التغيرات المناخية.. المرأة فى مقدمة الخاسرين

إعداد : ميار هاني

كل فرد لديه تصوره وفكرته الخاصة حول ما يبدو عليه تغير المناخ. حيث يتجسّد للبعض فى تهديد بعض الحيوانات والطيور بالانقراض، وبالنسبة للبعض الآخر، فهو كابوسٌ لكيف سينتهى العالم، حيث تغرق المدن وتختفى الجزر. ولكن بالنسبة للنساء، فإن أكثر مظاهر تغير المناخ وضوحًا لهن، هو معاناتهن من تفاقم العنف بكل اشكاله وارتفاع نسب زواج القاصرات .. إلخ، حيث تعانى النساء بشكل مضاعف خلال الكوارث الناجمة عن تغير المناخ، فالمناخ غير محايد بين الجنسين، وفيما يلى سنجيب على تساؤلات بشئ من التفصيل، ألا وهى : كيف يؤثر تغير المناخ على المرأة؟ ولماذا المرأة هى الأكثر تضرراً؟ وما هو حصاد يوم النوع الاجتماعى فى COP27؟

أولا: كيف يؤثر تغير المناخ على المرأة؟

تغير المناخ كأزمة صحية للمرأة:

تزداد احتمالية وفاة النساء خلال الكوارث الناجمة عن التغيرات المناخية ب 14 مرة أكثر من الرجال، اما بطريقة مباشرة بسبب نقص المهارات والمعارف، أو بطريقة غير مباشرة نتيجة الأحداث التالية للكوارث الطبيعية، وعلى سبيل المثال:

إعصار وفيضان بنجلادش عام 1991: عانت النساء أكثر من غيرهن فى أعقاب تلك الكارثة، حيث أشارت الإحصاءات ان معدل الوفيات كان 71 لكل 1000 من النساء المُتراوح أعمارهن من 20-44 عامًا، مقابل 15 لكل 1000 من الرجال.

وبحديثنا بشكل عام عن المخاطر الصحية للنساء الناجمة عن التغيرات المناخية، ينبغى علينا فى هذا الصدد الإشارة أن هناك مجموعة فرعية واحدة من النساء معرضات بشكل خاص للخطر، هن النساء الحوامل وأجنتهن، حيث أصبحن يدفعن الفاتورة الأعلى.

فقد أظهر تقرير اصدرته الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) أن الحرارة الشديدة مرتبطة بالولادة المبكرة وانخفاض الوزن عند الولادة والإملاص اجهاد حديثى الولادة، بينما ارتبطت الظواهر الجوية المتطرفة الأخرى بانخفاض الوصول إلى الرعاية السابقة للولادة .

بينما استعرضت مجلة الجمعية الطبية الأمريكية (JAMA) الدراسات الحديثة التى تربط تلوث الهواء والحرارة الشديدة بالولادة المبكرة وانخفاض الوزن عند الولادة والإملاص حتى عام 2020.

كما تشير دراسة تم نشرها فى المكتبة الأمريكية للطب عام 2021، أن النساء الحوامل اللائي تعرضن لحرائق الغابات، مُعرضة للإصابة بأعراض تشبه اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD)

ووفقاً لوكالة حماية البيئة الأمريكية، إن تغير المناخ يؤثر على موارد المياه بعدة طرق، وعلى سبيل المثال تؤدى التغيرات فى درجات حرارة الماء والهواء لحدوث أمطار غزيرة تستمر لفترات أطول وتتحول أحيانا لفيضانات تحمل معها الأمراض لإمدادات مياه الشرب، وبالتالى تصبح الحوامل أكثر عرضة للإصابة بأمراض الجهاز الهضمى، وبالتالى فقدان الحمل أو الولادة المبكرة.

فضلاً عن تأثير الفيضانات والجفاف على جودة الغذاء، فتصبح الأطعمة حاملة لأمراض تسببها الليستريات والتوكسوبلازما، وهى مهددة للحياة وتزيد من خطر الولادة المبكرة أو الإجهاض.

إضافةً أن الحرارة شديدة قد تؤدى إلى الوفاة بين الفئات الضعيفة، بما فى ذلك النساء الحوامل.

واخيراً أحداث الطقس المتطرفة يمكن أن تسبب صدمات وضغوطات نفسية، تزيد من سوء الأمراض العقلية للنساء الحوامل وبعد الولادة.

الأمن الغذائى:

يتسبب تغير المناخ فى تدهور الموارد الطبيعية وتقليص الإنتاج الزراعى، وهو ما يضر بأشد الناس فقرًا، وبناءً على إحصائيات الأمم المتحدة للمرأة، أن النساء يشكلن 70% من سكان العالم الفقراء، مما يجعلهم الأكثر عُرضة لانعدام الأمن الغذائى.

سُبل الرزق:

تمثل النساء نسبة عالية من المجتمعات الفقيرة التى تعتمد على سبل العيش الحساسة للمناخ مثل الزراعة، مما يجعلهن عرضة بشكل غير متناسب للتغيرات المناخية كالجفاف والفيضانات والاعاصير ..إلخ، متسببة فى تدنى دخل المزارعين.

ووفقاً لمفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، فان الأسر التى تعولها النساء قد تواجهة بعض الصعوبات فى الحصول على المساعدات الإنسانية أو الاستفادة من البرامج المنفذة فى أعقاب الكوارث، التى تستهدف في العادة “رب الأسرة” أى “الرجل”.

ويكشف بحث أجرته منظمة Young Lives ان الفتيات تتحمل أعباء إضافية من العمل المنزلى خلال أوقات الأزمات، مما يقلل من وقتهن فى الدراسة ويزيد من خطر تسربهن من المدرسة.

وجاء على لسان “رضا الدنبوقى”، المدير التنفيذى لمركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية فى مصر، ” أن تغير المناخ كان السبب أيضًا فى تخلف الكثير من الفتيات عن الدراسة أو عدم الانتظام فيها، مما يضاعف الفجوة بين الجنسين فى المساواة، وفى التعليم، وتمكين النساء من الوظائف والعمل المناسب لاحقًا، مما يعرضهن للتهميش والفقر”.

العنف القائم على النوع الإجتماعى:

هل تتخيل ان عديد من النساء يواجهون أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعى، منها العنف الجنسى والاتجار بالبشر وزواج القاصرات وأشكال أخرى من العنف نتيجة لما يشهده مناخ الأرض من تغيرات؟

فقد أثبتت الأدلة والأبحاث، من المنظمات العالمية مثل: صندوق الأمم المتحدة للسكان، الروابط بين الاثنين، وفيما يلى سنلقى نظرة على تلك القضية بشئ من التفصيل:

الإتجار بالبشر.. استراتيجية للنجاة:

أفغانستان: تنتشر تلك الظاهرة بين الأسر الأفغانية التى نزحت بسبب الجفاف وأصبحت تعيش فى مخيمات لجوء، ألا وهى بيع الفتيات الصغيرات لأسر أخرى تملك المال ليتزوج بهن، ومن بين تلك الحالات:

الطفلتان “فريشته” البالغة من العمر ستة أعوام، و”شكرية” وعمرها عام ونصف العام،بيعتا مقابل 3350 دولاراً للفتاة البكر، و2800 دولاراً مقابل شقيقتها، كى لا تموت العائلة من الجوع بعدما نزحت بسبب الجفاف إلى غرب أفغانستان، وفور اكتمال دفع المبلغين، سينبغى على الفتاتين توديع أهلهما ومخيم النازحين والذهاب الى حيث يعيش ازواجهم.

فى مخيم آخر، تم بيع الطفلتين “سانا” تسع سنوات و “إيدى غول” ست سنوات وذهبا الى منزل زوجيهما، يقول ابيهما “محمد أسان” وهو يمسح دموعه أثناء عرضه صور طفلتيه “لم نرهما بعدها… لم نرغب فى فعل هذا الأمر، لكن كان ينبغى علينا أن نطعم أطفالنا الآخرين”. ويتابع محاولاً مواساة نفسه، “ابنتاى فى وضع أفضل هناك بالتأكيد، مع طعام”، مُظهراً فتافيت الخبز التى قدّمها له جيرانه وهو الوجبة الوحيدة لذلك اليوم.

“رابعة”، وهى امرأة أرملة تبلغ 43 عاماً، نازحة هى أيضاً بسبب الجفاف، تبذل ما بوسعها لتأخير موعد ذهاب طفلتها “حبيبة” البالغة من العمر 12 عاماً الى منزل زوجها التى بيعت له مقابل نحو 550 دولاراً، حيث كان ينبغى أن تغادر منذ شهر لكن رابعة توسّلت عائلة زوج ابنتها المستقبلى لتصبر عامًا إضافيًا. وتقول رابعة أنه لو كان لديها طعام وشراب، لأعادت شراء ابنتها.

زواج القاصرات:

أصبح الزواج المبكر قضية هامة فى سياق الجفاف والمجاعة، حيث تتزايد حالات زواج القاصرات نتيجة الضغط الاقتصادى الناتج عن التغيرات المناخية.

أثيوبيا : تزداد تلك الظاهرة وسط أسوأ موجة جفاف منذ عقود فى أثيوبيا، وعلى سبيل المثال:

شرق هارارغى فى منطقة أوروميا، كشفت البيانات الصادرة عن الحكومة المحلية زيادة فى عدد حالات زواج الأطفال، حيث ازداد هذا العدد من 70 حالة خلال فترة ستة أشهر بين عامى 2020 و2021 إلى 106 حالات خلال الفترة نفسها فى العام التالى، كما شهدت خمس مناطق أخرى فى أوروميا كذلك ارتفاعاً ملحوظاً فى حالات زواج الأطفال، وتصف “كاثرين راسل”، المديرة التنفيذية لليونيسيف، تلك الزيادة بال”مرعبة”.

ملاوى: تتعرض نحو مليون ونصف المليون فتاة فى ملاوى، لخطر الزواج المُبكر بسبب تغير المناخ، فعلى سبيل المثال:

“نتونيا ساندى”، فتاة مراهقة تبلغ من العمر 13 عاماً، قام والديها بتزويجها بعدما اجتاح الفيضان حقلهما، فى كاشاسو، منطقة نسانجى فى ملاوى، واخذ تغير الطقس كل شىء منهم واصبحوا يشقون طريقهم بصعوبة فى الحياة، فلم يعد هناك ما يكفى من الغذاء، ولن يتمكنوا من تحمل إطعام فمٍ آخر على الطاولة.

الإعتداء الجنسى:

وربما لا يعلم البعض أن الجفاف والتصحر يؤدي إلى زيادة تعرض النساء للاعتداء الجنسى، فعادةً ما يتحمل النساء مسؤولية إحضار المياه للأسرة، وندرة مصادر المياه تدفع النساء للسير لمسافات طويلة بما يعرضهن للاعتداء، وخاصة فى المناطق التى يوجد بها عصابات مسلحة.

ووفقاً لما نقلته مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الانسان عن “إزميرالدا”، البالغة من العمر 15 عامًا من بيرو، وهى من عائلة مزارعين اعتادوا التعايش مع آثار تغير المناخ يوميًا، أنّ ” ندرة مياه الشرب أجبرت النساء والفتيات على البحث عن المياه فى الأنهر أو فى أعماق الغابات، ما يزيد من خطر تعرضهنّ للعنف الجنسى. وأضافت أنه فى مناطق قطع الأشجار بطريقة غير قانونية، تشكل النساء والفتيات الهدف الرئيسى للجماعات الإجرامية، وقد تمّ فقدان العديد من النساء والفتيات فى هذا السياق.”

وتشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة، أن %80 من المشرّدين بسبب تغير المناخ هم من النساء، وعندما تتشرد النساء، يمسين أكثر عرضة للعنف الجنسى، بحسب ما أكّدته مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان “ميشيل باشيليت”.

كما قد يؤدى تغير المناخ إلى زيادة العنف المنزلي ضد المرأة، مدفوع بعوامل منها الصدمة الاقتصادية وعدم الاستقرار الاجتماعى والضغوط.

لماذا المرأة هى الأكثر تضرراً من التغيرات المناخية؟

يوجد ارتباط قوى بين عدم المساواة بين الجنسين وتغير المناخ؛ فتغير المناخ أدى إلى تضخيم وتسريع تلك الفجوة، وهناك عدة عوامل أساسية تفسر التفاوت بين تعرض النساء والرجال لمخاطر تغير المناخ، من بينها:

الفقر:

يوجد ارتباط وثيق بين الفقر وتغير المناخ، حيث تشكل النساء 70% من سكان العالم الفقراء، وفقاً لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائى 2013، مما يجعلهن أكثر تأثرًا بتغير المناخ.

فضلاً عن تولى النساء وظائف فى المشاريع الصغيرة أكثر من الرجال، والتى تكون فى كثير من الأحيان الأشد تضررًا والأقل قدرة على التعافى من آثار الكوارث.

التعليم:

وفقاً لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، تشكل النساء أكثر من ثلثى الأميين فى العالم البالغ عددهم 796 مليون نسمة، فتدنى مستوى التعليم للمرأة يجعلها عُرضة لعدم الوصول إلى المعلومات والمساعدة ذات الصلة بتغير المناخ والكوارث مقارنة بالرجال، ويعيق قدرتهن على الإستجابة لإرشادات الإنذار المبكرة.

التمكين السياسى:

تقل فرص مشاركة النساء فى عملية صنع القرار مقارنةً بالرجال، وعليه لا تتمتع النساء بفرص عادلة لوضع سياسات تراعى اعتبارات النوع الاجتماعى والفوارق بين الجنسين.

العادات الاجتماعية والثقافية:

تحد الاعراف الاجتماعية والثقافية من قدرة النساء على تعلم المهارات اللازمة للهروب من الكوارث مثل: السباحة وتسلق الأشجار للهروب من ارتفاع مستويات المياه فى حالات الفيضانات، وعلى سبيل المثال، تفضل النساء فى بنجلاديش البقاء بالمنزل عن التوجه لملاجئ الطوارئ أثناء الفيضان لأنه “من غير اللائق الوقوف وجها إلى وجه امام الرجل”.

وفى دراسة صادرة عن البنك الدولى عام 2010 بعنوان “الأبعاد الاجتماعية لتغير المناخ” اظهرت أن افتقار النساء لمهارات كالسباحة وغيرها كانت سببًا رئيسًا فى الحيلولة دون نجاتهن من كوارث الفيضانات فى معظم الدول الأفريقية.

تقول “رميثاء البوسعيدى” وهى ناشطة بيئية: “بسبب العادات والتقاليد فى منطقة شبه الجزيرة العربية، يمكن أن أقول إننا نعيش فى مجتمعات محافظة جدا؛ فمثلا المرأة تقول إنها تود تعلم مهارات السباحة التى ستساعدها في حالات الأعاصير، لكن هذا أمر لا تتقبله كثير من فئات المجتمع. أما بالنسبة للرجال فالموضوع أسهل. (..) ننسى أن هناك فئات تتضرر أكثر بسبب ذلك وتحتاج لأن تنقذ نفسها ومن حولها”.

المبادرات الدولية:

أولت المبادرات الدولية القليل من الاهتمام بقضايا عدم المساواة بين الجنسين فى إطار تغير المناخ، ويفسره البعض فى الرغبة لتركيز الاهتمام حول قضايا عالمية أكثر إلحاحًا، سواء فيما يتعلق بسياسات التخفيف والتكيف.

وتُجدر الإشارة انه تم إبراز قضية النوع الإجتماعى والتغيرات المناخية فى مؤتمر الأمم المتحدة للأطراف بشأن تغير المناخ COP27الذى يقام بمدينة شرم الشيخ المصرية على النحو التالى:

أعلنت رئيسة المجلس القومى للمرأة فى مصر، الدكتورة مايا مرسى، خلال الجلسة الافتتاحية ليوم النوع الاجتماعى، عن مبادرة أولويات التكيف مع المناخ للمرأة الأفريقية (AWCAP).

مؤكدة ان “النساء لسن مجرد ضحايا لا حول لهن فى مواجهة تغير المناخ، بل هن عناصر قوية للتغيير، وقيادتهن أمر بالغ الأهمية. بجانب أن النهج التصاعدى مهم لفهم المرأة فى المجتمعات، وفهم مخاوفهن البيئية، حقائقهن وخبراتهن”.

كما سلطت جلسة بعنوان “المرأة وتمويل تغير المناخ” فى7 COP2الضوء على دور المرأة فى المجتمع وكيف يمكن أن تؤدى معالجة عدم المساواة إلى نتائج مختلفة عندما يتعلق الأمر بالتمويل المناخى.

وناقشت جلسة بعنوان “حقائق تغير المناخ الخاصة بالنساء الأفريقيات” دور المرأة فى التخفيف من حدة آثار التغيرات المناخية، مؤكدة على ضرورة قيام الحكومات الأفريقية وصانعى السياسات والمجتمع المدنى بالاستثمار فى بناء القدرات والمهارات للنساء بالإضافة إلى تعليمهم.

فيما نظرت جلسة بعنوان “أصوات القيادات النسائية فى مناظرات المناخ والسياسات والتنفيذ وما بعده”، إلى كيف تظل النساء فى المناصب القيادية أقلية، وانه اذا تم تمكينهم ليكونوا جزء من الحل، يمكن أن يساعدن فى تقديم حلول قابلة للتطبيق وملموسة.

وخلاصة القول، ان تعميم المنظور الجنسانى فى تغير المناخ وسياسة إدارة مخاطر الكوارث وكافة النواحى الأخرى، بالاضافة إلى تعليم وتثقيف النساء حول تغير المناخ، ومعالجة الأعراف الاجتماعية لدعم المساواة بين الجنسين بشكل منهجى، فضلاً عن توفير الحماية للحد من تفاقم ظاهرة العنف بكل أشكالة، سيساهم فى تقليل آثار تغير المناخ على النساء.

كلمات مفتاحية