التوسعات الإرهابية تجاه خليج غينيا

إعداد/ جميلة حسين محمد ( باحثه في العلوم السياسيه )

انتشرت عدوى الإرهاب فى البلدان الساحلية على طول خليج غينيا، وذلك مع تنامى العنف والنشاط الإرهابى فى دول الساحل والصحراء وغرب إفريقيا بشكل ملحوظ، خاصة مع غياب الأمن والاستقرار فى تلك المنطقة مع عدم تواجد قوة رادعة لمكافحة للظاهرة الإرهابية فى تلك الدول.

فباتت رقعة الإرهاب تتسع شيئًا فشيء وتتغلغل الجماعات الإرهابية داخل إفريقيا والتى يقع على رأسها تنظيم داعش والقاعدة والجماعات الموالية لهما كــ”تنظيم نصرة الإسلام والمسلمين، داعش ولاية الصحراء الكبرى، داعش ولاية غرب إفريقيا”  ويتقدمون نحو الأجزاء الجنوبية لمالى وبوركينا فاسو ليصلوا إلى دول خليج غينيا للبحث عن مناطق نفوذ جديدة.

بداية الانتشار

بدأ النشاط الإرهابى فى دول بوركينا فاسو ومالى عام 2007 وتطور بعد عام 2016 مع مواجهة تلك الدول لعدد من التحديات أهمهما الهشاشة السياسية والضعف المؤسسى وعدم الاستقرار الأمنى وانهيار البنية التحتية والفساد والأزمات الاقتصادية، الأمر الذى ساعد التنظيمات الإرهابية فى منطقة الساحل الإفريقى وغرب إفريقيا على تعزيز الانتشار والتواجد والتسلل إلى دول الجوار، حيث دول خليج غينيا ومنها شمال دولتى بنين وساحل العاج، تم تنفيذ أول عملية فى مايو 2019 فى بنين المجاورة لبوركينا فاسو باختطاف 4 سياح من جانب مسلحين تابعين لتنظيم أنصار الإسلام الموالى لتنظيم داعش.

وتضررت بنين فى النصف الثانى من العام الماضى حيث ارتفع عدد الهجمات إلى 25 هجومًا وكانت الهجمات مقتصرة على الحدود الشمالية مع بوركينا فاسو، ولكنها انتقلت إلى المناطق المأهولة بالسكان، وتلاحظ تواجد التنظيم الداعشى بقوة بها، حيث تعتبر من أكثر دول خليج غينيا تضررًا من تواجد الحركات المتطرفة بها.

أما عن دولة توجو فقد شهدت أول هجوم فى نوفمبر عام 2021 عندما تعرضت لهجوم مسلح على مركز أمنى فى إحدى القرى على الحدود الشمالية، وتوالت عدة هجمات متفرقة بها فيما بعد أبرزها فى مايو 2022 وكان الهجوم على يد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وتم فى إطار الهجوم على كمين تابع للجيش بالقرب من الحدود مع بوركينا فاسو.

مما اضطر السلطات فى توجو لإعلان حالة الطوارئ فى منطقة “سافانس” شمال شرق توغو فى يونيو 2022 ومع تصاعد العنف والذعر فى مدينة “دابونج”، التى تعتبر المدينة الأكبر بها فضلًا عن تصاعد تدفق النازحين من بوركينا فاسو وتم تمديد حالة الطوارئ حتى مارس الماضى.

بالنظر إلى دولة غانا تمثل منطقة لتوافد اللاجئين من بوركينا فاسو على أراضيها حيث أعلنت السلطات الغانية فى فبراير المنصرم أن حوالى 4000 مواطن من بوركينا فاسو فروا إلى البلاد هربًا من أعمال العنف الناتجة عن الهجمات والتهديدات الإرهابية، ولكن غانا أصبحت ضمن خارطة الجماعات الإرهابية خاصة من جانب جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، الأمر الذى يراه بعض الخبراء إمكانية تحول هذه المنطقة من أرض عبور لبعض اللاجئين إلى منطقة عمليات للتنظيمات خاصة حدودها مع بوركينا فاسو التى تفصلها منطقة “كاسكيدز” الحدودية، حيث تعد تمركزًا إرهابيًا استقرت فيه عدة عناصر إرهابية على مدار السنوات الماضية.

وتواصل تلك الجماعات تقدمها والوصول إلى أهدافها للتوصل إلى الجبهة الجديدة على ساحل غينيا، أمام ضعف قدرات تلك الدول للتعامل معها والتصدى لها وإحجامها عن مخططاتها، نظرًا للعمليات العنيفة والمتطرفة التى تقوم بها خاصة فى الدول المجاورة لها، ففى نهاية الشهر الماضى تبنت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين هجومًا فى بوركينا فاسو قرب الحدود مع مالى أسفر عن سقوط 100 جندى وإصابة العشرات.

دوافع التغلغل نحو خليج غينيا

مع اتجاه الجماعات المسلحة والإرهابية نحو الجنوب والقيام ببعض أعمال العنف ونشر الذعر لتدفقهم وتوسيع بؤر تواجدهم ونطاق نشاطهم يمكن الوقوف على بعض العوامل التى ساعدت الجماعات لمزيد من الانتشار فيما يلى:

  1. الانتشار الإرهابى فى دول الساحل:

تعانى تلك الدول خاصة بوركينا فاسو ومالى اللتان حصلتا على المركز الثانى والرابع بالتوالى من ضمن أكثر 10 دول تضررًا بالإرهاب على مستوى العالم من التواجد الإرهابى المؤثر على حالة الأمن والاستقرار فى الدول وفى المنطقة برمتها، ويهدد تواجد المواطنين لتصاعد عملياته خاصة فيما يسمى مثلث الرعب الحدودى حيث مالى والنيجر وبوركينا فاسو، الأمر الذى تطور إلى جنوب منطقة الساحل حيث الدول المجاورة حيث بنين وتوجو وساحل العاج.

  1. الامتداد الجغرافى لدول الساحل وسهولة الاختراق:

ساعدت الحدود الجغرافية بين الدول فى منطقة الساحل والدول المجاورة لها خاصة مع ما تتسم به من الهشاشة وصعوبة التضاريس بيئة مناسبة لانتقال الجماعات الإرهابية إليها مثل الحدود بين بنين وساحل العاج، حيث يغطيها قدر كبير من الغابات والنباتات والمستنقعات، ويتم التمركز على الحدود وإطلاق عدد من العمليات الإرهابية من تلك النقاط مما يسبب حالة من العنف والخوف لدى المواطنين فى تلك المناطق الحدودية، وعادة يلجأون للتواطؤ من تلك الجماعات للحفاظ على حياتهم.

  1. الوصول إلى الموارد الطبيعية:

هدف التمدد الإرهابى نحو السواحل الغينية محاولة البحث عن موارد طبيعية جديدة وتوفير عناصر تمويلية إضافية فى تلك الدول الغنية بالموارد الطبيعية الهائلة، الأمر الذى تخشاه دول خليج غينيا ويستدل على ذلك دولة كغانا تخشى مع سيطرة الجماعات الإرهابية على مناجم الذهب فى الدولة، ومن جانب آخر، ورد تقرير عن الأمم المتحدة يفيد بأن أنصار تنظيم داعش ولاية الصحراء الكبرى يديرون مستودعات سرية غنية بالموارد الطبيعية فى دول بنين وتوغو وغانا.

  1. توسيع شبكات التهريب:

يعد خليج غينيا ممرًا مثاليًا ونقطة عبور أساسية لتهريب الأسلحة والمخدرات من دول أمريكا اللاتينية وأوروبا إلى إفريقيا، ومن ثم تواجد التنظيمات فى هذه المنطقة يعزز من السيطرة على ممرات التهريب ويستغل كل من تنظيم داعش وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين الطرق الرعوية للتهريب فى مناطق شمال غانا وبنين.

  1. توظيف الأزمات الداخلية:

تعانى توغو وغيرها من الدول الساحلية فى خليج غينيا من عدد من الأزمات المستدامة على المستويات السياسية والأمنية والاقتصادية وكذلك الاجتماعية، ومن ثم تساعد الفوضى السياسية ومحدودية التواجد الأمنى فى الانتشار الإرهابى وإطلاق عدد من العمليات الإرهابية، كذلك الأوضاع الاقتصادية المتردية التى تعانى منها تلك الدول خاصة مع توجد النازحين من الدول المجاورة كبوركينا فاسو ومالى، ويزيد ذلك من معدلات الفقر ومستوى المعيشة المنحدر مما يخلق بيئة لجذب العناصر للانضمام لصفوف تلك التنظيمات، ومن ناحية أخرى تستغل الجماعات الصراعات القبلية وتوظفها لصالحها.

  1. رحيل القوات العسكرية من دول الساحل:

ساعد إنهاء عملية “برخان” ورحيل العناصر الفرنسية من مالى وتلتها بوركينا فاسو، ورحيل القوات التابعة لدول الساحل وقوات الأمم المتحدة “مينوسما” من مالى على قيام التنظيمات بتصعيد هجماتها فى مالى وبوركينا فاسو بشكل ملحوظ لم تستطع ردعه الأنظمة المحلية لتلك الدول، خاصة مع تحول تلك المنطقة لمنطقة تنافس للقوى الكبرى وتردد بعض التقارير بشأن التواجد الروسى من خلال مجموعة “فاغنر” ودورها فى تمويل بعض التنظيمات، الأمر الذى استغلته تلك التنظيمات لزيادة نفوذها للتمدد فى الساحل الإفريقى وكذلك الاتجاه جنوبا لتوسيع نشاطها العملياتى.

التنافس بين تنظيمى “داعش” و”القاعدة”

يظهر حالة من التنافس وسباق النفوذ بين الجماعات الإرهابية خاصة بين تنظيم داعش ولاية الصحراء الكبرى وولاية غرب إفريقيا وتنظيم القاعدة من خلال جماعة نصرة الإسلام والمسلمين من أجل قيادة الجهاد والخلافة من منطقة الساحل، والسيطرة على مزيد من الرقع الجغرافية.

صعدت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين كما سلف الذكر عملياتها فى بوركينا  فاسو خلال العام الماضى باتجاه الحدود مع دولتى بنين وتوجو، وتعرضت تلك الدول لعمليات إرهابية متصاعدة حتى نهاية العام، أما عن تنظيم داعش ولاية الصحراء الكبرى ،أعلن عن عدة عمليات متفرقة فى بنين كذلك العام الماضى، الأمر الذى يشير إلى احتمالية تزايد التنافسية من خلال تصاعد الأنشطة الإرهابية فى تلك الدول للوصول إلى السواحل.

ولكن أمام التمدد الداعشى واستخدام إمكانياته الهائلة فى وسط وجنوب وغرب القارة الإفريقية لتنظيم صفوفه وتثبيت موطئ قدم له فى القارة، الذى من شأنه التأثير على دول خليج غينيا نجد داعش الأخطر والأكثر تهديدًا مقارنة بالجماعات الموالية بتنظيم القاعدة.

دور التحالف الدولى

تستلزم تطورات الأوضاع فى غرب إفريقيا التدخل الدولى لدعم الدول الإفريقية المتضررة لتعزيز قدراتها وقواتها للتعامل مع التهديدات الإرهابية الواقعة والمحتملة، وكذلك معالجة كافة الظروف والأزمات الداخلية التى تعانى منها تلك الدول، وكذلك تدخل المؤسسات المالية الدولية لتقديم المساعدات الإنسانية، وفى هذا الإطار قال (أنطونيو غوتيريش) الأمين العام للأمم المتحدة “إن الإرهاب والتطرف العنيف يواصلان النمو رغم الجهود المبذولة، وجماعات تابعة لتنظيمى القاعدة وداعش الإرهابيين فى إفريقيا تتقدم بسرعة فى مناطق مثل الساحل وتتجه جنوبًا نحو خليج غينيا”، وقد دعا إلى معالجة الأسباب الجذرية للإرهاب والتطرف مثل الفقر وانتهاك حقوق الإنسان كما حث على تشكيل جبهة مشتركة لمواجهة هذا التهديد العالمى.

ويعمل التحالف الدولى على مكافحة الإرهاب فى إفريقيا من خلال بناء شراكات مع الحكومات وإمدادها بالموارد اللازمة لمكافحة اندماج جماعات تابعة لداعش فى المنطقة، وفى الشهر الماضى عُقد اجتماع وزارى للتحالف الدولى فى السعودية لبحث الجهود الدولية لمكافحة التنظيم فى قارة إفريقيا وآليات تقديم المساعدة العسكرية والاقتصادية للدول التى تبذل جهودا فى محاربته، وقد اعتمد التحالف الدولى ضد داعش خطة عمل مجموعة التركيز المعنية بإفريقيا، برئاسة مشتركة بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا والنيجر، وتهدف تلك الخطة إلى مكافحة تمويل الإرهاب، ومواصلة جهود تحقيق الأمن والاستقرار، وردع تدفق المقاتلين الإرهابيين الأجانب، والتصدى لخطاب داعش المتطرفة الموجه ضد الفئات الضعيفة من السكان.

ومن ناحية أخرى، على الرغم من فشل التواجد الفرنسى فى الإتيان بمراده إلا أن انسحابه لم يتم استبداله بوسائل أخرى، ولكن شهدت منطقة الساحل الإفريقى وغرب إفريقيا حالة من التنافس بين القوى الكبرى فى إطار مكافحة الإرهاب الأمر الذى أعطى فرصة للمجموعات الإرهابية لتنظيم عناصرها والتواجد بقوة والتوسع فى مناطق أخرى، الأمر الذى يحول دون القدرة على هزيمة تلك التنظيمات وعلى الرغم من جهود التحالف الدولى فى بعض المناطق فى الساحل الإفريقى وشرق إفريقيا من قبل إلى محدودة وضعيفة مقابل قدرات وتكتيكات التنظيمات الإرهابية.

مما سبق؛ مع توسع خريطة الجماعات الإرهابية لتوسع بؤر تواجدها فى غرب إفريقيا لتشمل دول خليج غينيا “بنين، توجو، ساحل العاج، غانا” بدافع توسيع النشاط العملياتى والبحث عن موارد للتمويل كذلك للاستفادة من الامتداد الجغرافى للحدود وقدرتها على السيطرة على ممرات التهريب فضلًا عن استغلالها لأزمات تلك الدول.

فإن تمدد التنظيمات الإرهابية وتداعياتها تمثل أزمة لتلك المنطقة التى تعانى من أزمة القرصنة فى الأساس  وكما أشارت (ارثا بوبي) مساعدة الأمين العام لشؤون إفريقيا قائلة “فى الوقت الحالى لا يوجد دليل قاطع يشير إلى أى روابط محتملة أو ممكنة بين الجماعات الإرهابية والقراصنة، ومع ذلك فإن معالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية الأساسية التى تواجهها المجتمعات فى المنطقة ستعمل فى نهاية المطاف على احتواء كلا التهديدين.”

فهل سيأتى التحالف الدولى ثماره وتتراجع تلك الجماعات عن خطتها المتبعة فى تلك المناطق أم ستكمل  تمددها نحو مزيد من الأنشطة والعمليات المتطورة؟

 

كلمات مفتاحية