البحث عن السلام: دلالات وأبعاد زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني إلى مصر

إعداد: شيماء ماهر

باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية

تذْخَرُ الدولة المصرية بالعديد من الإمكانيات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية، والتي تؤهلها للعب دوْرٍ ملموسٍ في كافَّةِ النزاعات الأفريقية، وانطلاقًا من انتهاج مصر مبْدأ الحيادية في التعامُل مع كافَّةِ أطراف الأزمة السودانية، في ضوْء ثوابت محددة للسياسة المصرية، التي ترتكز على عدم التدخُّل في الشأن الداخلي للدول، تبْذُلُ الدولة المصرية جهودًا حثيثةً لتحقيق التهدئة، ونزْع فتيل الأزمة، ودفْع مسار الحلِّ السِّلْمي في السودان، وذلك دون دعْم طرفٍ على حساب طرفٍ آخر؛ حتى لا يؤدي إلى تفاقُم الصراع، وهي تعلم أن أمنها الإقليمي مرتبطٌ بأمن السودان واستقرارها؛ ما يعني استقرار الدولة المصرية.

خطى متسارعة… زيارة “البرهان” إلى القاهرة

وصل رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان، اليوم الخميس، إلى مصر، في زيارةٍ رسميةٍ، وكان في استقباله الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، في مطار القاهرة، وجاءت هذه الزيارة بعد يوميْن من رحلته إلى طرابلس، والتي التقى فيها القيادة الليبية؛ لمناقشة تطورات الأوضاع في السودان، وبعد مرور شهرٍ على زيارته للجزائر، في ٢٨ يناير الماضي، وتوقيع اتفاق المنامة، في ٢٠ يناير ٢٠٢٤م، ومع اقتراب دخول الحرب السودانية عامها الأوَّل، منذ اندلاعها في منتصف أبريل ٢٠٢٣م؛  إذ يسعى “البرهان” من خلال هذه الزيارات إلى اكتساب شرعيةٍ إقليميةٍ؛ لموقف الجيش السوداني في الحرب الدائرة بينه وبين ميليشيا الدَّعْم السريع، وكسْب وجهات نظرٍ مؤيدةٍ، حول سُبُل التسوية المستقبلية للصِّرَاع الجاري.

والجديرُ بالذكر، أن “البرهان” زار مصر، في أغسطس 2023م، في أول رحلةٍ خارجيةٍ له، منذ اندلاع الاشتباكات المسلحة بالبلاد، منتصف أبريل 2023م، بين “الجيش السوداني، وقوات الدعم السريع”، واستقبله حينها الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، بمقر الرئاسة المصرية في مدينة العلمين الجديدة، وخلال الزيارة ناقش الطرفان تطوُّرات الأوضاع في السودان، وسُبُل وقْف إطلاق النار، وإنهاء الأزمة، والسَّماح بتنفيذ عمليات الإغاثة الإنسانية، وبحْث سُبُل تعزيز العلاقات بين البلديْن، ودعمها وتطويرها بما يخدم شعبيْ “مصر، والسودان”.

دلالات وأبعاد الزيارة

تأتي زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان، في ظلِّ تبادُل العلاقات الثنائية بين الدولتين، في سياق التواصُل المستمر بين قيادتيْ البلديْن، وحرصهما على استمرار التشاوُر والتباحُث حول كل ما يهُمُّ البلديْن الشقيقيْن، بالنظر إلى العلاقات الثنائية المتميزة، وما يجمع بين الشعب “السوداني، والمصري” من روابط “الدَّم، والجغرافيا، والتاريخ المشترك”، مضيفًا أن تلك الخصوصية تؤكدها الحفاوة وحُسْن الاستقبال، اللذان يحظى بهما السودانيون الذين وفدُوا إلى الشقيقة مصر مؤخرًا.

جاءت هذه الزيارة؛ لتؤكد أيضًا على ما يُولِيهِ السودان من أهميةٍ لعلاقاته مع الشقيقة مصر، والحرْص على تطويرها في كافَّةِ مجالات التعاون الثنائي؛ بالنظر لما تُمثِّلُه مصر من عُمْقٍ استراتيجي وأمني للبلاد، بموقعها ووزنها “الإقليمي، والدولي”، فضلًا عن جهودها في استعادة الاستقرار والأمن في السودان، باعتبار أنها من أكثر الدول تأثُّرًا بما يجري في السودان، ولها مصلحةٌ حقيقيةٌ في استقراره وأمنه، وتتزامن أيضًا مع تقدُّم الجيش السوداني في عِدَّة محاور استراتيجية في معركة الخرطوم، وتحديدًا في محاور “أم درمان القديمة، وشمال الخرطوم”.

وتوضح زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني أهمية مصر بالنسبة للسودان، وحرْصه على توضيح موْقف الجيش السوداني للأطراف الدَّاعمة لوحدة وبقاء الدولة السودانية، وتحديدًا للقيادة المصرية قبْل أيِّ أطرافٍ إقليميةٍ أو دوليةٍ، خاصَّةً وأن مصر تعتبر من أكثر الدول تأثُّرًا بما يجري في السودان، كما تُعدُّ مصر دولةً ذات ثقل إقليمي ودولي، يُمكِّنُها من التوسُّط لفتْح الأبواب المغلقة في وجْه السودان، إضافةً إلى قُدْرتها على إقناع طرفيْ الأزمة والقوى المعنيّة، بضرورة إيجاد تسويةٍ سياسيةٍ للأزمة الحالية، واستئناف مسارٍ انتقاليٍّ، يضمن نقْل السلطة إلى حكومةٍ منتخبةٍ، بعقْد انتخاباتٍ حُرَّةٍ نزيهةٍ، وأن يختار الشعب السوداني من سيحكمه.

أبرز ما جاء في الزيارة

شهد اللقاء استعراض تطوُّرات الأوضاع في السودان، والجهود الرامية لتسوية الأزمة الجارية، بما يضمن استعادة الاستقرار، ويحافظ على سيادة ووحدة وتماسُك الدولة السودانية ومؤسساتها، ويُلَبِّي تطلُّعات الشعب السوداني، نحو تحقيق الأمن والاستقرار، وخلال اللقاء أعرب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، عن حرْص مصر على أمن السودان الشقيق، ومواصلة تقديم الدَّعْم الكامل لتحقيق الاستقرار “السياسي، والأمني، والاقتصادي” بالسودان، ودعْم وحدة الصَّف السوداني، وتسوية النزاع القائم؛ انطلاقًا من الارتباط الوثيق بين الأمن القومي للبلديْن، كما أكد استمرار مصر في الاضطلاع بدورها؛ لتخفيف الآثار الإنسانية للنزاع على الشعب السوداني.

وعلى الجانب الآخر، أكَّد رئيس مجلس السيادة السوداني، تقدير بلاده الكبير للدَّعْم المصري، في ظِلِّ الظروف الحالية التي يمُرُّ بها السودان، مشيرًا إلى أن هذا الدَّعْم يعكس الروابط التاريخية الممتدة التي تجمع بين البلديْن الشقيقيْن، والتي اتضحت في الدور المصري باستقبال المواطنين السودانيين وتخفيف آثار الأزمة.

وفي سياقٍ موازٍ، شهدت محادثات “السيسي، والبرهان” تطورات الأزمة في السودان، والجهود الرامية لتسويتها بما يضمن استعادة الاستقرار، ويحافظ على سيادة ووحدة وتماسُك الدولة السودانية ومؤسساتها، ويُلبِّي تطُّلعات الشعب السوداني، نحْو تحقيق الأمن والاستقرار، كما تمَّ التوافُق على استمرار التشاور المُكثَّف، والتنسيق المتبادل خلال الفترة المقبلة؛ لما فيه المصلحة المشتركة للبلديْن والشعبيْن الشقيقيْن، وتناول اللقاء آخر مُسْتَجَدَّات القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك الأوضاع في قطاع غزة؛ حيث تمَّ تأكيد ضرورة وقْف إطلاق النار، وإنْفَاذ المساعدات الإنسانية بشكلٍ فوريٍّ.

دور مصر في حلِّ الأزمة السودانية

سخَّرت جمهورية مصر العربية كُلَّ جهودها منذ اندلاع الأزمة السودانية، في 15 أبريل 2023م؛ حيث عملت مصر على احتواء الأزمة، وحقْن دماء الشعب السوداني، في إطار السياسة الخارجية المصرية وثوابتها، المتمثلة في استقرار ووحدة السودان، وعدم التدخُّل في شؤونه الداخلية، وسلامة شعبه الشقيق، وتقديم كُلِّ المساعدات الممكنة له، وكذلك الحفاظ على الأمن القومي المصري، بدْءًا من حرص الرئيس عبدالفتاح السيسي وتأكيده على نزْع فتيل الأزمة، واتصالاته مع كافَّةِ الأطراف “السودانية، والأفريقية، والعربية، والدولية”، وتمتلك الدولة المصرية رؤْيةً فعَّالةً لحلِّ الأزمة، وتتضمن التوصُّل لوقفٍ شاملٍ ومُسْتَدَامٍ لإطلاق النار، وبما لا يقتصر فقط على الأغراض الإنسانية، والحفاظ على مؤسسات الدولة السودانية الوطنية.

سياسيًّا: احتضنت القاهرة قمة دول جوار السودان، في 13 يوليو 2023م؛ لبحْث سُبل إنهاء الصراع والتداعيات السلبية له على دول الجوار، ووضْع آلياتٍ فاعلةٍ بمشاركة دول الجوار؛ لتسوية الأزمة في السودان بصورةٍ سِلْميّةٍ، بالتنسيق مع المسارات الإقليمية والدولية الأخرى؛ لتسوية الأزمة، وحرصًا من الرئيس عبد الفتاح السيسي، على صياغة رُؤْيةٍ مشتركةٍ لدول الجوار المُباشر للسودان، واتخاذ خطواتٍ لحلِّ الأزمة وحقْن دماء الشعب السوداني، وتجنيبه الآثار السلبية التي يتعرض لها، والحفاظ على الدولة السودانية ومُقدَّراتها، والحدّ من استمرار الآثار الجسيمة للأزمة على دول الجوار وأمن واستقرار المنطقة ككل.

وقد عُقِدَ الاجتماع الثاني لوزراء خارجية دول جوار السودان، في سبتمبر 2023م، بمقر البعثة الدائمة لمصر لدى الأمم المتحدة بنيويورك، واتفق وزراء الخارجية على استمرار التنسيق والتواصُل، وعقد الاجتماع الوزاري الثالث لوزراء خارجية دول جوار السودان بالقاهرة في تاريخٍ قريبٍ، يتم الاتفاق عليه من خلال القنوات الدبلوماسية؛ لتقييم ما تمَّ إنجازُه في سبيل تنفيذ بنود خارطة الطريق.

‎واحتضنت مصر ” مؤتمر القضايا الإنسانية في السودان 2023م”، في نوفمبر 2023م، بحضور أكثر من 400 مشاركٍ، ممثلين عن قطاعٍ كبيرٍ من منظمات المجتمع السوداني، وهو الاجتماع الذي عُقِدَ بعد أيامٍ فقط من اجتماعات ائتلاف “قوى الحرية والتغيير” في السودان، التي أُقيمت في القاهرة على مدى 3 أيام، وجرى خلالها التوافُق على الدعوة إلى توسيع مِظَلَّة القُوَى الداعمة لإيقاف الحرب في السودان.

‎وترجمت مصر حيادها على أرض الواقع، وعدم الانحياز لأيِّ طرفٍ على حساب الطرف الآخر، وذلك من خلال تواصُل المسؤولين المصريين مع طرفيْ الأزمة، ومنذ أول يومٍ بالحرب، أجرى الرئيس عبدالفتاح السيسي، عِدَّة اتصالاتٍ بنظرائه في أفريقيا، كما أجرى وزير الخارجية سامح شكر، اتصالاتٍ هاتفية، مع كُلٍّ من الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، والفريق أول محمد حمدان دقلو، قائد قوات الدعم السريع؛ حيث ناشد بالوقف الفوري لإطلاق النار؛ حفاظًا على مقدرات الشعب السوداني الشقيق، وإعلاء المصلحة الوطنية العُلْيا، بحسب متحدث الخارجية السفير أحمد أبو زيد.

‎وعلى الصعيد الإنساني، لم تتخلَّ مصر عن أشقائها، بل فتحت أبوابها للشعب السوداني للفرار من جحيم الحرب، وما خلَّفه من مشاهد دمار وترويع؛ حيث أعلنت مصر استقبال أكثر 95 ألف نازحٍ سودانيٍّ منذ اندلاع الحرب حتى مايو 2023، من منْفَذَيْ “قسطل، وأرقين”، وقامت وزارة التضامُن الاجتماعي من خلال جمعية الهلال الأحمر المصري، بالتنسيق مع نظيرتها السودانية واللجنة الدولية للصليب الأحمر والسفارة المصرية في السودان ومع كافَّة أجهزة الدولة؛ للوقوف على تطورات الأحداث أوَّلًا بأَّول، وتقديم كافَّة أشكال الإغاثة الإنسانية والطبيّة والاجتماعية، والتي شَمِلَتْ استقبال جميع العالقين، وإنهاء جميع الإجراءات المالية بأيْسر السُّبُل.

ختامًا:

أكَّدت زيارة “البرهان” الترابُط بين “مصر، والسودان”؛ حيث تُعدُّ القاهرة طرفًا فعليًّا في عملية إنهاء الأزمة السودانية، والحيلولة دُون انزلاقها لحربٍ أهليةٍ، وكان ذلك واضحًا في تحرُّكات مصر، وتحديدًا بعد قمة دول جوار السودان التي دعت لها مصر، ويؤكد ذلك دور مصر الكبير في التواصُل بين القيادة السودانية والأطراف الدولية؛ من أجل إيجاد حلولٍ لإنهاء الحرب، ومن المرجح أن يكون لمصر دور في محاولة التقريب بين طرفيْ الأزمة، من خلال الصِّلَات القوية بين “مصر، والسودان”، وربما سوف تشهد الأيام المقبلة تحرُّكًا مصريًّا تجاه القُوَى الدولية والإقليمية؛ لبحث طُرُقٍ محتملةٍ لإحلال السلام في السودان.

كلمات مفتاحية