العلاقات المصرية الخليجية في إطار الهوية والمصالح المشتركة

الدراسة متاحة للتحميل

بقلم د/أحمد الشحات: مدير مركز شاف للدراسات المستقبلية

[email protected]

علاقات متجذرة وتاريخ مشترك

لا شك أن العلاقات (المصرية – الخليجية) كانت ولا تزال وستظل علاقات متجذرة، ومؤسسة على دعائم راسخة، تأسست على الانتماء لأمة واحدة، اجتمعت فيها روافد التاريخ والمصير المُشتركيْن، والعقيدة الدينية، والتجاور الجغرافي، والهوية الحضارية، والـتداخل والتشابك المجتمعي.

وتضرب العلاقات (المصرية – الخليجية) بجذورها في أعماق التاريخ، ولقد حرصت مصر دائمًا على الارتباط بدول الخليج؛ انطلاقًا من هوى المصريين تجاه البقاع المقدسة في الجزيرة العربية، كما حرصت مصر على دعم أشقائها في تلك المنطقة القريبة منها، وذلك قبل ظهور النفط وتحسن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لسكان الجزيرة والخليج، وخرجت قوافل التعليم والثقافة والصحة والبناء والإعمار من مصر إلى شقيقاتها في تلك المنطقة، وتواكب ذلك مع ظهور الثروة النفطية، وعلى الجانب الآخر، لم يبخل الخليجيون على مصر في أزماتها الاقتصادية ولا حروبها العسكرية أو ظروفها الصعبة، كما ارتبط الأمن القومي المصري بالأمن القومي لدول الخليج، وتجلَّى ذلك في مواقف كثيرة، لعل آخرها حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت بعد غزو صدام حسين لها، وقد التزمت مصر دائمًا بعلاقات شريفة مع تلك الدول؛ إدراكًا لأهميتها، وحرصًا عليها، وأن تكون في حيازة ثقتها، فذهبت إلى التشاور المستمر معها، منذ عدة عقود.

وتُمثل كلٌّ من مصر ودول مجلس التعاون الخليجي مراكز قوى أساسية في الشرق الأوسط والمنطقة العربية، وقد لعب كلٌّ منها أدوارًا محورية في تاريخ المنطقة وتشكيل توازناتها، وعلى الرغم من أن الصِّلات الدبلوماسية بين الطرفين لم تعبّر دائمًا عن توافق، إلا أن للعلاقة بينهما أبعادًا ثقافية وديموغرافية واقتصادية وثيقة، تجعل منها عُمْقًا إستراتيجيًّا أساسيًّا لهذه الدول لا يمكن تجاوزه، وتعتبر علاقة مصر بدول مجلس التعاون الخليجي علاقة إستراتيجية تستند إلى أرض صلبة من التوافق في (المنظور السياسي، والمصالح الاقتصادية الواسعة، والترابط الاجتماعي والثقافي).

 

مواقف تاريخية فارقة

برزت العديد من المواقف المشرفة لدول الخليج في الحقب التاريخية المختلفة، لعل أبرزها، وعلى سبيل المثال، وليس الحصر، وقوف المملكة العربية السعودية بكل ثقلها إلى جانب مصر، أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956؛ حيث قدمت (100 مليون دولار) بعد سحب العرض الأمريكي؛ لبناء السد العالي ، كما أعلنت المملكة التعبئة العامة لجنودها؛ لمواجهة العدوان الثلاثي على مصر، وعقب العدوان الإسرائيلي عام 1967م، توجَّه الملك (فيصل بن عبد العزيز) بنداء إلى الزعماء العرب، بضرورة الوقوف إلى جانب الدول الشقيقة، المعتدى عليها، وتخصيص مبالغ كبيرة؛ لتمكينها من الصمود، واستمرت المساندة السعودية لمصر حتى حرب أكتوبر 1973؛ حيث ساهمت المملكة في الكثير من النفقات التي تحملتها مصر قبل الحرب، وقادت المملكة معركة البترول؛ لخدمة حرب أكتوبر.

كما مثّل الموقف المصري من الأزمة الخليجية الثانية والغزو العراقي للكويت، في مطلع التسعينيات، عاملًا في غاية الأهمية وكان له أعظم الأثر على تحسُّن العلاقات المصرية الخليجية، طوال الفترة التالية، حتى إنها شكّلت كثيرًا من خلفية الموقف الخليجي العام، وخصوصًا (السعودي، والإماراتي، والكويتي)، تجاه التغيير الذي طرأ في مصر بعد ثورة 25 يناير، فمصر التي رفضت مبدأ خروج قواتها في عمليات خارج حدود مصر في أيّ من نزاعات المنطقة لفترة طويلة، قبل أزمة الخليج الثانية، قد أرسلت قواتها على رأس القوات العربية، التي شاركت في التحالف الدولي؛ لتحرير الكويت، ومن قبلُ، حاولت التوسط؛ لمنع أيّ نزاعٍ مسلحٍ .

 

– مسار العلاقات المصرية الخليجية في أعقاب ثورتي (25 يناير 2011م، و30 يونيو 2013م ).

1. العلاقات المصرية السعودية: قدمت السعودية دعمها (السياسي، والدبلوماسي، والمالي)؛ لمواجهة المواقف المناوئة للثورة، وحظرها أنشطة الجماعات الإرهابية، ومساندة الاقتصاد المصري بعد الثورة.

2. العلاقات المصرية الكويتية: حرص البلدان على مدِّ جسور التعاون إلى كل المجالات، بما يحقق طموحات وتطلعات الشعبين، وتُقدر مصر للكويت دعمها ثورة 30 يونيو من يومها الأول، ومساندة جميع الخطوات التي نتجت عنها لاحقًا، وعلى رأسها، خريطة الطريق بكل استحقاقاتها السياسية والاقتصادية، كما أسهمت في المصالحة بين مصر وقطر؛ لتؤكد اهتمامها بتنقية الأجواء بين الدول العربية اقتصاديًّا.

3. العلاقات المصرية الإمارتية: تتمتع دولة الإمارات بعلاقات إستراتيجية مع الدولة المصرية، واتفاقٍ كاملٍ، وتنسيقٍ حول معظم القضايا الإقليمية، والدولية، والعلاقات الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، التي ظلت تربط بينهما خلال تاريخٍ طويلً؛ سعيًا إلى توثيق روابط الأخوة، القائمة على إدراك الطرفين أهمية التضامن، والعمل العربي المشترك، اتسمت العلاقات (المصرية – الإماراتية) بتواصلٍ مستمرٍ بين البلدين، وكبار مسؤوليها، قائمٍ على التعاون المشترك، والاستثمارات المتبادلة .

4. العلاقات المصرية البحرينية: تنطلق من رؤية موحدة إزاء قضايا المنطقة؛ حيث يشددان على ضرورة إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، والتعامل في هذه القضية وفق معايير موحدة، تطبق على الجميع دون استثناء .

5. العلاقات المصرية القطرية: كانت قطر من أكبر الداعمين لمصر بعد ثورة 25 يناير؛ لذلك كانت تمر العلاقات المصرية القطرية بأفضل لحظتها “عصرها الذهبي” خلال تلك الفترة؛ حيث لعبت دورًا إعلاميًّا وسياسيًّا وماليًّا بارزًا، رغم حدوث توتُّر في العلاقات، عقب ثورة30 يونيو؛ ارتباطاً بدعمها لحكم جماعة الإخوان، ورعاية قياداتها وإعلامها بشكل مباشر، إلى أن وصلت إلى انفراجة في العلاقات مؤخرًا؛ ارتباطًا باستدعاء الخلفية التاريخية، والمصالح المشتركة .

على المسار الاقتصادي: تُعدُّ العلاقة الاقتصادية بين مصر والخليج من العلاقات المتبادلة، التي لا يمكن الاستغناء عنها من كلا الطرفين؛ فمن جهة، تمثل قناة السويس شُريانًا حيويًّا لدول الخليج؛ إذ يمر ثلثا إنتاجها من البترول عبر القناة، ومن جهة أخرى، يوجد بدول الخليج عددٌ كبيرٌ من العمالة المصرية، لا يقل عن 2,5 مليون مصري، هم من المصادر الأساسية للاقتصاد المصري، بتحويلاتهم التي تبلغ نحو 11 مليار دولار سنويًّا، في مقابل 22 ألف خليجي، يقيمون في مصر؛ لذلك يلاحظ أن أبرز محدِّدات ومعالم العلاقة الاقتصادية بين مصر ودول الخليج، تتركز في (المساعدات، والدعم، والاستثمار، والتجارة البينية، والعمالة، والسياحة)، وذلك كالتالي:

أولًا: المساعدات والمعونات الاقتصادية المتبادلة:-

1- على الرغم من ارتباط مصطلح المعونات الاقتصادية بالمساعدات التي تقدمها الدول العربية النفطية لغيرها من الدول الأقل ثروة، إلا أن مصر ظلَّت لفترةٍ طويلةٍ دولةً مانحةً للمعونات المادية والفنية، وفي الواقع، يعتبر تقديم المعونات للدول الأكثر احتياجًا، جزءًا مهمًا في العلاقات العربية، فقد كانت البعثات الصحية والتعليمية المصرية تقوم بدور كبير في قطاعي (الصحة العامة، والتعليم) في الدول العربية والإفريقية المجاورة،وتحمَّلت مصر نسبةً عاليةً من ميزانية جامعة الدول العربية، حتى منتصف الستينيات، إلا أن الصورة بدأت تتغير؛ نتيجةً لتراجع الوضع النسبي للاقتصاد المصري، مع بزوغ الطفرة النفطية في الدول العربية، وكذلك بسبب الضغوط على الاقتصاد المصري؛ التي سبَّبتها المواجهات العسكرية في الشرق الأوسط.

2- تطور المعونات الخليجية لمصر: تأثرت المعونات الخليجية بالمناخ السياسي الذي ساد في مصر، ففى أعقاب حرب أكتوبر 1973، حصلت مصر على مقادير متزايدة من المعونات العربية، إما مباشرة عن طريق المعونات الثنائية، أو عن طريق برنامج الخليج لتنمية مصر، أو عن طريق قروض الصناديق العربية، التي تم إنشاؤها لمساعدة الدول الأقل نموًا، والمتضررة من ارتفاع أسعار البترول، ولقد ظلَّت القروض والمنح والمعونات الاقتصادية الخليجية عمودًا أساسيًّا من أعمدة علاقة مصر بدول الخليج، وكانت تمتاز بشروط ميسرة، مثل (عدم ربط مصادر الشراء بمصادر التمويل)، فقد كانت مساعدات وقروض إنمائية؛ بهدف الإسراع في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في مصر.

إلا أنه منذ تفجُّر الثورات العربية، وبدْء انعكاساتها وتداعياتها الاقتصادية السلبية، برز اهتمام خليجي (قطري – سعودي) بالأساس، بتوفير المساعدات لدول الثورات في صورة (قروض، ومنح، واستثمارات)، وقد كان هناك تفاوت في مقدار الاهتمام من قِبَلِ الدول الخليجية المانحة؛ حيث اتبعت دول مجلس التعاون أسلوب تقديم المساعدات الثنائية، التي بلغت نحو 19 مليار دولار، فقد كانت قطر هي الحالة الأكثر بروزًا في تقديم القروض لدول الثورات، بتعهدات كبيرة، بلغت نحو 5 مليارات دولار لمصر فقط، على مرحلتين، منها مليار دولار منحة لا ترد، و4 مليارات دولار ودائع في البنك المركزي .

أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فقد قدمت لمصر حزمةً من القروض، بقيمة ملياري دولار، عبارة عن مليار دولار، في صورة وديعة في البنك المركزي المصري، ومليار دولار قرضًا مُيسَّرًا، ومساعدات عينية، تمثَّلت في (تأمين ألف طن متري من غاز البترول المسال).

وعلى جانب الإمارات، فقد أعلنت أن مؤسساتها الحكومية والإنسانية، قدمت خلال عام 2011، مساعدات خارجية بقيمة 2.1 مليار دولار، ووعدت بتقديم 3 مليارات دولار في صورة (قروض، وودائع، ومنح) لمصر، وأخيرًا الكويت، فلم تعلن عن مساعدات محددة لمصر.

وبشكل عام، قدَّمت دول مجلس التعاون الخليجي – إلى جانب القروض والمنح الرسمية – مساعدات أخرى، غير رسمية، في صورة منح ومساعدات إنسانية، (عينية، ونقدية)، سواء من الحكومة، أو من منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الخليجية، والتي لعبت دورًا بارزًا.

ثانيًا: التبادل التجاري بين مصر ودول الخليج: تحتل مصر المركز الوسيط في إقليمٍ عربيٍ كبيرٍ، يمتلك المقومات اللازمة؛ لتحقيق التكامل الاقتصادي؛ حيث تتوافر الموارد الطبيعية المتمثلة في (الأرض الزراعية، والمراعي، والثروة الحيوانية، والموارد المائية، والثروة البترولية، والمعدنية) وجزء كبير من هذه الموارد لم يستغل بعد، وبعد ثورات الربيع العربي بلغ حجم التبادل التجاري بين مصر ودول الخليج نحو 7,6 مليارات دولار؛ إذ تستفيد دول الخليج من صادراتها إلى مصر بحوالي 4,5 مليارات دولار، منها 2,5 مليار من السعودية، مقابل استفادة مصر من صادراتها إلى الخليج بقيمة 3 مليارات دولار منها 1,8 مليار إلى السعودية.

وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد ارتفعت الاستثمارات القطرية بمصر، خلال العام المالي (2019/ 2020)، بزيادة قدرها 679.4 مليون دولار، مقابل 382.2 مليون دولار، خلال العام المالي (2018/ 2019)؛ أي بزيادة قدرها 77.8%، وسجلت قيمة التبادل التجاري بين مصر وقطر 25.4 مليون دولار، خلال عام 2020، مقابل 22.7 مليون دولار، خلال عام 2019، بزيادة قدرها 11.8%.

ثالثًا: الاستثمار بين مصر ودول الخليج:-

وفيما يتعلق بالاستثمارات الخليجية المشتركة بعد ثورة 25 يناير، فإنه بالرغم من تراجع الاستثمارات الغربية؛ الناتجة عن الأحداث، والتوترات السياسية والأمنية من جهة، والمشاكل الاقتصادية في أوروبا والولايات المتحدة من جهة أخرى، فقد ظهرت بوادر رغبة خليجية، في ضخِّ مزيدٍ من الاستثمارات في دول الثورات، ولاسيما (مصر، وتونس)، من قِبَلِ (قطر، والسعودية) بالأساس.

فقد تعهدت قطر، بضخِّ ما قيمته 18 مليارات دولار، على مدى خمس سنوات، في اقتصاد مصر، عبر مجموعةٍ واسعةٍ من الاستثمارات والشراكات، كذلك تعهدت السعودية باستثمار ملياري دولار في مصر؛ لشراء (أسهم، وسندات، وأصول ثابتة)، إلى جانب استثماراتٍ لشركاتٍ خاصة؛ حيث تقدر الاستثمارات السعودية بنحو 5.5 مليار دولار، وفق بيانات الهيئة العامة للاستثمار المصرية، بنهاية عام 2011.

ومن خلال تحليلنا للمحدِّدات الاقتصادية بين مصر ودول الخليج، يُلاحظ أن العلاقات الاقتصادية بينهم، بها قدرٌ كبيرٌ من المنافع المتبادلة، فقد قدرت دراسة اقتصادية متخصصة، حجم العلاقات الاقتصادية (المصرية – الخليجية) سنويًّا، بنحو 25 مليار دولار، كما تبلغ الاستثمارات الخليجية في مصر، نحو 15 مليار دولار (5,5 مليارات من السعودية، و4,4 مليارات من الإمارات)، مقابل استثمارات مصرية في الخليج، تبلغ 1,8 مليار دولار.

على المسار الاجتماعي والثقافي:

أولًا: المسار الاجتماعي:- إن الروابط الديموغرافية والثقافية والاقتصادية، تمثل أبعادًا أساسيةً في العلاقات بين مصر والخليج؛ حيث إن الارتباط الثقافي يتمظهر في مشتركات (اللغة، والدين)، ويشكل بُعْدًا فعَّالًا، من حيث خلقه لفضاء تأثير، يسهل انتقال الأفكار والمنتجات الثقافية، وبالتالي، التأثير السياسي والأيديولوجي، يضاف إلى ذلك البُعْد الديموغرافي؛ إذ يقيم في دول الخليج مئات الآلاف من المصريين، كما أن عشرات الآلاف من الخليجيين يقيمون في مصر، أو يترددون إليها.

ثانيًا: المسار الثقافي: تعتبر دول الخليج بمثابة الحليف الطبيعي والأبدي للدولة المصرية؛ حيث تفرض العلاقات التاريخية التي سادها التعاون والتقارب الثقافي والقومى والدينى والعرقي والجغرافي بين الطرفين، على توطيد وتوثيق سُبُل التعاون بين الطرفين، ومن أهم المحدِّدات الثقافية بين مصر ودول الخليج، هي
( اللغة العربية – الدين الإسلامي – المضامين الحضارية في الثقافة المصرية – الهوية العربية والإسلامية – مجالات التعاون والبحث العلمي بين الجامعات والمراكز العلمية – إلى جانب الإعلام وتأثيراته) .

ولذلك نلاحظ أن العلاقات الثقافية (المصرية – الخليجية)، لها جذور تاريخية عميقة، لقد كانت مصر بثقافتها وأدبائها وعلمائها وكتابها وفنانيها موضع اهتمام كل أدباء الدول الخليجية ومثقفيها، ومن اللحظات الأولى لنشأة الثقافة والفكر في المملكة، كان الأدباء السعوديون يراقبون ما يجري من وقائع أدبية في الصحف والمجلات المصرية

 

ثورة 30 يونية في مصر وأثرها على التغير والتحول في العلاقات المصرية الخليجية :-

تشير التقديرات، بأنه عقب اندلاع ثورة 30 يونية مباشرةً، كان هناك اندفاع خليجي نحو مصر، لمجموعةٍ من الأسباب :

1- لم تجد دول الخليج صعوبةً في استشعار بروز جماعة “الإخوان المسلمين” في مجتمعاتها، مستقويةً خصوصًا بوقوع الحكم المصري في أيدي “الجماعة”؛ لذلك وجدت في عزْل الرئيس الأسبق “ مرسي”، وإعادة قادة “الجماعة” إلى السجن فرصةً تاريخيةً، يجب استثمارها، والبناء عليها .

2-التخوُّف من عواقب انهيار الدولة المصرية، بمعرفة جماعة الإخوان وحلفائها في الداخل والخارج، فإذا كانت بعض دول الخليج تتنافس مع القاهرة في ممارسة الأدوار الإقليمية، فيما يعرف في الأدبيات بـ”أثر المكانة”، لكنها ؛ أي (دول الخليج)؛ تخشى من الخيارات البديلة للكيانات النظامية للدولة، وهو ما عبرت عنه إحدى كلمات الملك (عبدالله بن عبدالعزيز) بعد 3 يوليو 2013: «لا تهاون في استقرار مصر؛ لأن في استقرارها استقرارا للإقليم»؛ لذا فإن خيار الانجراف نحو الفوضى في مصر، يعني تحولها إلى دولة فاشلة أخرى، مثل (ليبيا، وسوريا)، فضلًا عن التخوُّف السعودي تحديدًا من سقوط الدول الرئيسية، مثلما حدث مع (العراق، وسوريا)؛ حيث لم يعد سوى (القاهرة، والرياض) .

3-الحفاظ على موازين القوى الإقليمية، فدول الخليج تتطلع إلى مصر كأهم حليف عربى لهم ضد التهديد الإيرانى؛ استنادًا إلى خبرة العقود الثلاثة الماضية، سواء باحتلال الجزر الإماراتية الثلاثة، والإيحاء الإيراني المستمر، بأن البحرين (محافظة إيرانية)، ودعم وتحريك الفئات الشيعية في داخل دول الخليج، وتهديد عروبة العراق، كما أن ثمة توافقًا في بعض بُؤَر الأزمات في الشرق الأوسط؛ لمواجهة الجماعات الإسلامية المسلحة، وقد يكون (ليبيا، واليمن) مسرحًا لمهمات هذا التحالف، بعد التطورات المتسارعة في تلك الدولتين، وهو ما حدث بالفعل في اليمن، في إطار “عاصفة الحزم “، بقيادة السعودية.

4- التكيُّف مع المتغيرات الدولية؛ إذ تعطي دول الخليج أهميةً مركزيةً لعملية تكيُّف، ومواءمة مستمرة مع المستجدات الدولية، وفي هذا السياق، يأتي الموقف (المصري السعودي الإماراتي) الحذِر من سياسة الولايات المتحدة والدول الغربية، وفرملة الضغوط الدولية على القاهرة، التي لايزال بعضها يعتبر ما جرى بعد 30 يونيو 2013 «انقلابًا»، فضلًا عن رغبة دول الخليج على تنويع دائرة خياراتها الدولية، وعدم الرهان على الولايات المتحدة في الصيغ الخاصة بحماية أمن الخليج؛ لذا تدعو (السعودية، والإمارات، والبحرين) إلى ترتيبات أمنية، لا تعتمد على الولايات المتحدة فقط؛ لأنه يمثل نموذجًا للحليف غير المستقر، بل طالبت بأدوار دولية وإقليمية أخرى، ومنها الدور (الروسي، والإيطالي، والفرنسي، والمصري) .

ولذلك لم تُخْفِ دول الخليج ابتهاجها بالتغيير، وأعلنت دعمها لمصر خلال الأسبوع الأول من عزْل مرسي، وكان حجم الدعم المعلن (12 مليار دولار من السعودية، والإمارات، والكويت)، أفضل تعبيرٍ عن مدى إحساس هذه الدول بالسعادة من إزاحة عبءٍ ثقيلٍ، كاد يهدد العلاقة بين هذه الدول ومصر؛ لذلك قامت دول الخليج بتقديم مجموعة من الدعم لمصر، تتمثل في :

*دعم إعلامي: سارعت الحكومتان (السعودية، والإماراتية)؛ لإصدار بيانات قوية؛ لدعم عملية الانتقال، كما قامت السعودية بدعمٍ كبيرٍ على المستوى الدولي؛ من أجل تجنيب السلطات الجديدة في مصر المقاطعة الدولية، وتوفير الدعم في الفاعليات الإقليمية والدولية المختلفة، من خلال إعطاء رسائل ضمنية، تشير بأن النظام الحاكم في مصر ليس وحيدًا في المنطقة، وإنما يتمتع بدعمٍ خليجيٍ كبيرٍ.

*دعم اقتصادي: قامت دول الخليج بتقديم دعم اقتصاد كبير لمصر؛ حيث تعهدت (السعودية، والكويت، والإمارات) بتقديم حزمة مساعدات بقيمة 12 مليار دولار، إضافةً إلى المساعدات النفطية، التي كانت تهدف إلى حل الأزمة الخانقة، التي ضربت مصر، في نهاية عهد مرسي، بعد وجود نقصٍ حادٍ في إمدادات الوقود والمواد الأساسية في السوق المصرية، فضلًاعن تفاقُم مشكلة انقطاع الكهرباء .

*دعم عسكري: تمثل في إجراء مناورات عسكرية (سعودية – مصرية)، إضافةً إلى استمرار تقديم الدعم الخليجي لمصر، والذي مثَّل ورقة ضغط كبيرة على الولايات المتحدة، التي أوقفت المعونة العسكرية لمصر بعد ثورة 30 يونية؛ حيث يمكن القول: إن موقف دول الخليج في تقديم الدعم لمصر، كان أكثر ما ضغط على الإدارة الأمريكية حينذاك؛ ما ساهم في تعديل سياستها تجاه مصر، بعد 30 يونيو، وهو ما دفعها إلى إقرار استمرار
تدفق المعونة.

ولذلك يمكن القول: إن ثورة 30 يونيو 2013، أعطت الدِّفْءَ إلى العلاقات (المصرية – الخليجية)، فلم يكن من المرجح، أن تعود العلاقات بهذه السرعة، لو لم تكن مصر قد مرَّت بتجربة حكم الإخوان، التي أكدت للخليجيين، خطورة الابتعاد عن مصر، التي من المؤكد، أن تؤثر وتلقي بتداعياتها المباشرة على دول الخليج.

 

وما زال الدعم مستمرًا ومؤثرًا

في ذات السياق، تُثبت دول الخليج العربي مرةً أخرى، أنها جدار استناد لمصر وقت الأزمات؛ لاستقرار الأسواق المحلية، من أية توترات، قد تلقي بظلالٍ سلبية على مصر.

حيث أعلنت السعودية الأسبوع الماضى، تقديم وديعة للبنك المركزي المصري، بقيمة إجمالية 5 مليارات دولار؛ بهدف دعم احتياطي النقد الأجنبي لمصر، خلال الفترة المقبلة، وقد شهدت مصر بعض الضغوط النقدية؛ الناجمة عن ارتفاع أسعار الواردات، خاصةً السلع الأساسية، بقيادة (القمح، والوقود)، كما وقَّع صندوق مصر السيادي اتفاقيةً مع صندوق الاستثمارات العامة السعودي، بشأن استثمار الصندوق السيادي السعودي في مصر، ومن المتوقع، أن تشهد الفترة المقبلة اتخاذ إجراءات سريعة؛ لجذب استثمارات بقيمة 10 مليارات دولار، بالتعاون بين الصندوقين في مختلف القطاعات .

والوديعة السعودية للبنك المركزي المصري ليست الأولى، بل سبقها أكثر من 3 ودائع، خلال العقد الماضي، بحسب ما تظهره بيانات البنك المركزي المنشورة على موقعها الرسمي .

وحتى نهاية فبراير الماضي، بلغ إجمالي قيمة احتياطات النقد الأجنبي للبنك المركزي المصري، قرابة 41 مليار دولار أمريكي، في تحسُّنٍ عن أرقام أول شهرين، من تفشِّي جائحة كورونا في مارس 2020، حين سجَّلت أقل من 35 مليارًا.

ووفق أحدث نشرات البنك المركزي، الصادرة عن فترة الربع الثالث من العام الماضي (يوليو – سبتمبر 2021)، بلغ إجمالي قيمة ودائع دول الخليج لدى المركزي، قرابة 12 مليار دولار أمريكي، وكان الرقم سجَّل 15 مليار دولار، بنهاية الربع الثاني من العام الماضي، إلا أن قرابة 3 مليارات دولار كانت وديعةً سعوديةً، وانتهى أجل ربطها لدى البنك المركزي المصري.

وحتى نهاية الربع الثالث من العام الماضي، فإن لدى الكويت وديعةً، بقيمة إجمالية 4 مليارات دولار أمريكي، بينما هناك 5.7 مليارات دولار وديعةٌ إماراتيةٌ، لدى البنك المركزي، ووديعة سعودية، بقيمة 2.3 مليارات دولار.

ومع إضافة الوديعة الجديدة، التي أعلنت عنها المملكة، يكون لدى البنك المركزي المصري ودائع خليجية، بقيمة إجمالية 17 مليار دولار أمريكي، وتشير التقديرات إلى أن قطر قد تضخ وديعةً في البنك المركزي المصري، خلال الفترة القريبة المقبلة، إلى جانب رُزْمة استثماراتٍ أُخرى، بقيمة إجمالية 5 مليارات دولار.

كما أبرم “صندوق أبو ظبي السيادي” الشهر الماضي، صفقةً بنحو ملياري دولار؛ لشراء حصص مصرية، مملوكة للدولة، في شركات عامة، مدرجة في البورصة، قد تشمل 18% من البنك التجاري الدولي، وحصص غير محددة، من (شركات فوري، أبو قير للأسمدة، وموبكو، والإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع).

ختامًا: مرت العلاقات المصرية الخليجية بفترات كبيرة من الشدِّ والجذْب، وإن كان التعاون والتفاهم هما أبرز سمتين ميّزتا الفترة الأطول من مسيرة تلك العلاقة، إلى أن جاءت تظاهرات 30 يونيو 2013؛ لتمثل دخول العلاقات (المصرية – الخليجية) مرحلةً جديدةً، سادها التعاون والتفاهم، والدعم الخليجي الواضح للحكم في مصر.

وهكذا تقف العلاقات المصرية الخليجية أمام فرصةٍ جديدةٍ؛ لبناء تحالفٍ من نوعٍ جديدٍ، لا تدفع إليها الرغبات فقط، وإنما المصالح والظروف المهيئة، والتي تقوم على أرضية مشتركة من ضعف الثقة بالحليف الأمريكي، الأمر الذى يدفع إلى ضرورة بناء علاقات بينية في بعض النواحي؛ للتعويض عن تراجع الروابط الخاصة لكل منهما معها.

وهناك مجموعة من الرؤى الإستراتيجية، الواجب اتخاذها من كلا الطرفين؛ لتحديد الأُسس الصحيحة؛ لبناء علاقات جديدة، منها أن تترسخ نظرة الخليج لمصر كعمق إستراتيجي للخليج، والاستمرار في خطّ توسيع التعاون (السياسي، والاقتصادي، والأمني، والدفاعي)، مقابل ضرورة مواصلة الإدراك الكامل من قِبَلِ مصر للحاجات الإستراتيجية لدول الخليج؛ لتجسيد حقيقة أنّ أمن الخليج جزءٌ من الأمن القومي المصري، وتعميق الاستفادة من دروس تجربة أعوام ما بعد الثورة، في صوْغ رؤية أشمل للعمق الإستراتيجي المصري في الخليج .

مع ضرورة تعميق دوْر النخبة والإعلام، عبر غرْس الوعي الوطني الخليجي والمصري بالأهمية الإستراتيجيّة للآخر، وخصوصًا لدى الأجيال الجديدة، على نحْوٍ يجفّف منابع التطرّف، وذلك من خلال عدة وسائل، منها دعم مؤسسات التفكير الإستراتيجي، وتعزيز أدوار مراكز الدراسات والبحوث، والتفكير في تأسيس ملتقى للحوار الإستراتيجي المصري الخليجي، يقوم على إدارة حوارات إستراتيجية، وإنضاج الخيال السياسي، وإخصاب الأفكار التي تساعد صنّاع القرار.

 

 

 

 

كلمات مفتاحية