الانسحاب الأمريكى من أفغانستان.. ومستقبل الإرهاب القادم

إعداد : دينا لملوم 

مما لاشك فيه أن تواجد القوات الأمريكية داخل أفغانستان كان جزءًا من إستراتيجية أمريكا الرامية إلى مجابهة وردع الحركات الإسلامية المتطرفة، والتى تشكل تهديدًا جسيمًا للأمن القومى الأمريكى، والسلام العالمى بشكل عام، ومازالت واشنطن تخوض حربًا دامية ضد الإرهاب، وفى ظل إنزال القوات الأمريكية إلى أفغانستان، سعت إلى مطاردة ” أسامة بن لادن”، حتى تمكنت من قتله، وأصبحت كابول مرتعًا لتكالب القوى الدولية والإقليمية، وتنامت أذرع طالبان، التى أثرت بشكل واضح على الأوضاع الداخلية الأفغانية، وبعد مرور عدة سنوات من تاريخ تواجد القوات الأمريكية، قامت بالانسحاب من الأراضى الأفغانية مكتوفة الأيدى، مخلفة وراءها بعض التداعيات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.

بدايات التدخل الأمريكى فى أفغانستان:

بدأت القوات الأمريكية تتغلغل داخل أفغانستان؛ ردًا على أحداث ١١ سبتمبر ٢٠٠١، والتى تمثلت فى هجوم إرهابى على الولايات المتحدة تم تنفيذه بزعامة “أسامة بن لادن”، الذى كانت تأويه جماعة طالبان فى أفغانستان، فبدأت القوات الأمريكية بتوجيه ضربات جوية على قوات تابعة لطالبان وتنظيم القاعدة، وبدأت القوات تتسلل إلى أفغانستان؛ للمساعدة فى عمليات القصف، وفى ظل تزايد أعداد القوات المدعومة من واشنطن إلى العاصمة كابل، بدأت طالبان تنسحب جنوبًا، حتى خرجوا من جنوب أفغانستان واستقروا فى باكستان، وظلت القوات الأمريكية تطارد “بن لادن”، الذى لاذ إلى باكستان.

وفى الوقت الذى كانت تهدأ فيه وتيرة الهجمات والتدفقات الأمريكية إلى أفغانستان كانت طالبان تعيد تركيز صفوفها فى الخفاء؛ تمهيدًا للعودة مرة أخرى إلى الداخل الأفغانى، وفى عام ٢٠١١ تمكنت القوات الأمريكية من قتل “بن لادن” تحت مظلة عملية عسكرية ومخابراتية فى باكستان، وبدأت فى رفع أعداد قواتها فى أفغانستان إلى حوالى ١٠٠ ألف، فى إطار حملة مكثفة تنفذها مع المخابرات المركزية الأمريكية؛ لشن هجمات بواسطة طائرات مسيرة استهدفت طالبان، وغيرها من الجماعات المسلحة فى باكستان، وبدأ التخطيط لعمليات الانسحاب الأمريكى من أفغانستان فى أواخر عام ٢٠١٤، حتى أعلن “دونالد ترامب” عام ٢٠١٧ عن إستراتيجيته، وطالب بنشر قوات أمريكية؛ للتفاوض مع طالبان وإرغامها على التفاوض من أجل السلام مع حكومة كابل، وفى عام ٢٠٢٠ قامت واشنطن بالتوقيع على اتفاق لسحب القوات الأمريكية من أفغانستان، وبدأت القوات تنسحب شيئًا تلو الآخر، حتى تم سحب آخر جندى أمريكى من البلاد، وفى تلك الآونة بدأت جماعات طالبان تعاود الظهور مرة أخرى وتعبث بالبلاد، وقامت بتنظيم تفجيرات انتحارية، ووصلت أعمال العنف إلى معدلات غير مسبوقة.

لماذا الانسحاب الأمريكى من أفغانستان؟

جاء قرار الانسحاب الأمريكى فى أفغانستان فى صدد إنقاذ الأرواح، حيث إن الحرب كبدت الولايات المتحدة الأمريكية خسائر مادية وبشرية فادحة، ووصلت تكلفة الصراع إلى مقتل أكثر من ٢٣٠٠ جندى أمريكى، وإصابة أكثر من ٢٠ ألف آخرين، ناهيك عن التكلفة المالية، التى تحملها دافعو الضرائب الأمريكيون، والتى تقترب من تريليون دولار.

وكل هذه الخسائر لم يقابلها سوى مكاسب ضئيلة ووهمية، أيضًا يأتى قرار الانسحاب بعدما تمكنت واشنطن من تحقيق الأهداف التى تدخلت على إثرها فى أفغانستان، ألا وهى التخلص من القيادات المركزية لحركة طالبان، أمثال “أسامة بن لادن” و “الملا محمد عمر”، وفى ظل الصعود الكبير للقوى الدولية البارزة كروسيا والصين وغيرهما، وجدت الولايات المتحدة الأمريكية أن الوجود الأمريكى فى أفغانستان يمثل تحديًا كبيرًا للاقتصاد الأمريكى، ويتيح الفرصة للاقتصاد الصينى أن ينمو على حساب أمريكا، حيث إنه وصل لمعدلات نمو عالية مقلقة بالنسبة للجانب الأمريكى؛ لأنه يشكل تهديدًا واضحًا للهيمنة الأمريكية ويؤثر على مكانتها على قمة الهرم الدولى، فجاءت الإستراتيجية الأمريكية لتُعدل من مسارها السابق، وتحقق نوعًا من التكافؤ والمؤامة بين جهودها الرامية إلى التصدى للحركات الإرهابية، وفى نفس الوقت دعم الاقتصاد الأمريكى؛ لمواجهة النفوذ الصينى المتنامى، بالإضافة إلى تعديل سلوكياتها السابقة التى كانت تعتمد على الإنفاق العسكرى بشكل متفحل، وزادت من ديونها وأضرت بالوضع الاقتصادى للبلاد، وقد استندت تلك الإستراتيجية على مبدأ عدم التدخل العسكرى، والاكتفاء بلعب دور المراقب للقوى الإقليمية والدولية.

طالبان فى ظل التواجد الأمريكى فى أفغانستان:

لم تتخلَ طالبان عن حضورها القوى فى ظل التواجد الأمريكى فى أفغانستان، حيث تأرجحت خريطة التغلغل الطالبانى فى الأراضى الأفغانية، ففى عام ٢٠٠٣ بعد غزو القوات الأمريكية للعراق، وانشغال الولايات المتحدة عن أفغانستان، قامت طالبان والجماعات الإسلامية بالانتشار إلى معاقلها فى جنوب وشرق أفغانستان، وبدأت بالتمرد المسلح، وقد توسع تمرد طالبان وزادت وتيرة أنشطة تنظيم الدولة الإسلامية عام ٢٠١٥، ولكن فى عام ٢٠١٧ قام “ترامب” بإرسال آلاف الجنود إلى أفغانستان، وشنت القوات الأمريكية هجماتها على شبكة أنفاق وكهوف فى الشرق كان التنظيم يستخدمها فى عملياته، أسفرت عن مقتل ٩٦ جهاديًا، إلا أن هجمات المتمردين قد ازدادت رغم التعزيزات الأمريكية التى أرسلها ترامب إلى أفغانستان.

ولكن يمكن القول بإن التواجد الأمريكى حجَّم بشكل كبير تنامى أذرع تلك التنظيمات، ولكنه لم يتمكن من كسر شوكة حركة طالبان، وقد شهدت الأوضاع تزايدًا فى الأنشطة الإرهابية، وتنامى أذرع طالبان، ولكن فى إطار غير شرعى وغير معترف به دوليًا، فقد كانت حركة ثورية غير مؤطرة، بخلاف نشاطها بعد الانسحاب الأمريكى، حيث أصبحت نخبوية، وصلت إلى مقاليد السلطة، وباتت العديد من الدول تعترف بها، وتسعى لتوطيد العلاقات بينهما.

إرهاب ما بعد الانسحاب:

لقد أعطى الانسحاب الأمريكى دفعة قوية للتنظيمات الإرهابية أن تطفو وتتغلغل داخل أفغانستان، وبعد قيام طالبان بإعلان تشكيل إمارة أفغانستان الإسلامية فى سبتمبر ٢٠٢١، زادت المخاوف بشأن عودة أفغانستان كمرتع للجماعات الإرهابية، وقد أدى انتصار طالبان على القوات الأفغانية إلى تقوية شوكة التنظيمات الإرهابية على رأسها تنظيم القاعدة، حيث زعمت بأن تصبح هذه الإمارة الجديدة مركزًا لمقاتليها فى شتى أنحاء العالم.

وتتعدد هذه الجماعات، بجانب حركة طالبان، التى رأت ضرورة التكيف مع تلك التنظيمات، سواء بتحجيم نشاطها أو التنسيق معها، وتوظيفها لتحقيق أهدافها، وتتمثل هذه التنظيمات فى الآتى:

1- تنظيم القاعدة:

تثير علاقة طالبان بتنظيم القاعدة مخاوف العديد من الدول، فقد احتضنت هذا التنظيم خلال حكمها لأفغانستان من ١٩٩٦-٢٠٠١، وكانت تدعمه وتوفر له المأوى، وقد تلقت القاعدة ضربات موجعة بعد مقتل أسامة بن لادن، ونجله حمزة؛ الأمر الذى جعل التنظيم هشًا، ويتمتع بنفوذ ضعيف وتواجد محدود على الأراضى الأفغانية، حيث تشير بعض الدراسات إلى تمركز حوالى ٥٠٠ من مقاتليه فى ولاية “كونار”، التى تتمتع بتضاريس وعرة شرق أفغانستان، ونجد أن التنظيم قد تحول خلال العقدين الماضيين إلى شبكة جهادية إرهابية، تتغلغل أذرعه المختلفة فى عدة دول، إلا أن نشاطاته الإرهابية قد تراجعت بشكل كبير، مقارنة بأنشطة تنظيم داعش، وغيره من التنظيمات الأخرى.

2- تنظيم داعش “ولاية خراسان”:

تنظيم “ولاية خراسان” هو أحد أفرع تنظيم داعش فى أفغانستان، وتشكل عام ٢٠١٥، ويضم مجموعة عناصر بجانب عناصر أخرى كانت قد انفصلت عن حركة طالبان، وقد تصاعدت أنشطة خراسان شأنها شأن الأفرع الأخرى لداعش، وتمددت العمليات الإرهابية حتى استهدفت جنود أمريكيين، فضلًا عن قوات من الشرطة والجيش الأفغانى، وتصويب عملياتهم نحو أهداف مدنية وعسكرية، وقد كانت هناك منافسة بين التنظيم وحركة طالبان؛ مما أدى إلى وقوع تصادمات عسكرية بين الطرفين، أسفرت عن وقوع العديد من القتلى، وبالرغم من الضربات التى تلقاها التنظيم من القوات الأمريكية، والجيش الأفغانى، إلا أنه مازال يتمتع بحضور ملحوظ على الساحة الأفغانية، الأمر الذى قد يزيد من حدة الصراع بينه وبين طالبان التى تسيطر على الحكم فى كابول، وتحول الأراضى الأفغانية إلى ساحة لتصفية الحسابات، وتناحر طالبان من أجل توطيد نفوذها فى أفغانستان، والتصدى لأى محاولات تنازعها على عرشها أو حتى تهدده.

3- شبكة حقانى:

تندرج هذه الشبكة ضمن أذرع طالبان، إلا أنها تتمتع بقدرات قتالية فائقة، ودرجة من الاستقلالية تميزها عن الأفرع الأخرى، ولـ “حقانى” تاريخ مروع فى أفغانستان، إذ أنها ارتكبت العديد من المعارك الدموية هناك، وصنفت على أنها كيان إرهابى من قبل الولايات المتحدة عام ٢٠١٢، وتم توقيع عقوبات عليها من قبل الأمم المتحدة، وتشير بعض المصادر إلى أن هذه الشبكة ترتبط بعلاقات أزلية مع تنظيم القاعدة، الأمر الذى من شأنه أيضًا إثارة القلق بشأن العلاقة بين طالبان والقاعدة.

تداعيات الانسحاب من أفغانستان:

يترتب على انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان العديد من التداعيات الداخلية التى ساعدت على تنامى الإرهاب وصعود جماعة طالبان، منها:

  1. الانفلات الأمنى وتعتيم المشهد السياسى: كان قرار الانسحاب بمثابة ذريعة لعودة حركة طالبان، بشكل أكثر شراسة، وإحكام قبضتها على العديد من المقاطعات الأفغانية حتى وصلت إلى العاصمة كابول، وسيطرت على مقاليد الحكم، وزادت وتيرة الهجمات الإرهابية، والتفجيرات؛ التى أدت إلى مقتل العديد من المدنيين، وخلّف حالة من الانفلات الأمنى فى البلاد، فى ظل تفوق القدرات العسكرية لطالبان على القوات الأمنية الأفغانية، وباتت الأوضاع تزداد سوءًا وتنذر باحتمالية نشوب حرب أهلية، وفى ظل تخلى الرئيس الأمريكى “جو بايدن” عن وعوده فيما يتعلق بتقديم الدعم اللوجستى والمادى والعسكرى.
  2. الأوضاع الاقتصادية: كل هذه الأمور كانت النتيجة الطبيعية لها، هى تدهور الأوضاع الاقتصادية، والممثلة فى نهب عناصر طالبان لثروات البلاد، وعرقلة حركة الاستثمارات الأجنبية فى ظل تردى الأوضاع الأمنية فى البلاد، بالإضافة إلى قيام بعض البنوك بإغلاق أبوابها؛ نتيجة لحركة سحب الأموال والودائع، أيضًا ضياع الفرصة على الاقتصاد الأفغانى للحصول على مساعدات دولية تُقدر ب ٢٢٪ من الدخل القومى الإجمالى، فى ظل حكومة جديدة غير معترف بها دوليًا.
  3. الأوضاع الاجتماعية: بالتبعية تشهد البلاد تدنى فى الوضع الاجتماعى الداخلى، حيث كبت المرأة وحرمانها من حقوقها، وأمروا النساء بعدم الخروج بدون محارمهم والالتزام بارتداء الحجاب، وغيرها من الممارسات القهرية الموجهة ضد النساء، كما تم تشكيل حكومة جديدة دون تمثيل المرأة، هذا بالإضافة إلى تدنى مستوى المعيشة وارتفاع معدلات الفقر، وانهيار المرافق والبنية التحتية، وسوء الأحوال الصحية.

المواقف الإقليمية والدولية من سيطرة طالبان على أفغانستان:

لقد أدت حالة الشغور التى تركتها الولايات المتحدة الأمريكية على خلفية انسحابها من أفغانستان إلى تكالب العديد من القوى الإقليمية والدولية على الأراضى الأفغانية، لكل منهم أهدافه ومصالحه التى سعى من أجل الحفاظ عليها، وتعزيز تواجده فى منطقة آسيا الوسطى، وتُقسم هذه التداعيات إلى إقليمية وأخرى دولية، ويمكن إجمالها فى الآتى:

1- المواقف الإقليمية:

لقد كان الانسحاب الأمريكى من أفغانستان وسيطرة حركة طالبان على الأراضى الأفغانية دافعًا لإثارة قلق دول الجوار، وقد سعت هذه القوى إلى ملء الفراغ الذى تركته الولايات المتحدة، الأمر الذى قد يؤدى إلى جعل أفغانستان ساحة للمشاحنات الإقليمية؛ لذا تجدر الإشارة إلى مواقف بعض الدول فيما يتعلق بالانسحاب من أفغانستان:

أولًا: باكستان: تعد باكستان من الدول التى اعترفت بحركة طالبان وكانت تأويها لسنوات، وقد جاء عداؤها مع الحكومة الأفغانية فى ظل الانسحاب الأمريكى بمثابة فرصة ثمينة تمكنها من توسيع نفوذها فى أفغانستان، ولكن فى ظل الثمار التى ستجنيها من وراء ذلك، خاصة بعد سيطرة الإدارة الجديدة على مقاليد الحكم، إلا أنه مازال أمامها بعض المخاطر، حيث تخشى حركة طالبان الباكستانية، وتتخوف من الانفصاليين فى إقليم “بلوشستان”، والذين يلجأون إلى أفغانستان ويصوبون الهجمات إلى الأراضى الباكستانية من خلالها؛ لذا فقد تكون هذه الإدارة الجديدة بمثابة أرض خصبة لنمو الحركات الإرهابية وتسللها إلى البلاد، ومن ثم زعزعة الأمن والاستقرار.

ثانيًا: إيران: شهدت العلاقات بين طهران وجماعة طالبان توترًا شديدًا بعد مقتل دبلوماسيين إيرانيين عام ١٩٨٨، وتربط إيران بأفغانستان علاقات وطيدة، ويؤدى الانسحاب الأمريكى وسيطرة طالبان على مقاليد الحكم فى كابول إلى توقف حركة الصادرات بين طهران وأفغانستان، حيث وصل حجم الخسائر بسبب توقف الصادرات إلى الدولة الأفغانية إلى حوالى ٢٥٠ مليون دولار، فضلًا عن أن سيطرة هذه الجماعة أثارت مخاوف طهران بشأن التمدد الإرهابى وتهديد إيران، أيضًا وقوع القضايا المائية محل خلاف، الأمر الذى استدعى من طهران التكيف مع الأمر الواقع ومحاولة التقرب من الإدارة الجديدة وتعزيز العلاقات معها.

ثالثًا: تركيا: دائمًا ما تسعى تركيا نحو ترسيخ أقدامها فى منطقة آسيا الوسطى، والاستفادة من الثروات الهائلة التى تتمتع بها المنطقة، لذا فقد سلكت أكثر من منحى لنيل أهدافها، من جهة قامت بلعب دور الوسيط بين الحكومة الأفغانية وجماعة طالبان، ومن جهة أخرى أرادت تشغيل مطار كابول وتأمينه؛ لتحسين علاقاتها مع واشنطن، فضلًا عن ترسيخ موطئ قدم لها فى أفغانستان؛ لذا فقد لجأت إلى قطر وباكستان، اللتان تربطهما علاقات قوية مع الإدارة الجديدة، وبالفعل تمكنت قطر من إقناع طالبان بمنح تركيا الحق فى تشغيل مطار كابول، وفى الوقت الذى سعت فيه أنقرة لتأكيد وجودها فى أفغانستان، وجدت العديد من القوى الأخرى التى باتت تنازعها هذا الحق، كروسيا والصين، وغيرهما من الدول الساعية إلى تأمين مصالحها الإقليمية عبر البوابة الأفغانية، حتى تتمكن من تعزيز نفوذها فى المنطقة.

رابعًا: الهند: ترتبط الهند بعلاقات وثيقة مع أفغانستان منذ عام ٢٠٠١ بعد سقوط حركة طالبان، وقد قدمت الهند العديد من المساعدات فى نواحى عدة، وعملت على تنشيط حركة الاستثمار فى أفغانستان، وقد أثار الانسحاب الأمريكى العديد من المخاوف التى ساورت الهند، والقلق بشأن تزايد نفوذ باكستان، والتعاون بين الصين وباكستان فيما يتعلق بتعزيز تواجدهما فى أفغانستان، كل هذه الأمور كان من شأنها أن تؤدى إلى تهديد المصالح الإقليمية للهند فى المنطقة.

2- المواقف الدولية:

أولًا: روسيا: أدى تصاعد العنف داخل أفغانستان إلى إثارة قلق روسيا، بشأن مصالحها فى المنطقة؛ فنظرًا لاشتراك تركمانستان فى الحدود مع أفغانستان، ووجود اضطراب أمنى على الأراضى الأفغانية، فإن القلق اعترى موسكو؛ نظرًا لكونها تسيطر على إمدادات الغاز الطبيعى من تركمانستان، أيضًا فإنها تهاب تمدد العمليات الإرهابية إلى حدودها، ناهيك عن عمليات تهريب المخدرات، وزيادة تدفقات الهجرة غير الشرعية؛ ومن ثم فقد كانت روسيا من داعمى تحقيق الاستقرار فى أفغانستان، وسعت من أجل دعم جهود الوساطة بين الحكومة الأفغانية وطالبان؛ من أجل التوصل لتسوية سلمية بعد الفراغ الذى تركته الولايات المتحدة، وفى هذا الصدد نجد أنها كانت من مؤيدى الانسحاب الأمريكى؛ لأن واشنطن كانت تمثل عائقًا أمام نفوذها وتمددها فى منطقة آسيا الوسطى، وحال دون وصولها إلى المحيط الهادى.

ثانيًا: الصين: تسعى الصين من خلال علاقاتها مع أفغانستان إلى دمجها فى مبادرة “الحزام والطريق”، فضلًا عن التصدى لمحاولات الهند لتعزيز نفوذها فى أفغانستان، أيضًا انغماس الشركات الصينية فى عمليات استخراج الثروات المدفونة فى الأراضى الأفغانية، حيث زاد حجم الاستثمارات بين البلدين، وتهاب بكين من الإدارة الجديدة، والتى ستهدد الاستثمارات الصينية، ناهيك عن امتداد الأذرع الإرهابية إلى الداخل الصيني؛ وحفاظًا على مصالحها فقد سلكت ذات المسلك الذى اتبعته روسيا، ولعبت دور الوسيط بين الحكومة الأفغانية وجماعة طالبان؛ حتى تتمكن من الحفاظ على مصالحها.

وهكذا كانت مصالح دول الاتحاد الأوروبى، وبريطانيا، فكل منهم له مصالحه فى أفغانستان، سواء من حيث تعزيز نفوذهم فى المنطقة، أو التخوف من زيادة أعداد اللاجئين، والذين تتخللهم عناصر إرهابية، وكذا محاولات الهجرة غير الشرعية، وأخيرًا الخوف من التمدد الإرهابى خارج أفغانستان وتهديده لأمن واستقرار البلاد.

وختامًا:

لقد خرجت أمريكا من الأراضى الأفغانية خاسرة على المستويين، فقد أنهكت اقتصادها لسنوات طويلة من أجل لملمة شتات أفغانستان دون جدوى، ومن ناحية أخرى فقدت مصداقيتها ونفوذها، ولم تتمكن من القضاء على الحركات الإرهابية، وردع طالبان عن استنزاف قدرات البلاد وتغييب المشهد السياسى، بل كان انسحابها مرتعًا لعودة نفوذ طالبان بشكل متفحل، واكتسابها دعم دولى، نبع من تكالب القوى الدولية على الأراضى الأفغانية وتوثيق العلاقات بينها وبين طالبان؛ من أجل الحفاظ على مصالحهم فى منطقة آسيا الوسطى.

لذا يمكن القول إن وتيرة الأنشطة الإرهابية أثناء الوجود الأمريكى فى أفغانستان لم تختلف كثيرًا عن وتيرته بعد الانسحاب، كل ما فى الأمر هو التأييد الذى اكتسبته طالبان، وسيطرتها على مقاليد السلطة فى البلاد، ومن ثم خلق أرضية خصبة لنمو التنظيمات المتطرفة، وتشعبها، ومن هنا يمكن القول إن السياسة الأمريكية فشلت فى إحكام قبضتها على أفغانستان وتحقيق أهدافها التى دائمًا ما يتطلع إليها الغرب جراء تدخله فى أى دولة أخرى.

 

كلمات مفتاحية