الدوافع التركية لإحياء ملف انضمامها للاتحاد الأوروبى

إعداد: أحمد محمد فهمي

انطلقت قمة زعماء الدول الأعضاء فى حلف شمال الأطلسى “الناتو” فى العاصمة الليتوانية فيلنيوس، وعلى جدول أعمالها بحث دعم أوكرانيا وطلبها للانضمام إلى الحلف، وكذلك مناقشة ملف انضمام السويد كعضو ٣٢ فى الحلف.

وقد استبق الرئيس التركى رجب طيب أردوغان مشاركته فى القمة بتحديد ثلاثة شروط قبل موافقته على انضمام السويد إلى الحلف، وهي[1]:إحياء مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبى والحصول على العضوية، ورفع بعض دول الحلف قرار حظر الأسلحة المفروض على تركيا منذ عملية “نبع السلام” العسكرية ضد القوات الكردية فى شمال سوريا عام ٢٠١٩، وعدم ربط انضمام السويد بالحصول على مقاتلات “إف ١٦” التى طلبتها من الولايات المتحدة.

وكانت تركيا قد بدأت مفاوضات انضمامها إلى الاتحاد الأوروبى فى عام 2005 وذلك بعد ثلاث سنوات من وصول حزب العدالة والتنمية إلى قمة السلطة فى تركيا، وقد اتسمت المفاوضات بالبطء الشديد إذ فُتح ستة عشر فصلًا فقط من بين الفصول الخمسة والثلاثين اللازمة لإكمال عملية الانضمام للاتحاد[2]، وفى عام 2016 وبعد قيام السلطات التركية بحملات اعتقال واسعة ضد أعضاء جماعة “الخدمة” عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، توقفت المفاوضات بسبب اتهام الاتحاد الأوروبى لتركيا بانتهاك حقوق الإنسان، وفى عام 2018 وصلت المفاوضات إلى طريق مسدود بين الطرفين، ثم قرر البرلمان الأوروبى فى عام 2019 تعليق محادثات انضمام تركيا للاتحاد الأوروبى بعد إعلانه عن قلقه الشديد بشأن سجل تركيا السيئ فى الالتزام بحقوق الإنسان وحكم القانون وحرية الإعلام والمعركة ضد الفساد، بالإضافة إلى نظامها الرئاسى المطلق.

وفى الوقت الحاضر، يسعى الرئيس التركى أردوغان لإحياء ملف مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبى، فى إطار مساومة سياسية مقابل موافقته على انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسى “الناتو”.

وكذلك بعد تراجع تركيا عن سياستها السابقة وإعادة رسم سياستها الخارجية وفقًا لرؤية جديدة تُعرف بـ”قرن تركيا”، والتى تهدف إلى جعل تركيا من الدول الرائدة عالميًا فى المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية وغيرها، بالإضافة إلى التركيز على قضايا القيم والنجاح والسلام فى تركيا والعالم.

أسباب تعليق المفاوضات مع تركيا:

خلال سنوات ما بعد الانقلاب الفاشل فى تركيا فى يوليو 2016، تصاعدت الخلافات بشدة بين تركيا وعدد من دول الاتحاد الأوروبى، وخاصة ألمانيا وفرنسا، وقد نتج عن تلك الخلافات تعثر مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد، ولاحقًا فشلت كذلك كافة الجهود المبذولة من كافة الأطراف للوصول إلى حلول أو تسويات ملموسة وأبرز تلك المحاولات فشل القمة التركية الأوروبية التى عقدت فى مدينة “فارنا” البلغارية عام 2018، ليقرر البرلمان الأوروبى فى العام التالى تعليق المفاوضات مع تركيا، ومن أبرز الملفات التى قرر بسببها الأوروبيون تعليق انضمام تركيا إلى الاتحاد هى:

انتهاكات حقوق الإنسان: اتهم الأوربيون النظام التركى بارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، وذلك عقب الحملات الأمنية الواسعة والاعتقالات الكبيرة فى صفوف الجيش والشرطة والقضاء والصحفيين وأعضاء هيئات التدريس والمعلمين وغيرهم من المعارضين وتحديدًا من منتسبى جماعة “الخدمة” (بالتركية: HIZMET HAREKETI) وهم الموالون للداعية التركى فتح الله جولن المقيم فى منفاه الاختيارى بالولايات المتحدة الأمريكية، والذى تتهمه أنقرة بأنه وراء عملية الانقلاب الفاشلة.

الأنشطة العسكرية: كما كانت دول الاتحاد الأوروبى وخاصة فرنسا، تعارض بشدة العمليات العسكرية التركية المتتالية فى شمال سوريا، التى استهدفت قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، ورأت أن تلك العمليات ستقوض جهود التنظيمات الكردية المسلحة فى مكافحة أنشطة تنظيم “داعش” الإرهابى.

أزمة شرق المتوسط: فرض الاتحاد الأوروبى عقوبات على تركيا جراء قيامها بعمليات تنقيب عن الغاز فى المياه المتنازع عليها فى شرق المتوسط، وتحديدًا قبالة الجرف القارى لقبرص واليونان.

الابتزاز المستمر: بسبب التهديد المستمر والمتكرر للرئيس التركى فى استخدام ورقة اللاجئين وفتح الباب أمامهم للوصول إلى دول الاتحاد الأوروبى، وذلك كرد فعل على عدم حصول بلاده على دعم مادى جراء استضافة بلاده لملايين اللاجئين.

الدوافع التركية لإعادة طلب الانضمام للاتحاد الأوروبى:

فشل الخطط التركية للتوجه الإقليمى:

فى أعقاب فشل تركيا فى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، سعت إلى إعادة توجيه اهتمامها نحو منطقة الشرق الأوسط، وخاصة الدول العربية. ومع ذلك، فشلت المحاولات التركية فى تحقيق أهدافها لعدة أسباب، منها هو اعتقادها الخاطئ بأن الأسواق العربية والإقليمية ستكون بديلًا للأسواق الأوروبية، وهو ما لم يتحقق بسبب السياسات السلبية التى اتبعتها تركيا خلال السنوات الماضية وبخاصة تدخلها فى الشؤون الداخلية للدول العربية، هذا التدخل أدى إلى فرض حظر على استيراد المنتجات التركية من قبل تلك الدول، وتسبب فى حدوث مقاطعة اقتصادية واسعة لتركيا نتيجة لمواقفها السياسية تجاه أزمات المنطقة.

كما فشلت توقعات تركيا بأن الحالة الفوضوية التى مرت بها الدول العربية بعد ثورات الربيع العربى ستستمر لفترة طويلة وأنها ستكون فى حاجة ماسة للمساعدة من تركيا، وقد توقعت أنها ستلعب دورًا رياديًا فى المنطقة فى ظل تراجع قدرة الدول العربية على تقديم دور ملموس، ومع ذلك، لم تستمر هذه الحالة الفوضوية طويلًا، واستطاعت بعض الدول العربية، وخاصةً مصر، الخروج من هذه المرحلة سريعًا واستعادة دورها وريادتها.

كما رأت أن تواجدها العسكرى قد يستمر فى بعض دول المنطقة وقد يتوسع إلى دول ومناطق أخرى فى المستقبل، ومع ذلك، وفى الوقت الحالى، لم تتمكن تركيا من تحقيق طموحها التوسعى بشكل كبير، خاصة فى الحالة السورية حيث فشلت فى تنفيذ عمليات عسكرية واسعة، كما تم تحجيم وجودها العسكرى فى ليبيا خصوصًا بعد خطاب الرئيس السيسى بأن خط (سرت – الجفرة) بمثابة خط أحمر لمصر ولأمنها القومى، وعدم السماح للميليشيات الليبية المتحالفة مع تركيا بعبوره.

كما اعتقدت تركيا بشكل خاطئ أنها يمكن أن تعتمد على دول المنطقة فى إمدادها باحتياجها من الطاقة فقامت بتوقيع اتفاقيات لا تراعى الحدود البحرية لدول المنطقة وذلك على غرار الاتفاقية التى وقعتها مع حكومات الغرب الليبى، ومع ذلك، ومع تشكيل تحالفات جديدة لتعزيز وتحسين العلاقات التجارية فى مجال الطاقة بين دول المنطقة، مثل منتدى غاز شرق المتوسط، لم تتم دعوة تركيا للمشاركة فيه.

ونتيجة لما سبق، سعت تركيا إلى إعادة توجيه اهتمامها نحو ملف انضمامها للاتحاد الأوروبى، وذلك على الرغم من تصحيح سياستها تجاه دول المنطقة، لكنها رأت أن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى سيسهم فى زيادة مكاسبها وتحقيق أهدافها المطلوبة.

إرضاء الكماليين قبل الانتخابات البلدية:

يعتقد قطاع واسع من المؤمنين بأفكار مؤسس الجمهورية التركية، كمال أتاتورك، أن الاندماج مع الدول الأوروبية هو المسار الطبيعى لتركيا بدلًا من التوجه نحو الشرق الأوسط والتعامل مع أزماته، وقد ركز المرشح السابق للانتخابات الرئاسية، كمال كليتشدار أوغلو، على هذه الفكرة خلال حملته الانتخابية، حيث قام بترويج إحياء ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبى، ومع ذلك، فقد اعتمد بشكل سلبى على فكرة دمج السياسة الخارجية التركية بالكامل وبشكل موحد مع السياسة الخارجية الأوروبية فى جميع القضايا، بما فى ذلك تبنى وجهة نظر الاتحاد الأوروبى تجاه الحرب الروسية فى أوكرانيا، والمشاركة فى فرض العقوبات على روسيا، وهذا النهج سوف يؤثر على المكاسب التى حصدتها تركيا نتيجة لدورها كوسيط فى الحرب وحفاظها على علاقاتها الاستراتيجية مع روسيا.

ويرغب الرئيس التركى رجب طيب أردوغان فى أحد أسباب إحياء ملف المفاوضات مع أوروبا هو إرضاء التيار الكمالى وجذب أصواته والحصول على دعم أوسع من الناخبين قبل الانتخابات البلدية فى شهر مارس المقبل، فى إطار مسعاه لاستعادة المدن الكبرى “إسطنبول وأنقرة” من سيطرة حزب الشعب الجمهورى، بالتالى فإذا نجح فى الحصول على العضوية، فإن ذلك سيؤثر بشكل كبير على ارتفاع شعبيته حتى داخل الأوساط المعارضة، مما يعزز مصداقيته وقدرته على تحقيق التقدم فى الملفات الداخلية والخارجية.

تعزيز ملف الإنقاذ الاقتصادى:

يُعَدُّ الملف الاقتصادى أحد أهم الدوافع الداخلية التى دفعت القيادة التركية لإعادة توجيه سياستها الخارجية نحو عدة ملفات خارجية، ومنها إحياء مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، حيث يُعَدُّ الحصول على العضوية فى الاتحاد الأوروبى هدفًا رئيسيًا لتركيا، حيث سيؤدى ذلك إلى زيادة استقرار الاقتصاد التركى كجزء من الاقتصاد الأوروبى، كما ستتاح لتركيا فرصة تسويق السلع والخدمات التركية على نطاق عالمى واسع، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدى الاستقرار السياسى والاقتصادى فى تركيا إلى جذب رؤوس الأموال الأجنبية، وبالتالى زيادة فرص التوظيف وتعزيز سرعة النمو الاقتصادى[3].

بالإضافة إلى ذلك، تسعى تركيا أيضًا لإلغاء العقوبات التى فرضت عليها فى نوفمبر 2019 بسبب تنقيبها عن الغاز فى المنطقة الاقتصادية البحرية لقبرص واليونان، كما أنها تبحث عن تمويل أوروبى لإعادة إعمار المناطق المتضررة جراء الزلزال، كما تسعى للحصول على مساعدة لحل أزمة اللاجئين التى تواجهها، بالتالى إذا تحققت هذه الأهداف، فإن ذلك سوف يعزز من فرص النمو والتطور الاقتصادى فى تركيا، كما يعزز من شعبية الرئيس أردوغان.

دعم التحول من “العثمانية الجديدة” إلى رؤية “قرن تركيا”:

وفقًا لرؤية “العثمانية الجديدة” التى وضعها وزير الخارجية التركى السابق أحمد داود أوغلو، اعتبرت تركيا نفسها المرشح المثالى لقيادة العالم الإسلامى، وعمل أردوغان على تولى هذا الدور وتبنى سياسات توسعية مستوحاة من الإمبراطورية العثمانية، كما سعى للاستفادة من التأثيرات الإقليمية لبلاده فى شمال إفريقيا والشرق الأوسط والقوقاز ووسط آسيا وكذلك أجزاء من أوروبا الشرقية.

ولكن لم تستطع تلك الإستراتيجية تحقيق طموحات وأهداف أردوغان وحزبه، بالتالى سعى إلى رؤية جديدة تصحح وتطور من السياسات التركية من مرحلة “العثمانية الجديدة” والتى لم تعد مواكبة للفترة الحالية إلى مرحلة “قرن تركيا”، بالتالى جاء مسعى أردوغان فى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى كداعم لتحقيق رؤيته.

وقد فسر أردوغان رؤيته الجديدة بأن المئوية الأولى من الجمهورية التركية كانت مئوية الاستقلال، بينما المئوية الثانية “رؤية تركيا” هى مئوية المستقبل، وأبرز مسارات تلك الرؤية هي[4]: الحاجة إلى دستور جديد بدلًا من الدستور الحالى الذى وضع بعد انقلاب عام 1982، كذلك مسار “تركيا الجديدة” التى تقابل عادةً “تركيا القديمة” التى كانت ضعيفة وغير فعالة ومشغولة بالعديد من الأزمات الداخلية والخارجية، والمسار الثالث يتمثل فى فكرة التفوق الأخلاقى حيث يركز على قضايا القيم والنجاح والسلام فى تركيا والعالم، بالتالى يعول أردوغان على حكومته الجديدة فى تنفيذ تلك الرؤية وأن تكون تركيا من الدول الرائدة عالميًا سياسيًا واقتصاديًا وعلميًا وفى مختلف المجالات.

مواكبة التوجهات الإقليمية نحو خفض التصعيد وملفات المصالحة:

تمر منطقة الشرق الأوسط بتغيرات وتحولات أثرت كثيرًا على سياسات الدول وتحالفاتها، ومن أبرز هذه التغيرات هى سياسات خفض التصعيد بين القوى الإقليمية المناوئة وكذلك عمليات المصالحة والتطبيع بين دول المنطقة، تلك المسارات هدفت إلى دعم التعاون والتفاهم بين الدول وحل النزاعات وتعزيز الاستقرار فى المنطقة، بالتالى، عملت تركيا على مواكبة هذه التطورات من خلال إعادة هيكلة سياستها الخارجية نحو إصلاح العلاقات وتعزيزها. وجاءت المساعى التركية لإحياء ملف انضمامها إلى الاتحاد الأوروبى فى إطار التأقلم مع التحولات السياسية والاقتصادية فى المنطقة والمساهمة فى تعزيز التعاون والاستقرار.

دعم الدور التركى فى الأزمات الدولية:

نتيجة للدور الذى لعبته تركيا كوسيط فى الحرب الروسية الأوكرانية، منها احتمالية العمل على إنشاء مركز للغاز بمدينة إسطنبول التركية للقيام بتصدير الغاز الروسى من خلاله الى الدول الأوروبية، تعتقد تركيا أن انضمامها للاتحاد الأوروبى سوف يعزز من دورها فى العديد من الأزمات الدولية الأخرى، وأنها تستطيع من خلال عضويتها إعطاءها دورًا أوسع ليواكب طموحاتها المستقبلية.

وختامًا:

قد تنجح الضغوط التركية على دول الاتحاد الأوروبى فى إعادة فتح ملف المفاوضات من جديد لبحث انضمامها إلى الاتحاد، وذلك مقابل الموافقة التركية على دخول السويد إلى حلف الناتو، لكن من الصعب التكهن بقبولها كعضو فى ظل الإشكالية المعقدة فى العلاقات بين الطرفين.

هذا بالإضافة إلى أن الاتحاد الأوروبى اليوم ليس بنفس وضعه فى الماضى، فهو يعانى من عدة أزمات جراء تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وأزمة الطاقة وغيرها، وتشير التحليلات إلى أن المنظمة الأوروبية ستكون فى حاجة إلى إعادة هيكلة بعد نهاية الحرب فى أوكرانيا.

المصادر:

[1] تركيا تطرح شروطاً جديدة لانضمام السويد لـ«الناتو» فى قمة فيلنيوس”، صحيفة الشرق الأوسط، 10/7/2023، متاح على: https://2u.pw/gocMnC7.

[2] فخر الدين بن مالك، “كليتشدار أوغلو يتعهد بإلغاء التأشيرة الأوروبية للأتراك.. ما واقعية ذلك؟”، موقع عربى 21، 4/5/2023، متاح على: https://2u.pw/SDAQqP5.

[3] Türkiye ve Avrupa Birliği’ne Tam Üyelik Süreci, T.C. Dışişleri Bakanlığı, 3/4/2022: https://2u.pw/1EQjjZr.

[4] سعيد الحاج، “قرن تركيا.. رؤية إستراتيجية أم دعاية انتخابية؟”، موقع الجزيرة نت، 13/11/2022، متاح على: https://cutt.us/sqWlN.

كلمات مفتاحية