التحول إلى سياسة الاغتيالات… لماذا تحاول إسرائيل تصدير الحرب لدول جوارها؟

إعداد: شيماء عبد الحميد

تزداد الأمور تعقيدًا في الشرق الأوسط؛ نظرًا لارتفاع احتمالية توسع رقعة الحرب إلى خارج قطاع غزة، ودخول أطراف جديدة في المشهد الإقليمي وعلى رأسها الفاعلين من غير الدول، فضلًا عن التعنت الإسرائيلي ومجازفة حكومة بنيامين نتنياهو بتصدير الحرب إلى خارجها؛ حيث في ظل فشل إسرائيل وعدم قدرتها على حسم الحرب لصالحها، وعدم تمكنها من تحقيق أهدافها سواء القضاء على حركة حماس وبنيتها التحتية أو تحرير الأسرى، غيرت تل أبيب استراتيجية حربها بالتحول إلى سياسة الاغتيالات التي تستهدف كبار قادة حماس في الخارج، وقادة حزب الله والحرس الثوري الإيراني في لبنان وسوريا؛ نظرًا لخطورة تلك الجبهتين على الأمن القومي الإسرائيلي. ولا شك أن هذه السياسة كما لها دوافعها ومبرراتها لدى تل أبيب، فإنه أيضًا لها تداعياتها التي قد تمس أمن الشرق الأوسط أجمع.

سياسة الاغتيالات وإطلاق عملية “نيلي”:

انتقلت إسرائيل خلال الأيام الماضية إلى ممارسة سياسة ضغط جديدة تستهدف بها هيكل القيادة داخل حركة حماس، وذلك في إطار عملية “نيلي” التي أُطلقت تنفيذًا لإعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 22 نوفمبر 2023، بأنه أمر الموساد بالعمل ضد قادة حماس بالخارج، وهو ما أُعيد تأكيده في تسجيل مسرب عن رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي رونين بار في أوائل ديسمبر الماضي، وهو يتعهد للبرلمانيين الإسرائيليين باغتيال قادة حماس في غزة والضفة الغربية ولبنان وتركيا وقطر.

ووفقًا لعملية “نيلي”؛ هناك أسماء ثمانية قادة من حركة حماس داخل القطاع وخارجه، وضعتهم تل أبيب على لائحة الاغتيال، ووجهت جهاز الاستخبارات “الموساد” لتنفيذ مهام خاصة للقضاء عليهم، وبالفعل بدأت إسرائيل تطبيق هذه الاستراتيجية من خلال استهداف عدد من مسؤولي الحركة، إلى جانب مسؤولين كبار في حزب الله والحرس الثوري الإيراني:

1- اغتيال مستشار الحرس الثوري الإيراني رضا موسوي؛ نفذت إسرائيل يوم 25 ديسمبر 2023، غارة جوية على سوريا استهدفت محيط العاصمة دمشق، مما أدى إلى مقتل رضا موسوي الذي يُعتبر أحد كبار قادة الحرس الثوري في سوريا وأقدمهم، كما إنه كان المسؤول عن تنسيق التحالف العسكري بين سوريا وإيران، ودعم محور المقاومة في دمشق.

وتعود أهمية هذه العملية إلى رمزية ومكانة موسوي؛ حيث إنه يُعد ثاني أعلى رتبة عسكرية يُقتل خارج البلاد بعد قاسم سليماني الذي قُتل في غارة أمريكية قرب مطار بغداد الدولي مطلع عام 2020، كما أنه عمل على إمداد الوكلاء والجماعات الإيرانية النشطة في سوريا باللوجستيات اللازمة، وكان يدير الفرع 108 والفرع 109؛ إذ يختص الفرع 108 بنقل الأسلحة من إيران إلى سوريا، بينما الفرع 109 يختص بعملية نقل الأسلحة من سوريا إلى حزب الله في لبنان.

وردًا على اغتيال موسوي؛ أعلن الحرس الثوري الإيراني في بيان أن تل أبيب ستدفع ثمن هذه الجريمة، فيما أعلنت وزارة الدفاع الإيرانية أن الرد على هذه الجريمة سيكون صارمًا ومؤثرًا، وفي الوقت والمكان المناسبين، وبالطريقة التي تراها طهران ملائمة.

2- اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري؛ نفذت إسرائيل يوم 2 يناير الجاري، غارة جوية بطائرات مسيرة استهدفت مكتبًا تابعًا لحماس في الضاحية الجنوبية لبيروت، مما أدى إلى مقتل نائب رئيس الحركة صالح العاروري، واثنين من قادتها في لبنان، والقيادان في كتائب عز الدين القسام؛ الجناح العسكري لحماس، سمير فندي أبو عامر وعزام الأقرع أبو عمار، فضلًا عن إصابة 11 آخرين. وجدير بالذكر أن هذه العملية هي أول عملية اغتيال داخل بيروت منذ حرب 2006.

وترجع أهمية الحدث في الرمزية التي يتمتع بها العاروري؛ حيث لعب دور كبير في تأسيس كتائب القسام، وبالتالي من المرجح أنه كان على علم مسبق بتفاصيل هجوم 7 أكتوبر 2023، كما كان حليفًا مقربًا من رئيس الحركة إسماعيل هنية، ويُعتبر حلقة وصل محورية بين الحركة وكل من حزب الله وإيران.

3- اغتيال حسن عكاشة؛ أعلن الجيش الإسرائيلي يوم 8 يناير الجاري، تصفية مسؤول عمليات إطلاق القذائف الصاروخية لحماس من داخل الأراضي السورية حسن عكاشة، في بلدة بيت جن بجنوب سوريا، دون توضيح أي معلومات بشأن كيفية تنفيذ العملية.

4- اغتيال القيادي البارز في حزب الله وسام الطويل؛ نفذت تل أبيب غارة إسرائيلية بالطائرات المسيرة استهدفت سيارة القيادي وسام الطويل في بلدة خربة سلم الواقعة على بُعد حوالي 11 كيلومترًا من الحدود مع لبنان، مبررة ذلك بأنه كان المسؤول عن عشرات الهجمات بالطائرات المسيرة عليها منذ بدء الحرب.

ويمثل اغتيال الطويل رمزية عسكرية مهمة؛ حيث أنه كان يتولى مسؤولية قيادية في إدارة عمليات حزب الله في الجنوب، كما يُعد القيادي الأعلى رتبة في حزب الله الذي تستهدفه إسرائيل منذ بدء التصعيد على الحدود بين البلدين، فضلًا عن أنه كان يتولى منصب نائب رئيس وحدة ضمن فرقة الرضوان، وهي من قوات النخبة التابعة لحزب الله، والتي تُعرف بقدراتها العسكرية المتقدمة.

5- اغتيال مسؤول استخبارات الحرس الثوري ونائبه في سوريا؛ نفذت إسرائيل اليوم 20 يناير، غارة جوية على العاصمة السورية دمشق، استهدفت مبنى متعدد الطوابق تابع للحرس الثوري الإيراني في حي المزة بدمشق، والذي يُعرف بكونه حي أمني يضم قيادات من الحرس الثوري وقيادات فلسطينية مقربة من إيران، وقد أدى الهجوم إلى مقتل خمسة ضباط من كبار العسكريين الإيرانيين؛ أبرزهم مسؤول الاستخبارات في فيلق القدس بسوريا ونائبه.

دوافع إسرائيلية عدة:

لقد تخلت إسرائيل عن الحذر في ضرباتها ضد حزب االله في الجنوب اللبناني والمليشيات الإيرانية في سوريا؛ حيث تحولت من استهداف بعض مخازن الأسلحة وأماكن التمركز إلى استهداف كبار القادة والمسؤولين، ولا شك أن هذا التغير في الاستراتيجية العسكرية لتل أبيب في حربها ضد ما يُسمى محور المقاومة، يأتي مدفوعًا بعدد من الأهداف والمبررات؛ من بينها:

1- الهروب من الضغط الداخلي من خلال تصدير الحرب للخارج؛ حيث تزايدت في الآونة الأخيرة الانتقادات لعمل حزب الليكود، والخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية التي يرأسها بنيامين نتنياهو، وبدأت تتعالى الأصوات التي تطالبه بالتنحي؛ إذ صرح رئيس حزب “إسرائيل بيتنا” أفيغدور ليبرمان بأن الحكومة الإسرائيلية الحالية لم تعد قادرة على قيادة الشعب، مؤكدًا على ضرورة تشكيل حكومة جديدة، فيما تطرق الإعلام الإسرائيلي مرارًا إلى خلافات مستمرة بين غالانت ونتنياهو، تتعلق بكيفية إدارة الحرب على قطاع غزة وما بعد الحرب.

وفي السياق ذاته؛ أعلن زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد، يوم 8 يناير الجاري، استعداد حزبه “هناك مستقبل”، للتصويت لصالح تغيير الحكومة لتصبح برئاسة يولي أدلشتين من حزب الليكود أو بيني غانتس أو غادي آيزنكوت وكلاهما من حزب الوحدة الوطنية المعارض، كما دعا لبيد وزراء حزب المعسكر في حكومة الطوارئ، إلى الانسحاب من حكومة نتنياهو باعتبارها حكومة إنقاذ لنتنياهو وليس لإسرائيل، ولا يُغفل في ذلك وجود احتجاجات داخلية من قبل أهالي الأسرى، مما يدفع إلى مزيد من التأزم والضغط على نتنياهو.

وفي ضوء هذه الأزمة التي يعاني منها نتنياهو، يحاول الهروب من الهزيمة الداخلية عبر تنفيذ عمليات اغتيال بالخارج، لتحقيق عدد من الأهداف:

  • تسجيل انتصار معنوي وهمي، يعوض عن الإخفاق والفشل في تحقيق ضربات موجعة ضد حماس وكتائب القسام في القطاع، ويغطي على هزائم تل أبيب المتتالية في غزة.
  • إطالة أمد الصراع من خلال استدعاء إيران وحزب الله للدخول في الحرب والرد على الاستهدافات الإسرائيلية، وهو ما يوفر فرصة لبقاء نتنياهو في المشهد السياسي أطول وقت ممكن، ومن ثم تجنب السجن بتهم الفساد التي تلاحقه.
  • طمأنة الشعب الإسرائيلي الذي فقد الثقة في قدرة أجهزة الأمن الإسرائيلية والحكومة على حمايته وحفظ سلامته، خاصةً بعد الفشل الاستخباراتي الذي مثله هجوم السابع من أكتوبر.

2- إحراج حزب الله واختبار مبدأ وحدة الساحات؛ حاول حزب الله أن يحصر مشاركته في الحرب على استهداف الأراضي اللبنانية المحتلة مع الحفاظ على قواعد الاشتباك مع إسرائيل، وخوض حرب كلامية ضد تل أبيب من خلال التوعد بأن أي اعتداء على أي من القادة في لبنان سيُواجه بردًا فوريًا وقويًا.

ولكن تغيير إسرائيل قواعد الاشتباك مع الحزب، واغتيال العاروري في قلب معقل حزب الله ببيروت، يُعد إذلالًا واختبارًا كبيرًا للحزب ومصداقيته، خاصةً وأن هذا الاغتيال يرسل رسالة إسرائيلية مفادها أن لا مأمن لقيادات حماس في لبنان الآن نظرًا لحجم الاختراق الاستخباراتي للحزب وقدرة إسرائيل على توجيه ضربات نوعية داخل العمق اللبناني، وهذا يحرج حزب الله ويضع على أمينه العام حسن نصر الله مزيد من الضغوط؛ لأنه يدرك أن الرد على تل أبيب بنفس قوة الضربة التي تلاقاها باغتيال العاروري، تعني الدخول في حرب مباشرة مع إسرائيل، وهو خيار سيكلف الحزب كثيرًا.

وبالتالي؛ يحتاج حزب الله تعزيز مصداقيته سواء فيما يخص قدرته على الردع أو وحدة ساحات محور المقاومة، ولكن بشكل لا يخرق قواعد الاشتباك مع إسرائيل، وبما يحافظ على الحد الأدنى من الاستقرار الداخلي في لبنان، ويحول دون تطور الأوضاع نحو حرب شاملة، لأن الحزب يدرك أن اصطدامه بإسرائيل، سيتبعه تدخلًا أمريكيًا يؤدي إلى تدمير لبنان وتقويض قدرات الحزب.

3- استدعاء الخطر الإيراني وشيطنتها من جديد؛ اكتسبت إيران وأذرعها في المنطقة، شرعية لتحركاتها التي بدت وكأنها الداعم المؤثر لنصرة القضية الفلسطينية، كما دفعت الحرب على غزة التقارب العربي الإيراني من خلال الاتصالات واللقاءات المكثفة التي جاءت بغرض تنسيق المواقف بشأن الحرب ومنع توسع الصراع، فضلًا عن أن الحرب الحالية جاءت لتؤكد أن تل أبيب لا زالت العدو الأول للعرب وليس إيران التي باتت مقبولة على المستوى الشعبي على حساب إسرائيل.

ومن ثم؛ تحركت إسرائيل ضد الوجود الإيراني في سوريا من خلال تكثيف الهجمات على أهداف تابعة للحرس الثوري الإيراني، وصعدت من الأمر باغتيال رضا موسوي، وذلك بغرض وضع طهران بين خيارين كلاهما مر؛ حيث:

  • إذا استجابت إيران للمحاولات الإسرائيلية باستدراجها إلى الحرب في غزة؛ فإنها ستعطي عذر لتل أبيب من أجل استمرار حربها على القطاع، وإعطاء الولايات المتحدة فرصة للدخول بشكل مباشر في الحرب واستهداف إيران مما يؤدي إلى نشوب حرب إقليمية واسعة سيكون الجميع فيها خاسر، فضلًا عن أن دخول طهران الحرب سيعيد لإسرائيل الدعم الدولي الذي فقدته، كما من شأنه أن يعيد إحياء فكرة شيطنة إيران وبالتالي عرقلة أي احتمالية للتقارب العربي الإيراني، مع الإضرار بالاتفاق السعودي الإيراني.
  • أما إذا لم تستجب طهران للاستفزاز الإسرائيلي، فإنها ستفقد مصداقيتها أمام محور المقاومة الذي تترأسه، وسيعكس حالة من الضعف الإيراني أمام الردع الإسرائيلي والأمريكي في المنطقة.

4- تأمين حدود إسرائيل مع سوريا؛ بعد انشغال روسيا بحربها مع أوكرانيا، عملت إيران على ملء الفراغ الروسي من خلال كسب المزيد من النفوذ العسكري والسياسي داخل سوريا، ولذلك وسعت الجماعات الموالية لإيران من انتشارها شرق البلاد، فيما ترى إسرائيل أن تزايد النفوذ الإيراني في سوريا، مع ازدياد حضور عناصر الحرس الثوري والجماعات المدعومة أيضًا، يمثل خطرًا وتهديدًا كبيرًا على أمنها القومي.

ولهذا كثفت تل أبيب هجماتها على التمركز الإيراني في سوريا، واستهدفت القادة الكبار في الحرس الثوري مثل رضا موسوي الذي كان المسئول عن التنسيق بين الجماعات الوكيلة وإمدادها باللوجستيات، على أمل أن يؤثر هذا على قوة النفوذ الإيراني على الأراضي السورية، والذي سينعكس إيجابيًا على الأمن الإسرائيلي.

التداعيات وسيناريوهات الرد:

لا شك أن هذا التصعيد الإسرائيلي سواء على الجبهة اللبنانية أو السورية، يضع المنطقة على حافة مواجهات عسكرية خطيرة بين إيران وحزب الله من جهة وإسرائيل والولايات المتحدة من جهة أخرى، والتي من شأنها أن تمهد إلى تداعيات أمنية خطيرة تمس دول الشرق الأوسط كافة، وبالطبع هذا سيتوقف على رد أطراف محور المقاومة على الضربات الإسرائيلية المؤثرة في الآونة الأخيرة، ومن التبعات المحتملة:

1- التصعيد وتحول الحرب إلى حرب محاور بين إسرائيل ومحور المقاومة؛ تثير التوترات بين إسرائيل وإيران مخاوف من اشتداد التصعيد وتوسع رقعة الصراع وخروج الأمور عن السيطرة، خاصةً مع تهديد طهران وحزب الله بأن اغتيال موسوي والعاروري لن يمرا بدون رد، وقد يأخذ هذا الرد أشكال عديدة، منها:

  • اتساع رقعة الاشتباكات على مستوى الحدود بين إسرائيل ولبنان، والتي تشهد تبادلًا شبه يومي للقصف بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، مما يثير مخاوف أن تتدهور الأوضاع في هذه الجبهة بشكل به كثير من الفوضى، ويُستدل على ذلك من أن الرد الأولي من الحزب على اغتيال العاروري، تمثل في قصف قاعدة ميرون الجوية الإسرائيلية باعتبارها القاعدة العسكرية الأهم في هذه المنطقة، بـ62 صاروخًا.
  • زيادة وتيرة الهجمات الحوثية ضد السفن الإسرائيلية في المياه الدولية بالبحر الأحمر، حيث بات لدى إيران مؤخرًا حضورًا أكثر اتساعًا في هذه المنطقة، أو على الداخل الإسرائيلي نفسه من خلال مهاجمة ميناء إيلات الإسرائيلي، خاصةً بعد أن بدا أن هذه النوعية من الهجمات مؤثرة على مصالح إسرائيل.
  • ارتفاع منسوب المواجهة على الساحة السورية، فقد يشهد الميدان السوري خلال الأيام المقبلة مزيدًا من التوترات العسكرية بين إيران وإسرائيل، حيث قد يرفع الوكلاء الموالون لإيران في سوريا من مستوى تصعيدهم مع إسرائيل ليقوموا بإطلاق هجمات واستهداف إسرائيل من الجنوب السوري، وهو ما لا يُتوقع أن تصمت أمامه إسرائيل، بل يُرجح أن تقوم تل أبيب بتكثيف هجماتها ضد المواقع الإيرانية في سوريا.
  • استهداف الإسرائيليين في الخارج، ويُعد هذا السيناريو محتملًا بشدة حيث لجأت إليه إيران أكثر من مرة خلال الأعوام القليلة الماضية في إطار توسع دائرة الاشتباك مع إسرائيل.

2- توقف المحادثات بشأن صفقة جديدة لتبادل الأسرى؛ حيث جاءت الاغتيالات الإسرائيلية في وقت كان يدور فيه الحديث عن وساطة مصرية قطرية بشأن عقد اتفاق جديد لتبادل الأسرى بين حماس وإسرائيل في مقابل وقف كامل لإطلاق النار، وفي أول رد فعل على اغتيال العاروري، أعلنت الحركة تجميد المحادثات بشأن إتمام الاتفاق، فيما اكتفى الوسطاء بإعلان التوصل لاتفاق بشأن إدخال الأدوية إلى الأسرى الإسرائيليين مقابل دخول بعض المساعدات إلى غزة.

3- عودة الجدل بشأن مصير قادة حماس في قطر وتركيا؛ عقب اغتيال صالح العاروري بالضاحية الجنوبية في بيروت، وتوجيه نتنياهو أمر إلى الموساد بتصفية قادة حماس سواء في الداخل أو الخارج، عادت إلى الواجهة إشكالية الضغوط الأمنية التي تواجهها الدول التي تتمركز فيها قيادة حماس الحالية؛ وخاصةً قطر وتركيا، وإلى أي مدى يمكن لهذه الدول أن تتحمل هذه الضغوط كونها أصبحت وجهات محتملة للهجمات الإسرائيلية، وما يزيد الأمر صعوبة على هذه الدول؛ أن الاغتيالات اعتمدت سابقًا على العنصر البشري والذي يمكن مواجهته بتشديد الإجراءات الأمنية، أما الشكل الجديد من الاستهداف؛ يعتمد على استخدام الطائرات المسيرة مما يضع تحديًا جديدًا حول طرق تأمين قادة حماس ويصعب مسؤولية تأمينهم.

وفي هذا الشأن؛ حذر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، من استهداف قادة حماس في بلاده مؤكدًا أن إسرائيل إذا أقدمت على هذه الخطوة، ستدفع الثمن كبيرًا، فيما حذرت الاستخبارات التركية من العواقب الوخيمة لهذا الأمر. وقد أخذت أنقرة إجراء تحذيري للرد على التهديدات الإسرائيلية؛ إذ اعتقلت قوات الأمن التركية يوم 2 يناير الجاري، 33 شخصًا للاشتباه في ضلوعهم بأنشطة تجسس لحساب الموساد.

أما فيما يخص قيام إسرائيل باستهداف قادة حماس داخل قطر، فأنه أمر لا يزال بعيد المنال؛ نظرًا لحرص تل أبيب على عدم تعكير صفو العلاقات مع الدوحة، وخسارة دورها كوسيط في أي مفاوضات مع حماس بشأن الأسرى.

4- زيادة الخلافات بين نتنياهو وإدارة بايدن؛ ففي الوقت الذي تحاول فيه الإدارة الأمريكية احتواء الأزمة بأقصى شكل ممكن، وعدم توسع الصراع في المنطقة بدرجة تدفع نحو حرب إقليمية شاملة، يحاول نتنياهو تصدير الحرب للخارج وإطالة أمدها لخدمة أغراض سياسية وشخصية، وهذا من شأنه أن يزيد من التباين في المواقف بين الدولتين بشأن الحرب ومستقبل القطاع، وقد بات هذا التباين واضح في التصريحات الأمريكية والإسرائيلية الأخيرة.

استنتاجات ختامية:

– يبدو أن إسرائيل قررت تبني سياسة جديدة لإدارة الحرب خلال المرحلة القادمة، تتمثل في إعادة النظر بشأن القصف العشوائي على القطاع واستمرار العمليات البرية في غزة، في مقابل توجيه ضربات محددة ومؤثرة لحركة حماس من خلال اغتيال قادتها في الخارج، خاصةً في ظل فشلها في حسم الأمر عسكريًا حتى الآن، أملًا منها أن تواصل الضغط على الفصائل الفلسطينية، وتعزيز موقفها التفاوضي في حال لجأت إلى استئناف مسار التفاوض مع الحركة بشأن الأسرى.

– استراتيجية الاغتيالات لا تحل أي شيء، ولا تمثل بالضرورة رادعًا؛ فمنذ ظهور حركة حماس، استهدفت إسرائيل شخصيات رئيسية داخل الحركة في مسعى منها لإضعاف قوتها، ولكن في كل مرة استطاعت حماس مواجهة التحديات المستمرة والتغلب عليها، إذ كانت العقول المدبرة لهجوم السابع من أكتوبر، جيلًا جديدًا من زعماء حماس الذين وصلوا إلى السلطة في أعقاب اغتيال إسرائيل لكبار قادتها قبل سنوات.

– ستبقى المواجهات والجبهات تحت وتيرة تصعيد منضبط ومحدودة، خاصةً في الجبهة الشمالية، لأن حزب الله يدرك أن أوضاعه الحالية وخاصةً الوضع الداخلي اللبناني، لا يسمح له بأن يصعد أمام إسرائيل التي تحظى بدعم أمريكي مطلق، ومن ثم سيكتفي بتنفيذ بعض الهجمات التي لا تخرق قواعد الاشتباك مع تل أبيب، وذلك بغرض حفظ ماء الوجه وتأكيد قدرته على الردع الإسرائيلي بعدما وصلت تل أبيب حتى عقر داره في بيروت.

– ستتمسك إيران بسياسة الصبر الاستراتيجي أمام الاستفزازات الإسرائيلية؛ وذلك لعدة أسباب، منها: عدم رغبة طهران التصعيد ضد الغرب والولايات المتحدة آملًا أن يفوز بايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة مما يعيد آمال إحياء الاتفاق النووي الإيراني، الحفاظ على ما حققته إيران من بعض التفاهمات الجزئية مع واشنطن مثل الاتفاق الذي تم في سبتمبر 2023، والذي بموجبه استطاعت طهران الحصول على جزء من أموالها المجمدة لدى كوريا الجنوبية، فضلًا عن عدم رغبة إيران بإعطاء الفرصة لإسرائيل بشيطنتها من جديد وإظهارها بمظهر الدولة المسببة للفوضى وعدم الاستقرار في الشرق الأوسط، وذلك من أجل الحفاظ على ما حققته في مسار تقاربها مع محيطها العربي. وبالتالي ستكتفي طهران ببعض المناوشات مع تل أبيب سواء في سوريا أو لبنان، فيما ستعتمد بشكل أساسي على دعم هجمات جماعة الحوثي على المصالح الإسرائيلية في البحر الأحمر، نظرًا لحيوية هذه الورقة ضد إسرائيل، ولأن الحوثي غير محسوبة سياسيًا على محور المقاومة الإيراني مثل حزب الله.

– ما تقوم به إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط هو تصعيد عسكري غير محسوب تتحمل تداعياته الولايات المتحدة والدول الأوروبية الداعمة للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، وهو ما يهدد أمن واستقرار هذه الدول، وسيكون لذلك ارتدادات عكسية من خلال وضع بعض الأطراف الإقليمية، كافة الدول الداعمة لإسرائيل في دائرة الاستهداف المباشر داخليًا وخارجيًا.

كلمات مفتاحية