الحديث عن إنشاء قاعدة إيرانية عسكرية فى السودان… السياق والدوافع

إعداد: شيماء عبد الحميد

يبدو من الوضع الراهن فى منطقة الشرق الأوسط، واتساع دائرة الصراع فى ضوء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أن البحر الأحمر بات ساحة مشتعلة للتنافس الإقليمى والدولى، وهو ما ينعكس فى حجم الحشد العسكرى الذى تشهده من مختلف القوى الإقليمية والدولية، خاصةً بعدما أوضحت حرب غزة الأهمية الإستراتيجية للبحر الأحمر، والتى بدورها دفعت جميع الدول إلى السعى للتمركز على هذا الممر الحيوى، ومنهم إيران التى تصر فى الآونة الأخيرة، على توسيع نشاطها البحرى العسكرى فيه.

وفى هذا السياق؛ أفاد تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال” صدر خلال مارس الجارى، بأن طهران طلبت من السودان، السماح لها بإنشاء قاعدة عسكرية بحرية على ساحل البحر الأحمر، مقابل دعم وتسليح أكبر، وأضافت الصحيفة -نقلًا عن مسؤول استخباراتى سودانى يُدعى أحمد محمد حسن- أن طهران عرضت على الجيش السودانى تقديم سفينة حربية قادرة على حمل مروحيات، فضلًا عن تزويده بمزيد من الطائرات المسيرة، فى مقابل إقامة القاعدة التى أكدت إيران أنها ستستخدمها لجمع المعلومات الاستخباراتية، ولكن الخرطوم رفضت العرض الإيرانى لتجنب استعداء الولايات المتحدة وإسرائيل.

فى المقابل؛ سارعت إيران والسودان بنفى ما جاء فى الصحيفة؛ حيث أكد المتحدث باسم الجيش السودانى العميد نبيل عبد الله، أن التقرير غير صحيح إطلاقًا، ويجافى الواقع تمامًا، فيما صرح وزير الخارجية السودانى على الصادق، بأن بلاده لم تتلقَ أى طلبات بخصوص إنشاء مثل هذه القاعدة، مؤكدًا أن طهران لم تطرق لهذا الأمر أبدًا. ومن جهته، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية “ناصر كنعانى” إن هذه المعلومات ادعاء لا أساس له من الصحة وله دوافع سياسية.

ولكن بغض النظر عن نفى المعلومات الواردة فى التقرير، فإن إثارة الحديث بشأن وجود رغبة من طهران للتواجد العسكرى على سواحل البحر الأحمر، وخاصةً فى مثل هذا التوقيت، يحمل فى طياته العديد من الدوافع الإيرانية، التى يخدمها السياق الراهن سواء فيما يخص المنطقة أو فيما يخص الوضع الداخلى للسودان.

السياق الراهن:

يأتى الحديث عن طلب إيران إنشاء قاعدة بحرية على سواحل البحر الأحمر، فى ضوء سياق إقليمى داعم لهذا الطلب؛ سواء على مستوى التوترات التى يشهدها هذا الممر الإستراتيجى، أو على مستوى التقارب الملحوظ فى الآونة الأخيرة بين طهران والسودان، ومن أبرز ملامح هذا السياق:

1- استمرار الهجمات الحوثية على سفن البحر الأحمر؛ والتى بدأت فى نوفمبر 2023 بدعوى دعم الفلسطينيين، على خلفية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وقد أدت هذه الهجمات إلى التأثير على حركة التجارة العالمية فى البحر الأحمر، وارتفاع تكلفة الشحن البحرى، وتذبذب أسعار النفط.

وفى ضوء ذلك؛ تكالبت القوى الإقليمية والدولية على تعزيز الحضور العسكرى المكثف فى منطقة البحر الأحمر، مما يعكس شكلًا من أشكال التنافس بين هذه القوى ولا سيما الولايات المتحدة مع كل من الصين وروسيا وإيران، ومما لا شك فيه أن هذا الحشد العسكرى فى هذه المنطقة، يحمل فى طياته مخاطر اندلاع مواجهات بحرية عسكرية، قد تكون سببًا فى مزيد من التدهور الأمنى فى الشرق الأوسط.

2- تطور الترسانة البحرية الإيرانية؛ حيث بات لدى طهران مجموعة من الغواصات الروسية الصغيرة نسبيًا، والغواصات صينية الصنع، إضافة إلى مجموعة أخرى محلية الصنع، يُضاف إلى ذلك؛ امتلاك إيران صواريخ مضادة للسفن تتميز بقدرتها على التعرض لحاملات الطائرات، وأسلحة باليستية بعيدة المدى من طراز “سكود” برؤوس قادرة على حمل أسلحة كيماوية وبيولوجية.

ووفقًا للدليل العالمى للسفن الحربية الحديثة، فى آخر إحصاء لعام 2024، تمتلك القوات البحرية الإيرانية حوالى 67 قطعة رئيسة مختلفة الأنواع والفئات، بينها 25 غواصة، وثمان فرقاطات، وثلاث كورفيتات، و10 سفن برمائية هجومية، و21 زورق دورية.

وفى السياق ذاته؛ أعلنت طهران فى ديسمبر 2023، إطلاق قوات “بسيج بحرى” عابرة للمحيطات، وتزويدها بسفن كبرى ومتوسطة الحجم تمكنها من الإبحار حتى شواطئ تنزانيا، وفى يناير 2024؛ أعلنت دخول  المدمرتين “سهند” و”البرز” فى إطار المجموعة الـ94 التابعة لبحرية الجيش الإيرانى البحر الأحمر عبر مضيق باب المندب، إضافة إلى حاملتى الصواريخ المدرعتين “زره” و”خدنك”.

3- إجراء محادثات إيرانية أمريكية غير مباشرة بشأن الحوثى؛ أفاد تقرير نشرته صحيفة “فايننشيال تايمز” يوم 13 مارس الجارى، أن الولايات المتحدة أجرت محادثات سرية مع إيران، استضافتها سلطنة عُمان فى 10 يناير الماضى، لإقناع طهران باستخدام نفوذها على الحوثيين لإنهاء هجماتهم على السفن فى البحر الأحمر، ووقف الضربات على القواعد الأمريكية فى المنطقة.

ووفقًا للصحيفة؛ ترأس الوفد الأمريكى مستشار البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط بريت ماكغورك ومبعوثه الخاص إلى إيران أبرام بالى، فيما مثل إيران نائب وزير الخارجية الإيرانى “على باقرى كانى”، وكان من المقرر إجراء جولة ثانية من المفاوضات بمشاركة “ماكغورك” فى فبراير الماضى، ولكن تم تأجيلها.

ويتضح من إجراء هذه المحادثات، فى حال التأكد من انعقادها حقًا، أن واشنطن أدركت أن الردع العسكرى وحده، لا يكفى للتعامل مع التوترات الحالية فى المنطقة، وأنه يجب أيضًا اللجوء إلى الأداة الدبلوماسية فى تعاملها مع إيران وأذرعها.

4- انعقاد مناورات بحرية مشتركة بين إيران وروسيا والصين فى خليج عمان وبحر العرب؛ وذلك خلال الفترة 12-15 مارس الجارى، وبمشاركة أكثر من 20 سفينة، وسفينة دعم وزوارق قتالية من الدول الثلاث، بالإضافة إلى مروحيات بحرية.

ومن السفن المشاركة فى التدريبات؛ مدمرة الصواريخ الموجهة الصينية “أورومتشي”، وفرقاطة الصواريخ الموجهة الصينية “ليني”، وسفينة التزويد بالوقود “دونغبينغهو”، فيما أرسلت روسيا مجموعة من سفن أسطولها بالمحيط الهادئ بقيادة الطراد “فارياغ”، إلى جانب مشاركة الوحدات العائمة ووحدات الطيران التابعة للبحرية الإيرانية.

وقد أُجريت المناورات فى شمال المحيط الهندى، على مساحة 17 ألف كيلومتر مربع من المياه، بهدف تحسين التجارة ومواجهة القرصنة والإرهاب ودعم الأنشطة الإنسانية وتبادل المعلومات فى مجال الإنقاذ.

5- تقارب إيرانى سودانى؛ حيث يأتى طلب طهران فى ضوء تحسن ملحوظ فى العلاقات بين البلدين، بدءًا من عودة العلاقات بينهما فى أكتوبر 2023 بعد انقطاع دام أكثر من 7 سنوات، والتى تبعها زيارة وزير الخارجية السودانى “على الصادق على” إلى إيران فى 6 فبراير الماضى.

يُضاف إلى ذلك؛ أفادت تقارير فى يناير الماضى، بأن إيران سلمت للجيش السودانى طائرات مسيرة من طراز “مهاجر6″، وكان لهذه الطائرات دورًا مهمًا فى استعادة الجيش السيطرة على مناطق مهمة فى الخرطوم وأم درمان.

كما تحدثت بعض التقارير عن وجود خبراء إيرانيين فى قاعدة “وادى سيدنا” العسكرية التابعة للجيش السودانى فى شمال أم درمان، يقومون بتدريب أفراد الجيش على استخدام طائرات “مهاجر6″، ما يؤكد تنامى العلاقة المشتركة بين الدولتين.

دوافع إيرانية عدة:

لا شك أن السياق الذى يأتى فيه الحديث عن تمدد إيران عسكريًا فى الخارج، يوضح أنه لدى إيران العديد من الدوافع والأهداف التى تسعى إليها طهران من هذا التحرك؛ ومن بينها:

1- إحكام قبضتها على البحر الأحمر؛ حيث من شأن وجود قاعدة بحرية على البحر الأحمر، أن يسمح لطهران بتشديد قبضتها على هذا الممر الحيوى، وبالتالى إمكانية التحكم فى حركة الملاحة بالمنطقة، فضلًا عن تعزيز موقفها فيما يخص تقديم الدعم للحوثيين المتمركزين فى اليمن وحمايتهم.

كما أن هذه المساحة الإستراتيجية التى ستكتسبها طهران للإشراف والتمدد جيوسياسيًا على البحر الأحمر، قد تكون مسرحًا جديدًا للعمليات الإيرانية فى حال نشوب حرب مع منافسيها الإقليميين؛ إذ يمكنها مثلًا زرع ألغام بحرية للاستفادة من موقعها فى الشرق الأوسط، أو تعطيل شحنات النفط المارة بالمنطقة.

2- الاستفادة من الحرب للتمدد فى السودان؛ نظرًا لأنه يُعد مفترق طرق إستراتيجيًا بين الشرق الأوسط ودول إفريقيا الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، فضلًا عن امتلاكه ساحلًا على البحر الأحمر يبلغ طوله 400 ميل، إلى جانب استمرار الحرب الأهلية فى البلاد، والتى توفر فرصة لإيران من أجل تنفيذ أغراضها التوسعية.

وترى طهران فى السودان قاعدة انطلاق لتحقيق طموحها فى القرن الإفريقى، بجانب تنشيط خط إيصال السلاح إلى غزة، على نحو ما كان يحدث من خلال تحالفها مع نظام الرئيس السودانى المخلوع “عمر البشير”، فضلًا عن كسب ورقة جديدة لمناكفة الولايات المتحدة التى تنخرط حاليًا فى الحرب السودانية، ولذلك تسعى إيران إلى الاحتفاظ بعلاقة جيدة مع الجيش السودانى ومضاعفة الدعم العسكرى لقواته.

3- محاولة تعكير صفو التطبيع السودانى الإسرائيلى؛ حيث كانت الخرطوم من الدول المنفتحة على تطبيع العلاقات مع إسرائيل فى أعقاب اتفاقات إبراهام الموقعة عام 2020، ولكن مع استئناف العلاقات بين السودان وإيران والحديث عن تقديم دعم عسكرى للجيش، أُثيرت تساؤلات حول ما إذا كان هذا سيؤثر على مسار التطبيع مع تل أبيب أم لا.

وهنا قد انقسمت الآراء بين من يرى أن عملية التطبيع مع إسرائيل لن تتوقف، خاصةً وأن العلاقات مع طهران فى طور التكوين والتشكل، ولذلك من السابق لأوانه التكهن بمآلات الخطوة، وبين من يرى أن التقارب السودانى الإيرانى سيؤثر سلبًا على علاقات الخرطوم مع تل أبيب.

4- تخفيف آثار عزلة طهران الاقتصادية والسياسية؛ عن طريق بناء تحالفات جديدة تمكنها من مواجهة الضغوط الأوروبية والأمريكية، وضمان توسيعها لجبهات جغرافيا المقاومة؛ حيث إذا جعلت إيران إفريقيا جزءًا من العمق الإستراتيجى لها؛ فإن ذلك سيتيح لطهران الفرصة لتوجيه ضربات إلى واشنطن فى هذه المنطقة، ولذلك عملت الدبلوماسية الإيرانية على توسيع نشاطها مبكرًا، من خلال إحياء العلاقات الدبلوماسية مع الدول التى قاطعتها، وبالفعل تمكنت من استعادة علاقاتها مع جيبوتى والسودان عام 2023.

استنتاجات ختامية:

– تواصل إيران تنفيذ خطتها الإستراتيجية فى استهداف المناطق الهشة سياسيًا وعسكريًا، وهو ما فعلته مع الحوثى فى اليمن والمليشيات المسلحة فى العراق وسوريا.

– نظرًا للوضع الراهن؛ من غير المرجح أن يحدث فى المنظور القريب، أى تطور لافت فى العلاقات السياسية بين السودان وإيران، يسمح لها باستغلال الأراضى السودانية أو الموانئ أو السواحل لأى نشاط عسكرى، ومن ثم؛ قد تقتصر العلاقات بينهما الآن على مشتريات السلاح.

– هناك عقوبات تقف أمام دوافع التوسع الإيرانى فى إفريقيا؛ منها: علم السودان بحساسية ملف البحر الأحمر للدول المتشاطئة عليه، لما له من درجة عالية من المحاذير على أمنها القومى، تأثير العقوبات السلبى على الاقتصاد الإيرانى، مما يحجم قدرة طهران على مجاراة إستراتيجيات خصومها الإقليميين والدوليين بإفريقيا، وتفيد بعض المؤشرات بأن مرحلة ما بعد الحرب على غزة، ستشهد تصعيدًا غربيًا وإسرائيليًا لمحاصرة طهران ومنعها من توسيع دوائر نفوذها فى الخارج، بما فى ذلك شرق إفريقيا، مما سيؤثر على مواقف دول المنطقة من التعاون مع إيران.

– اللعب بورقة الملاحة البحرية، يُعد مبدأ راسخ فى السياسة الخارجية الإيرانية وخاصةً بأوقات الأزمات، ولكن نظرًا لعدم قدرتها على تطبيق هذا المبدأ فى الوقت الراهن فى الخليج العربى ومضيق هرمز، خوفًا من أن يضر ذلك بعلاقاتها مع دول الخليج العربى وخاصة السعودية، فإنها تحاول تعزيز تمركزها على البحر الأحمر، ليكون هو البديل البحرى الجديد الذى تلعب فيه طهران دورها المعهود.

– اعتماد إيران دبلوماسية الطائرات المسيرة؛ والتى تقوم على توسع نفوذ طهران فى مقابل إمداد الدول التى تعانى اضطرابات أمنية بالمسيرات، وقد اتبعت إيران هذا النهج مع عدد من الدول؛ مثل روسيا وإثيوبيا وفنزويلا وطاجكستان، فضلًا عن حركة بوليساريو الانفصالية.

كلمات مفتاحية