من جفاف العلاقة إلى غزل التصريحات.. التقارب التركي السوري إلى أين ؟

من جفاف العلاقة إلى غزل التصريحات.. التقارب التركي السوري إلى أين ؟

إعداد : أكرم السيد علي 

شاف ديزاين 5 من جفاف العلاقة إلى غزل التصريحات.. التقارب التركي السوري إلى أين ؟

على مدار العقد الماضي ، ومنذ إندلاع الحرب في سوريا ، كان الموقف التركي شديد الرفض لاستمرار النظام السوري ، وهو ما دفع الدولة التركية إلى الانخراط في الحرب السورية ودعم جماعات أصولية مناهضة للنظام ، إلا أنه بمرور الوقت ومنذ أن خسر حزب إردوغان الغالبية البرلمانية في العام 2015 وحتى هذه اللحظة ، لم تعد الأولوية لدى النظام التركي هي الإطاحة بنظام الأسد ، فهل تطبع تركيا علاقاتها مع سوريا ؟

إرهاصات التطبيع

لم تخل الفترة الأخيرة من تتابع التصريحات على لسان المسئولين الأتراك بداية من رئيس الجمهورية رجب طيب إردوغان ، حيث أوضح إردوغان إمكانية إجراء محادثات مع دمشق ، وأكد أنه لا يمكنه مطلقا استبعاد الحوار والدبلوماسية مع سوريا ، فلا يمكن للدبلوماسية أن يتم قطعها بالكامل ، وأشار أن هناك “حاجة لاتخاذ مزيد من الخطوات مع سوريا” ، مؤكدا التزام بلاده بوحدة الأراضي السورية.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد ، بل صرح وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أن “السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة هو الحل السياسي ، والقضاء على الإرهابين دون تمييز بينهم ، وتحقيق اتفاق بين النظام والمعارضة” ، وقال : “علينا تحقيق اتفاق بين المعارضة والنظام في سوريا بطريقة ما ، وإلا فلن يكون هناك سلام دائم” ، علاوة على ذلك فقد أشار وزير الخارجية التركي عن إجراء محادثات مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد وذلك في اجتماع دول عدم الانحياز في العاصمة الصربية بلجراد في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.
تلك التصريحات لم تكن وليدة اللحظة ، بل عادة ما يسبق إعادة تطبيع العلاقات بين الدول التي كانت تمر بأزمة دبلوماسية تواصلا استخباراتيا ثنائيا ، كما حدث مع مصر والسعودية والإمارات ، يعقبه لقاءات دبلوماسية على مستوى عال ، وهو ما أكده مولود جاويش أوغلو بأن هناك محادثات استخباراتية بين الطرفين قد عقدت ومستمرة إلى الآن ، وهو ما يتناقض مع الموقف التركي المتشدد إزاء النظام السوري منذ اندلاع الحرب ، ويؤشر على إمكانية حدوث تقارب بين الدولتين.

سياقات التقارب

-سياق خارجي

أدت المتغيرات الإقليمية والدولية بظلالها على الملف السوري ، فكان للحرب في أوكرانيا تداعياتها على ساحة الصراع في الدولة السورية ، ونلاحظ ذلك في تكثيف الولايات المتحدة الأمريكية دورها على المستوى العسكري في سوريا من خلال زيادة دعمها المخصص لقوات سوريا الديقراطية ، وإنشاء قاعدة أمريكية هي الثالثة من نوعها داخل الأراضي السورية ، فضلا عن التنسيق المكثف في سوريا مع إسرائيل ، يأتي ذلك في الوقت الذي ترفض فيه واشنطن أي عملية تركية ضد قوات سوريا الديمقراطية ، وكذا في ظل تجاهل أمريكي لمتطلبات الأمن القومي التركي.
في المقابل ، فقد قوبلت هذه التحركات الأمريكية برغبة روسية مضادة تهدف إلى حسم الملف السوري ، وهذا الحسم يهدف إلى تخفيف الضغوطات الغربية على كافة المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية ، وكذلك تفويت الفرصة على الجانب الأمريكي في أن يستغل الأراضي السورية في إشعال حرب بالوكالة ضد روسيا في وقت تعيش فيه الأزمة الأوكرانية مرحلة انسداد واضح بين موسكو والغرب.


وبالتوزاي مع الحرب في أوكرانيا ، فإن المنطقة العربية تعيش حالة من التحولات في الرؤى تجاه الملف السوري يتمثل في انفتاح بعض الأنظمة العربية على استمرار النظام السوري ، تلك التحولات مصحوبة بتجاوب تركي لتجاوز توترات مرحلة الربيع العربي ، لذا وفي هذا السياق المشار إليه يمكننا فهم الدعوات التركية المتوالية والتي تدعو إلى إحداث تقارب الدولة السورية.

-سياق داخلي

وفي سياق متصل أيضا ، لا يمكننا الفصل بين التطورات الداخلية في تركيا من ناحية وتصاعد دعوات التقارب مع الدولة السورية من ناحية أخرى ، حيث تستعد تركيا للدخول في انتخابات رئاسية وبرلمانية في ١٨ يونيو/حزيران ، في ظل انتقادات يتعرض لها الرئيس التركي وحكومته إزاء الملف السوري وبالتحديد تجاه ملف اللاجئين السوريين الذين تتصاعد موجات الرفض لوجودهم داخل تركيا ، حيث تشتعل الحرب بين حكومة أردوغان وأحزاب المعارضة التركية ويتم توظيف الملف السوري في هذه الحرب.
وبالتوازي مع الملف السوري ، فإن الدولة التركية حاليا تعيش حالة من الأوضاع الاقتصادية الصعبة والتي تخشى الحكومة التركية من أن تسبب هذه الأوضاع في الإطاحة بها في الانتخابات المقبلة ، ونتيجة لهذا كله ، فإن السياسية الخارجية التركية حاليا تعيش حالة من الرغبة في كسر العزلة عن المحيط الإقليمي والدولي وإنهاء المشكلات ، وهو ما يتماشى مع دعواتها الدافئة إلى الجانب السوري الهادفة إلى إحداث تقارب بينها وبين دمشق.

عقبات على الطريق

إن من شأن التقارب التركي السوري ضرورة إيجاد حل لملف اللاجئين ، حيث تساهم تركيا في تأمين عدة مناطق في الشمال السوري ، وتسعى لإيجاد طرق آمنة لعودة اللاجئين السوريين ، هذا في الوقت الذي ترغب فيه سوريا من بسط سيطرتها على كامل الأراضي السورية ، وهو ما قد يعرقل من جهود التقارب طالما لم يتوصل الطرفان على صيغة مشتركة تضمن لتركيا تحقيق الأمن الحدودي لها ، وتضمن لسوريا السيطرة على كافة المناطق التي تسيطر عليها تركيا في الشمال.

 


ومن ناحية أخرى ، يتبين من موقف النظام السوري فتور ملحوظ تجاه التفاعل مع التصريحات التركية التي تشير إلى احتمالية حدوث تقارب مع سوريا ، فمن المعلوم أنه في حالة التقارب مع تركيا فإنه سوف يتعين على دمشق مواجهة القوات الكردية وهو يلقى بالعبء على النظام السوري ، ليس هذا فحسب بل ستستقبل سوريا العديد من اللاجئين الذين سوف يعودون إلى الأراضي السورية وهو ما يأتي في ظل أوضاع اقتصادية صعبة تعيشها سوريا منذ اندلاع الحرب ، لذا فمن غير المستبعد أن يستمر النهج السوري “الفاتر” تجاه التقارب مع تركيا إلى ما بعد الانتخابات التركية القادمة والنظر إلى ماذا سيحدث عقب الانتخابات وما إذا كان النظام التركي الحالي سيستمر أم سينجم عن الانتخابات التركية نظام جديد.
كما تجدر الإشارة إلى أن التصريحات التركية إزاء سوريا قد قوبلت بحالة من الرفض من قبل المعارضة السورية ، وتمثل ذلك في تصعيد المعارضة السورية من مظاهراتها في الشمال السوري رفضا لدعوات المصالحة مع النظام السوري ، وهو ما أدى إلى إصدار بيان من الخارجية التركية يفسر إن التصريحات التركية إزاء سوريا تصب في إطار السياسة التركية التي تدعو لحل سياسي يراعي مصلحة الشعب السوري ، وأن تركيا ستبقى متضامنة مع الشعب السوري ، في محاولة منها لعدم خسارة حليف هام لها في الداخل السوري.

مطالب متبادلة

وكما هو معلوم أن أي اتفاق من شأنه أن يتضمن شروطا يضعها طرفا الاتفاق من أجل إبرامه ، وفي هذا السياق فقد كشفت مصادر تركية عن مطالب متبالة بين تركيا وسوريا من أجل المضي قدما في تطبيع العلاقات ، فعلى الجانب السوري فقد حددت دمشق خمسة مطالب يجب على تركيا تحقيقها قبل فتح قنوات للتواصل بين الجانبين ، وتتمثل في إعادة محافظة إدلب إلى إدارة دمشق ، ونقل جمارك معبر كسب الحدودي مع معبر باب الهوى إلى سيطرتها ، وترك السيطرة الكاملة على الممر التجاري بين معبر باب الهوى وصولا إلى دمشق ، بالإضافة إلى الطريق التجاري الواصل بين شرق سوريا للنظام ، وعدم دعم تركيا للعقوبات الأوروبية والأمريكية ضد رجال الأعمال والشركات الداعمة للنظام.

 وعلى الجانب التركي فقد طالبت تركيا النظام السوري بتطهير مناطق ميليشيا وحدات حماية الشعب الكردية وهي أكبر مكونات قوات سوريا الديمقراطية “قسد” ، والقضاء على الإرهاب الحدودي ، والاستكمال التام لعمليات التكامل السياسي والعسكري بين المعارضة ودمشق ، وعودة اللاجئين الآمنة. وتجدر الإشارة إلى أن دمشق قد أعلنت أنه لا تجاوب مع دعوات الحوار قبل أن تقوم تركيا بسحب قواتها بالكامل من الأراضي السورية والتوقف عن دعم الجماعات الإرهابية في سوريا.

السيناريوهات المستقبلية

-نجاح التطبيع

من شأن هذا السيناريو أن يؤدي إلى نجاح التقارب التركي السوري ومن ثم التوصل إلى تطبيع كامل للعلاقات بين البلدين ، وما يدعم هذا السيناريو هو أنه في ظل السياقات الإقليمية والدولية فإن مسألة التوصل إلى حل لهذه القضية بات أقرب من أي وقت مضى وخصوصا بعد مرور سنوات من التصعيد المتبادل بين الجانبين.

وبالنسبة لما قد يؤدي إلى فشل هذا السيناريو هو تصاعد الصراع العكسري ميدانيا بين تركيا وسوريا بين الحين والآخر على الرغم من المؤشرات التي تتحدث عن إمكانية حدوث تصفير للمشكلات بين البلدين ، وهو ما يجعل من الصعوبة نجاح سيناريو التطبيع في الوقت الحالي.

-فشل التطبيع

حيث يفترض هذا السيناريو ثبات حالة عدم التفاهم بين الجانبين وهو ما من شأنه أن يضعف من احتمالية التقارب بين البلدين ، علاوة على ذلك فإن الجانب السوري من الممكن أن يراهن على الانتخابات التركية القادمة والتي من ممكن أن تؤدي إلى المجيء بنظام سياسي جديد في تركيا ينجم عنه تحول في الموقف التركي إزاء سوريا.

 إلا أن ما قد يؤدي إلى فشل هذا السيناريو هي تلك الرغبة الملحة لدى الطرفين في حسم هذه القضية نتيجة لعدم نجاح الأداة العسكرية في أن تحدث اختراقا طيلة الفترة الماضية.

-تطبيع محدود

ونعنى بهذا السيناريو توصل أنقرة ودمشق إلى التفاهم إزاء بعض المسائل كمعالجة ملف اللاجئين وتخفيف تركيا لقواتها في الشمال السوري ، وهو من شأنه أن يؤدي إلى حلحلة تدريجية للعلاقات التركية السورية وصولا إلى تطبيع مستقبلي كامل ، وما يدعم هذا السيناريو هو أنه من الصعوبة بمكان ، وخصوصا بعد مررو سنوات من الصراع ، التوصل إلى تفاهمات سياسية وأمنية واقتصادية بين الدولتين على وجه السرعة ، وهو ما يجعل من التدرج في التطبيع خيارا ملحا ،

وعلى الجانب الآخر فإن التدخل الروسي في التوسط بين الدولتين في محاولة لإحداث اختراق في العلاقات التركية السورية وإنهاء هذا الملف بطريقة تضمن إضعاف الوجود الأمريكي قد يضعف هذا السيناريو ويقودنا إلى سيناريو التطبيع الكامل بين البلدين.

في الوقت الذي تتوالى فيه تصريحات المسئولين الأتراك حول إمكانية حدوث تقارب وشيك مع النظام السوري ، يذهب البعض إلى أن حدة هذه التصريحات مقرونة بالضرورة بأن تركيا مقبلة على انتخابات رئاسية وبرلمانية قادمة ، جعلت لزاما على النظام التركي أن يستخدم هذه الورقة في كسب رصيد لدى الداخل التركي وكذلك مواجهة المعارضة بهذا الملف ، فهي ،كما يذهب البعض، ليست استدارة تركية للخلف سينجم عنها تطبيع قريب بل هو تكتيك ينفذه النظام التركي من شأنه أن ينزع من خلاله السيف من يد خصومه ، وسرعان ما ستهدأ حدة هذ التصريحات بمجرد الانتهاء من الملف الانتخابي الشائك. وعلى كل الحال فإن مع استمرار استخدام تركيا لملف التقارب مع سوريا ، وما يتبع ذلك من شد وجذب بين المسئولين من كلا البلدين ، فإن اللاجئين السوريين وحدهم من يتحملون تداعيات هذه التصريحات في انتظار الانتخابات التركية المقبلة وما سينتج عنها في تقرير مصير ملف اللاجئين الذي يعتبر بمثابة عمود أساسي يتأثر تباعا باستمرار نظام حكم الرئيس التركي أردوغان من عدمه ، أو حتى بحدوث تقارب وتطبيع للعلاقات بين الجانبين التركي والسوري.

كلمات مفتاحية