حسام عيسى: باحث في العلوم السياسية و العلاقات الدولية
مصرُ تصارعُ تحدياتٍ كبيرةً، منذُ 30 يونيه 2013؛ وذلكَ بسببِ اختيارِ الشعبِ في رفضهِ للجماعاتِ الإرهابيةِ، التي تعملُ لصالحِ الدولِ الكبرى؛ منْ أجلِ تحقيقِ مصالحهمْ على حسابِ مصالحِ الشعبِ المصريِ، ولقدْ كانَ اختيارُ الجيشِ والشرطةِ المصريةِ، الوقوف بجانبِ اختيارِ الشعبِ، ولقدْ كانَ اختيارُ الجماعاتِ الإرهابيةِ، هوَ خيانة الوطنِ، وبيع ضمائرهمْ لأعداءِ الوطنِ؛ حيث يُعدُّ 30 يونيه، هوَ رمزُ اختيارِ الشعبِ السيادةَ للدولةِ المصريةِ، واختيار الشعبِ بتجانسِ المجتمعِ وتلاحمهِ معَ مؤسساتِ الدولةِ، كانَ كلُّ ذلكَ اختيار، بينما كانَ اختيارُ الدولِ الكبرى، هو السعي في السيطرة على الممراتِ المائيةِ، وخاصةً «قناة السويسِ، والتجارة الدولية»، والسيطرة على مواردِ الطاقةِ منْ «بترولٍ، وغازٍ»؛ منْ أجلِ الهيمنةِ على العالمِ، والحصولِ على المزيدِ منْ القوى؛ لذَ اختارتْ تلكَ الدول منْ باعوا الوطن؛ لينفذوا مخططاتهمْ، بينما كانَ 30 يونيه، هوَ موعدُ إفشالٍ للمخططِ الذي وضعتهُ تلكَ الدول، وفشل تلكَ الجماعاتِ الإرهابيةِ – الخائنةِ للوطنِ- في تنفيذِ تلكَ المخططاتِ؛ لذا عملتْ تلكَ الدول على فرضِ الحصارِ «السياحيِ، والتكنولوجيِ» على مصرَ، بعدَ فشلِ مخططاتهمْ، والعمل على زيادةِ الضغوطِ والأعباءِ على الدولةِ المصريةِ ومواطنيها؛ وذلكَ منْ أجلِ السيطرةِ على «قناة السويس، وغاز شرق البحر الأبيض المتوسط»؛ حيث تستحوذ مصر على أمرينِ مهمينِ للسياسةِ الخارجيةِ لتلكَ الدولِ:
أولهما: السيطرةُ على قناةِ السويسِ، وهذا ما أقرهُ العالمُ الأمريكيُ «إسبيكمانْ» في كتابه «إستراتيجية أمريكا في السياسةِ العالميةِ»، الصادر عام 1942، والذي كتبَ فيهِ، إذا رغبتْ أمريكا الهيمنة على العالمِ، عليها السيطرة على «الممراتِ المائيةِ، وطرقِ التجارةِ العالميةِ»، واختصَ بالأهميةِ «قناة السويسِ» .
ثانيهما: السيطرةُ على الغازِ، وخاصةً غاز شرق البحرِ المتوسطِ، الذي يقدرُ لهُ أنْ يكونَ المصدر البديل للغازِ الروسيِ إلى أوروبا، وهذا ما أوضحه «باراكْ أوراما» في كتابه «الشرق الأوسط في السياسةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ»، الصادرِ عام 2017، والذي أقرَّ فيهِ على أمريكا: «السيطرة على غازِ المتوسطِ؛ منْ أجلِ القضاءِ على القوةِ الروسيةِ والصينيةِ، والسيطرة على الاتحادِ الأوروبيِ، وإبقاء أمريكا دولةً مهيمنةً وقائدةً للعالمِ» .
منْ خلالِ منهجيةِ السياسةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ ومبادئها، التي تسعى إلى السيطرةِ على الدولِ، وسلبِ إرادتها السياسيةِ؛ منْ أجلِ تحقيقِ مصالحها في الشرقِ الأوسطِ، وبقاء هيمنتها على العالمِ؛ لذا تستخدمُ أمريكا كلَّ الطرقِ؛ للوصولِ لأهدافها، مستغلةً في ذلكَ قوتها «الاقتصادية، والعسكرية» وحلفاءها؛ لحمايةِ هيمنتها العالميةِ، وخاصة بعدَ ظهورِ منافسينَ لها منْ «روسيا، والصين» .
كما تدركُ كلٌّ منْ «روسيا، والصينِ، والاتحادِ الأوروبيِ» المخططاتِ الخاصةَ بالسياسةِ الخارجيةِ الأمريكيةِ تجاهَ الشرقِ الأوسطِ؛ لذا تسعى تلكَ القوى بإفشالِ مخططاتِ السياسةِ الأمريكيةِ؛ لأنَ نجاحَ أمريكا في ذلكَ المخططِ، يجعلُ تلكَ الدول، إما تابعة للسياسةِ الأمريكيةِ، أوْ تحطّم أهدافهمْ في أنْ يصبحوا قوةً عالميةً في حيِّزِ إقليمهمْ.
وبما أنَ مصرَ تستحوذُ على الممرِ العالميِ «قناة السويسِ»، وتسيطرُ على الكميةِ الأكبرِ منْ غازِ شرقَ البحرِ المتوسطِ، وهيَ الأقربُ للقارةِ الأوروبيةِ، المتعطشةِ للغازِ، وخاصةً بعدَ الأحداثِ «الروسيةِ – الأوكرانيةِ»، واحتياج أوروبا للغازِ، بالإضافةِ إلى صراعِ روسيا معَ أمريكا، وصراعِ الصينِ معَ أمريكا، وصراعِ الاتحادِ الأوروبيِ معَ أمريكا ومعَ روسيا .
إنَ هذا الصراعِ بينَ تلكَ القوى العالميةِ، بالإضافةِ إلى الأهميةِ «الجيوسياسيةِ، والجيواقتصاديةِ» لمصر؛ حيثُ أدَّى هذا الصراعِ والأهميةِ في جعْلِ مصرَ بؤرةَ اهتمامِ كلِّ هذهِ الدولِ .
لذا تسعى هذهِ الدولِ إلى التحالفِ معَ مصرَ، أوْ السيطرةِ عليها، أوْ سلبِ إرادتها السياسيةِ .
منْ أجلِ ذلكَ تسعى كلُّ قوةٍ على حدةٍ منْ «روسيا، والاتحاد الأوروبيُ، والصينُ»، في استمالةِ مصرَ؛ لتتحالفَ معها ضدَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ، أوْ تكون مصرُ معها ضدَ باقي الدولِ الأخرى؛ منْ أجلِ أنْ تحققَ كلُ دولةِ مصالحها الخاصة، وتعمل على أنْ تعرقلَ تحقيقَ الأهدافِ الأمريكيةِ وباقي الدولِ الأخرى، وبذلكَ تخلقُ مصرُ عداءَ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ والدولِ الأخرى، وهذا هوَ اختيارُ كلٍّ منْ «روسيا، والاتحادِ الأوروبيِ، والصينِ»، والتي تسعى تلكَ الدول أنْ تفرضهُ على مصرَ؛ لتحققَ مصالحهمْ على حسابِ المصالحِ المصريةِ، وتحطّم المصالحِ الأمريكيةِ وباقي الدولِ المنافسةِ .
بينما تريدُ أمريكا أنْ تتحالفَ معَ مصرَ؛ لتعرقلَ مصالحَ كلٍّ منْ «روسيا، والصينِ، والاتحادِ الأوروبيِ»؛ لتحققَ المصالحَ الأمريكيةَ على حسابِ المصالحِ المصريةِ، وبذلكَ تخلقُ عداءَ كلٍّ منْ «روسيا، والاتحادِ الأوروبيِ، والصينِ»، وهذا هوَ اختيارُ الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ، التي تسعى أنْ تفرضهُ على مصرَ وتحطم مصالح الدول المنافسة لها .
هذا اختيارُ تلكَ الدول التي تسعى إلى تحقيقِ اختياراتها بكلِ قوةٍ، عنْ طريقِ تجميعِ كلِ قوتها؛ لمواجهةِ منافسيها، وزيادة قوتها على حسابِ باقي الدولِ
بينما اختيارُ مصرَ هوَ أنْ تحققَ ذاتها، وتكون معَ التنميةِ المصريةِ، ولا تنحاز معَ أحدٍ ضدَ آخر، وهذا لنْ يتحققَ بوقوفِ النظامِ السياسيِ وحده، يتصدى لتحدياتِ كلِ تلكَ الدولِ المتعارضةِ معَ أهدافِ الدولةِ المصريةِ .
لذا وجبَ على الشعبِ والنظامِ الاجتماعيِ والمجتمعِ المدنيِ بكلِ عناصرهِ منْ «أحزابٍ، ونقاباتِ، وجمعياتِ أهليةٍ، ومفكرينَ، ومثقفينَ، وكلِ مواطنٍ محبٍ لبلدةِ»، أنْ يختارَ حمايةَ الدولةِ المصريةِ بحمايةِ النظامِ السياسيِ؛ منْ أجلِ القدرة على التصدي لكلِ تلكَ التحدياتِ، التي سوفَ تفرضها كلُ تلكَ القوى العالميةِ، والتي تستطيعُ أنْ تؤثرَ في كافةِ النواحي الحياتيةِ للشعبِ المصريِ؛ لذا على الشعبِ الاختيار، إمَّا أنْ يقفَ ويدعم الدولةَ المصريةَ، ويدعم سيادةَ قرارها السياسيِ، وبذلكَ يدعم الشعبُ نفسهُ، أو يختار الشعبُ السلبيةَ، ويقف متفرجًا، ولا يفعل أيَّ شيءٍ، وفيها سوفَ تتلاشى الإرادةُ السياسيةُ لمصر، ونكون عرضةً لنهبِ ثرواتنا، والسيطرة علينا .
لذا وجبَ على الشعبِ والمجتمعِ المدنيِ كافةً، اختيار العملِ على توعيةِ أنفسهمْ والمجتمعِ بتلكَ التحدياتِ، وبمقدارِ الصعوباتِ التي تواجهها مصرُ؛ منْ أجلِ حريةِ الإرادةِ السياسيةِ؛ لتحقيقِ التنميةِ وحمايةِ الأرضِ والثرواتِ .
بناءً على ما سبقَ، على الشعبِ أنْ يشكلَ فيما بينهْ، ويضع أهدافهُ، وآلياته؛ للوصولِ لتلكَ الأهدافِ؛ منْ أجلِ توحيدِ فكرِ المجتمعِ المصريِ، وتوعيته بكلِ تلكَ التحدياتِ، وأنْ يحددَ كيفيةَ التصدي لتلكَ التحدياتِ .
ومنْ أجلِ الوصولِ لهذهِ الأهدافِ، على الشعبِ أنْ يتجمعَ ويتشارك فيما بينه؛ وذلكَ لأنَ المهامَ كبيرةٌ وخطيرةٌ، لنْ يقدرَ على تنفيذها «فصيل واحد، أوْ حزب واحد، أوْ نقابة واحدة، أوْ بعض منْ المؤسساتِ الأهليةِ، أوْ بعض مما سبقَ»، عليهمْ أولًا: التجمع وتوزيع المهامِ فيما بينهمْ؛ للوصولِ إلى الأهدافِ المرجوةِ، منْ حمايةِ الدولةِ، واختيار طريقِ التحدي .
هذا هوَ «الاختيارُ»: نعم هوَ اختيارٌ صعبٌ، ولكنْ منْ غيرِ ذلكَ سوفَ نواجهُ الأصعبَ، ولنْ يكونَ لدينا سيادةٌ على الدولة المصريةِ .
ولقدْ تنبأتْ المدرسةُ النقديةُ بـ«فرانكفورت»، بتقريرها لعامِ 2018 م، أنَ العقدَ القادمَ، أيْ في خلالِ العشرةِ أعوامِ القادمةِ، سوفَ تتلاشى دول، أوْ سوفَ تسلبُ إرادتها السياسية؛ نتيجةً للتقلباتِ الاقتصاديةِ العالميةِ القادمةِ .
لذا على الشعبِ الاختيار، إما أن يخوضَ الصعابَ والتحدياتِ؛ منْ أجلِ بقاءِ مصرَ والحفاظِ على سيادتها، وإما الاستسلامُ أو السلبيةِ، فتتلاشى مصرُ، أوْ على الأقل، تسلبُ إرادتها السياسية.
تحية لشهداءِ الوطنِ منْ «جيش، وشرطة»، الذينَ ضحُّوا بحياتهمْ؛ منْ أجلِ بقاءِ مصرَ حرةً مستقلةً .
تحيا مصرُ برجالها الشرفاءِ .