التدافع الجديد من أجل أفريقيا.. ماذا عن تنامي الدور الإماراتي حول عقد صفقات الكربون في القارة؟

إعداد: عنان عبد الناصر

باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية

بينما يتجه العالم نحو مواجهة أزمات المناخ، بدأت أسواق الكربون تساهم في الجهود المبذولة؛ لاحتواء انبعاثات غازات الاحتباس الحراري على الصعيد العالمي، فقد تسارعت الاتجاهات الدولية نحو إنشاء سوقٍ قويٍّ وموثوقٍ من أسواق الكربون والاتجار بها، هناك احتمالات لأن يمثل ذلك فرصة تحوُّليّة لدول القارة الأفريقية؛ نظرًا لامتلاكها الكثير من أرصدة الكربون، والذي من شأنه أن يُسْهِمَ في تحقيق التنمية المستدامة التي تنشدها أفريقيا، وفي هذا الصدد، بذلت الإمارات العربية المتحدة عدة جهود؛ من أجل الترويج لنفسها كدولة رائدة في مجال أسواق الكربون داخل أفريقيا، فقد التزمت بملايين الدولارات؛ لإنتاج تعويضات الكربون في القارة، وشراء الأراضي من الحكومات الأفريقية، من خلال عقد الصفقات والمبادرات بين الشركات الإماراتية، العاملة في مجال الكربون، ودول القارة التي تمتلك أرصدةً هائلةً من ذلك المورد؛ ما يُوضِّحُ مدى اهتمام الإمارات العربية المتحدة في الاستحواذ على جزءٍ هامٍ من أرصدة الكربون الأفريقية.

ماهية أسواق الكربون وعلاقاتها بالاقتصاد الأخضر

إن المفهوم الأساسي لأرصدة الكربون يكْمُنُ في الأنشطة التي تعمل على تقليل انبعاثات الكربون في الغلاف الجوي، فهو بمثابة نظامٍ تجاريٍّ يُمكِّنُ الدول من شراء أو بيع وحدات من انبعاثات الاحتباس الحراري، في إطار الالتزام بالحدود الوطنية للانبعاثات، في ظل الاتفاقيات الدولية المُوقَّعة، ويُعْزَى اعتماد ذلك المصطلح، إلى حقيقة أن غاز ثاني أكسيد الكربون هو غاز الاحتباس الحراري السائد، ويتم قياس الانبعاثات من خلال وحدات تُسمَّى مكافئات ثاني أكسيد الكربون، وهي تمثل حاليًا الجزء الأكبر من تجارة الانبعاثات.

وتتجه الدول إلى بيع وشراء هذه الانبعاثات، وفقًا لحجم ما تمتلكه، فعلى سبيل المثال؛ تستطيع دولة لديها المزيد من انبعاثات الكربون، أن تشتري الحق في انبعاث المزيد، بينما تتجه الدول التي لديها انبعاثات أقل، الحق في بيع انبعاث الكربون إلى دول أخرى، وتعويض الدول عن تكاليف التحول عن استخدام الوقود الأحفوري، ومن هذا المنطلق، يمكن أن يكون سوق الكربون بمثابة آليةٍ لتوجيه استثمارات جديدة لطاقة آمنة ونظيفة داخل القارة الأفريقية؛ لتحقيق أهدافها؛ لخفض الاحتباس الحراري؛ فتحتاج أفريقيا إلى المزيد من الاستثمارات؛ من أجل تحقيق أمن الطاقة لديها.

وقد تمَّ تقديم فكرة أسواق الكربون إلى الدول الأفريقية؛ لاعتبارات أنها أقل مساهمة في التلوث البيئي، ونظرًا لما تعانيه الدول الأفريقية من تدنِّي مستويات التنمية، وتزايُد الاتجاه لاستغلال المزيد من الوقود في المستقبل؛ ما قد يعرض الكوكب للخطر، ومع اتجاه الدول الصناعية نحو زيادة حجم أنشطتها الصناعية، تمَّ تقديم فكرة أسواق الكربون وربطها بالتنمية، من خلال الاقتصاد الأخضر، وفي هذا الصدد، تمَّ تنفيذ عدة مشروعات، تحت شعار الاقتصاد الأخضر، ونجد منها ما يلي:

  • مبادرة منصة (sun culture ): هي عبارة عن منصة تكنولوجية أمريكية للأسواق الريفية الناشئة، تعمل على تزويد المزارعين بإمكانيات موثوقة، من خلال تكنولوجيا الطاقة الشمسية، فتسمح أنظمة الري بالطاقة الشمسية الخاصة بهم، في تمكين المزارعين داخل الأسواق الأفريقية، بالانتقال من مضخَّات البترول والديزل، التي ينبعث منها غاز ثاني أكسيد الكربون إلى مضخات تعمل من خلال الطاقة الشمسية للري[1]، وتتجه Sun Culture أيضًا، نحو تطوير أعمالها الخاصة، بائتمان الكربون لتقليل أسعار المستخدم النهائي، بالإضافة إلى تبنِّي مشروعٍ يزيد على ما يقرب من 2 مليون طن من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون، خلال الفترة من (2020 -2027)، وهناك مساعٍ إلى التوسُّع، عبْر العديد من الدول الأفريقية، خلال السنوات القادمة؛ حتى تصل إلى مئات الآلاف من المحطات الشمسية، التي يتم بيْعها بحلول عام 2025 [2].
  • مشروع ممر كاسيجاو Kasigau Corridor REDD: يعتبر أول مشروع في شرق أفريقيا لسوق الكربون الطوعية، تقوم بتنفيذه شركة Wildlife Works Ltd، منذ عام 1998، ويعتبر ممر كاسيجاو بمثابة نقطةٍ هامةٍ للحياة البرية في كينيا، بالإضافة إلى أنه يُمثِّلُ حافزًا اقتصاديًّا قويًّا لحماية الغابات؛ حيث يتجه المشروع لتنفيذ خطط إدارة الغابات، في إطار استبعاد الاستخدام المدمر لموارد الغابات، ويُساهم المشروع أيضًا في خلْق فرصٍ اقتصاديةٍ جديدةٍ، فضلًا عن ذلك، فقد تمَّ التفاوُض على اتفاقيات حقوق الكربون مع ملاك الأراضي؛ لتنفيذ عمليات بيْع أرصدة الكربون بما يقرب من (9 دولارات للطن)، في إطار سوق الكربون الطوْعي[3].

الإمارات تقدم نفسها كمركز رائد لأسواق الكربون في أفريقيا

تتجه الإمارات العربية المتحدة لجعل نفسها كمستثمرٍ رائدٍ، في مجال أسواق الكربون، داخل القارة الأفريقية، وقد اتخذت دولة الإمارات خطوات فعلية، ضمن هذا التوجُّه؛ حيث قامت بتوقيع شراكات استراتيجية مع عدة دول أفريقية، من خلال مؤسساتها؛ لتداول عقود الكربون، فضلًا عن دعْم الحكومة الإماراتية؛ لنمو أسواق تداول الكربون، من خلال التخطيط لإطلاق بورصات للتداول في هذا المجال، في إطار أسواق الامتثال العالمية.

وفيما تبحث الدول الأفريقية عن مصادر مالية لدعم موازناتها، عمدت الإمارات العربية المتحدة إلى الاستحواذ على أسواق الكربون في بعض هذه الدول؛ من أجل تعويض الانبعاثات؛ الناجمة عن أنشطة شركات النفط والغاز التابعة لها، إن مثل هذا الإجراء قد يتسبب في المزيد من التأثير في ظاهرة تغيُّر المناخ، ويؤثر في البيئة والإنسان أيضًا داخل أفريقيا؛ ليصبح مجرد استثمارٍ شكليٍّ ومُرْبِحٍ في الانبعاثات؛ فهناك بعض المخاوف حول هذه الاستثمارات؛ لوجود الكثير من الأراضي غير الآمنة في أفريقيا؛ حيث تتجه الدول الأفريقية نحو التوقيع على مشاريع لاستغلال أراضيها، دون التفكير في مدى الوفاء بإسهاماتها المحددة وطنيًّا، وإمكانية الاستمرار في التحوُّل بشكلٍ عادلٍ خلال أزمة المناخ.

أهم الشركات الإماراتية العاملة في مجال أسواق الكربون داخل أفريقيا

اتجهت بعض الشركات الإماراتية إلى إبرام صفقات الكربون مع عدة دول داخل أفريقيا، وقد شملت هذه الصفقات الاستكشافية ما يصل إلى حوالي 20% من الدول المعنية؛ وذلك لاعتبار أن مورد الكربون داخل القارة يُعدُّ بمثابة منجم ذهب اقتصادي لا مثيل له، وفي هذا الصدد، نجد أن من أهم الشركات الإماراتية التي تتسارع لعقد مبادرات في مجال أسواق الكربون داخل أفريقيا ما يلي:

  • شركة (Blue Carbon): تعتبر من أهم الشركات داخل الإمارات العربية المتحدة، والتي تأسست وفقًا لرؤية الشيخ أحمد آل مكتوم رئيس الشركة، وهي تعمل في مجال تعزيز الأصول البيئية، وتفعيل مشاريع إزالة الكربون، وتسعى بلو كربون لدعم وتمكين الأُطُر التشغيلية للاقتصاد الأخضر، والتي تستخدم الحلول القائمة على الطبيعة في إزالة الكربون، من خلال استخدام أحدث التقنيات ومبادئ الاقتصاد الأخضر، وقد أعلنت بلو كربون عن عقْد عدة صفقات مع الدول الأفريقية، خلال العام الجاري، فعلى سبيل المثال؛ تم توقيع اتفاقية استراتيجية مع حكومة زامبيا، في فبراير 2023؛ لتنفيذ مشاريع إزالة الكربون في قطاع الغابات، بجانب توقيع اتفاقية مع ليبيريا، في مارس 2023، بالإضافة إلى توقيع صفقة أُخرى مع حكومة زيمبابوي، في أغسطس 2023.

تستولي بلو كربون على مساحاتٍ شاسعةٍ من الأراضي في جميع أنحاء أفريقيا، فنجد أن إجمالي المساحات التي تستحوذ عليها الشركة، هي كالآتي: خُمْس زيمبابوي أي حوالي (75000 كم مربع)، وما يقْرُب من عُشر ليبيريا (10000 كم مربع)، وزامبيا (80000 كم مربع)، و8 % من مساحة تنزانيا (80000)، كما اتجهت الشركة أيضًا لعقد صفقات مع أنغولا؛ ما يعني أن نصيب بلو كربون سيبلغ حوالي 245 ألف كيلومترًا مربعًا، وبذلك نجد أنها ستسيطر على أراض أفريقية، تعادل تقريبًا ثلاث مرات مساحة بلادها[4].

  • تحالف الإمارات للكربون: شهدت الإمارات مؤخرًا إطلاق تحالف الإمارات للكربون، في يونيو 2023، ويضم التحالف كلاً من بنك أبو ظبي الأول (FAB)، وشركة مبادلة للاستثمار، وشركة أبو ظبي الوطنية للطاقة، وشركة أبو ظبي لطاقة المستقبل، بالإضافة إلى الاتحاد الدولي للصناعات التحويلية (UICCA وAir Carbon Exchange – ACX)، ويُكرِّس هؤلاء الشركاء جهودهم التعاونية، من خلال ذلك التحالف؛ لدعم وتطوير أسواق الكربون، وتعزيز مكانة الإمارات كمركزٍ رائدٍ لأسواق الكربون عالية الجودة والشفافية، وقد أعلن التحالُف عن عزْمه على شراء ما يقْرُب من 450 مليون دولار من أرصدة الكربون في أفريقيا، بحلول عام 2030، وقد أوضحت هذه الصفقة، وجود ارتفاعٍ في أرصدة الكربون داخل الأراضي الأفريقية.

مكاسب ومخاطر محتملة لأسواق الكربون في أفريقيا

نجد أن الدول الأفريقية على أعتاب الاستفادة من أسواق ائتمان الكربون؛ ما يُساهم في تعزيز مسارات الاستثمار الأخضر، ومعالجة نقْص الاستثمار في المجالات ذات الأولوية داخل أفريقيا من الطاقة؛ لتحقيق التنمية المستدامة؛ فأسواق الكربون يمكن أن تكون بمثابة أداة تطوير؛ لتقديم استثمارات حقيقية في المجتمعات النامية، فضلًا عن تعزيز العمل المشترك في تمويل أنشطة التخفيف والتكيُّف المطلوبة؛ لمعالجة ظاهرة تغيُّر المناخ، في ظل أهمية أسواق الكربون، بالإضافة إلى جذْب الاستثمار لتطوير الاقتصاد الأخضر داخل الدول الأفريقية، التي تمتلك إمكاناتٍ هائلةً؛ لاستخدام أرصدة الكربون كوسيلة هامةٍ؛ لتسريع العمل المناخي.

وقد أشار بعض الخبراء إلى أن أرصدة الكربون؛ قد تؤدي إلى ارتفاع معدلات التلوث من قِبَلِ الدول والشركات، والتي يجب أن تُقدِّمَ تعويضًا مباشرًا لمساهمتها في تغيُّر المناخ، بجانب الانتهاكات التي تتعرض لها الغابات؛ حيث تتجه الشركات إلى استهداف الأخشاب؛ فتُخلي مناطق وتترك مناطق أخرى، وبالتالي فلن يتم تفادِي الحدّ من معدلات الاحترار والتغيُّر المناخي، ومن هذا المنطلق، فإن تجارة أسواق الكربون بالرغم من مكاسبها إلا أن هناك احتمالات لإسهامها في الإبطاء من حلِّ ظاهرة التغيُّر المناخي، وقد أثارت بعض التساؤلات حول حقوق المجتمعات المحلية في الأراضي، والوصول إلى الغابات، والتي غالبًا ما تكون ضرورية لسُبُل عيْشهم.

ختامًا:

تتجه الحكومات الأفريقية – حاليًا – للعمل على الاستغلال الأمثل للموارد التي تتمتع بها القارة، وقد تزامن ذلك مع تنامي ظاهرة إنشاء أسواق الكربون، والذي من شأنه أن يُسْهِم في تحقيق التنمية المستدامة التي تنشدها أفريقيا؛ لذلك فهناك اتجاهات لحشْد كافَّةِ الجهود والموارد للعمل المشترك نحو تنمية الاقتصادات الأفريقية، بشرط عدم تعارضها نحو التكيُّف مع التغيُّرات المناخية، على الجانب الآخر؛ فتنامي صفقات الكربون ساهم بشكلٍ كبيرٍ في المزيد من التنافُس على الموارد داخل أفريقيا؛ نظرًا لتزايد اتجاه الدول نحو شراء عمليات إزالة الانبعاثات أو تخفيضها من الدول الأفريقية؛ لتحقيق أهدافها الخاصة، من خلال التعويضات، وقد سعت الإمارات العربية المتحدة إلى تقديم نفسها كمشترٍ رئيسيٍّ لأرصدة الكربون الأفريقية؛ فأسواق الكربون بالرغم من أنها يمكن أن تساهم  في توفير الدعم المالي، الذي تشتد حاجة الدول الأفريقية إليه، لكن هناك مخاوف مثارة، حول أن حجم الصفقات الإماراتية داخل أفريقيا قد يُرقى إلى تدافُع جديد داخل القارة الأفريقية.

المصادر:

[1]  Sun Culture Gets Backing from Investment Energy Platform Nithio to Drive Solar Irrigation, Farming Innovations Across Africa, empower Africa, 2023, available at link: https://2u.pw/Nua3wpu

[2] Joseph Nganga, CARBON CREDIT Time for action on Africa’s carbon market opportunity, the Africa report, 2022, available at link: https://2u.pw/MbevCyx

[3] The Kasigau Corridor Redd Project Phase I – Rukinga Sanctuary, Available at Link: https://2u.pw/5R1ci9w

[4] Patrick Greenfield, the new ‘scramble for Africa’: how a UAE sheikh quietly made carbon deals for forests bigger than UK, the guardian, nov2023, available at link: https://2u.pw/diCp8Ts

كلمات مفتاحية