“الاتجاه ناحية التعقيد”.. قراءة في التفاعلات حول أزمة النيجر في أسبوعها الثالث

إعداد: حسناء تمام، شيماء ماهر

منذ 26 يوليو الماضي، ومع إعلان مجموعة العسكريين احتجاز رئيس النيجر”محمد بازوم” وحتى مرور الأزمة بأسبوعها الثالث، يشهد الموقف في النيجر كثافةً في التفاعلات حول هذا التحرُّك، هذه الكثافة تُعطي مؤشرات تجاه ملامح المشهد السياسي في النيجر، وتُنذر بأن المشهد في هذه الدولة يتجه ناحية التعقيد، وفي هذا الصدد، نحاول أن نتتبع المشهد، ونرصد أبرز التفاعلات حول الأزمة، ودلالة هذه التفاعلات، وانعكساتها على خيارات تسوية الأزمة.

أولًا: تعدد لأطراف الداخلية وتباين مواقفها

تحتدُّ الأزمة النيجرية بسبب كثرة الأطراف المنخرطة في المشهد السياسي، ومنها أطراف داخلية في النيجر، تحاول الضغط من أجل تحريك المشهد لصالحها؛ أهم هؤلاء الفاعلين ما يلي:

اتجاه مؤيد للرئيس المحتجز:

بعد أسبوعيْن من الانقلاب الذي نفَّذتْه مجموعة من العسكريين في نيامي، أعلن الوزير ريسا آغ بولا، 9 أغسطس، عن إنشاء “مجلس المقاومة من أجل الجمهورية (CRR)”، داعيًا إلى اعتقال زعيم الانقلابيين الجنرال تشياني، وإطلاق سراح الرئيس محمد بازوم، والذي كان آغ بولا من أقرب مستشاريه، كما ندَّد السياسي الذي ينحدر من الطوارق بما وصفه بـ”الخط المتشدد” لبعض أعضاء المجلس العسكري.

في السياق، شهدت بعض المدن تظاهرات مؤيدة للإفراج عن “بازوم” خرجت بدعوة من “حزب النيجر من أجل الديمقراطية والاشتراكية” الحاكم، وحمل المتظاهرون – قبل تفريقهم بالقوة، واعتقال بعضهم- لافتات تطالب بالإفراج عن “بازوم” وعائلته، وأخرى داعمة للمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس”.

وكانت اللجنة التنفيذية لحزب بازوم، قد دعت مختلف هياكل الحزب لمواصلة تنظيم أعمال احتجاجية دائمة في جميع أنحاء البلاد؛ حتى يتم إطلاق سراح رئيس الجمهورية وإعادته إلى منصبه الدستوري، وقبل مظاهرات اليوم بنيامي، خرجت مظاهرات في منطقة ميني سوريا بولاية ديفا داعمة لـ”بازوم”، ومطالبة بعودة النظام الدستوري، وقد تم اعتقال عدد من المشاركين فيها، وفي زيندر ثاني أكبر مدن النيجر، فرقت الشرطة مظاهرات نظمها مسؤولون محليون في حزب بازوم، أكدوا خلالها دعمهم لعودته للسلطة.

اتجاه مؤيد للقادة الانقلابيين:

من جهة أخرى، نظَّم مئات من أنصار المجلس العسكري في النيجر تظاهرات في العاصمة نيامي، في الأسبوع الأول من أغسطس؛ احتجاجًا على العقوبات التي فرضت على البلاد في أعقاب الانقلاب العسكري، هذه التظاهرات المؤيدة للانقلاب ورافضة للتدخلات الأجنبية في البلاد، هاجم المتظاهرون فيها السفارة الفرنسية في نيامي.

وميدانيًّا تبقى السيطرة الميدانية الفعلية للقادة الانقلابيين، بالرغم من تلويح أطراف أخرى داخلية بالتحرك ميدانيًّا لصالح “بازوم” – ومنهم مجلس الطوارق- لكن دون تنفيذ حتى هذا التوقيت.

ثانيًا: موقف الأطراف الإقليمية

يعتبر موقف الـ”إيكواس”، محركًا رئيسًا في المواقف الإقليمية، ومنذ الأيام الأولى للانقلاب لوَّح “إيكواس” بإمكان التدخل إذا ما تطلَّب الأمر؛ لذا شهدت “إيكواس” اجتماعات متعددة، تحاول من خلالها الاستقرار على موقفها من التدخل.

شهدت العاصمة النيجيرية أبوجا، الخميس 10 أغسطس 2023م، قمة استثنائية طارئة لدول المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا “إيكواس”؛ لمناقشة إمكانية التدخل العسكري في النيجر، وأتت هذه القمة  في وقتٍ كثُرت فيه التكهنات بشأن مستقبل النيجر، خاصةً أنه لم يسبق أن أعضاء مجموعة “إيكواس” تدخلوا في دولة عضو إلا بموافقة منها؛ ما جعل “إيكواس” هذه المرة أمام خيارٍ صعبٍ، في ظل وجود العديد من التحديات التي تقف حائلًا أمام  خيار التدخل العسكري، منها عدم وجود موارد مالية كافية لتنفيذ مهمة التدخل، وانقسام دول المجموعة بشأن كيفية التدخل.

وأكد قادة مجموعة “إيكواس” خلال القمة على ضرورة احترام الديمقراطية وإعادة الرئيس محمد بازوم إلى السلطة، كما حذروا من تداعيات إصرار قادة الانقلاب في النيجر على موقفهم، بأنهم سيلجؤون إلى الحلِّ العسكري كحل أخير، وذلك بعد انقضاء المدة الزمنية التي منحتها المجموعة لقادة الانقلاب للتراجع وإطلاق سراح الرئيس المعزول “بازوم” بعد أن قامت المجموعة بوضع خطة للتدخل العسكري.

وفي اليوم التالي للقمة، قررت “إيكواس” عقد اجتماع لوزراء دفاع الدول الأعضاء، وكان من المقرر عقده السبت الموافق 12 أغسطس؛ من أجل الإعداد لتدخل عسكري محتمل في النيجر، ولكن تم تأجيل الاجتماع لأسباب فنيه، وتم الإعلان عن عقد اجتماع في 17 و 18 أغسطس الجاري، في غانا؛ للبحث في إمكانية التدخل العسكري، وتزامنًا مع اجتماع وزراء دفاع “إيكواس” في غانا، أعلنت المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا عن عزمها إرسال لجنة برلمانية إلى النيجر للاجتماع بقادة انقلاب النيجر؛ لبحث سبل حل الأزمة بالطرق السلمية.

وفي التفاعل مع موقف الـ”إيكواس”، انقسم كذلك الفاعلون الإقليميون، والدول الأعضاء في المجموعة على النحو الآتي:

دول أيَّدت موقف “إيكواس”: فكانت ضمن الدول المؤيدة لموقف “ايكواس” ساحل العاج، وقد وعد رئيسها بإشراك ما بين 850 إلى 1100 جندي في هذه القوة، وسوف تكون هذه القوة جاهزة في أقرب وقت ممكن، في حين أعلنت بنين أنها تساهم بقوات، ولكن لم يتم ذكر عددها، وعلى نفس النهج السنغال، كما أعلنت بنين دعمها للتدخل العسكري في النيجر.

وقد حظي قرار قادة قمة “إيكواس” بدعم الاتحاد الأفريقي، ودعا رئيس الاتحاد الأفريقي، موسى فقي محمد، أطراف المجتمع الدولي؛ من أجل إنقاذ رئيس النيجر المنتخب ديمقراطيًّا، خاصة بعد تدهور ظروف احتجازه، واعتبر أن معاملة الانقلابيين للرئيس المحتجز غير مقبولة، وأعلن رئيس المفوضية الأفريقية، موسى حقي، عن دعمه لقرارات “إيكواس”، وطالب المجتمع الدولي بتوحيد الجهود لإنقاذ حياة الرئيس المحتجز وسرعة الإفراج الفوري عنه وأفراد عائلته، وبالتالي فهناك انقسام بين الأعضاء في شأن قرارات “إيكواس” ومبرراتها.

وفي سياق التفاعلات الإقليمية، أدانت بشده حكومة الوحدة الوطنية في غرب ليبيا، الانقلاب الذي حدث، ودعت إلى إعادة الرئيس محمد بازوم للسلطة مرة أخرى، وأيدت جهود مجموعة “إيكواس” في حل الأزمة، كما تؤيد نيجيريا التي ترأس مجموعة “إيكواس” بدورها دور “إيكواس” في حل الأزمة، مع التأكيد على تمسكها بالحوار، مع عدم استبعاد خيار التدخل العسكري.

دول رافضة لموقف “إيكواس”: نجد أن دول الجوار المباشر للنيجر، مثل “مالي، وبوركينافاسو” أعلنوا دعمهم للمجلس العسكري في النيجر، وأرسلوا خطابًا إلى مجلس الأمن الدولي ومجلس الأمن والسلم الأفريقي، واعتبروا أن التدخل العسكري يعتبر بمثابة إعلان حرب ضدهم، وسوف يكون لهذا التدخل عواقب وخيمة، ولا يمكن التنبؤ بها، وقد يؤدي إلى تفكك مجموعة “إيكواس”.

وعزمت هذه الدول على تقديم كافة أشكال الدعم للمجلس العسكري، كما رفض الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، أي تدخل عسكري في النيجر، ودعا إلى حل الأزمة بالطرق الدبلوماسية، وقال: إن بلاده مستعدة من أجل تقديم الدعم للنيجر للعودة إلى الشرعية الدستورية، كما رفض مجلس الشيوخ النيجيري رفض هذه الخطوة، باعتبارها غير محسوبة مؤيدًا الحل السلمي وإعادة النظر في خطة التدخل.

دول تحاول الوقوف على الحياد: واتسم الموقف المصري من الانقلاب العسكري في النيجر بالحياد التام؛ إذ أكدت وزارة الخارجية المصرية متابعة مصر بقلق تطورات الأوضاع في النيجر، مشددةً على حرصها على سلامة واستقرار جمهورية النيجر الشقيقة، والحفاظ على النظام الدستوري والديمقراطي في البلاد، ودعت إلى تغليب مصلحة الوطن والحفاظ على سلامة المواطنين، بينما طالبت تونس باحترام الشرعية في النيجر، والإفراج عن الرئيس المعزول، محمد بازوم، وأعضاء حكومته، فيما أعربت المملكة المغربية عن ثقتها في حكمة شعب النيجر وقواه الحية للحفاظ على المكتسبات؛ إذ ترى أن حل الأزمة مرتبط بشعب النيجر ومختلف القوى السياسية.

ثالثًا: التفاعل الدولي

تباينت أيضًا ردود الأفعال الدولية تجاه الأزمة، فعلى المستوى الأممي، أعرب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان عن قلقه البالغ إزاء التدهور السريع لظروف الاحتجاز التعسفي لرئيس النيجر، محمد بازوم، وزوجته وابنه، ودعا مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان المسؤولين عن احتجاز الرئيس؛ لضمان الاحترام والحماية الكامليْن لحقوقه الإنسانية، وحقوق كل المحتجزين الآخرين.

أما الولايات المتحدة الأمريكية، أعربت عن تفضيلها للحل الدبلوماسي، وعن دعمها لجهود “إيكواس” أيضًا، وأكد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، أن الولايات المتحدة سوف تحمل المجلس العسكري مسؤولية سلامة “بازوم” وعائلته وأعضاء الحكومة المحتجزين، وطالب الاتحاد الأوروبي بسرعة الإفراج عن الرئيس بازوم وعائلته وأعضاء حكومته المحتجزين، فيما كان موقف إيطاليا بالابتعاد عن سيناريو الحرب، وأن الحل الدبلوماسي هو الأفضل.

 أما فرنسا بدورها أكثر بروزًا من أي أطراف خارجية أخرى؛ إذ تدعم مساعي “إيكواس” في التدخل لحل الأزمة، مع رفع سقف توقعها بالمطالبة بعودة رئيس النيجر إلى منصبه، وأدانت – بشدة- الانقلاب في النيجر، وقامت فرنسا أيضًا بتعليق مساعداتها المالية للنيجر.

ومن جهة روسيا، حذَّرت روسيا من تدخل قوات “إيكواس” في دولة ذات سيادة، من شأن هذا التدخل أن يساهم في تردِّي الأوضاع في منطقة الساحل ككل، وأنه لا توجد ضرورة لحل الوضع إلا عن طريق الإسراع بإعادة القانون والنظام والإعداد لحوار وطني شامل.

وعلي المستوى الدولي، نلاحظ أن الموقف من  شجْب الانقلاب يتضمن موقفان، الأول يدعو للإفراج عن “بازوم” وعودته للحكم، فيما يكتفي الآخر بالدعوة للإفراج عن “بازوم” وحمايته، وهناك احتمال لجعل الموقف أكثر  انقسامًا، تظهر بوادره في  استياء فرنسي من أمريكا، بعد تأكيد الأنباء التي تفيد بتعيين السيدة يجيبون.كاثلين؛ لتكون سفيرة الولايات المتحدة التالية في النيجر، في 20 أغسطس الجاري، وكان مجلس الشيوخ الأمريكي قد صوَّت لها غداة الانقلاب، فيما ترى فرنسا أنّ ذلك يمثل شرعنة الانقلاب.

وهو ما قد يُنذر اهتزاز المواقف  بين الحليفيْن؛ لذا تعمل فرنسا على منع ذلك حتى تعود الشرعية بحسبها، أمَّا العقلية الأمريكية تقتضي بعدم خسارة استثمارها الاستراتيجي وتركزها الذي سعت لتوطيده في الساحل مؤخرًا، بجانب العمل على ما يخدم أكبر قواعدها للطائرات المسيرة في البلاد؛ لصالح النفوذ الروسي المتنامي، قد استثمرت في ذلك كثيرًا، وهنا يجدر الإشارة، أن حسابات المصالح الأمريكية بالأساس دفعتها لفك الارتباط بينها وبين الجانب الفرنسي، خصوصًا في منطقة الساحل.

رابعًا: خيارات الوساطة في الأزمة

تخللت الأزمة منذ اندلاعها العديد من محاولات الوساطة، حرصت تشاد بقيادة محمد إدريس ديبي، على لعب دور الوسيط؛ من أجل إيجاد مخرج للخروج من الأزمة، خاصة بعد تهديد المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا بالتدخل العسكري، وفي أعقاب ذلك، التقى رئيس تشاد  خلال زيارته لنيامي، في 31 يوليو الماضي، بقائد الانقلاب عبدالرحمن تشياني، الرئيس المعزول بازوم، فضلًا عن الرئيس السابق للنيجر، محمد إيسوفو، ورحب الرئيس التشادي بالمحادثات مع جميع الأطراف، ولكن هذه المحادثات كانت دون جدوى؛ إذ أصر المجلس العسكري على موقفه، ولم يُحْدِث أيَّ تغيُّرٍ يُذكر.

وقد أرسل الرئيس النيجيري، بولا أحمد، وفدًا إلى ليبيا والجزائر، في الثالث من أغسطس؛ من أجل بحث أزمة النيجر وضمان تحقيق حلٍّ نهائيٍّ وسلميٍّ للأوضاع في البلاد بعد الانقلاب الأخير، وتم إرسال وفدٍ آخرَ برئاسة الجنرال عبد السلام أبو بكر الرئيس السابق لنيجيريا؛ من أجل التفاوض مع السلطات الجديدة، ولكن هذه المحاولات كانت دون فائدة، كما رفض المجلس العسكري في النيجر دخول وفد مشترك من الدول الأفريقية والأمم المتحدة للمناقشة والتوسط لحل الأزمة.

وفي سياق متصل، حاولت الجزائر الاتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية بعمل وساطة أمريكية جزائرية لحل أزمة النيجر بالطرق السلمية ورفض الحل العسكري؛ إذ أعلن الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، أنه لا حل لأزمة النيجر دون الجزائر، وفي وقتٍ سباقٍ، التقت المبعوثة الأمريكية فيكتوريا نولاند بأعضاء المجلس العسكري في مباحثات استمرت لمدة ساعتين، وقد رفض المجلس العسكري المباحثات التى أتت بها واشنطن.

وهناك جهود أيضًا من داخل النيجر لحل الأزمة بقيادة الرئيس السابق للنيجر، محمد إيسوفو، الذي أعلن أنه يسعى إلى إيجاد حل وسط سلمي للأزمة في النيجر، من خلال اتصالاته مع مختلف الأطراف؛ للوصول إلى حلٍّ يضمن إطلاق سراح الرئيس بازوم، وإعادته إلى منصبه، ودعا إلى تجنُّب أعمال العنف والحفاظ على الأفراد والأجانب، واستقبلت نيامي أيضًا عددًا من القيادات والرموز الإسلامية في نيجيريا، التي سعت إلى وضع حل سلمي للأزمة.

وكان آخر محاولات الوساطة، قيام وفد من العلماء ورؤساء المؤسسات الدينية في نيجيريا بمقابلة رئيس المجلس العسكري في النيجر، الجنرال عبد الرحمن تياني، الذي أطاح بالرئيس بازوم، وطالب قائد الانقلاب برفع العقوبات على النيجر، وصرَّح رئيس الوزراء الجديد، الأمين زين، أن السلطات في النيجر منفتحة على جهود الوساطة؛ من أجل إنهاء الأزمة في البلاد، وأكد الطرفان على ضرورة حل الأزمة بالطرق السلمية.

لم تسفر هذه المحاولات عن  خطوات يمكن البناء عليها، وتعدد الوساطات في هذا الفترة الزمنية القصيرة لها عدة دلالات، أبرزها؛ تقدير من الأطراف المختلفة الإقليمية والدولية لأهمية هذا التغيُّر الحاد وانعكاساتها علي معادلة تواجد القوى الدولية في منطقة الساحل، وتأثير الانقلابات الحادثة علي معادلة توزان القوى الإقليمية في منطقة الساحل، من ناحية أخرى، فإنه يعكس النهج التصعيدي الذي يسلكه القادة الانقلابيون في النيجر، والذي انعكس في رفض الوساطات من ناحية، والتصريح بأنه يعتزم محاكمة “بازوم” بتهمة الخيانة العظمى من جهة أخري، وحظْر نشاط الأحزاب السياسية في البلاد حتى إشعار آخر.

السيناريوهات المحتملة

في ضوء مخاطر التدخل العسكري في النيجر وحساباته المعقدة، وأيضًا عدم ضمان نتائج إيجابية له، قد يكون لدى “إيكواس” خيارات محدودة في التعامل مع هذا المشهد، يتطلب اللجوء إليها قدْرًا كبيرًا من الحساسية، وحساب تبعاتها، وبوجهٍ عامٍ، فإن المشهد في النيجر بصدد سيناريوهات ثلاث.

قبول الانقلاب:

ويشير هذا السيناريو لحالة التردد التي تطغى على “إيكواس” وحالة التباين العالمية والإقليمية حول تدخلها، بجانب الظروف الداخلية المختلفة، أهمها؛ تراجع تواجد الجانب الفرنسي قد تدفع الـ”إيكواس” إلى قبول الأمر الواقع، وتخفض سقف مطالبها بالتركيز على الإفراج عن “بازوم” دون عودته للحكم، وهذا السيناريو غير مستبعد، لكن له تبعاته أيضًا المركبة، والمتمثلة في التأسيس لقبول نهج الانقلابات في منطقة الساحل.

تدخل “إيكواس”:

وهذا السيناريو يعني أن “إيكواس” قد تتدخل بشكل عسكري، ربما بتنفيذ ضربة خاطفة تهدف إلى تحرير “بازوم” وإعادته للسلطة مرةً أخرى، أو ربما بتنفيذ بعض الضربات الجوية على جيش النيجر، أو أن تفضل التدخل بشكل كامل، وفي هذه الحالة، من المحتمل أن يندلع صراع مسلح بين قوات “إيكواس” وقوات جيش النيجر، بمساندة “مالي، وبوركينافاسوا”، وسوف تتحول منطقة غرب أفريقيا إلى بؤرة لصراعٍ مسلحٍ إقليميٍّ يصْعُب إخماده.

عودة “بازوم” إلى السلطة مرةً أخرى:

وسوف يكون هذا السيناريو تفاؤليًّا مستبعدًا؛ نظرا لسياق التجارب العامة في التاريخ، فلا توجد أي حالة تاريخية تم الإطاحة فيها برئيس من خلال انقلاب عسكري وإعادته إلى تولِّي مقاليد السلطة مرة أخرى.

ختامًا

لا تزال حالة من عدم اليقين تسيطر على المشهد الحالي في النيجر، خاصة مع كثرة الأطراف الفاعلة في النزاع، على المستوى الداخلي، والمستوييْن “الإقليمي، والدولي”، بجانب حالة التباين في الرؤى على المستويات الثلاث، بجانب حالة الرفض للوساطات المعروضة من مختلف القوى واستمرار القادة الانقلابيين في التصعيد، من زاويةٍ أخرى، يبقى لموقف “إيكواس” سواء بتنفيذ التدخل الكامل أو تدخل جزئي نتائج يصْعُب التنبؤ بها، لكن من المؤكد أنها تضفي تعقيدًا آخر.

والجدير بالذكر، أن تعقيدات الموقف في النيجر طرح العديد من القضايا العالقة على أجندة الاتحاد الأفريقي، والتي تتطلب الحسْم منها موقف الاتحاد الأفريقي من الانقلابات المختلفة التي تحدث في القارة الأفريقية، ومحددات قبول التدخل من القوى الإقليمية والفرعية، بالإضافة إلى طريقة ضبط تواجد وعمل الشراكات الأمنية داخل القارة، وكيفية قبول الاتحاد الأفريقي الانقلابات ورفضها، في ظل وجود حالة من الشرعية لهذه الانقلابات من قِبَلِ الشعب ومن دول الجوار أيضًا، فضلًا عن تأثير القوى الاستعمارية الممتد على الدول، التي استعمرتها وكيفية فك ارتباط هذه  الدول بالاستعمار.

من المرجح أن المتغيرات الراهنة في النيجر سيكون لها تداعيات إقليمية على منطقة الساحل وغرب أفريقيا، من خلال إعادة هيكلة التحالفات وبلورة ترتيبات أمنية جديدة، خاصة في ظل عدم استجابة قادة الانقلاب لقرارات “إيكواس” وجميع المساعي الدبلوماسية الأخرى المبذولة من مختلف الأطراف.

كلمات مفتاحية