازمة في ضوْء ما ادعته إسرائيل من مزاعم، وأن “الأونروا” ستواصل عملها كشريان حياةٍ حيويٍّ لملايين الفلسطينيين، وفي بداية شهر فبراير الجاري، أعلن “غوتيريش” عن تشكيل لجنة مراجعةٍ دوليةٍ حياديةٍ؛ لتقييم المزاعم الإسرائيلية اتجاه “الأونروا” والرد عليها، وكذلك، أضاف ليكس ثاكنبيرج، أحد مستشاري منظمة القانون من أجل فلسطين وكبير موظفي وكالة “الأونروا”، أن استمرار تجميد الدعم للوكالة سيؤدي إلى تدهور الأوضاع في غزة، وسيكون له عواقب كارثية، وأوضح أن “الأونروا” هي الداعم الأكبر للاجئين الفلسطينيين الذين يتعرَّضُون للعنف الذي لا هوادة فيه في الضفة الغربية وقطاع غزة، علاوةً على ذلك، أشار “ثاكينبرج” إلى أن إسرائيل لم تتقدَّم بأيِّ أدلةٍ على ارتكاب “الأونروا” أعمالًا إرهابيةً، بل تحاول تشويه صورة الوكالة، وتُشكِّك في مصداقية حكم محكمة العدل الدولية.
رابعًا: موقف الدول الداعمة: بالرغم من تسارُع الدول بتجميد تبرُّعاتها لمنظمة “الأونروا”، قرَّرت كُلٌّ من “النرويج، وإسبانيا” مواصلةَ دعْم “الأونروا”، وصرَّحتا بأنهما لن يُوقفا المساعدات المقدَّمة للمنظمة الدولية، في حين قرَّرت جهاتٌ أُخرى، مثل “سويسرا، وفرنسا، والاتحاد الأوروبي” انتظار نتيجة تحقيق يجري في الاتهامات الموجهة لـ”الأونروا”، وأوْصت الدول التي تنتظر نتيجة التحقيق بسرعة اتخاذ إجراءات التدقيق من قِبَلِ “الأونروا”؛ حتى تتمكن من تحديد موقفها حِيالَ الدُّفُعَات المستقبلية المقدمة للوكالة الأممية، وفي مطلع شهر فبراير، أعلنت إسبانيا عن قرارها بتخصيص مساعدات طارئة بقيمة 3.5 مليون يورو لصالح وكالة الأمم المتحدة؛ لغوْث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وتزامنًا مع ذلك، أعلنت النرويج أنها ستمنح 275 مليون كرونة (26 مليون دولار) هذا العام لوكالة “الأونروا”، مع احتمال زيادة هذا المبلغ إذا اقتضت الحاجة.
ازدواجية المعـايير الغربية
يعكس قرار تجميد الدول المانحة تمويلها للوكالة تناقُضًا جليًّا لتجاهلهم انتهاكات، كالفساد أو الاعتداء الجنسي أو التواطؤ في جرائم الحرب، طالت وكلات تابعة لمنظمات دولية أخرى أو قوات حفظ السلام الدولية، وعلى سبيل المثال، لم يتم تعليق المانحين تمويل قوة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في هايتي، عقب نشْر تقارير موثوقة حول الاعتداء والاستغلال الجنسي، بل اتخذت الأمم المتحدة تدابير، كإنشاء صندوق وبرامج للرعاية النفسية؛ لأجل خدمة الضحايا، ولم يُؤَدِ اتهام الرئيس السابق للجمعية العامة للأمم المتحدة، جون دبليو آش وخمسة آخرين، بمخطط رشوة بقيمة 1.3 مليون دولار، وغسْل أموال، واحتيال ضريبي، إلى تعليق تمويل المنظمة الأممية، بالإضافة إلى نشْر منظمات حقوقية دولية تقارير، بشأن سُوء إدارة قوة الأمم المتحدة لحفظ السلام في البوسنة، فمع تفكُّك يوغوسلافيا السابقة، فشلت القوات الدولية في حماية المناطق التي قد أعلنتها “مناطق آمنة”؛ ما
أتاح الفرصة لقوات صرب البوسنة بدخولها وارتكاب انتهاكات جسيمة، تمثَّلت في تنفيذ عمليات إعدام جماعية لمسلمي البوسنة، إلى جانب عمليات ترويع واغتصاب وسرقة، من دون أيِّ تدخُّلٍ لقوات السلام الأممية، وبالتالي لا يتماشى تعليق تمويل وكالة “الأونروا” مع الإجراءات السابقة التي اتخذها المانحون حِيالَ انتهاكات طالت منظمات دولية أُخرى.
وعلى الرغم من مناداة الدول الغربية لإسرائيل، بضرورة الالتزام بالقانون الدولي الإنساني، على خلفية انتهاكاتها الجسيمة التي ترتكب بحقِّ المدنيين الفلسطينيين، التي أدَّت إلى مقتل قرابة 29 ألفًا معظمهم من النساء والأطفال ونحو 60 ألف جريح، والحثّ على أهمية تسهيل وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، إلا أنهم ضلعوا في وقْف تمويل المنظمة، بالرغم من دوْرها الحاسم في إنقاذ حياة أكثر من مليونيْ فلسطينيٍّ في قطاع غزة، مع تفاقُم الوضع الإنساني هناك، وملايين الفلسطينيين خارج غزة، وعلى النقيض، خصَّصَ الاتحاد الأوروبي 50 مليار يورو كمساعداتٍ إضافيةٍ لأوكرانيا، كما بحث الزعماء الأوروبيون سُبُل تسريع المساعدات العسكرية المُقدَّمةِ لكييف، وكان المجلس الأوروبي قد أكَّد الحاجةَ المُلِحَّة بتوصيل الذخائر والصواريخ لدعم الجيش الأوكراني، وفي ذلك ازدواجية في المعايير وفضْح لسياسة الكيْل بمكياليْن .
الخاتمة:
يمكن القول: إن الأصل في المزاعم الإسرائيلية، التي تكْمُنُ في اتهام 12 من موظفي “الأونروا” بالضلوع في عملية السابع من أكتوبر، والتعاون مع “حماس”، سياسية بشكلٍ خالصٍ، تهدف إلى تصفية “الأونروا” واستبدالها بمنظمةٍ دوليةٍ أُخرى؛ لطيِّ صفحة اللاجئين وحقِّ العودة بشكلٍ قاطعٍ، لا سيما أن “الأونروا” هي الشاهد الدوليّ على النكبة وعلى جرائم الاحتلال الإسرائيلي الدامية حِيالَ الشعب الفلسطيني، ومن جهةٍ أُخرى، وسيلة لتشتيت العالم عن القرار الصادر عن محكمة العدل الدولية، الذي يأمر إسرائيل بتسريع وصول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، فضلًا عن تحذير إسرائيل من ارتكابها لأعمالٍ تؤدي إلى الإبادة الجماعية، وتُمثِّلُ قرارات الدول المتسارعة بتجميد تمويلها لـ”الأونروا”؛ بسبب مزاعم إسرائيلية غير مؤكدة ببراهين وأدلة، والتي على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، ازدواجية صارخة في المعايير تدُلُّ على فشل النظام الدولي، لا سيما في ذلك التوقيت العصيب الذي يمُرُّ فيه الفلسطينيون بأزمةٍ إنسانيةٍ مُروِّعة، وبالتالي فإن شَبَحَ المجاعة أصبح واقعًا حتْمِيًّا يفرض نفسه على اللاجئين الفلسطينيين بشكلٍ عامٍ وسكان غزة بشكلٍ خاصٍ.