القمة “الصينية – العربية”: محطة بارزة فى مسيرة الشراكة الإستراتيجية بين الجانبين

إعداد : رضوى الشريف 

تبدأ محطةٌ بارزةٌ فى تاريخ العلاقات الصينية، مع كُلٍّ من “المملكة العربية السعودية ودول الخليج والدول العربية”، الأسبوع الثانى، من شهر ديسمبر 2022؛ إذ من المترقب، أن تشهد المنطقة عقْد ثلاث قممٍ إستراتيجية، هى الأولى من نوعها فى تاريخ العلاقات “الصينية – العربية”، من حيث ضخامة الحدث والشراكة، وتمثل علامةً سوف تستند عليها مسيرة الشراكة الإستراتيجية بين الأطراف المشاركة.

وستُعقد القمة الأولى المرتقبة بين الرئيس الصيني، شى جين بينغ، مع العاهل السعودى، سلمان بن عبدالعزيز، وولى العهد، محمد بن سلمان، والتى ستكون خاصةً بالعلاقات بين البلدين؛ حيث تُعدُّ زيارة الرئيس الصينى، هى الثانية من نوْعها، إلى المملكة، بعد زيارة عام 2016، التى ردَّها العاهل السعودى، سلمان بن عبدالعزيز، بزيارةٍ تاريخيةٍ إلى العاصمة بكين، عام 2017، وتوّجت تلك الزيارات المتبادلة، بزيارةٍ لولى العهد، محمد بن سلمان، عام 2019، إلى الصين، وقّع خلالها على اتفاقٍ نفطىٍّ، قيمته 10 مليارات دولار، بين البلديْن؛ لتصبح الصين المستورد الأول للنفط السعودى.

أما القمة الثانية للرئيس الصينى في السعودية، ستكون مع قادة الخليج العربى، وتُعدُّ الأُولى من نوْعها؛ حيث ظلَّت العلاقات الاقتصادية “الصينية – الخليجية” طوال السنوات الماضية، فى إطار كل دولة على حِدَة، بينما القمة الثالثة التى تحتضنها المملكة أيضًا، ستكون بين الرئيس الصينى مع قادة الدول العربية، وهذه الأخيرة سيكون عليها التركيز الأكبر.

بدأت العلاقات “الخليجية العربية – الصينية” منذ ما يقرب من خمسين عامًا، تدرجت فيها دول المنطقة، خاصةً الخليجية، بالدخول فى علاقات “دبلوماسية واقتصادية” واسعة مع الصين، عبْر مراحل مختلفة، لكن ما يميز العلاقات “العربية – الصينية” فى الفترة الراهنة، هو تطورها فى بُعْدِها العسكرى، الذى بدأ يأخذ حيِّزًا من العلاقات الثنائية، بعد تراجُع التواجد الأمريكى فى المنطقة.

وبعد الأزمات الدولية الأخيرة، التى عصفت بأُسس النظام السياسى الدولى، وعزَّزت من مفهوم النظرية الميكافيلية “الغاية تُبرِّر الوسيلة”، التى ارتكزت عليها الدول “الخليجية والعربية” فى تشكيل ورسْم علاقتها مع الخارج؛ فالغاية هى “الحفاظ على الأمن القومى وتعزيز المصالح”، والوسيلة هى “الانفتاح وبناء علاقات متعددة”.

ترتكز الدراسة على عدة محاور أساسية؛ لفهم الإطار المشترك، التي أصبحت تنتهجه دول المنطقة، فى صياغة سياستها الخارجية؛ من أجل الحفاظ على مصالحها وأمنها القومى، بدون الاعتماد الكُلِّى على الولايات المتحدة، وذلك عن طريق انفتاحها لبناء علاقات متعددة، حتى لو كان مع أقوى منافسى الولايات المتحدة.

ولكن إلى أىِّ مدى ستبقى دول المنطقة – لا سيما “السعودية والإمارات”- قادرة على موازنة علاقتها بالقوتيْن العالميتيْن؟

أولًا: الأهمية الإستراتيجية للمنطقة بالنسبة للصين

إنَّ سياسة الصين تجاه الدول “الخليجية والعربية” واضحة، وأعلنتها بكين فى الوثيقة، التى أصدرتها عام 2016؛ إذ إنها شكَّلت معادلة “1+2+3” التى تتخذ مجال الطاقة كمحور رئيسى، ومجالىْ “البنية التحتية وتسهيل التجارة والاستثمار” كجناحين، و3 مجالات ذات تقنية متقدمة وحديثة، تشمل “الطاقة النووية والفضاء والأقمار الاصطناعية والطاقة الجديدة”.

وتُولِى الصّين المنطقة العربية -لا سيما الخليجية- أهميةً كبيرةً؛ نظرًا لموقعها الإستراتيجى وغناها بمصادر الطاقة، ومع تصاعُد الصين ونموها الاقتصادى، ازداد طلبها على النفط، فباتت أكبر مستورد للنفط الخام عالميًّا، وهى تستورد نصف احتياجاتها منه من البلدان العربية؛ إذ إنَّ هناك 5 دول عربية من بين أكبر 10 دول موردة للنفط إلى الصين “السعودية، العراق، عمان، الكويت، الإمارات”، وتُعدُّ السعودية البلد الأكبر فى تصدير ورادات الصين من النفط، وقد شكَّلت وحدها 17.4%، من إجمالى واردات الصين من النّفط الخام، فى عام 2021.

وبالنسبة لعلاقات الصين مع بلدان شمال أفريقيا، ولا سيّما “الجزائر ومصر والمغرب”، سعت بكين لتعزيز اهتمامها فى هذه المنطقة لأسباب اقتصادية، منها؛ مبادرة “الحزام والطريق”، بالطبع، تُعدُّ جنوب آسيا المستفيد من أغلبية المشاريع الناجمة عن هذه المبادرة، غير أنّ التوسُّع نحو الغرب باتجاه أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا جارٍ على قدمٍ وساقٍ، فقد أنشأت بكين شراكةً إستراتيجيةً شاملةً مع “الجزائر و مصر”، فى عام 2014، وشراكةً إستراتيجيةً مع المغرب، فى عام 2016.

وبجانب “الجزائر والمغرب ومصر”، تسعى الصين أيضًا إلى توطيد علاقاتها التجارية مع “تونس وليبيا”؛ ففى عام 2018، وقّعت مذكرات تفاهُم فى إطار مبادرة “الحزام والطريق” مع هذيْن البلدَيْن.

ثانيًا: حقيبة مكاسب متنوعة

الرؤية العربية نحو تنويع العلاقات “السياسية والاقتصادية والأمنية”، يُخلف فرصةً لتطور العلاقات “العربية – الصينية” مستقبلًا؛ حيث تُوجد استفادة متبادلة بين الطرفيْن، كالآتى:

النفط الخليجى

نظرًا لطموحات الصين الاقتصادية الضخمة حول العالم، تحتاج الصين إلى الاستفادة من النفط الخليجى، وبالتالى، لا خلاف على الأهمية الخليجية للصين، سواء من حيث موقعها على خط مبادرة “الحزام والطريق” إلى الأسواق العالمية، أو من حيث مخازنها النفطية؛ فتقديم الصين للخليج مصالح نوعية، تتعلق بالتكنولوجيا العسكرية، قد يُعدُّ عنصرًا مشجعًا لتطور العلاقات “الخليجية – الصينية”.

مبادرة “الحزام والطريق”

تسعى الصين على إنجاح مبادرة “الحزام والطريق”، التى تهدف لتطوير علاقات التعاون فى مجالات “الاقتصاد والاستثمار والصناعة والنقل والمواصلات والطاقة والموارد الطبيعية والبيئة والزراعة”؛ بما يحقق التبادل، ويصب فى مصلحة دول المبادرة كافة، وللدول العربية دوْرٌ كبيرٌ فى تلك المبادرة؛ حيث انضم إليها 20 دولةً عربيةً، وعمد بعضها إلى مُوَاءَمة إستراتيجيتها التنموية، مع تحقيق أهداف المبادرة، منها؛ رؤية مصر 2030، ورؤية السعودية 2030، ورؤية الأردن 2025، ومشروع مدينة الحرير الكويتى، ومشروع مدينة محمد السادس الذكية فى طنجة المغربية.

والتَّموْضُع الجيوسياسى للدول العربية -لا سيما الخليجية- مُهمٌ لنجاح مبادرة “الحزام والطريق”؛ كوْنها على مسار هذه المبادرة؛ حيث إن موانئ الخليج ستكون محطات رئيسية للسفن التجارية الصينية، المتجهة إلى مختلف دول العالم؛ ما جعل الصين تُجرى عدة اتفاقيات للاستثمار مع سلطنة عمان؛ لإنشاء مدينة صناعية، بتكلفة 10 مليارات دولار؛ للدعم اللوجيستى لمبادرة “الحزام والطريق”.

أيضًا تُعدُّ الكويت من أُولى الدول الخليجية الموقّعة على مذكرة تفاهُمٍ للتعاون مع الصين، فى مبادرة “الحزام والطريق”؛ حيث أعلنت من جهتها، إحياء تجارة الترانزيت على موانئها لتجارة السفن الصينية؛ رغبةً فى إحياء دوْرها “التجارى والاقتصادى” فى المنطقة، وهو ما تبعه توقيع الكويت مع الصين عددًا من الاتفاقيات؛ لبناء 7 مُدُنٍ لوجيستيةٍ ضخمةٍ.

ونظرًا إلى اهتمام الصين بالسيطرة على الطُّرق البحرية، استثمرت من خلال شركة كوسكو الصينية للملاحة البحرية، فى موانئ طنجة وشرشال “في الجزائر”، وبورسعيد والإسكندرية “في مصر”، كما تخصَّصت الصين أيضًا فى مَدِّ الكابلات البحرية، وهو عنصر مهم فى إستراتيجيتها لتطوير الاتصالات، فقد صمّمت شركة شبكات هواوى البحرية كابلًا يربط تونس بإيطاليا، ومدّته فى عام 2009، بالإضافة إلى مدّها كابلًا مهمًا آخر، يربط ليبيا باليونان فى عام 2010.

الميزان التجارى

تفيد البيانات الرسمية، أن الميزان التجارى الصينى مع الدول العربية مجتمعة، يبلغ “332” مليار دولار، بعد أن كان “239” مليارًا، فى عام 2020، فيما يبلغ رصيد الاستثمارات الصينية المباشرة فى الدول العربية “20” مليار دولار، وبالتالى، فإن المأمول من القمة “الصينية – العربية”، سيكون أشبه ببناء إستراتيجيةٍ جديدةٍ؛ لزيادة هذه الأرقام، خاصةً أن الوزن الاقتصادى الهائل للصين، والثروة البشرية لديها، والموارد والسلع التي تنتجها، بات مؤثرًا فى المناورة الاقتصادية العالمية، وأن أغلب الدول العربية تعانى من أزماتٍ اقتصادية، بعد تداعيات “جائحة كورونا”، وتأثيرات الحرب “الروسية – الأوكرانية”، رغم الثروات التى تمتلكها.

انخراط ثقافى أكبر

تسعى الصين أيضًا إلى زيادة نفوذها فى المنطقة، خلال انخراط ثقافى أكبر؛ ففى إطار مذكرات التفاهم الموقّعة بين “ملك المغرب والرئيس الصينى”، فى عام 2016، تمّ تدشين مركزٍ ثقافىٍّ صينىٍّ، بالرباط، في ديسمبر 2018، وتضمّ مصر معهدى كونفوشيوس، واقعَيْن في “جامعة القاهرة وجامعة قناة السويس”، بالإضافة إلى أنّها تضمّ مركزًا ثقافيًّا صينيًّا فى العاصمة، وفى تونس، افتُتح معهد كونفوشيوس الأول، في نوفمبر 2018، وفى خلال قمة بكين لمنتدى التعاون “الصينى – الأفريقى”، فى سبتمبر 2018، قرَّرت الحكومة الصينية أيضًا، أن تُزيدَ من عدد المِنَحِ للطلاب الأفارقة، بمن فيهم طلاب شمال القارة السمراء؛ لكى يتمكنوا من متابعة دراساتهم العليا فى الصين.

ثالثًا: تقارُبٌ يثير حفيظة واشنطن

لطالما كان التقارُب بين الصين والدول العربية يثير حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية، التى تعمل على إبعاد الدول العربية – لا سيما الخليجية- عنها، وخصوصًا فى المجالات الأمنية، والتى أصبحت بكين تتبع فيه نهْجًا أكثر قوةً؛ لتعميق علاقتها مع دول المنطقة.

ففى نوفمبر 2021، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، أن الصين كانت تبنى مُنشأةً عسكريةً فى الإمارات العربية المتحدة، على الرغم من أن الحكومة الإماراتية، ذكرت أن هذا كان وصفًا خاطئًا للمشروع، وقال المستشار الرئاسى، أنور قرقاش: “وجهة نظر الإمارات، هى أن هذه المنشآت المعنيّة، لا يمكن بأىِّ حالٍ من الأحوال تفسيرها على أنها مُنشآت عسكرية”.

مهما كانت طبيعة المشروع، فقد أطلق بوضوح إنذارات التحذير فى واشنطن، وجاء فى وقتٍ كانت فيه “الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة”، تُبْحِران فى صفقةٍ مُعقَّدةٍ بالفعل، لطائرة “F-35″، أُلغيت منذ ذلك الحين، من قِبَلِ الإماراتيين، فى ديسمبر 2021؛ ما يدل على أنَّ العلاقات “الصينية – الإماراتية” كانت مصدرًا متزايدًا للخلاف بين واشنطن وأبو ظبى.

كان من الممكن، أن تتجنَّب بكين ذلك فى الماضى؛ لأن العلاقات المستقرة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجى كانت جيدةً للأعمال، أما الآن، فيبدو أن الصين مستعدة لاستغلال نقاط الضغط هذه؛ من أجل تمييز نفسها عن الولايات المتحدة، وخلْق احتكاكٍ بين واشنطن وشركائها الإقليميين.

ومثال آخر، جاء من تقرير CNN ” “، الصادر فى ديسمبر 2021، والذى كشف، أن بكين تساعد المملكة العربية السعودية فى تطوير نظام صاروخٍ باليستىٍّ محلىٍّ؛ فتتطلع كُلٌّ من “المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة”، إلى بناء قدراتهما فى هذا القطاع، الذي تبلغ تكلفته عدة مليارات من الدولارات؛ لخلْق فرص عملٍ، وتقليل اعتمادهما على واردات الأسلحة الأجنبية، كأجزاء رئيسية من برامج التنويع الاقتصادى، فى رؤية 2030.

ليست هذه هى المرة الأولى التى تتعاون فيها الصين مع المملكة، فى مجال الصواريخ الباليستية؛ حيث كان بيْع ” Dong-Feng ” فى الثمانينيات، حافزًا فى إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلديْن، كما أنها ليست المرة الأولى التى يعمل فيها الاثنان معًا على الإنتاج المحلى للأسلحة، ففى عام 2017، كان هناك مشروع مشترك بين شركة علوم وتكنولوجيا الفضاء الصينية، ومدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا؛ لبناء مصنعٍ فى المملكة؛ لتجميع وخدمة الطائرات بدون طيار الصينية، من طراز “Ch-4”.

الخاتمة

تنظر الدول العربية إلى الصين على أنها قوةٌ عُظْمى مؤثرة، وتتوقع أن تبقى وجهةً رئيسيةً لصادراتها من الطاقة، خلال العقديْن المقبليْن؛ ومن ثمَّ سيكون من المنطقى للقادة العرب، تعزيز العلاقات مع هذه القوة الصاعدة، ومن ناحيةٍ أُخرى، من المرجح، أن تنمو مصالح الصين ووجودها وتأثيرها فى الشرق الأوسط، خلال العقديْن المقبليْن.

مع ذلك، من المستبعد، أن تسعى الدول العربية – لا سيما دول الخليج الآن، أو فى المستقبل المنظور- إلى استخدام الصين كبديلٍ عسكرىٍّ للولايات المتحدة؛ حيث دول الخليج لديها أيضًا شكوكها، فيما يتعلق بعلاقة الصين الإستراتيجية الوثيقة مع إيران.

ويظل الحفاظ على العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة هدفًا رئيسيًّا للسياسة الخارجية لأغلب دول المنطقة، لكن للبلدان الخليجية والعربية مصلحة كذلك، فى تجنُّب الاعتماد المفرط على الولايات المتحدة؛ ومن ثمَّ تعمل دول؛ مثل “السعودية والإمارات ومصر”، على مسارات متوازية، بـ”تعزيز قدراتها العسكرية الذاتية، وتنويع علاقاتها ’الاقتصادية والعسكرية’ مع لاعبين خارجيين رئيسيين، خاصةً الصين”.

الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط مُعقَّدة بالفعل، ومن المرجح، أن يزيد التنافُس بين الولايات المتحدة والصين من ذلك، ومن المرجح، أن تتم مراقبة علاقة دول الخليج العربى والصين عن كَثَبٍ، ليس فقط من قِبَلِ الولايات المتحدة، ولكن أيضًا من دولٍ مثل إيران، التى لديها علاقات قوية مع الصين، ولاعبين مهمين فى الشرق الأوسط.

ولكن إذا تمكَّنت “واشنطن وبكين” من إعادة علاقتهما الثنائية إلى المسار الصحيح، وهو طلبٌ كبيرٌ بالنظر إلى المناخات السياسية فى كلا البلدين، فقد يؤدى هذا التقارُب إلى تنسيق السياسات لحلِّ العديد من القضايا المُلحِّة، التى تُؤثِّرُ على أحداثٍ أبعد من ذلك بكثير، أمَّا إذا لم يكن الأمر كذلك، فإن خطر المنافسة بين القوى العظمى، يمكن أن يزيد من زعزعة استقرار النظام الإقليمى المهتز.

كلمات مفتاحية