إعداد: منة صلاح
باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية
أقرَّ البرلمان السنغالي مشروع قانونٍ، يهدف إلى تأجيل الانتخابات الرئاسية، التي كان من المُقرَّر عقْدُها في 25 فبراير إلى 15 ديسمبر 2024م، ومواصلة الرئيس “ماكي سال” مهامه إلى أن يتم تنصيب خلفٍ له، وأشارت اللجنة التحضيرية إلى أن التأجيل يهدف إلى تجنُّب عدم الاستقرار في المؤسسات، واستئناف العملية الانتخابية، وأعلن الرئيس السنغالي عن إطلاقه حوارًا وطنيًّا؛ بهدف تهيئة الظروف لإجراء انتخاباتٍ حُرَّةٍ ونزيهةٍ، ويُعدُّ هذا التأجيل غير مسبوقٍ في السنغال، التي شهدت 4 عمليات انتقال سلمية للسلطة، عبْر صناديق الانتخابات، منذ حصولها على الاستقلال عن فرنسا، في عام 1960م.
طبيعة المشهد السياسي في السنغال
تُعدُّ السنغال نموذجًا للاستقرار والتداوُل السلمي منذ 60 عامًا؛ أيْ بعد استقلالها؛ إذ لم تشهد نزاعات سياسية، ولكن بعد إجراء الانتخابات التشريعية، في يوليو 2022م، بدأت الأوْساط السياسية تناقش سباق الانتخابات الرئاسية، في 2024م، خاصَّةً بعد أنباء عن نِيَّة الرئيس الحالي “ماكي سال” الترشُّح لولايةٍ ثالثةٍ، والجدير بالذكر أنه كان قد أعلن في يوليو 2023م، عن عدم ترشُّحه لولايةٍ جديدةٍ؛ نظرًا لأنه انتُخب عام 2012م لفترة مدتها 7 سنوات، وأُعيد انتخابه عام 2019م، لفترة مدتها 5 سنوات؛ لذا أعلن السياسي السنغالي “عثمان سونكو” عن ترشُّحه في السباق الرئاسي، وهو الذي كان يحتلُّ المرتبة الثالثة خلال انتخابات 2019م، وتظهر في خطاباته معارضته الشديدة للنفوذ الفرنسي في البلاد.
وتصاعد التوتُّر في السنغال؛ بسبب قرار المجلس الدستوري المتعلق باستبعاد متنافسين من الترشُّح بارزين، مثل كريم نجل واد وعثمان سونكو، وترى المعارضة السنغالية أن 12 عامًا تكفي لحكم رئيسٍ واحدٍ، واتخذت خطوات من التصعيد السياسي؛ بهدف الحشْد ضدَّ ترشُّح الرئيس الحالي، كما حشدت المعارضة أكثر من 120 حزبًا وجماعةً سياسيةً ومنظمةَ مجتمعٍ دوليٍّ؛ لتوقيع ميثاق حركة “أف 24” ضد ترشُّح “ماكي سال”، ويُعدُّ “عثمان سونكو” من أبرز حاضري إطلاق التحالُف.
أهداف إعلان رئيس السنغال تأجيل الانتخابات الرئاسية
أعلن الرئيس “ماكي سال” تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى 15 ديسمبر 2024م؛ نظرًا لوجود عدة مشاكل البلاد، مثل التمرُّدات في السجون والمعتقلات، والخلاف حول قائمة المرشحين، وما أثير من جدلٍ حول وجود فسادٍ داخل الهيئة الدستورية التي تتعامل مع هذه القائمة؛ ما قد يُعرقل إجراء الانتخابات ويضر بمصداقيتها، من خلال إنشاء بذور نزاع ما قبل الانتخابات وبعدها، ولكن لم يعطِ الرئيس إشارةً إلى الجدول الزمني لإجراء الانتخابات في المستقبل؛ لذا شجب عدة مرشحين للرئاسة انقلابًا دستوريًّا، وأعلنوا بدْء حملاتهم في 4 فبراير، وذلك وفقًا للجدول الزمني الأوَّلي، على الرغم من توقُّف العملية الانتخابية، ويهدف التأجيل إلى تجنُّب عدم الاستقرار المؤسسي والاضطرابات السياسية، وإنجاح استئناف العملية الانتخابية بشكلٍ كاملٍ.
احتجاجات المعارضة حول تأجيل انتخابات الرئاسة السنغالية
أثار إعلان الرئيس السنغالي “ماكي سال” مخاوف من تصاعُد العنف في البلد الذي يُشكِّلُ عامل استقرارٍ في القارة الأفريقية، وخرج العديد من سكان العاصمة “دكار” إلى الشارع؛ للتنديد بالقرار الذي وصفوه بالجائر، وطالبوا الرئيس بالعدول عنه؛ إذ رأى البعض أنه تعدَّى على الشرعية السياسية، ورأى البعض الآخر أنه قد يقود البلاد إلى أزمةٍ سياسيةٍ، وشهدت دكار صدامات بين قوات الأمن والمتظاهرين الذين تجمَّعوا تلبيةً لدعوة المعارضة؛ للاحتجاج على قرار التأجيل.
وندَّدت أحزاب المعارضة السنغالية بقرار التأجيل، باعتباره انقلابًا على الشرعية السياسية في البلاد، وطالبت المجتمع الدولي بالوقوف إلى جانب الشعب السنغالي، والتدخُّل للضغط من أجل إجراء الانتخابات في موعدها المحدد، وعارض”مليك غاكو” أحد المرشحين في هذه الانتخابات عملية التأجيل، ودعا كافَّةَ القوى في البلاد للعمل من أجل العودة إلى النظام الدستوري، وتنظيم الانتخابات في موعدها المحدد “25 فبراير”.
وأغلق المحتجون حركة المرور على طريقٍ رئيسيٍ في دكار بإطارات مشتعلة، وحاولت الشرطة إيقاف المتظاهرين، وأطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريقهم، وقامت باعتقال المشاركين، وقطعت السلطات الإنترنت عن الهواتف الذكية في دكار؛ نظرًا لانتشار رسائل على وسائل التواصُل الاجتماعي تحُثُّ على الكراهية والتخريب، وبالإضافة إلى ذلك، تمَّ اعتقال المعارضة ورئيسة الوزراء السابقة “أميناتا توري” خلال إحدى التظاهرات؛ نظرًا لمعارضتها الشديدة لقرار التأجيل.
ردود الفعل الدولية حول تأجيل انتخابات الرئاسة السنغالية
أثار إعلان الرئيس السنغالي تأجيل الانتخابات الرئاسية قلقًا على الصعيد الدولي، وانتقدت العديد من الدول قرار تأجيل الانتخابات، مثل فرنسا وألمانيا ودول أخرى في الاتحاد الأوروبي، إضافةً إلى بعض الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس”، وسوف نتطرق إلى بعض ردود الفعل الدولية على النحو التالي:
- الاتحاد الأفريقي: أكَّد الاتحاد الأفريقي على ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية في أقرب وقتٍ ممكنٍ، وصرَّح “موسى فقي محمد” رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، بأنه على السنغال إجراء الانتخابات في أقرب وقتٍ ممكنٍ في شفافيةٍ وسلامٍ ووئامٍ وطنيٍ، وبالإضافة إلى ذلك، حثَّ الاتحاد الأفريقي كُلَّ القوى السياسية والاجتماعية على حلِّ أيِّ نزاعٍ سياسيٍّ، من خلال التشاور الحضاري والحوار والتفاهُم.
- الاتحاد الأوروبي: أكَّد الاتحاد الأوروبي أن تأجيل الانتخابات يؤدي إلى فترةٍ من الغموض، ودعا إلى إجراء الانتخابات في أقرب فرصة.
- المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا “إيكواس”: عبَّرت الإيكواس عن قلقها بشأن الظروف التي أدَّت إلى تأجيل الانتخابات، ودعت إلى تحديد موعدٍ آخر لإجرائها بشكلٍ سريعٍ.
- وزارة الخارجية الأمريكية: ترى وزارة الخارجية الأمريكية، أن قرار تأجيل الانتخابات غير شرعي، ودعت إلى احترام حرية التجمُّع والتعبير السلمي، والإسراع في تحديد موعدٍ آخر للانتخابات الرئاسية، وحثَّت كافَّة المشاركين في العملية الانتخابية في البلاد على الانخراط والمشاركة بشكلٍ سلميٍّ في جهود إسراع تحديد موعد آخر، وتهيئة الظروف لإجراء انتخابات حُرَّةٍ ونزيهةٍ.
- وزارة الخارجية الفرنسية: حثَّت وزارة الخارجية الفرنسية السلطات على إزالة الغموض حول الجدول الزمني للانتخابات؛ حتى يمكن إجراؤها في أقرب وقتٍ ممكنٍ، وبما يتفق مع قواعد الديمقراطية السنغالية.
السيناريوهات المحتملة للانتخابات الرئاسية في السنغال
سيناريو تفاؤلي: نظرًا لأن قرار التأجيل يُشكِّلُ انتهاكًا للدستور، قد تستجيب السلطات السنغالية للنداءات الدولية، وتنجح في التوصُّل إلى اقتراحٍ بإجراء الانتخابات في أقرب وقتٍ لوقف الاحتجاجات، ووفقًا للقانون الانتخابي، قد يتم تحديد موعدٍ جديدٍ للانتخابات، في موعدٍ لا يتجاوز 80 يومًا قبْل الاستحقاق، ولكنه سيناريو غير مُرَجَّحٍ.
سيناريو تشاؤمي: من المحتمل أن تستمر الاحتجاجات في الشارع العام؛ لإجبار السلطات على إجراء الانتخابات في أقْرب وقتٍ، وقد يتدخل الجيش، وهو ما سوف يكون له تداعيات خطيرة على أمن السنغال بشكلٍ خاصٍّ، ومنطقة الساحل الأفريقي بشكلٍ عامٍ، والتي عانت مؤخرًا من تفشِّي ظاهرة الانقلابات؛ نظرًا لأن التأجيل منح انطباعًا بأن الرئيس يريد الاستمرار في السلطة بعد انقضاء فترته فيها، وقد يتحقق هذا السيناريو في حالة عدم قدرة البرلمان أو لغة الحوار على التوصُّل إلى حلٍّ، وبالإضافة إلى ذلك، قد تتدخل القوى الإقليمية والدولية.
ختامًا:
تُعدُّ السنغال أحد أكثر دول غرب أفريقيا ديمقراطيةً؛ إذ إنها مثالٌ ديمقراطي يُحتذى به في القارة الأفريقية، ولكن قد يزيد قرار التأجيل الذي اتخذه الرئيس السنغالي من حِدَّة التوتُّر والاحتقان، وعلى الرغم من أن “ماكي سال” أكَّد على أن تأجيل الانتخابات لن يؤثر على قراره بعدم الترشُّح لفترةٍ رئاسيةٍ ثالثةٍ، إلا أن هناك مخاوف من أن يتدهور الوضع السياسي في السنغال إلى الأسوأ، وتدخل البلاد في دوَّامة عُنْف، كما قد يؤدي الاضطراب السياسي إلى عرْقلة الاستثمار في الاقتصاد، ومن المقرر أن يناقش المُشرِّعُون في السنغال اقتراحًا بإجراء الانتخابات، في 25 أغسطس، وإبقاء “ماكي سال” في السلطة؛ حتى يتم تنصيف خليفته، وذلك وفقًا لنصِّ مشروع القانون.