الحرب التي أعادت ثقافة الجاهلية

بقلم دكتور أحمد الشحات 

مدير مركز شاف للدراسات المستقبلية

ونحن على مشارف مرور عام على بدء الحرب الأوكرانية بحثت كثيرًا عن توصيف موضوعي لتلك الحالة فلم أجد غير أنها عودة لثقافة الجاهلية التي تستعرض فيها القوة وفرض الواقع والنفوذ والتوسع دون أي اعتبارات أخرى، تشكلت الفكرة من تحرك الرئيس بوتين الذى راودته أحلامه بضرورة ارتداء زي القياصرة واستعادة المجد الإمبراطوري المفقود بالإغارة على دولة جارة دون الاعتراف بأي حدود جغرافية، فنهض لتنفيذ حلمه وسط تقديرات موقف خاطئة أربكت العالم كله بشكل لا يتناسب مع ملامح وطبيعة الحياة الراهنة.

وبالطبع تحركت أوكرانيا للحفاظ على أراضيها وسيادتها، وانتفضت الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب لحماية النفوذ والكبرياء وكرسي عرش العالم، واستخدموا الدولة المغار عليها في حرب بالوكالة تتهافت عليها الأسلحة والمعدات والمعلومات لتنفيذ سياسة تكسير العظام وموازنة الوضع ووقف جماح القياصرة الجدد؛ وسط مشهد تتعاظم فيه المقدرات الاقتصادية الأمريكية وتنظر للعالم بشفقة في رسالة مفادها «أنا مازلت اللاعب الأوحد رغم محاولات الأخرين ودائمًا الفائز في المعادلة»، فمثلًا جعل الدولار السلعة الأهم وتصدير الغاز لأوروبا بأرقام مبالغ فيها تحملها اختيارات الضرورة، واكتفاءها الذاتي من مصادر الطاقة مستمر، مع تزايدها قدراتها الأمنية وصفقاتها التسليحية وغير ذلك.

وفي ضوء تلك الحالة الجاهلية يقودنا هذا الصراع للقوة كحاكم رئيس وفاعل في رسم العلاقات الدولية، ومع تعدد التحليلات التي تناولت تلك الأزمة سواء المحايدة المتزنة أو المتطرفة أحيانًا، فمنهم من سيحتفي بمرور عام على الحرب والأخر يستعد لإقامة العزاء، ويتأكد لنا أن الحرب الروسية الأوكرانية قد خرجت من إطارها الثنائي إلى حرب عالمية كاملة بمعطيات وملامح مختلفة تتوسع تداعياتها الدولية على الشعوب كافة بتفاوت محزن، وسارت إلى عنوان من يستمر ويقتل ويدمر أكثر وأسرع ستكون له الغلبة وسيرسم ملامح قانون الغابة.

وهنا ذهب العالم النامي كما وصفه الغرب إلى اللهث وراء الحفاظ على الحد الأدنى من مقدرات المعيشة ورضاء الشعوب، بعد أن تركوه وسط  تخبط  في سياسات اقتصادية متنوعة ومشكلات أمنية متتالية، وأحلام تنموية محدودة، في انتظار ما سيحدث وما سيجلبه له الغرب وولاياته المتحدة لكى يسير الناميون في رحابهم مجبورين.

ختامًا

بتناولي هذا يزداد اليقين بأن الدرس الأكبر ضرورة استدعاء مقولة الحكماء من يملك قوت يومه يملك قراره، فلابد من حشد إمكانيات الدولة وتعزيز طاقاتها واستنفار جهودها وآلياتها المختلفة بشكل علمي متناغم متزن يراعي جميع الاعتبارات وخاصة الاجتماعية، وأن نثبت لأنفسنا قبل العالم أننا قادرون على الصمود، مع تعظيم ثقافة الاستغناء واستهداف حالة الاكتفاء الوطني وتنظيم فقه الأولويات، وتجنيب الفرعيات وذلك للحفاظ على الكيان من أجل العبور والوصول.

كلمات مفتاحية