إعداد: ميار هانى
باحثة فى الشأن الدولى
“فى كل مكان فى أوروبا نرى نفس الرياح اليمينية تهب”، تلك كان أحد ردود الأفعال على فوز حزب “من أجل الحرية”، المُتشكك فى مؤسسات الاتحاد الأوروبى والمناهض للهجرة والإسلام، بقيادة الزعيم الشعبوى اليمينى “خيرت فيلدرز” فى الانتخابات البرلمانية فى هولندا، وسط ترحيب من قِبل الأصوات الرائدة من اليمين المتطرف فى المنطقة، بما فى ذلك زعيمة المعارضة الفرنسية “مارين لوبان” ورئيس الوزراء المجرى “فيكتور أوربان”، من ناحية، وقلق للتيار السائد فى أوروبا من ناحية أخرى، وهو ما يثير تساؤلات ومخاوف واسعة من تصاعد أيديولوجية اليمين المتطرف وإحكام قبضتها تدريجيًا على أوروبا.
اليمين المُتطـرف يتصدر الانتخابات التشريعية
فى صعود غير متوقع لليمين المتطرف، فاز “فيلدرز” بأكثرية الأصوات فى الانتخابات التشريعية الهولندية بـإجمالى 37 مقعدًا فى البرلمان المكون من 150 مقعدًا، أى أكثر من ضعف حصته فى الانتخابات التشريعية السابقة، محققًا تفوق بفارق كبير على أقرب منافسيه من حزبى “العمال” و”اليسار الخضر”، الذين حصلوا على 25 مقعدًا، كما تفوق على حزب “الشعب المحافظ من أجل الحرية والديمقراطية”، الذى حصل على 24 مقعدًا. وهو ما يعكس الزخم المتزايد لليمين المتشدد فى أنحاء أوروبا.
وتعد هولندا أحد أكثر أنظمة “التعددية الحزبية” تباينًا وانقسامًا، ما يحتم على السياسى الهولندى البحث عن شركاء وتشكيل حكومة ائتلافية تشكل أغلبية فى البرلمان، من أحزاب اليمين والوسط، ومن خلاله يصبح أول رئيس وزراء يمينى متشدد للبلاد، إذ يسعى فيلدرز إلى الحصول على 76 مقعدًا فى مجلس النواب بتشكيل ائتلاف رباعى مع حزب “الشعب المحافظ من أجل الحرية والديمقراطية”، الذى كان يتزعمه رئيس الوزراء السابق “مارك روته” وتقوده الآن “ديلان يشيلجوز”، إلى جانب حزب “العقد الاجتماعى الجديد” الذى يتزعمه “بيتر أومتسيجت” و”حركة المواطن المزارع”، وبالتالى تحقيق ائتلاف مستقر، ويُتوقع أن يستغرق تشكيل الائتلاف وقتًا طويلًا، لوجود صعوبات حول تراجع رغبة الأحزاب فى التعاون معه، ويتوقع معظم الخبراء أن تستمر عملية تشكيل الائتلاف خلال العام المقبل، حيث استغرق تشكيل آخر ائتلاف لمارك روته 271 يومًا.
ويتبنى حزب “من أجل الحرية” موقفًا معاديًا للمهاجرين بشكل عام، والمنحدرين من الدول العربية والإسلامية بشكل خاص، ويسعى لتقييد سياسات الهجرة واحتجاز المهاجرين غير الشرعيين فى البلاد وترحيلهم، وتجميد طلبات اللجوء، كاستجابة للقلق الشعبى من ارتفاع أعداد المهاجرين واللاجئين بشكل غير مسبوق فى هولندا، ووضع حد لحرية الحركة الشاملة لعمال الاتحاد الأوروبى، فضلًا عن اعتزام الحزب إلغاء الاشتراك فى قواعد اللجوء والهجرة فى الاتحاد الأوروبى، وإلغاء اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951.
[1] كما يتبع الحزب سياسة أكثر انعزالًا، متمثلة فى رفضه أشكال الاتحاد السياسى، حيث يعِد برنامج الحزب بإجراء “استفتاء ملزم” على خروج هولندا من الاتحاد الأوروبى، والذى يُعرف بـ “Nexit”، وذلك لمعارضة أجندة الحزب سياسات الاتحاد الأوروبى فى عدد من القضايا، يأتى على رأسها استمرار تدفق الدعم لأوكرانيا وسياسات الهجرة واللجوء والعمل المناخى، فضلًا عن رفض الحزب فرض “إملاءات” الاتحاد الأوروبى على البلاد وأن تكون هولندا المسؤولة عن قرارها بدلًا من ذلك.
ويدعو البيان الرسمى لحزب الحرية إلى حظر المصحف والمساجد والمدارس الإسلامية والحجاب، وذلك ضمن سياسة “تخفيض أسلمة البلاد”، مما يثير قلق المسلمين فى هولندا حيال ما قد يحدث بعد فوز الحزب، فضلًا عن الرغبة فى انسحاب هولندا من التزاماتها المناخية الدولية، من خلال إلغاء اتفاقية الأمم المتحدة للمناخ لعام 2015، وكذلك الدعوة إلى إلغاء صندوق المناخ الذى تبلغ قيمته 28 مليار يورو.
وعلى خلفية التصعيد الإسرائيلى فى غزة، يعد فيلدرز من أشد المؤيدين لإسرائيل، وظهر ذلك فى عدد من التصريحات، أهمها رغبته فى نقل سفارة هولندا إلى القدس، وإغلاق البعثة الدبلوماسية الهولندية فى رام الله لوجود السلطة الفلسطينية، وذلك على اعتبار إسرائيل “الصديق المقرب والديمقراطية الحقيقية الوحيدة فى الشرق الأوسط”.
ومن الجدير بالذكر أن “فيلدرز” قد خفف من حدة مواقفه المتطرفة الأكثر إثارة للجدل فيما يتعلق بالإسلام والهجرة خلال حملته الانتخابية، والتعهد بعدم انتهاك الدستور والقوانين التى تكفل حرية التعبير واختيار الدين، والتركيز بدلًا من ذلك على معالجة “مشاكل أكبر” متمثلة قضايا الهجرة واللجوء، باعتبارهما أكثر القضايا المحفزة لهذا الفوز، بالإضافة إلى تحفيز نمو اقتصاد البلاد، خاصةً مع ارتفاع معدلات التضخم، وأزمة الإسكان والرعاية الصحية
تصـاعـد اليميـن المُتطـرف فى أوروبا
تشهد أوروبا تزايد زخم أحزاب اليمين المتطرف بشكل ملحوظ، خاصةً مع التطورات الأخيرة على خلفية التصعيد الإسرائيلى فى غزة، وتتألف ثلاث دول أوروبية من جماعات يمينية متطرفة؛ ففى إيطاليا، تولت “جورجيا ميلونى” رئاسة مجلس الوزراء على خلفية فوز الائتلاف الذى يقوده حزب “ما بعد الفاشية”، بنسبة 26% من الأصوات، فى الانتخابات التشريعية فى سبتمبر 2022، وذلك بعد الترويج لخطاب معادٍ للهجرة خلال فترة الحملة الانتخابية. وتُجدر الإشارة إلى أنها تعد الحكومة الأكثر يمينية فى إيطاليا منذ الحرب العالمية الثانية.
وفى أكتوبر الماضى، تولى “روبرت فيكو” منصب رئيس الوزراء فى سلوفاكيا، وشكّل حزبه الشعبوى تحالفًا مع الديمقراطيين الاشتراكيين والحزب الوطنى السلوفاكى اليمينى المتطرف، وحصل الحزبان الأخيران على مسؤوليات وزارية فى مجالى الثقافة والبيئة داخل الحكومة، ويتولى “فيكتور أوربان” الحكم فى المجر منذ عام 2010، على رأس ائتلاف يقوده حزبه “فيدسز”.
وفى النمسا، يتصدر حزب “الحرية” اليمينى المتطرف قوائم أحزاب البلاد، فضلًا عن تقدمه فى استطلاعات الرأى بشكل غير مسبوق. وعلى خطى النمسا، صعد حزب “البديل لأجل ألمانيا” للمرتبة الثانية بـ٢٢%، وهو ما يعد أعلى ترتيب يحققه الحزب فى تاريخه، ما دفعه للتفكير فى طرح مرشح للمستشارية فى انتخابات 2025، وجاء حزب الفنلنديين فى المركز الثانى بحصوله على نسبة 20.06% من الأصوات فى انتخابات أبريل 2023، وهو ما تسبب فى رحيل رئيسة الوزراء الديمقراطية الاجتماعية “سانا مارين”، التى كانت تقود البلاد لمدة 3 سنوات. وفى إسبانيا، يشهد اليمين المتطرف أيضًا تقدمًا، إذ شكل الحزب الشعبى بقيادة “ألبرتو نونيز فيجو” تحالفات مع حزب “فوكس” اليمينى المتطرف لبعض الانتخابات الإقليمية، والذى حاز على نسبة 12.38% من الأصوات فى انتخابات يوليو الماضى.
وفى إطار الانتخابات التشريعية التى جرت فى اليونان فى يونيو الماضى، تم انتخاب 13 نائبًا فى حزب “سبارتانز” اليمينى المتطرف، كما أظهر استطلاع رأى فى فرنسا، تم إجراؤه سبتمبر الماضى، أن تقريبًا شخصًا من كل اثنين يعتقد بأن “مارى لوبان”، المرشحة الرئاسية السابقة ثلاث مرات ورئيسة حزب الجبهة الوطنية، تتمتع بالمهارات اللازمة لتولى رئاسة البلاد بنسبة تبلغ 48%، ويرى 47% بأن لديها القدرة على توحيد الشعب الفرنسي.
وإجمالًا:
تشهد الأيديولوجية اليمينية المتطرفة فى السنوات الأخيرة تصاعدًا فى القارة الأوروبية، والذى يدفع صعودها، على وجه الخصوص، ارتفاع معدلات الهجرة واللجوء فى الاتحاد الأوروبى، وتداعيات الأزمة فى أوكرانيا، والتى باتت ضمن الاهتمامات المشتركة لدى عدد مُتصاعد من الناخبين الأوروبيين، بعدما كانت مقتصرة على أقلية هامشية، وبالتالى ساعد تركيز الأحزاب على تلك الملفات فى اكتسابها هذا الزخم المُتصاعد، فضلًا عن سعيهم فى توسيع نطاق جاذبيتهم من خلال كبح جماح خطابهم الأكثر تحريضًا. وترسل نتيجة الانتخابات الهولندية التى حققها الزعيم الشعبوى “خيرت فيلدرز”، قبيل انتخابات برلمانية فى دول أوروبية أخرى، القلق بين التيار السائد فى أوروبا باعتبار ذلك مؤشرًا على غضب الناخبين ضد السياسيين التقليديين، وإمكانية اتساع السياسات اليمينية المتشددة التى قد تفتت الاتحاد الأوروبى، وهو ما يثير المخاوف بالعواقب التى قد تلقى بظلالها على أوروبا.
لمصدر:
[1] https://www.statista.com/statistics/525434/netherlands-total-immigration-total-emigration-and-migration-balance/