إعداد: رضوى الشريف
أكد الوزراء المشاركون في الاجتماع الوزاري السادس المشترك للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون لدول الخليج العربي وروسيا الاتحادية، أهمية الحوار الاستراتيجي بين منظومة دول مجلس التعاون وروسيا؛ من أجل تحقيق المصالح المشتركة وتعزيز الصداقة والثقة المتبادلة والتعاون بين الجانبين، وأكد الوزراء في البيان المشترك الصادر عن الاجتماع الذي عقد في العاصمة الروسية موسكو، يوم الإثنين الماضي، الدور المهم الذي تلعبه دولهم في دعم الاقتصاد العالمي، واستقرار أسواق الطاقة.
واستهلَّ وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في بداية خطابه، بأن العلاقات بين روسيا ودول المجلس التعاون الخليجي استراتيجية، وتواصل التطور بشكلٍ ديناميكيٍّ، مشيرًا إلى أن التبادل التجاري بين الطرفين في تزايدٍ مستمرٍ، وقد تجاوز 11 مليار دولار، في عام 2022، بزيادة قدرها 6 %، مقارنة بعام 2021، من جانبه، أشاد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، جاسم محمد البديوي، بالعلاقاتِ بين روسيا ودول المجلس، مشيرًا إلى أن تعاونَ روسيا في “أوبك +” ساهمَ باستقرارِ سوق النفط.
ومن اللافت، أن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، اجتمع هذه المرة مع وزراء الخارجية “البحريني، والكويتي، والعماني، والسعودي”، ووزيري الدولة للشؤون الخارجية “القطري، والإماراتي”، والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، في لقاءٍ هو الثاني من نوعه في هذا الإطار، منذ بدْء الحرب الروسية المفتوحة في أوكرانيا.
ويعقد مجلس التعاون الخليجي عدة حوارات استراتيجية مع دول ومجموعات إقليمية حول العالم أكثر من أحد عشر حوارًا استراتيجيًّا؛ من بينها روسيا؛ وذلك بهدف توسيع التعاون والتشاور في جميع المجالات، ويعتبر الحوار الاستراتيجي بين روسيا ومجلس التعاون الخليجي هو مبادرة تهدف إلى تعزيز العلاقات والتعاون بين الجانبين في مختلف المجالات والقضايا الدولية والإقليمية، وعقد الاجتماع الأول في إطار الحوار الاستراتيجي بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي في الرياض عام 2017، والثاني في العاصمة الإماراتية أبوظبي عام 2019، وكان الاجتماع الوزاري المشترك الخامس للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون الخليجي وروسيا عقد في العاصمة السعودية، الرياض، في يونيو 2022، بحضور وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ومن المنتظر أن تعقد الجولة القادمة في قطر.
مخرجات الاجتماع السادس
الأزمة “الروسية – الأوكرانية”: رحَّب البيان المشترك الصادر عن الاجتماع بجهود دول مجلس التعاون الخليجي في الوساطة؛ بهدف تهيئة الظروف لحل سياسي للأزمة في أوكرانيا، وفق القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وأعرب عن أمله في أن تؤدي هذه الجهود إلى تحقيق عادل، والسلام الشامل والمستدام، واستعادة الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة، وشدَّدوا على أهمية الحصول على الغذاء والأسمدة، والوصول دون عوائق إلى الأسواق العالمية، وكذلك المساعدات الإنسانية؛ من أجل المساهمة في توفير الأمن الغذائي للبلدان المتضررة.
مكافحة الإرهاب: أعرب الوزراء عن إدانتهم للإرهاب مهما كان مصدره، ورفضهم جميع أشكاله ودوافعه ومبرراته، وأكدوا على أهمية مواجهة انتشار الفكر الإرهابي والتطرف، بما في ذلك على الإنترنت، والعمل على تجفيف منابع تمويل الإرهاب، وعبروا عن تصميمهم على تعزيز الجهود الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب والتطرف، شدَّدوا على ضرورة منع تمويل وتسليح وتجنيد الجماعات الإرهابية من قِبَلِ أفراد أو كيانات، والتصدي لكافة الأنشطة التي تهدد أمن واستقرار المنطقة.
الاتفاق “السعودي – الإيراني”: رحب الوزراء باتفاق المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية مع جهود وساطة سلطنة عمان وجمهورية العراق وجمهورية الصين الشعبية، والتي تضمنت استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلديْن، معربين عن أملهم في أن تشكل هذه الاتفاقية خطوة إيجابية لحل الخلافات وإنهاء جميع النزاعات الإقليمية، من خلال الحوار والوسائل الدبلوماسية، مؤكدين أهمية العلاقات بين الدول القائمة على التفاهم والاحترام المتبادل وحسن الجوار واحترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والالتزام بميثاق الأمم المتحدة والقوانين والأعراف الدولية.
الحفاظ على الأمن البحري: أكد الوزراء دعمهم لإجراءات خفض التصعيد وبناء الثقة بين دول المنطقة؛ من أجل تعزيز وضمان الأمن في هذه المنطقة ذات الأهمية الاستراتيجية من العالم، مشيرين إلى أهمية الحفاظ على الأمن البحري وأمن الممرات المائية في المنطقة، ومعالجة التهديدات لخطوط الشحن البحري والتجارة الدولية والمنشآت النفطية في المنطقة بدول مجلس التعاون الخليجي.
القضية الفلسطينية: وشدَّد البيان أيضًا على ضرورة استئناف عملية سلام ذات مصداقية، تهدف إلى التوصل إلى حلٍّ عادلٍ للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتيْن، وفقًا لقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة ومبادرة السلام العربية، وإقامة اتفاق سلام الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ووقف الاستيطان وجميع الإجراءات أحادية الجانب، واحترام الوضع التاريخي القائم في مدينة القدس ومقدساتها، وأعرب الوزراء عن دعمهم للجهود الرامية إلى تحقيق المصالحة الفلسطينية والوحدة الوطنية على أساس البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، مشيدين بجهود المملكة العربية السعودية لإحياء مبادرة السلام العربية، والإحاطة علمًا بتقديم مقترحات روسية في الاجتماع بهدف تعزيز الدعم الدولي والإقليمي لعملية السلام، كما عبروا عن قلقهم بشأن الإبلاغ عن الغارة الإسرائيلية الأخيرة على / جنين / والخسائر البشرية الناتجة عنها، وشددوا على ضرورة خلق واستدامة بيئة تسمح للفلسطينيين والإسرائيليين بالعودة إلى الحوار السياسي الجاد، والامتناع عن أيِّ أعمال أحادية الجانب من شأنها تقويض هذه الجهود.
الأزمة اليمنية: أشاد الوزراء بجهود الوساطة التي تقوم بها المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان للتوصل إلى تسوية سياسية في اليمن، مؤكدين دعمهم لمجلس القيادة الرئاسي في اليمن، برئاسة الرئيس الدكتور، رشاد محمد العليمي، معربين عن أملهم في ذلك، التوصل إلى حل سياسي، وفق المبادرة الخليجية وآلية تنفيذها ونتائج مؤتمر الحوار الوطني اليمني وقرار مجلس الأمن رقم 2216، ودعا الوزراء كافة الأطراف اليمنية إلى الشروع الفوري في مفاوضات مباشرة تحت رعاية الأمم المتحدة، والالتزام باستمرار الهدنة، ودعم الاحتياجات الإغاثية والإنسانية والتنموية للشعب اليمني، ودعوا الأمم المتحدة وجميع الدول إلى التعاون واتخاذ موقف حازم ضد ممارسات الحوثيين التي تتعارض مع الجهود الدولية لحل الأزمة.
الشأن العراقي: أكد المجلس على أهمية التزام بغداد بسيادة الكويت، وعدم انتهاك القرارات والاتفاقات الدولية، وبالأخص قرار مجلس الأمن رقم 833، بشأن ترسيم الحدود بين البلديْن واتفاق تنظيم الملاحة البحرية في خور عبد الله، المُبْرم بين البلديْن والمودعة لدى الأمم المتحدة، مطالبين بضرورة استكمال ترسيم الحدود البحرية بين البلديْن لما بعد العلامة 162، وعبَّر الوزراء عن دعمهم لقرار مجلس الأمن رقم 2107، بشأن إحالة ملف الأسرى والمفقودين والممتلكات الكويتية والأرشيف الوطني إلى البعثة الأممية (UNAMI)، متطلعين إلى استمرار العراق بالتعاون لضمان تحقيق تقدم في كافة الملفات، ودعوة بغداد والأمم المتحدة لبذل أقصى الجهود؛ بغية التوصل إلى حل تجاه تلك الملفات.
الأزمة السورية: أكد الوزراء أهمية الحفاظ على وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها وسيادتها، وأعربوا عن دعمهم لجهود المبعوث الخاص لسوريا، مؤكدين على ضرورة بذْل المزيد من الجهود الدولية لدعم الأمم المتحدة، وشدَّد الوزراء على أهمية دور اللجنة الدستورية السورية، معربين عن دعمهم لعمل اللجنة، من خلال التواصل المستمر مع الأطراف السورية في هذه اللجنة ومع المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا، كمُيسِّرٍ لضمان استمراريته وفعاليته، وأعرب الوزراء عن دعمهم للجهود المبذولة لرعاية اللاجئين والنازحين السوريين، والعمل على ضمان عودتهم الآمنة إلى مدنهم وقراهم وفق المعايير الدولية، كما رحَّب البيان بقرار جامعة الدول العربية، بشأن استئناف مشاركة الحكومة السورية في اجتماعات مؤسسات الجامعة، ويأملون أن تأخذ الحكومة السورية زمام المبادرة، وتبدأ في اتخاذ جميع الخطوات اللازمة للتوصل إلى حلٍّ شاملٍ للأزمة.
الأزمة السودانية: أكد الوزراء دعمهم لمحادثات السلام في جدة، وللجهود الدبلوماسية لتمكين الأطراف السودانية من التهدئة وتغليب لغة الحوار وتقريب وجهات النظر؛ للوصول إلى اتفاقٍ يُجنِّب الشعب ويْلات الحروب والنزاعات ويلبِّي تطلُّعاته، ويساهم في تعزيز أمن البلاد واستقرارها، كما أشادوا بدور دول المجلس في إجلاء الرعايا الأجانب وتقديم المساعدات الإنسانية للسودان.
الأزمة الليبية: شدَّد الوزراء على أهمية تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية في ليبيا، وضمان سيادتها ووحدة أراضيها، ووقف التدخل الخارجي في شؤونها، ودعوا إلى خروج جميع القوات الأجنبية من البلاد، وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2656، إلى جانب دعم جهود المبعوث الأممي، عبد الله باتيلي؛ لمساعدة الأطراف الليبية؛ للتوصل إلى حل سياسي، وإجراء الانتخابات، وتوحيد مؤسسات الدولة، كما رحَّبوا بالتوافق الذي توصلت إليه اللجنة المشتركة (6+6)، المُشكَّلة من مجلس النواب الليبي، والمجلس الأعلى للدولة، بشأن القوانين المنظمة لانتخاب رئيس الدولة وأعضاء البرلمان.
ملامح خطة العمل الخمسية
وفي إطار تنفيذ مذكرة التفاهم للحوار الاستراتيجي التي تم التوقيع عليها خلال الاجتماع الوزاري المشترك الأول في 2011، اعتمد الوزراء خلال الاجتماع في موسكو، خطة العمل المشترك للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون وروسيا للفترة 2023-2028.
وحدَّدت خطة العمل المستهدفات المتوقع تحقيقها خلال الفترة المقبلة، والآليات والبرامج اللازمة لتنفيذها، وترجمة تطلعات الجانبين إلى خطوات عملية ملموسة لتحقيق تلك الأهداف.
وتتضمن الخطة تعزيز الحوار السياسي بين الجانبين، ومواصلة الاتصالات المنتظمة بين وزراء الخارجية، وبين كبار المسؤولين والخبراء من دول المجلس وروسيا؛ لتبادل وجهات النظر بصفة منتظمة بشأن القضايا السياسية الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، ومتابعة وتيرة الإنجاز في تنفيذ خطة العمل.
كما اتفق الجانبان، بالعمل على تهيئة بيئة ملائمة لزيادة التبادل التجاري والاستثمار، وتطوير سلاسل إمدادات الطاقة، من خلال تشجيع التواصل بين ممثلي قطاع الأعمال؛ بهدف الاستفادة من فرص الاستثمار في دول مجلس التعاون وروسيا.
ذلك إلى جانب تعزيز التعاون في مجال الطاقة، وعقد اجتماعات منتظمة للمختصين والفنيين في هذا المجال لوضع الأُطُر اللازمة، وإلى جانب التعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، والكهرباء، وكفاءة الطاقة، والطاقة المتجددة، وصناعة الهيدروجين الأخضر، وتقنيات الاقتصاد الدائري الكربوني؛ بهدف تقليل الانبعاثات.
وتتضمن خطة العمل المشترك أيضًا تعزيز التعاون في مجال الصحة، من خلال تبادل الخبرات بين المؤسسات الصحية، والتعاون في مجال التعليم العالي والبحث العلمي، من خلال التواصل وتبادل الخبرات والاستشارات، والتعاون العلمي بين الجامعات، ومؤسسات التعليم العالي، ومراكز البحث العلمي لدى الجانبين.
ختامًا:
أوضحت الجولة السادسة من الحوار الاستراتيجي بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي، أن دول الخليج لا تزال تهدف إلى الجمع بين إنماء العلاقات مع روسيا، التي تؤدي دورًا هامًا في المنطقة، والمساهمة في إنهاء النزاع “الروسي – الأوكراني” المستمرّ منذ أكثر من عام بلا انفراجه في الأفق، ولا شك بأن دول الخليج واجهت ضغوطًا أمريكية كبيرة حتى تتبنى موقفًا واضحًا، وتعزف عن التعاون الاقتصادي والسياسي مع روسيا، عن طريق الانضمام إلى العقوبات بحق موسكو، والتخلِّي عن اتفاقات خفْض إنتاج النفط في إطار آلية “أوبك +”، إلا أن دول الخليج أظهرت استقلاليتها في نهاية المطاف، عن طريق مواصلة التعاون مع واشنطن، وتقديم مساعدات إنسانية لكييف من دون قطع العلاقات عن موسكو.
وفي المقابل، أصبحت تسعى روسيا للدفع بالعلاقات مع دول الخليج، من دون المساس بعلاقات هذه الدول مع الغرب، خاصةً أن دول الخليج يمكنها المساهمة في تسوية بعض الملفات العالقة بين “روسيا، وأوكرانيا”؛ حيث أكد “لافروف” خلال هذا الاجتماع بوضوح، أن روسيا تسعى لبناء علاقات ثنائية مع كلّ دول الخليج، دون المساس بعلاقاتها مع دول الغرب الجماعي؛ ما يعني أنه يمكنها الدفع بالصداقة مع روسيا من دون الخشية من ردّ فعل الغرب، ومن اللافت، أن “لافروف” أكد أيضًا أن التعاون بين دول الخليج وروسيا “غير موجه ضد أي طرف”، مشددًا على أن روسيا وبلدان الخليج لا تسعى للتدخل في علاقات الطرف الآخر مع دول ثالثة.