هل ستزيد “الرقائق الإلكترونية” حدة التوتر بين واشنطن وبكين ؟

هل ستزيد "الرقائق الإلكترونية" حدة التوتر بين واشنطن وبكين ؟

إعداد : أكرم السيد علي 

هل ستزيد "الرقائق الإلكترونية" حدة التوتر بين واشنطن وبكين ؟

وقعت الولايات المتحدة الأمريكية في الأسابيع القليلة الماضية عددا من الإجراءات التي تتعلق بالعنصر الأهم في تكنولوجيا عالم اليوم ، وهي صناعة أشباه الموصلات أو ما تعرف بالرقائق الإلكترونية ، هذه الإجراءات وجهت بشكل أساسي ضد الجانب الصيني ، وتهدف إلى إعاقة الصناعات التكنولوجية الصينية بما فيها الصناعات العسكرية ، حيث تخطت هذه الإجراءات ما اتخذته واشنطن من قبل عندما ألزمت الشركات بمنع بيع التكنولوجيا إلى شركة هواوي الصينية معللةً ذلك بأسباب تتعلق بالأمن القومي ، لكن هذه المرة اتسمت إجراءات الإدارة الأمريكية بنهج أكثر شمولية.

إجراءات أمريكية

تهدف هذه لإجراءات إلى منع الشركات الأمريكية والأجنبية من تزويد الصين بأشباه الموصلات المتقدمة أو حتى بيع المواد اللازمة لصناعة الموصلات ، علاوة على ذلك فإنه يمنع على أي مواطن يحمل جواز السفر الأمريكي العمل أو المشاركة في صناعة أشباه الموصلات في الصين ، فضلا عن تقديم واشنطن العديد من المميزات لاستقطاب المتخصصين في هذه الصناعة للهجرة إلى الولايات المتحدة ، ووفقا ل “آلان إستيفيز” وكيل وزارة التجارة الأمريكية الذي أعلن الإجراءات الجديدة ، فإن الهدف من وراء ذلك هو ضمان الولايات المتحدة الأمريكية عدم حصول الصين على التقنيات التي تمنكها من تطوير منظومتها العسكرية ، وكما هو متوقع فقد انتقدت الصين هذه الإجراءات وذكرت أن الولايات المتحدة تعامل الشركات الصينية بشكل غير عادل.
وفي سياق متصل ، فإن هذه الإجراءات في ظل اقتصاد معولم لن تتضرر منها الشركات الصينية فحسب ، بل من شأنها أن تحدث آثارا سلبية على الشركات الأمريكية نتيجة لحرمانها من التعامل مع الشركات الصينية التي تعتبر بمثابة مستقبل كبير لأشباه الموصلات التي تحتاج إليها التكنولوجيا الصينية ، وهو ما يفسر إقدام الرئيس الأمريكي “جو بايدن” على توقيع قانون الرقائق والعلوم ، والذي بموجبه ستخصص الولايات المتحدة مليارات الدولارات من أجل دعم الشركات المتخصصة في هذه الصناعة.

وبشكل عام فإن هذا النهج هو بمثابة استمرار ومواصلة لنهج الإدارة الأمريكية السابقة في الحرب التجارية مع الصين ، واتساقا مع استراتيجية الأمن القومي التي أعلنتها واشنطن في بداية أكتوبر الجاري والتي بمقتضاها تعتبر الصين التحدي الأهم بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.

تايوان وصناعة الرقائق الإلكترونية

كانت لصناعة الرقائق الفضل الأول في التطور الاقتصادي الذي مرت به جزيرة تايوان ، حيث تطور الناتج المحلي من ١٤ مليار دولار في العام ١٩٧٣ إلى ٦٠٠ مليار دولار في العام ٢٠٢٠ ، وتعتبر شركة “تي إس إم سي” التايوانية هي أكبر منتجي الرقائق الإلكترونية في العالم ، حيث تسيطر على 54% من حصة سوق الرقائق الإلكترونية في العالم ، وهي ليست الشركة الوحيدة التي تمتلكها تايوان في هذا المجال ، بل لديها ثلاث شركات أخرى بجانب هذه الشركة يتربعون على عرش أكبر الشركات في العالم في هذ التخصص الهام ، وهو ما يعطي تايوان وزنا هاما لاستحواذها على الصناعة الأهم في عالم اليوم ، ويجعلها بؤرة لصراع عالمي يتجدد بين الحين والآخر بين واشنطن وبكين .

والجدير بالذكر أن الأهمية البالغة لهذه الصناعة تنبع من اعتماد كل الوسائل التكنولوجية عليها ، بداية من أجهزة الاتصالات الحديثة وصولا إلى الدبابات والطائرات والصواريخ ، فبدون توفر هذه الشرائح الصغيرة سيدخل العالم في حالة شلل تام ، وستفقد القوى الاقتصادية الكبرى وزنها ، كما أن الطرف الأقوى اقتصاديا هو من يستطيع تطوير قدراته على المستوي البحثي والإنتاجي في هذه الصناعة.

تدويل التنافس

إن الطريقة التي تعاملت الولايات المتحدة الأمريكية تجاه روسيا إثر اندلاع الصراع في أوكرانيا ، وما نتج عن ذلك من قيام واشنطن من فرض عقوبات على روسيا هي طريقة مشابهة إلى حد كبير بالطريقة التي تتعامل بها مع الصين في الصراع التكنولوجي الدائر بينهما ، فمن خلال قيام واشنطن بفرض عقوبات قاسية على روسيا فهي بذلك لا تستهدف أن تغير سلوك النظام الروسي كأن يتحول إلى نظام ديمقراطي ومن ثم ينسحب من الحرب في أوكرانيا ، بل تستهدف واشنطن من جراء هذه العقوبات استنزاف روسيا على الصعيد الجيو سياسي ، نفس الأمر يتعلق بكيفية تعامل الولايات المتحدة مع الصين ، حيث تستخدم الولايات المتحدة الأداة التكنولوجية في محاولة عرقلة تنامي النفوذ الصيني الجيو سياسي ، فعلي الرغم من عدم تربع الولايات المتحدة على عرش تصدير الشرائح وأشباه الموصلات ، إلا أنها على مستوى البحثي  المتعلق بهذا التخصص تعتبر القوة الأولى ، وعلى مستوى علاقاتها مع الدولي المنتجة لأشباه الموصلات كتايوان وكوريا الحنوبية فإن لدى أمريكا علاقات وثيقة مع هذه الدول ، ومن هنا تستخدم واشنطن علاقاتها مع هذه الدول لتدويل تنافسها مع الصين ومن ثم جعل العقوبات والإجراءات التي اتخذتها على المستوى التكنولوجي ذات طابع فعال تستيطع من خلالها الحد من الصعود الصيني.

سيناريوهات المستقبل

يتوقع العديد من المحللين السياسيين الغربيين عدة سيناريوهات ، ولعل أبرزها ما تناوله المحلل السياسي الغربي “ستيف بلانك”

وأول هذه السيناريوهات

هو تجنب الصين لأي تصعيد للأوضاع مع الولايات المتحدة الأمريكية ومن ثم البحث عن بدائل أخرى تعوضها عن القيود الأمريكية المفروضة عليها كتطوير قدرتها الإنتاجية في هذا المجال

وثاني هذه السيناريوهات

هو إجبار الصين تايوان بطريقة أو بأخرى بشكل يضمن لبكين أن تتحكم في إدارة صناعة الرقائق ومن ثم تحكمها في صادرات تايوان من الرقائق إلى الدول الأخرى لا سيما الجانب الأمريكي

وأما السيناريو الأخير

وهو السيناريو الأضعف كما أشار “ستيف بلانك” ، حيث يتعلق هذا السيناريو بأن تستخدم الصين القوة التي من شأنها أن تضمن لها السيطرة التامة على تايوان ومن ثم دخول الطرفين الصيني والأمريكي في مواجهة مباشرة.

ختاما

فإن مصدر التوترات الحالية بشأن هذه الصناعة الدقيقة جدا ينبع من ندرة المتحكمين في اقتصاديات هذه الصناعة ، وبالتبعية فإنه يمكن النظر إلى التوترات الجارية بشأن جزيرة تايوان -كونها المركز العالمي الأهم  في صناعة أشباه المواصلات- ليس فقط على المستوى العسكري فحسب بل يمتد الأمر إلى صراع على الهيمنة العالمية وعناصر القوة ، حيث لا تقل الرقائق الإلكترونية في أهميتها عن مصادر الطاقة بأنواعها المختلفة ، وبطيعة الحال فإن هذه التوترات سينجم عنها كسادا كبيرا على المستوى الصناعي والتكنولوجي ستعاني منه كافة دول العالم -لا سيما منطقة الشرق الأوسط كونها تعتمد بشكل أساسي على استقبال المنتجات الصناعية والتكنولوجية- في حال تحولت التوترات حول تايوان إلى مستويات متقدمة وفي حال استمرت القيود والعقوبات المتعلقة بهذا المجال في التنامي ، وهو ما ستسفر عنه الفترة القادمة.

كلمات مفتاحية