إعداد: منة صلاح
باحثة متخصصة في الشؤون الأفريقية
عقدت القمة الإيطالية الأفريقية، في 29 يناير الجاري، في العاصمة الإيطالية “روما”، والتي تمَّ تأجيلها في أعقاب تصعيد الصراع “الإسرائيلي – الفلسطيني”، وتهدف هذه القمة إلى إطلاق مرحلةٍ جديدةٍ من الشراكة والتعاون “الإيطالي – الأفريقي”، لا سيما في قطاع الطاقة، والكشف عن “خطة ماتي” لتسريع التنمية في الدول الأفريقية، وتُعدُّ القمة الأولى التي تمَّ فيها رفْع مستوى المؤتمر، الذي كان يُعقد على المستوى الوزاري إلى مرتبة قمة رؤساء الدول والحكومات، فضلًا عن مشاركة ممثلين عن الاتحاد الأفريقي، وعددٍ من المنظمات الدولية، كما أنها الحدث الدولي الأول الذي يُقام في إيطاليا منذ بداية رئاسة مجموعة السبع (G7)؛ ما يؤكد على أهمية الشراكة الإيطالية مع دول القارة الأفريقية.
الظروف المهيئة لانعقاد القمة “الإيطالية – الأفريقية”
جاءت هذه القمة في ظلِّ مجموعة من التحديات، ولا سيما ما يتعلق بالأمن والمناخ والهجرة غير الشرعية، وهي القضايا التي تشغل اهتمام المشاركين، إضافةً إلى رغبة إيطاليا في التنافُس على مواقع النفوذ في القارة الأفريقية، خاصَّةً مع تراجُع النفوذ الفرنسي، وتمدُّد النفوذ الروسي، كما جاءت في ظل الظروف الدولية المُعقَّدة، فعلى الصعيد الأفريقي، تشهد بعض الدول الأفريقية حالةً من عدم الاستقرار السياسي، وتعثُّر خرائط الانتقال السياسي، وتمدُّد الأنشطة الإرهابية، مثل “حركة شباب المجاهدين”، هذا فضلًا عن مذكرة التفاهم غير القانونية، التي تمَّ توقيعها بين إثيوبيا وصومالي لاند، فقد جاءت هذه القمة؛ لمناقشة تلك الأوضاع واقتراح حلول لها.
الدول المشاركة في القمة “الإيطالية – الأفريقية”
تحظى هذه القمة بدعمٍ قويٍّ من رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني، وبدأت في أعلى المؤسسات الإيطالية “قصر ماداما”، الذي يُعدُّ مقر مجلس شيوخ الجمهورية، ما يشير إلى أهمية هذه القمة، وضمَّت حوالي 23 من قادة ورؤساء الدول العربية والأفريقية، و57 وفدًا دوليًّا، إضافةً إلى ممثلين عن الاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي، مثل رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتوسلا، ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ويُعدُّ حضور الزعماء الأوروبيين إشارةً مهمةً لدعم الاتحاد الأوروبي للمسار الذي تسلكه إيطاليا، التي تعاني من تداعيات الهجرة غير الشرعية.
كما شاركت المنظمات الدولية الرئيسية، مثل الأمم المتحدة والمؤسسات المالية الدولية، وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي وبنوك التنمية المتعددة الأطراف، ومن بين الحاضرين أيضًا، رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة عبد الحميد الدبيبة، والرئيس الإريتري أسياسي أفورقي، والتونسي قيس سعيد، والموريتاني محمد ولد الغزواني، والصومالي حسن شيخ محمود، إضافةً إلى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، وذلك وسط تصاعُد التوتُّر بين الدولتيْن، بعد توقيع إثيوبيا مذكرة تفاهُم غير قانونية مع أرض الصومال، في بداية يناير الجاري، وتُعدُّ هذه أول محادثات مباشرة بينهما، أما بالنسبة لمصر والجزائر، فحضر وزيرا الخارجية “سامح شكري، وأحمد عطاف”، وهدفت مشاركة الجزائر في القمة إلى التأكيد على ضرورة إدراج احتياجات وتطلُّعات الدول الأفريقية في مقدمة اهتمامات الشراكة “الأفريقية – الإيطالية”، فضلًا عن اقتراح مشاريع تهدف إلى دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
أهداف القمة “الإيطالية الأفريقية”.. “خطة ماتي”
تهدف هذه القمة إلى تناول بعض القضايا التي تؤثر على أفريقيا، مثل تغيُّر المناخ والإرهاب والأمن الغذائي والهجرة، وعرض الخطة الإيطالية الاستراتيجية “خطة ماتي”، وتُعرف بهذا الاسم نِسْبةً إلى السياسي اليساري إنريكو ماتي، مدير عام شركة إنيي، والذي دعا في الخمسينيات إلى دعم إيطاليا لحكومات شمال أفريقيا؛ لتنمية اقتصاداتها وتطوير مواردها الطبيعية، وأعادت رئيسة الوزراء الإيطالية عرْض “خطة ماتي”؛ بهدف تجديد نهْج إيطاليا إزاء القارة الأفريقية، وتهدف هذه الخطة إلى تعزيز التعاون بين إيطاليا والدول الأفريقية؛ لتعزيز التنمية الاقتصادية، وإيجاد حلول للهجرة غير الشرعية، إضافةً إلى تأمين إمدادات الاتحاد الأوروبي من منتجات الطاقة، وتسريع تنمية الدول الأفريقية، وإبطاء تدفُّقات الهجرة إلى أوروبا.
كما تهدف “خطة ماتي” إلى تعميق الشراكات القديمة، وإقامة شراكات جديدة في القارة الأفريقية، وتعزيز الاستثمار في القارة، خاصَّةً في قطاع الطاقة، إضافةً إلى إقناع بلدان المنشأ بالتوقيع على اتفاقيات إعادة قبول المهاجرين الذين تمَّ رفْض السماح لهم بالبقاء في إيطاليا، وفي السياق ذاته، أصدرت الحكومة الإيطالية مرسومًا يقضي بصرْف 3 ملايين يورو؛ لإنشاء هيكلٍ لإدارة الخطة، ويُعدُّ مقر الحكومة الإيطالية في روما “Palazzo Chigi” المسؤول الأول عنها، وسوف يستغرق الهيكل الجديد لـ”خطة ماتي” نحو ستة أشهر لبدْء العمل.
مُخْرَجات القمة “الإيطالية – الأفريقية”
صرَّحت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، خلال القمة، عن اتفاقات في قطاع الطاقة، ضمن “خطة ماتي”؛ من أجل أفريقيا، وتبلغ خطة التنمية التي تعتزم إيطاليا إطلاقها في أفريقيا “خطة ماتي من أجل أفريقيا”، نحو أكثر من 5.5 مليار يورو، بما في ذلك الضمانات العامة للمشاريع الاستثمارية، وأشارت إلى أنه بالفعل بدأت سلسلة المشاريع في تونس، من خلال تعزيز محطات تنقية المياه غير التقليدية، وإنشاء مركز تدريبٍ لقطاع الأغذية الزراعية، وإعادة تطوير المدارس وتبادل الطلبة والمعلمين بين الدول، وأكَّدت أن المبادرات التي تعتزم متابعة تنفيذها، تتضمن خمسة مجالات “الزراعة، التعليم، الصحة، الطاقة، الماء”، وتمَّت مناقشة سُبُل تعزيز التنمية المُسْتَدَامة في أفريقيا، مثل قضايا الهجرة والمناخ والأمن الغذائي، وتعهَّدت إيطاليا خلال القمة، بجعْل تنمية القارة موضوعًا رئيسيًّا خلال الفترة المقبلة؛ بهدف تعزيز نفوذها في القارة.
مستقبل الشراكة “الإيطالية – الأفريقية”
قد تساهم إيطاليا بخبرتها في مجال الطاقة المتجددة، في تخفيف آثار التغيُّرات المناخية على القارة الأفريقية، وإيجاد حلولٍ للطاقة المُسْتَدَامة، ويمكن للصناعات الإيطالية المتقدمة أن تعمل على تعزيز الاقتصاد الأفريقي، وخلْق فُرص عملٍ جديدةٍ، وزيادة القدرة التنافسة للمنتجات الأفريقية على الصعيد العالمي، هذا بالإضافة إلى التبادُل الثقافي والتعاون في مجالات التعليم والصحة؛ ما قد يؤدي إلى تنمية الطلبة والمهنيين الأفارقة، وتعزيز خدمات الرعاية الصحية، وتحسين الرفاهية العامة للمواطنين الأفارقة، كما يمكن من خلال “خطة ماتي” معالجة الأسباب الجذرية للهجرة غير الشرعية، وتعزيز الحلول المستدامة؛ لذا من المتوقع أنه سيتم تعزيز الشراكات القوية بين إيطاليا ودول القارة الأفريقية؛ من أجل النمو المتبادل.
ختامًا:
تعتبر القمة “الإيطالية – الأفريقية” حَدَثًا تاريخيًّا، يهدف إلى تطوير العلاقات بين إيطاليا وأفريقيا، وتمثل فرصةً لأفريقيا لاكتساب المعرفة والموارد والشراكات؛ إذا ركَّزت على فُرَص تعزيز الاستثمار والتجارة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتبادل الثقافي، ما يعود بالنفع على المنطقتيْن، وتُعدُّ المساعي الإيطالية لبناء شراكات أقوى مع الدول الأفريقية، والتصدِّي للتحديات المشتركة نهْجًا استشرافيًّا؛ إذ تسعى إيطاليا لإيجاد موطئ قدمٍ لها في القارة الأفريقية، ومواجهة الهجرة غير الشرعية القادمة من شمال أفريقيا وجنوب الصحراء، كما تعتبر “خطة ماتي من أجل أفريقيا” فرصةً سانحةً لإيطاليا؛ للتمرْكُز في أفريقيا، عبْر بوَّابة الاستثمار، لا سيما بعد الانسحاب الفرنسي من عِدَّة دولٍ أفريقيةٍ.