الحكومة التونسية الجديدة تؤدي اليمين الدستورية.. ماذا بعد؟

إعداد: رضوى رمضان عبد الفتاح شريف

أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد أمس الاثنين قرار تسمية رئيسة الحكومة وأعضائها، وأدت الحكومة التونسية الجديدة برئاسة رئيسة الوزراء نجلاء بودن اليمين الدستورية أمام الرئيس قيس سعيد بقصر قرطاج، وتعليقًا على تشكيل الحكومة الجديدة، قالت رئيسة الحكومة نجلاء بودن: “نسعى لإعادة ترتيب الأولويات واستعادة ثقة المواطن بالعمل الحكومي.

يأتي تشكيل الحكومة الجديدة في ظل ردود فعل غاضبة واسعة بالأوساط السياسية والرسمية التونسية حتى الآن منذ تصريحات الرئيس التونسي الأسبق محمد منصف المرزوقي بباريس، التي دعا فيها لتدخل فرنسا ضد إجراءات الرئيس قيس سعيد، في خطوة أدت لاستهجان الداخل التونسي؛ حيث أدانت وزارة الخارجية التونسية تصريحات المرزوقي، واصفةً تصريحاته بالمشينة، وتُعطلُ المسار التصحيحي للتجربة الديمقراطية التي تعيشها البلاد، وحذَّر الرئيس التونسي قيس سعيد أي طرف خارجي من التدخل بشؤون البلاد، كما دعا حزب (التحالف من أجل تونس) رئيس الجمهورية قيس سعيد لسحب الامتيازات التي يتمتّع بها منصف المرزوقي كرئيس سابق، و يقابل المواقف السياسية والرسمية وعيًا سياسيًّا تونسيًّا يمكن لمسه بالشارع التونسي، بين مؤيد ومعارض، ويوضح هذا الوعي ما يصب بمصلحة التونسيين، وما يشكل خطرًا حقيقيًّا للبلاد.

وعقب إقالة حكومة المشيشي، جاء قرار تكليف نجلاء بودن لتصبح رئيسة الحكومة الثالثة التي يقوم الرئيس سعيد بتكليفها لتشكيل حكومة جديدة؛ ما يؤكد قوة الدور الذي يلعبه رئيس الدولة بالحياة السياسية التونسية خلال العامين الأخيرين، وقد تواجه الحكومة المُشكَّلةُ حديثًا تحت رئاسة نجلاء بودن تحديات كبيرة بظل الاستقطاب السياسي الذي تعيشه تونس.

ملامح الحكومة الجديدة

حضور نسائي قوي: وبذكر رئيسة الحكومة نجلاء بودن، يُعدُّ سابقةً تاريخيةً تولِّي أول امرأة عربية المنصب بوسط البلدان العربية بشكل عام، وتُعَدُّ علامةً فارقةً ونقلةً جديدةً وخروجًا عن المألوف الذُّكوري بتونس بشكل خاص، وجاء اختيار بودن بتأنٍ من الرئيس قيس سعيد بعد عدة أسابيع منذ حراك 25 يوليو، خاصةً بعد أن خاب أمله في هشام المشيشي الذي اختاره كرئيس للحكومة، ثم سرعان ما انقلب عليه وتمرد واصطف بصفوف حركة النهضة.

لم يتوقف الحضور النسائي على منصب رئيس الحكومة فقط، بل شهد مجلس الوزراء حضورًا نسائيًّا قويًّا بالتشكيلة الحكومية الجديدة، وضمَّ مجلس الوزراء الجديد 8 وزيرات، حملت بعضهن حقائب سيادية من إجمالي 23 حقيبة وزارية، ويشير الحضور النسائي إلى تعمُّد الرئيس التونسي قيس سعيد تكريم المرأة التونسية.

حكومة كفاءات: تكمُن أولوية الحكومة باستعادة الثقة بالدولة من قبل كافة المواطنين، وإعادة الأمل للتونسيين بمستقبل وظروف عيش أفضل؛ إذ يغلب طابع الكفاءات الشبابية والمتميزة كسمة واضحة بفريق الحكومة الجديدة المكلفة بتحسين الأوضاع.

تحديات الحكومة الجديدة

من المقرر أن تواجه رئيسة الحكومة الجديدة جملةً من التحديات المتنوعة بالمجالات كافة، ومن أبرزها ما يلي:

  • مواجهة أزمة كورونا: وصفت اللجنة العلمية لمواجهة كورونا بالبلاد الوضع الوبائي في البلاد بالخطير، وذلك لضبط الزيادة المستمرة بأعداد المصابين على الرغم مما شهدته البلاد خلال الفترة الأخيرة من تطبيق صارم للإجراءات الوقائية والاحترازية بمواجهة وباء كورونا رغم كثافة حملات تطعيم المواطنين باللقاحات المضادة لكورونا.
  • الأزمة الاقتصادية: تطرح الأزمة الاقتصادية المتفاقمة بالبلاد نفسها على قائمة أولويات الحكومة الجديدة، ومن أبرز مؤشرات الأزمة ارتفاع المديونية العامة خلال العام الجاري بحوالي 35 مليار دولار، تشكل حوالي 85% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنةً بـ(30 مليار دولار نهاية 2020)، وتزايد معدلات البطالة التي وصلت إلى حوالي 17.8% خلال الثلث الأول من العام الجاري، بعد أن كانت حوالي 17.4% خلال الربع الثالث من عام 2020، بجانب الانكماش الاقتصادي التونسي الذي وصل إلى 8.8% خلال عام 2020، إضافةً للتحدي الاقتصادي الأكبر بضرورة تحسين موقف تونس التفاوضي مع صندوق النقد الدولي للحصول على قروض جديدة لإنعاش الاقتصاد الوطني، والتفاوض بشأن جدولة الديون الخارجية على البلاد؛ لذا فإن تراجع الأوضاع الاقتصادية تفرض على الحكومة الجديدة وضع سياسات اقتصادية تقشفية لحل المشكلات وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية للبلاد خلال الفترة القادمة.
  • مكافحة الفساد: قد تضع الحكومة الجديدة إشكالية مكافحة الفساد على قائمة أولوياتها، خاصةً أن الأمر يحظى باهتمام شخصي من قِبَل الرئيس قيس سعيد الذي يحمل على عاتقه عملية مواجهة الفساد بشتى صوره منذ إعلانه الإجراءات الاستثنائية، وقيامه بمتابعة التحقيقات الخاصة للمتورطين بقضايا الفساد بنفسه.

ختامًا، يشهد الوضع التونسي الحالي شدًّا وجذبًا بين أطراف الدولة، إضافةً للمخاوف من تدخلات خارجية بشؤون البلاد، وقد يعقد الكونجرس جلسة يوم 14 أكتوبر بشأن الأزمة التونسية، وهذا لم يحدث منذ عشرات السنين؛ لذا فإن تصحيح المسار الديمقراطي بتونس يتطلب وقتًا، خاصةً بعد إعلان تشكيل الحكومة الجديدة… فماهي الخطوة التالية؟

سيناريوهات مستقبلية

تعديل الدستور

بالرغم من الترحيب بالدستور التونسي كواحد من أكثر الدساتير تقدميةً بالمنطقة العربية، أنشأت وثيقة تونس لعام 2014 نظام حكم شبه رئاسي، أدَّى في ظل وجود أحزاب سياسية ضعيفة وديمقراطية ناشئة إلى تفاقم الخلافات بين الرئيس ورئيس الوزراء منذ دخوله حيّز التنفيذ منذ سبع سنوات؛ حيث أنتجت الانتخابات التشريعية في 2019 برلمانًا مُجزأ؛ ما يعكس الاستقطاب السياسي العميق بتونس حتى مع استمرار الترحيب به، باعتباره قصة النجاح الوحيدة بين ثورات الربيع العربي، والنظام والنموذج الديمقراطي المطبق بتونس، والذي قيل: إنه غير تمثيلي، بالأشهر التي سبقت تدخل سعيد، أدَّى الصراع على السلطة بين البرلمان والرئاسة لجمود سياسي؛ حيث لم يعد الرؤساء التنفيذيون الثلاثة – الرئيس ورئيس البرلمان ورئيس الوزراء – على شروط الحديث.

قد يتم تعديل عدد من النصوص الدستورية، إذ لمَّح الرئيس قيس سعيد مسبقًا بتصريح له بشأن مستقبل الوضع السياسي بتونس بأن: “الدساتير ليست أبديةً ويمكن إحداث تعديلات تستجيب للشعب التونسي، ملوحًا بإمكانية تعديل دستور 2014.

خارطة الطريق

قد تكون الخطوة المستقبلية لتهدئة الداخل التونسي تستدعي وجود خارطة الطريق؛ حيث لا توجد تحديثات على رؤية الرئيس قيس سعيد بخصوص خارطة الطريق نحو استعادة السياسة الشاملة، وكلما طال الانتظار نفد صبر الجمهور والمجتمع المدني والأحزاب السياسية؛ ما يزيد من اختبار شرعية أفعال الرئيس التونسي ويهدد استقرار البلاد الهش، ويتطلب تطوير خارطة الطريق التركيز على سُبُل تسريع الفترة الانتقالية وتشجيع الحكومة الجديدة باتخاذ إجراءات اقتصادية عاجلة تمنح الأمل للمواطنين وتعزيز ثقافة الإنتاج والحفاظ على السيادة الوطنية.

لن تسفر نتيجة التغيير الأخير بتشكيل حكومة جديدة عن نتائج إيجابية إلا إذا تم استكمالها بخارطة طريق سياسية يمكن أن تُعيد البلاد لوضع مستقر، فإن المظالم ضد الأحزاب السياسية الرئيسية لا تقبل الجدل، لكن دورها لا يزال ضروريًّا لديمقراطية سليمة.

توصيات

  • يجب أن يضمن أيّ مشروع مستقبلي احترام التزامات تونس الدولية، لا سيما فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان، بما في ذلك حقوق المرأة وحقوق المهاجرين وحرية التعبير، وتكوين الجمعيات والمشاركة بالحياة السياسية للبلاد من الحقوق الأساسية التي كفلها دستور 2014، يجب احترامها لمنع أي عودة إلى دولة بوليسية.
  • يجب أن تكون استقلالية الهيئات العامة المستقلة، المدرجة بالفصل السادس من الدستور التونسي، بصميم أولويات الحكومة الجديدة ومدعومة منذ إنشائها من قِبَل منظمات المجتمع المدني، بما في ذلك (الأورو – متوسطية) للحقوق، هذه الهيئات هي الضامن لاحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، فاستقلالهم ضروري للانتقال الديمقراطي.
  • يجب أن يتم وجود عقد اجتماعي متجدد، فبالرغم من المكاسب الكبيرة التي حققها التونسيون منذ عام 2011، استمر الإقصاء السياسي والاجتماعي بتأجيج المظالم العامة، وتؤكد استطلاعات الرأي أن غالبية التونسيين يعتقدون أن ظروفهم المعيشية تدهورت منذ عام 2011، وأن ​​الأحزاب السياسية لم تُدِر – بشكل جيد – الجوانبَ الاقتصادية والاجتماعية للمرحلة الانتقالية؛ فالإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والهيكلية بتونس تتطلب أكثر من مجرد حكومة عاملة، إن الدافع الأساسي للأزمة بتونس هو افتقار الهياكل الحالية للشرعية الشعبية، فبدون عقد اجتماعي متجدد وجمهور كبير لهذه الإصلاحات المؤلمة، لن تتمكن أي حكومة من اتخاذ القرارات الصحيحة.

 

كلمات مفتاحية