الانتخابات الأمريكية 2024 وتأثيرها على الحرب الروسية الأوكرانية

إعداد: هنا أشرف

المقدمة:

تكْمُنُ أهمية الانتخابات الرئاسية الأمريكية الجديدة كوْنها ستُحدِّدُ العديد من الأمور المُبْهَمَة، ما بين آمال الرئيس الأمريكي جو بايدن، في الفوز بولايةٍ رئاسيةٍ ثانيةٍ، وطموح الرئيس السابق دونالد ترامب، في العودة مجددًا، وفي الوقت ذاته، تترقب أوكرانيا كُلَّ الأحداث التي تتعلق بالانتخابات الرئاسية الأمريكية الجديدة لهذا العام.

شهدت السياسة الأمريكية انقسامًا واضحًا بين الحزبيْن “الديمقراطي، والجمهوري” منذ بداية الحرب “الروسية – الأوكرانية”، فقام الرئيس “بايدن” والحزب الديمقراطي، بتوحيد جهودهم؛ من أجل مواجهه روسيا، من خلال شَنِّ العقوبات المتصاعدة ضد موسكو، والدَّعْم بشكلٍ كبيرٍ – سواء المالي أوالعسكري – لـ”كييف”، بينما حاول الجمهوريون عرْقلة أيِّ مساعدات أو تمويل لصالح الجيش الأوكراني؛ لذلك يظهر القلق الأوكراني حول عودة الجمهوريين بواسطة “ترامب” مرةً أُخرى؛ لذلك تراقب أوكرانيا الانتخابات الرئاسية الأمريكية الجديدة وكل ما يدور حولها، وأيضًا الرئيس الروسي فلاديميربوتين؛ لأنه يضع الانتخابات الأمريكية لعام 2024، في اعتباره أثناء تخطيطه للحرب في أوكرانيا؛ على أمل خسارة الرئيس جو بايدن، وتحسين موقف روسيا التفاوضي، مع تقليل الدعم الأمريكي لأوكرانيا ومساعدتهم، وتُعدُّ الانتخابات – الآن – بمثابة نقطةٍ مِفْصليةٍ في حسْم العديد من القضايا، ليس فقط على مستوى الشأن الأمريكي الداخلي، بل يمتد تأثيرها إلى ملامح الصراع “الروسي – الأوكراني”.

تهدف هذه الورقة إلى مناقشة مدى تأثير الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 على الحرب “الروسية – الأوكرانية”.

الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024:

بدأ موسم الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وسوف تعلن نتائج الانتخابات في 5 نوفمبر المقبل، وسيتم تنصيب الفائز لاحقًا، في العشرين من يناير من العام التالي، ويتنافس المرشحون على التصويت الشعبي عبْر الولايات الخمسين، ولكن يتم تحديد النتيجة فعليًّا من قِبَلِ المجمع الانتخابي؛ ضمانًا لعدم هيمنة الولايات ذات الكثافة السكانية العالية على نتائج الانتخابات، بحصولها على أغلبية ساحقة.

ينْبُعُ الأثر المهم لانتخابات عام 2024 في الولايات المتحدة بين الحزبيْن “الديمقراطي، والجمهوري”، حول أبرز ملفات السياسة الخارجية، مثل الغزو “الروسي – الأوكراني”، الصين، الشرق الأوسط، إيران بالأخص، وقضية تغيُّر المناخ، أما فيما يتعلق بالحرب “الروسية – الأوكرانية” فيحاول الديمقراطيون تقديم جميع أشكال الدعم إلى الحكومة الأوكرانية؛ لمواجهة الغزو الرُّوسي، في حين أن الجمهوريين يحاولون منْع تورُّط الحكومة الأمريكية في هذه الحرب، التي  قد تؤدي إلى خلافات بينها  وبين روسيا؛ ما ينتج عنه انتقال روسيا إلى أحضان الصين، وهذا ما لا تريده، أما فيما يتعلق بالصين، يشترك الحزبان في النظر إلى أن بكين تُعدُّ خصْمًا للولايات المتحدة على الساحة العالمية، إلا أن نهجهما مختلفان؛ حيث إن الديمقراطيين يتبنوْن نهْجًا أكثر تعاونًا؛ من أجل تحقيق الأهداف والمصالح المشتركة بالنهاية، على عكس الجمهوريين، فهم يفضلون المواجهة المباشرة مع الصين، من خلال شَنِّ العقوبات، على سبيل المثال، وفيما يتعلق بالشرق الأوسط؛ فيتفق الحزبان حول تخفيف الدعم لإسرائيل، ولكنهم يختلفون حول إيران؛ لأن الديمقراطيين يروْن ضرورة إعادة إحياء الاتفاق النووي مع طهران، في حين أن الجمهوريين لا يوافقون على الاتفاق؛ لأنه أضعف من أن يجعل إيران تتخلَّى عن برنامجها النووي من وجهة نظرهم.

تكون المنافسة في الانتخابات الأمريكية لعام 2024، منافسةً قويةً؛ لترشُّح عددٍ كبيرٍ من المرشحين وتنافسهم، ففي عام 2023، أعلن الرئيس “بايدن” ترشُّحه لولاية رئاسية ثانية في عام 2024، وينافس الرئيس “بايدن” مرشحين آخرين من الحزب نفسه، وأبرزهم “دين فيليبس” عضو مجلس النواب، من ولاية مينسوتا، و”ماريان ويليامسون” الكاتبة والمرشحة السابقة للرئاسة، و”روبرت كينيدي” المحامي المتخصص في قضايا البيئة، ولكنهم لا يملكون – حتي الآن – الشعبية، أو التمويل الذي يساعدهم على منافسة “بايدن”، ومن أقوى المرشحين الجمهوريين على الساحة هو “دونالد ترامب” وهو أيضًا من أبرز المرشحين لمنافسة “بايدن” في الانتخابات الرئاسية لعام 2024؛ لأنه يحظى بتأييدٍ ما، لا يقِلُّ عن 40 % من الأمريكيين، وثاني أبرز المنافسين لـ”بايدن” بعْد الرئيس السابق “ترامب” هو “رون ديسانتيس” حاكم ولاية فلوريدا، الذي يشترك في رُؤْيته مع “ترامب” في الكثير من الأمور والقضايا السياسية، وتُعدُّ أيضًا نيكي هيلي المبعوثة الأمريكية للأمم المتحدة من المرشحين الجمهوريين، ويليها نائب الرئيس ترامب السابق “مايك بينس” الأقل حظًّا في الشعبية.

يُعدُّ الرئيس “بايدن” والرئيس السابق “ترامب” المرشحيْن الأوْفر حظًّا، وذلك بعد فوْز الخصميْن المتنافسيْن في الانتخابات الأمريكية في المؤتمرات الحزبية في ولاية أيوا، والانتخابات التمهيدية في نيو هامشاير، وتوقع التقرير الصادر عن وكالة موديز اناليتسكس، أن “بايدن” في طريقه للفوْز بولايةٍ ثانيةٍ جديدةٍ، بهامشٍ ضئيلٍ، متفوقًا في ولاية كارولينا الشمالية، ولكنه سيهزم في ولاية أريزونا، وظهر استطلاعٍ جديدٍ في الفتلرة من 25 إلى 29 يناير، يوضح أن فرصة نجاح “بايدن” تتقدم على نسبة “ترامب” بنسبة 50%، وبحسب الاستطلاع يكون “بايدن” قد حقَّق تقدُّمًا قويًّا بشكلٍ خاصٍّ، بنسبة 52% مقابل 40% مع الناخبين المستقلين، ولكي يفوز “ترامب” بالانتخابات الرئاسية، سيحتاج إلى دعْمٍ قويٍّ من الجمهوريين المعتدلين والمستقلين من الولايات المتأرجحة الرئيسية، التي فاز بها “بايدن”.

تأثير الحرب “الروسية – الأوكرانية” على نتائج الانتخابات:

يبدو أن نتائج الانتخابات الأمريكية المقبلة، تُمثِّلُ نقطةً مفصليةً في العديد من القضايا والسياسة الخارجية حول العالم، ليس فقط على مستوى الشأن الأمريكي الداخلي، ولكن فقط يمتدُّ أثرها إلى الصراع “الروسي – الأوكراني”؛ حيث ستحدد الانتخابات مساريْن للصراع “الروسي – الأوكراني” لا ثالث لهما، المسار الأول للصراع هو استمرار الحرب بشكلٍ أقرب إلى التصعيد، مع أن الحرب ستكون طويلة الأمد، ولكن المسار الثاني هو التوقُّف عن الحرب وإنهاؤها وتسوية الأزمة بشكلٍ كبيرٍ، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية يتعامل الكثيرون مع روسيا بحَذَرٍ؛ حيث تُعدُّ العلاقات مع روسيا من الملفات الحسَّاسة، التي تُلْقِي بظلالها على الانتخابات الأمريكية بشكلٍ كبيرٍ.

بالنسبة لروسيا:

تُمثِّلُ الانتخابات الأمريكية بالنسبة لروسيا، واحتمالية عودة الرئيس السابق “ترامب” إلى البيت الأبيض مصدر قلقٍ كبيرٍ لروسيا، فكانت سياسة “ترامب” تتعارض مع مصالح روسيا في كثيرٍ من الأحيان، ولكنه ناجح سياسيًّا واقتصاديًّا، وهذا الذي يجعل الرُّوس ينجذبون لدعمه، بالرغم من الاعتبارات السياسية الأخرى، ويُمثِّلُ الرئيس “بايدن” أيضًا تحدِّيًا آخر بالنسبة لروسيا؛ لتبنِّيه بعض السياسات، فيما تتعلق بالقضايا الاستراتيجية، مثل الحرب في أوكرانيا، فإن هدف روسيا الرئيسي هو التعامل مع الإدارة الأمريكية الجديدة بطريقةٍ تحافظ على مصالحها بشكلٍ من التعاون في مجالات كثيرة ذات الاهتمام المشترك؛ لذلك تنتظر روسيا نتائج الانتخابات الأمريكية؛ لطموحها في خفْض دعْم الولايات المتحدة لأوكرانيا، وتأمل في أن تكون الإدارة القائمة قادرة على بناء علاقات قوية بينهما، بغضِّ النظر عن كوْن من هو الرئيس.

شهدت العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة توتُّرا متزايدًا، وهذا لا يعود فقط إلى فترة الحرب في أوكرانيا، بل أيضًا يعود إلى العديد من القضايا الدولية، مثل الصراع في سوريا، ودعم روسيا لسوريا، وعدم التزام روسيا ببعض الاتفاقيات الدولية، مثل معاهدة الحدِّ من الأسلحة النووية؛ ولذلك مع استمرار التوتُّرات والتحديات في العلاقات “الروسية – الأمريكية” سيؤثر ذلك على الانتخابات الأمريكية، مثل السياسة الخارجية للولايات المتحدة؛ لأن تزايد الحرب في أوكرانيا سيؤثر على حملات المرشحين في الانتخابات.

 الأمن القومي للبلاد: قد تؤدي التوتُّرات مع روسيا إلى زيادة الانتباه إلى مسائل الأمن القومي؛ ما يجعل النقاش الانتخابي شاملًا موضوعات، مثل أولوية الولايات المتحدة للتصدِّي لأيِّ تحديات خارجية من أيِّ دولة.

الرأي العام: قد يؤثر التوتُّر مع روسيا في آراء الناخبين وتوجُّهاتهم السياسية؛ فقد يؤدي إلى ميْل الناخبين للمرشحين القادرين على التعامل مع التحديات الدولية.

الدوافع وراء تفضيل الرُّوس للمرشحين في الانتخابات الأمريكية قد تكون متنوعة إلى حدٍّ ما؛ بناءً على كيفية تحليلهم؛ للتأثير المحتمل لكُلٍّ منهما في السياسة الخارجية ومصالح روسيا، ولكن ترغب روسيا بشكلٍ كبيرٍ إلى عودة “ترامب” إلى السلطة مرةً أُخرى؛ بناءً على العلاقات السابقة التي قد تكون لصالحها، فكان الرئيس السابق “ترامب” أقل تحدِّيًا لروسيا، مقارنةً ببعض المرشحين الديمقراطيين الآخرين.

بالنسبة لأوكرانيا:

في فبراير لعام 2024، ستدخل الحرب “الروسية – الأوكرانية” عامها الثالث، ومن المرجح أن يكون عدد الضحايا والقتلى قد تخطَّى نصف مليون، ولقد أصبح أكثر من أحد عشر مليون أوكرانيٍّ لاجئًا أو نازحًا، وتمَّ تدمير العديد من المعدات بمليارات الدولارات، ولا تزال نتائج الحرب السلبية لها صداها، مثل ارتفاع التضخم وأسعار الطاقة ونقص الغذاء؛ فقد توصَّلت أوكرانيا في الفترة الأخيرة إلى طريقٍ مسدودٍ.

ويعتبر مستقبل المساعدات العسكرية الأمريكية حاليًا لأوكرانيا على المحكِّ؛ فقد رفض مجلس الشيوخ الأمريكي عددًا كبيرًا من الدولارات لدعم أوكرانيا، ولا يزال معظم الجمهوريين داخل مجلس الشيوخ الأمريكي يؤيدون تقديم المساعدات لأوكرانيا، ولكن يشعر الكونجرس  بالقلق من كوْن المساعدات المقدمة لأوكرانيا ستؤثر على المخزونات الأمريكية؛ لذلك نقول: إن أوكرانيا إذا لم تحصل على المساعدات العسكرية الأمريكية قريبًا؛ فقد تجد نفسها في وضْعٍ سيِّءٍ؛ لذلك تنتظر أيضًا أوكرانيا نتيجة الانتخابات؛ لأنها ستلعب دورًا حاسمًا في تحديد مسار الحرب الأوكرانية.

الخاتمة:

من المتوقع أن تترك الانتخابات الرئاسية الأمريكية في عام 2024، تأثيرًا على السياسة الخارجية، وتعيش الولايات المتحدة حالةً من الترقُّب والتخوُّف نحو الانتخابات والأجواء المصاحبة لها، التي وصفها الكثير من الخبراء والمحللين، أنها محفوفةٌ بالمخاطر، وأنها ليست كسابقاتها من الاستحقاقات الانتخابية، وخصوصًا لأنه من الملاحظ أيضًا، وجود انقسامٍ أمريكيٍّ حول دعم “بايدن” المستمر لإسرائيل في حربها ضد “حماس”؛ ما سيكون له انعكاسٌ كبيرٌ لتوجُّهات الناخب الأمريكي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024.

كلمات مفتاحية