التأجيج العملياتى..سياقات توالى المكافحة العراقية ضد تنظيم داعش

إعداد: جميلة حسين محمد

يشهد الداخل العراقى انخفاض فى مستوى العمليات الإرهابية التى يشنها خلايا تنظيم داعش الإرهابى فى الأونة الأخيرة، تلك الخلايا التى تبقت بعد هزيمة التنظيم عسكرياً فى الموصل عام 2017 والتى لا يوجد إحصاء محدد بشأن أعدادهم وفقا لجهاز مكافحة الإرهاب فى العراق. ويسعى التنظيم من حين لأخر إلى إثبات وجوده عبر عمليات الذئاب المنفردة واستقطاب قاعدة شعبية والتى فقدتها بعد دحرها عبر قوات التحالف الدولى لمكافحة الإرهاب، وذلك التراجع لا يترجم إلى انحسار التنظيم واحتمالات القضاء عليه، ولكن استطاعت السلطات الأمنية العراقية وفقًا لعدد من عمليات المكافحة والمبادرات الأمنية فى مدن ديالى وصلاح الدين ونينوى وكركوك والأنبار لإلحاق قدر من الضغط على التنظيم والحد من تمدده وقدراته العملياتية التى تتسبب فى عدم استقرار البلاد وتهديد سلامة وأمن المدنيين. ويبقى السؤال ماذا عن أبرز العوامل المساعدة للحكومة العراقية فى عمليات المكافحة؟ وما أهم الهزائم التى لحقت بالتنظيم؟ وأخيراً أبرز المبادرات الأمنية التى تبنتها الحكومة لمحاربة التنظيم فى المرحلة المقبلة؟

محفزات المكافحة

تجزئة بقايا تنظيم داعش إلى خلايا صغيرة: ساعد تواجد الخلايا الصغيرة للتنظيم على عدم قدرته على تنفيذ عمليات كبيرة إنما عمليات محدودة بالنسبة للعدد وللقدرات العملياتية، تعمل تلك الخلايا في الأماكن ما بين حدود إقليم كردستان وحدود محافظة كركوك ومحافظة ديالى، نظارً لكونها أماكن صحراوية مترامية الأطراف ويسهل الاختباء فيها، وهو ما يتضح من المنحنى التنازلى للنشاط العملياتى للتنظيم منذ مطلع هذا العام حيث تمكن التنظيم من شن 8 عمليات فقط الشهر الماضى ضد الجيش العراقى منهم عملية واحدة ضد الحشد العشائرى تلك العمليات أسفرت عن سقوط 5 ضحايا وإصابة 16 شخص، مما يمثل انخفاض المنحنى إلى النصف تقريباً مقارنة لمعدل النشاط العملياتى فى شهر أبريل بواقع 16 عملية.

عدم قدرة التنظيم على المواجهة العسكرية: يعتمد تنظيم داعش فى العراق على استراتيجية القتال من أجل التواجد بمعنى أخر القيام بعمليات الكر والفر واستغلال الفرص والثغرات الأمنية لإثبات وجود التنظيم واستعراض القوة فى مواجهة الضغوط الأمنية المفروضة عليه خاصة من جانب الحكومة العراقية والقوات العسكرية المشاركة في مكافحة الإرهاب، ومحاولات تجفيف منابع وبؤر داعش في بعض مناطق البلاد، الامر الذى يعكس النمط الدفاعى فى العمليات الإرهابية دون تحقيق أهداف ميدانية للتنظيم.

الاعتماد على العمل الاستخباراتى فى المكافحة: تلجأ قوات المكافحة العراقية إلى تغيير التكتيكات والاستراتيجية المتبعة فى عمليات مناهضة وجود التنظيم حيث كثفت الدور الاستخباراتى وتبادل المعلومات حول العناصر الإرهابية المتواجدة فى الأماكن المختلفة فى الداخل العراقى وفقا لمديرية الاستخبارات العسكرية بالتنسيق مع خلية الاستهداف التابعة لقيادة العمليات المشتركة وذلك بجانب العمليات الأمنية التقليدية مع استمرارية التعاون الاستخباراتي واللوجيستي مع قوات التحالف الدولي لمكافحة داعش، الأمر الذى يساعد على تتبع تحركاتهم والمساهمة فى مواجهتهم  وطريقة التعامل معهم، ومداهمة أفراد التنظيم وخلاياه الصغيرة النائمة.

توالى مخطط الحرب على الإرهاب: تستكمل الحكومة العراقية اتباعها لاستراتيجية مشددة للإطاحة بالعناصر الداعشية فى العراق، وتحاول جاهدة تطوير امكانيات وقدرات قوات الأمن العراقية الأمنية والجوية من أجل القيام بعمليات نوعية ضد التنظيم، فضلاً عن تنفيذها لعمليات استباقية لملاحقة تلك الخلايا الإرهابية مثل الضربات الجوية الاستباقية التى شنتها قوات الأمن العراقية فى مطلع الشهر الماضى ضد فلول تنظيم داعش الإرهابي في محافظة كركوك شمالي البلاد لإحباط عملياته المحتملة التى تزامنت مع بيعة الزعيم الجديد للتنظيم وما يليه من محاولات استعراض القوة.

الدعم الخارجى: تساعد قوات التحالف الدولي لمكافحة داعش الحكومة العراقية فى تتبع العناصر الإرهابية والقضاء عليها، حيث أصدرت قيادة قوات التحالف المركزية هذا الشهر بيان يتضمن عدد العمليات التى ساندت فيها القوات الأمريكية بالمشاركة مع قوات التحالف الدولى لقوات العراق والتى بلغت وفقاً للبيان 28 عملية أسفرت عن مقتل 6 عناصر من التنظيم واعتقال 18 آخرين. كما صرح الجنرال (ايريك كوريلا) قائد القيادة المركزية قائلاً “شراكتنا مع القوات الامنية العراقية وكذلك مع حلفائنا من القوات الديمقراطية السورية الكردية، مستمرة في تركيزها على الحاق الهزيمة بتنظيم داعش ومواجهة التهديد الذي يشكله. وبالتضامن مع شركائنا نبقى على تعهدنا بمواصلة ملاحقة تنظيم داعش من اجل توفير الامن لكل من العراق وسوريا”.

مكاسب ميدانية

تمكنت قوات الجيش العراقى وأجهزة مكافحة الإرهاب من تحقيق نتائج وانتصارات ضد بقايا التنظيم فى سبيل تعزيز الاستقرار والأمن في البلاد، والتضييق على التنظيم فى مساحة العمل التى ينشط فيها وهو ما يظهر فى العمليات النوعية التى أطلقتها القوات العراقية فى الفترة الأخيرة كما يلى:

  • مطلع شهر أغسطس: أعلنت خلية الإعلام الأمني في العراق عن قيان قوات جهاز مكافحة الإرهاب بسلسلة من العمليات فى مناطق مختلفة فى محافظتي كركوك والأنبار أدت إلى اعتقال 8 عناصر إرهابية.
  • يومى 6 و7 أغسطس: قامت قوات الأمن العراقية باعتقال عنصرين من تنظيم داعش فى محافظة كركوك، فضلاً عن تنفيذ ضربات جوية عبر مقاتلات “أف 16” لاستهداف عناصر من التنظيم فى مناطق بمحافظة صلاح الدين، وقد أسفرت تلك العملية عند قتل العديد من العناصر والاستيلاء على وثائق ومعدات مهمة خاصة بتلك العناصر الإرهابية.
  • يوم 13 أغسطس: أعلنت الاستخبارات العسكرية العراقية بالتنسيق مع خلية الاستهداف التابعة لقيادة العمليات المشتركة تنفيذ ضربة جوية ثانية عبر المقاتلات العراقية استهدفت مسلحي تنظيم داعش وتدمير وكر للتنظيم في وادي زغيتون بمحافظة كركوك.
  • مطلع شهر سبتمبر: تمكنت قيادة العمليات المشتركة العراقية من تدمير أوكار النقل للإرهابيين وإلقاء القبض على عدد منهم في عملية أمنية استباقية في محافظة الأنبار وبغداد وكربلاء
  • يوم 4 سبتمبر: قيام جهاز مكافحة الإرهاب العراقى بالقبض على 4 إرهابين في محافظة كركوك ومنطقتي بازيان وجمجمال بمحافظة السليمانية، من ضمنهم قيادي إرهابي يشغل منصب خبير متفجرات في الجانب الشمالي لداعش.
  • يوم 5 سبتمبر: استطاعت مديرية الاستخبارات العسكرية وبالتعاون مع استخبارات وقوة من اللواء الأربعين فى الجيش العراقى باعتقال 6 إرهابين في محافظة الأنبار الواقعة غرب البلاد.
  • يوم 9 سبتمبر: أعلنت وكالة الاستخبارات العراقية اعتقال 4 إرهابيين في محافظة نينوى شمال البلاد ينتمون لخلايا داعش الإرهابية ضمن ما يسمى بـ ” فرقة اليمامة” و”ديوان الجند” و”ولاية دجلة”و”المعسكرات العامة”، فضلاً عن إلقاء القبض على أحد عناصر داعش المسؤول عن تجنيد وتدريب ما يسمى الذئاب المنفردة وصناعة المتفجرات والاحزمة الناسفة.
  • يوم 12 سبتمبر: أعلنت شرطة محافظة ميسان العراقية عن اعتقال 6 إرهابين مطلوبين وفق احكام المادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب. بعد أن ارتكابهم لجريمة الدكة العشائرية.
  • يوم 14 سبتمبر: أفادت مديرية الاستخبارات العسكرية اعتقال 7 عناصر من تنظيم داعش في عبر نصب كمائن محكمة لهؤلاء العناصر في مناطق مختلفة فى محافظتي الأنبار ونينوى.

مبادرات المكافحة

فى ظل استمرارية التنظيم بين الحين والآخر باستهداف عناصر من قوات الجيش والشرطة على حد سواء عبر كمائن وهجمات مسلحة، سعى الجانب العراقى مؤخراً بالتزامن مع  تطوير قوات الجيش العراقى والاستعانة بتكتيكات قتالية غير تقليدية إلى اتخاذ عدد من المبادرات والقرارات الداعمة لمحاربة الإرهاب ومن أهم تلك الاتجاهات ما يلى:

تأمين الحدود العراقية/السورية:

 ذلك عبر وجود قوات الحدود العراقية نظراً لأن مناطق شمال شرق سوريا مازالت خاضعة لسيطرة تنظيم داعش ووجود مخيمى الهول والروج الذى يحوى على ألاف النازحين وعوائل تنظيم داعش، فضلاً عن وجود سجن الحسكة على بعد 10 كم من الحدود العراقية ذلك السجن الذى يضم العديد من عناصر التنظيم الأمر الذى يمثل تهديد على الداخل العراقى خاصة فى ظل احتمالات تحرر بعض تلك العناصر من السجن.

نشر قوات تابعة لقوات حرس الحدود:

أعلنت قيادة العمليات العراقية المشتركة  عن نشر “لواء مشاة” إلى جانب عدة أفواج تابعة لقوات حرس الحدود ضمن المنطقة الثانية المحاذية للحدود العراقية السورية، تلك المنطقة التى تشهد عدة تطورات واضطرابات تمثل تحدى أمنى للعراق، وانتشرت تلك القوات فى المناطق المحاذية للباغوز والهري والهول وتل جابر ضمن دير الزور والحسكة، والتي تقابلها من الجانب العراقي مناطق القائم وحصيبة الغربية والبعاج وفيشخابور ضمن محافظتي الأنبار ونينوى، من أجل ضمان أمن الشريط الحدودي لمدخل الدولة العراقية.

تغيير قيادة العمليات الخاصة لجهاز مكافحة الإرهاب:

أصدرت السلطات العراقية قراراً بتكليف اللواء الركن (هادي سرهيد الكناني) قائداً لقيادة العمليات الخاصة الثانية جهاز مكافحة الإرهاب، خلفاً للواء الركن (حيدر العبيدي) تلك القيادة التى يقع تحت مسؤوليتها المحافظات الشمالية التى توجه إليها جهاز المكافحة فى الفترة الأخيرة العديد من الضربات ضد عناصر وأوكار التنظيم ومن أهمهم محافظة كركوك ونينوى وصلاح الدين.

اتفاقية نزع السلاح بين العراق وإيران:

توصلت إيران والعراق إلى اتفاق يتم بموجبه نزع السلاح من المسلحين الانفصاليين والجماعات الإرهابية فى إقليم كردستان العراق وإغلاق مقارها العسكرية وذلك قبل 19 سبتمبر، جاء الاتفاق فى سياق اتهام ايران لإقليم كردستان الذى يتمتع بحكم ذاتى فى شمال العراق بإيواء جماعات إرهابية متورطة فى شن هجمات ضد الدولة الإيرانية. وحذر (ناصر كعنانى) المتحدث باسم الخارجية الإيرانية قائلاً “إذا لم ينفذ الاتفاق في موعده، فسنقوم بمسؤولياتنا تجاه الجماعات الإرهابية في كردستان العراق “.

محددات الدور الأمريكى

شهد شهر أغسطس الماضى تحركات واسعة للقوات الأميريكة فى العراق جاءت ضمن عمليات تبادل القوات المنتشرة فى البلاد التى تقدر ب 2500 جندى أميريكى وقد أثارت تلك التحركات تحفظ بعض الأطراف السياسية والفصائل المسلحة، والتى جاءات مع تصريح رئيس الوزراء العراقى (محمد شياع السودانى) بأن العراق مع تصاعد وتيرة العمليات العسكرية وتطور دور القوات الأمنية فى محاربة الإرهاب ليست بحاجة إلى قوات خارجية إنما يقتصر احتياجها على التعاون الاستخباراتى والأمنى.

ووفقاً لهذا أجرى وزير الدفاع العراقى (ثابت العباسى) مباحثات مع نظيره الأميريكى (لويد أوستن) فى واشنطن تناول فى إطارها التعاون الأمني المشترك بين الدولتين وتعزيز الشراكة الامنية بينهم وفقا للحوار الاستراتيجي الذي جرى  بين الطرفين فى عام 2021 الذي يؤكد على الالتزام باتفاقية الاطار الاستراتيجي الموقعة في عام 2008 وانتقال دور القوات الأميريكية الى مهام التدريب وتقديم المشورة وتبادل المعلومات الأمنية والاستخباراتية.

مما سبق؛ تجدر الإشارة إلى تراجع حجم التهديد الذى يمثله التنظيم الداعشى فى العراق جاء نتيجة اختلاف القدرات البشرية والمادية للتنظيم فبقايا العناصر الداعشية بعد تعرضها للهزيمة العسكرية فى عام 2017 لم تعد بحجم التنظيم سابقاً كذلك تراجع القدرات التمويلية وغياب الحواضن الاجتماعية، من ناحية أخرى أسهم التوجه العراقى بالقضاء على تنظيم داعش ودحر تواجده فى الدولة العراقية عبر توالى الضربات على فلول داعش مع تطور أداء القوات العراقية وقوات أجهزة مكافحة الإرهاب فى انخفاض معدل تهديد العناصر الإرهابية كذلك عملياته الدموية لكن دون الانتصار الكامل فى القضاء على الخطر الإرهابى.

كلمات مفتاحية