المحكمة الدستورية تقرر بطلان مجلس الأمة 2022..  المشهد السياسي في الكويت يزداد تأزُّمًا

إعداد: شيماء عبد الحميد

تدور الحياة السياسية في الكويت منذ سنوات، في حلقةٍ مُفْرغةٍ، ما بين استقالة الحكومة وحل مجلس الأمة وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، والتي أدَّت إلى إفراغ العملية السياسية من مضمونها وأهدافها، واستكمالًا لهذه الحلقة؛ قضت المحكمة الدستورية بالكويت، يوم 19 مارس الجاري، ببطلان انتخابات مجلس الأمة، التي أُبرمت في سبتمبر 2022، وإعادة مجلس 2020، وجاء في منطوق الحكم؛ إبطال عملية الانتخاب برمتها التي أُجريت في الدوائر الخمس، وبعدم صحة عضوية من أُعلن فوزُهم فيها؛ لبطلان حل مجلس الأمة 2020، وبطلان دعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس الأمة، التي تمَّت على أساسها هذه الانتخابات، مع ما يترتب على ذلك من آثار، ومن أهمها؛ أن يستعيد المجلسُ المُحَلُّ برئاسة «مرزوق الغانم» سلطته الدستورية، وكأن الحلَّ لم يكن.

وأفادت المحكمة الدستورية في حيثيات قرارها، أنه تم النظر في عشرات الطعون المقدّمة من نواب سابقين وسياسيين، مشيرين في طعونهم إلى مخالفات دستورية، شابت عملية الإعلان عن حلِّ البرلمان، في يونيو 2022، وأخطاء أُخرى خلال العملية الانتخابية، وبناءً على ما توصلت إليه؛ رأت المحكمة أن هناك عوارًا قانونيًّا بمرسوم حلِّ مجلس 2020، يتمثل في عدم معقولية سبب الحل الذي تم تقديمه في مرسوم الحل، وهو الخلافات المستمرة بين المجلس والحكومة، أيْ السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية؛ ما يعطل مسار العمل في البلاد؛ وذلك لأن الحكومة رفعت مرسوم عدم التعاون مع المجلس بعد تشكيلها بيوم واحد فقط، وبما أنه من غير المنطقي أن تكون هناك خلافات أو توتُّرات في العلاقة بين الحكومة والمجلس خلال الساعات التي تفْصِل تشكيلها عن قرار حل المجلس، اُعْتُبِرَ مرسوم الحل غير مُسبّبٍ، وهو ما يخالف نص المادة 107 من الدستور، والتي تستوجب أن يكون قرار حل مجلس الأمة مُسبَّبًا، وبالتالي؛ لم يكن أمام المحكمة الدستورية خيار؛ إما أن تحكم ببطلان إجراءات الانتخابات، أو الاتجاه لإبطال الانتخابات برمتها؛ بسبب بطلان مرسوم الحل؛ لأنه غير دستوري، وهو ما حدث.

ونتيجةً لهذا الحكم، يستكمل المجلس السابق المُحَلُّ المدة القانونية المتبقية، وهي 21 شهرًا، قبل الدعوة لانتخابات تشريعية جديدة، كما سيتعين على نحو 27 نائبًا في المجلس، مغادرة قاعة البرلمان، وهم النواب الجُدُد الذين تم انتخابهم في سبتمبر الماضي، في حين يستكمل 23 نائبًا العضوية بمجلس الأمة، باعتبارهم أعضاء في مجلس 2020، الذي قضت المحكمة بعودته من جديد، فضلًا عن أن الحكومة الحالية التي يرأسها «أحمد نواف الأحمد الصباح»، حتى لو كانت حكومة تصريف العاجل من الأعمال، سيتعين عليها أن تؤدي اليمين الدستورية أمام المجلس؛ كي تباشر أعمالها، حتى لو أرادت بعد ذلك أن تتخذ إجراءً نحو مرسومٍ بحل المجلس.

ملامح تأزُّم المشهد السياسي الكويتي وأسبابه

جاء قرار المحكمة الدستورية في سياقٍ متأزِّمٍ تشهده الحياة السياسية في الكويت، التي تعاني من تكرار سيناريو التصعيد بين السلطتيْن، التشريعية ممثلة بمجلس الأمة، والتنفيذية ممثلة بالحكومة؛ إذ كثيرًا ما تشهد العلاقة بين الحكومة والبرلمان في الكويت أزمات عديدة وحالة من الاحتقان السياسي، والتي دائمًا ما تنتهي بهزيمة أحد الطرفيْن؛ إما بحل المجلس أو استقالة الحكومة، وقد مرت الأزمة السياسية الكويتية الحالية بعدة مراحل، يمكن إيضاحها على النحو التالي:

– المرحلة الأولى: من انتخابات برلمان ديسمبر 2020، وحتى بداية 2022؛ بدأ الخلاف بين مجلس الأمة والحكومة عقب التغيير الكبير الذي طرأ على هيكل مجلس الأمة الكويتي في انتخابات المجلس السادسة عشر، التي عُقدت في ديسمبر 2020، وخسارة أكثر من ثلثيْ أعضاء المجلس مقاعدهم، وتمكَّن مرشحو المعارضة من تحقيق نجاحٍ كبيرٍ، بحصولهم على 24 مقعدًا، من أصل 50 مقعدًا، ولكن على الرغم من نجاح المعارضة الكبير، لم تتمكن من الحصول على رئاسة مجلس الأمة، وفاز «مرزوق الغانم»، الذي لا يحظى بدعم أغلبية كبيرة من النواب، بالمنصب للمرة الثالثة على التوالي، بواقع 33 صوتًا، مقابل 28 لمنافسه «بدر الحميدي».

وقد تحوَّلت المعارضة من خلال كتلتها القوية في البرلمان إلى جهة ضغط مستمر على الحكومة؛ لإجراء عددٍ من الإصلاحات التي تقدَّمت بها، ولعل أبرزها؛ تلك المتعلقة بمعالجة ملفات الفساد والعفو الشامل عن معارضي الخارج، إلا أن الحكومة لم تتجاوب مع مطالب المعارضة، وأعلنت عن برنامج عمل، توسَّع في فرْض الضرائب والخصخصة ورفْع الدعم عن الخدمات العامة؛ ما أثار سخط المعارضة بشكلٍ كبيرٍ، وبناءً عليه؛ أعلن 31 نائبًا، في يناير 2021، تأييد استجوابٍ مُوجَّهٍ لرئيس مجلس الوزراء آنذاك «صباح الخالد» وحكومته، زاعمين أنه خالف الدستور، بعدم تقديم برنامج عمل الحكومة في وقته، ولاختياره لشخصيات تأزيمية في الحكومة، بالإضافة إلى تدخُّل الهيئة التنفيذية في نشاط البرلمان، من خلال دعم الحكومة لـ«مرزوق الغانم»؛ ليفوز برئاسة البرلمان من جديد.

ردَّت الحكومة على الاستجواب بتقديم استقالتها، ورغم ذلك أعاد أمير الكويت تكليف «صباح الخالد»، بتشكيل الحكومة مرةً أُخرى، في 24 يناير 2021، ثم أصدر الأمير، في 18 فبراير، قرارًا بتعليق عمل البرلمان لمدة شهرٍ واحدٍ؛ بناءً على المادة 106 من الدستور؛ بغرض تهدئة التوتُّر، واستمر تعليق مجلس الأمة حتى 30 مارس 2021؛ حيث أُعيدت جلسات البرلمان، وتمكَّنت الحكومة الكويتية من أداء اليمين الدستورية.

ورغم ذلك لم تنفرج حالة الاحتقان بين أعضاء البرلمان والحكومة، بل استمرت مطالب عدد من أعضاء البرلمان، بإسقاط الحكومة؛ ما أدَّى إلى تعطيل حضور أعضاء الحكومة إلى جلسات البرلمان، في 27 أبريل 2021، واستمرت حالة الشدِّ والجذْب بين السلطتيْن، حتى نوفمبر من العام ذاته؛ حيث تقدمت حكومة «الخالد» مرةً أُخرى باستقالتها، بعد 8 أشهر فقط، فيما تمسَّكت القيادة السياسية في البلاد، باستمرار «صباح الخالد» في منصبه، وطلبت منه تشكيل الحكومة مرةً أُخرى، في ديسمبر 2021.

– المرحلة الثانية: من بداية 2022 وحتى بداية 2023؛ مع استمرار تولِّي «الخالد» رئاسة الحكومة، استمرت كتلة المعارضة في مجلس الأمة بالتصعيد، ورفعت شعار رحيل الرئيسيْن؛ رئيس البرلمان «مرزوق الغانم»، ورئيس الحكومة «صباح الخالد»، وذلك من خلال الضغط بآلية الاستجوابات؛ فمنذ أداء الحكومة اليمين الدستورية أمام المجلس، في 4 يناير 2022، قدَّم النواب المعارضون ثلاثة استجوابات متتالية، بمعدل استجواب كل شهر تقريبًا، استهدفت وزراء في الحكومة، وبناءً عليه؛ تقدَّم كُلٌّ من وزير الدفاع آنذاك «حمد جابر العلي»، ووزير الداخلية «أحمد المنصور»، بالاستقالة من منصبيْهما، في 16 فبراير 2022؛ احتجاجًا على ما وصفاه، بتعسُّف النواب باستخدام أداة الاستجواب.

واستمرارًا لمسلسل استنزاف الحكومة بالاستجوابات؛ نجحت كتلة المعارضة، في تمرير استجوابٍ لرئيس الحكومة «صباح الخالد»، في 29 مارس 2022، أعقبه إعلان 26 نائبًا، عدم التعاون معه؛ ما يعني الإطاحة بالحكومة؛ ما أدَّى إلى استقالة الحكومة، في 5 أبريل 2022، وفي 10 مايو، أصدر أمير الكويت «نواف الأحمد»، أمرًا أميريًّا، بقبول الاستقالة، وتكليف الحكومة بتصريف العاجل من الأمور.

أعقب قبول الاستقالة، تعطل انعقاد البرلمان وجلساته الاعتيادية؛ نظرًا لعدم تشكيل حكومة جديدة؛ لذلك أعلن نواب المعارضة، احتجاجهم على ذلك، عبْر اعتصامٍ مفتوحٍ في البرلمان، أُطلق عليه «اعتصام بيت الأمة»، في خطوةٍ هي الأولى في تاريخ البرلمان، وتركَّزت أبرز مطالب المعتصمين في عودة جلسات البرلمان للانعقاد الطبيعي، مع عدم السماح بفضِّ دور الانعقاد دون تعويض الجلسات التي لم يدْعُ لها المجلس، كما طالب النواب، بتحقيق تشكيلٍ حكوميٍّ، والعودة للحياة السياسية الطبيعية، ومع استمرار الأزمة، تدخَّلت القيادة السياسية، وأعلنت في يونيو 2022، حلَّ مجلس الأمة المنتخب، في 2020، والدعوة لانتخابات نيابية مبكرة.

وفي أغسطس 2022، أعلن أمير الكويت، تولِّي نجله «أحمد نواف» رئاسة الحكومة، أعقبه الدعوة إلى إجراء الانتخابات، وبالفعل، عُقدت الانتخابات في 29 سبتمبر الماضي، وفازت المعارضة الكويتية بـ28 من مقاعد مجلس الأمة الـ50، وتم تسمية «أحمد السعدون» رئيسًا لمجلس الأمة، ورغم ذلك ظلت حالة الاحتقان السياسي قائمة؛ حيث رفض البرلمان المنتخب، تشكيل الحكومة الذي أعلنه «أحمد نواف»، فقدّم الوزراء استقالتهم، وحُلَّت الحكومة بعد يومٍ واحدٍ فقط من تشكيلها، وفي أكتوبر 2022، شكَّل «أحمد نواف الأحمد» حكومته الثالثة، بعد صدور أمر أميري بذلك.

– المرحلة الثالثة: منذ بداية العام وحتى الآن؛ بعد هُدنةٍ مُؤقَّتة دامت ثلاثة أشهر فقط، بعد إجراء الانتخابات وتشكيل الحكومة، قدَّمت الأخيرة استقالتها، في يناير الماضي؛ على خلفية أزمتها مع مجلس الأمة، والمتعلقة بأمرين؛ الأول: إصرار المعارضة على تمرير عدد من القوانين الشعبوية، التي تلقى رفضًا من قِبَلِ الحكومة، وعلى رأسها؛ قانون إسقاط القروض الاستهلاكية عن آلاف المواطنين المتعثرين في السداد؛ نظرًا لتكلفته المالية العالية التي لا تتحملها الدولة في هذا التوقيت، والثاني: تمسُّك كتلة المعارضة بتوجيه استجوابيْن إلى وزير المالية، عبد الوهاب الرشيد، ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، براك الشيتان، فيما رفضتهما الحكومة أيضًا، وقد أعقب هذا الرفض انسحاب الحكومة من حضور جلسات البرلمان، وتقديم استقالتها، لتدخل الكويت بذلك مرةً أُخرى في أزمة سياسية جديدة.

واستكمالًا لمسلسل تأزُّم المشهد السياسي؛ أعلن الديوان الأميري الكويتي، في 5 مارس الجاري، إعادة تعيين «أحمد نواف الأحمد» رئيسًا لمجلس الوزراء، وتكليفه بتشكيل حكومته الرابعة، وقد أعقب القرار إعلان المحكمة الدستورية، في 8 مارس، النظر في الطعون الانتخابية المقدمة من بعض نواب مجلس 2020، في 19 مارس؛ حيث تم إعلان قرار بطلان انتخابات مجلس الأمة 2022، وعودة المجلس المُحل؛ ليمثل القرار بداية فصل جديد من الأزمة السياسية المستمرة في الكويت.

ويتضح من ذلك، أنه بالرغم من تمتُّع الكويت بتجربة سياسية وديمقراطية لها خصوصيتها، إلا أنها لم تخْلُ من العديد من العثرات والمناكفات السياسية، التي عطَّلت الكويت كثيرًا، والتي تتعدد أسبابها؛ ومنها:

– دور البرلمان الرقابي؛ تُعدُّ الكويت من الدول العربية القليلة التي ينشط فيها دور البرلمان الرقابي على عمل السلطة التنفيذية، إلا أن الاستجوابات وآلية البرلمان في المراقبة والحساب، أثرت سلبًا على حالة الاستقرار السياسي في الكويت، وغالبًا ما تنتج أزمات مختلفة على إثْرها، وربما يعود السبب في ذلك، إلى إساءة استخدام أدوات الرقابة والمحاسبة، أو لعدم نضج الممارسة الديمقراطية بشكلٍ كافٍ، يمكِّنُها من إجراء استجوابات ضد أعضاء الحكومة، دون أن يؤدي إلى تعطيل عمل الأجهزة التشريعية والتنفيذية.

– عدم وجود قواعد منظمة للعلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية؛ فالصراع بين الجانبيْن هو حالة صحية تعبّر عن وجود نوعٍ من الديمقراطية وتأثير البرلمان في البلاد، ولكن يجب أن يكون هناك قواعد منظمة لهذا الصراع، بحيث تعلم كل جهة مالها وما عليها، إضافةً إلى منْع التدخلات في هذا الصراع التي هدفت إلى التهدئة المرحلية، عبْر حل المجلس أو حل الحكومة.

– حصر منصب رئاسة الحكومة في الأسرة الحاكمة؛ يؤثر حصر منصب رئاسة الحكومة في أحد أعضاء الأسرة الحاكمة، وكذلك تحديد عددٍ من الوزارات السيادية لأعضاء الأسرة الحاكمة، في مدى مصداقية المحاسبة التي توجه إلى الحكومة، وصعوبة إخضاعها لمساءلة حقيقية أمام مجلس الأمة؛ إذ يجعل الحكومة تسعى إلى تسريع تقديم استقالتها، أو حتى إقالتها من قِبَلِ أمير الكويت في كل مرة يتعرض فيها وزير من الحكومة لاستجواب البرلمان، يمكن أن يُفضي إلى سحْب الثقة منه.

– آليات اختيار الحكومة؛ غالبًا ما يقوم مجلس الوزراء على محاصصة طائفية وقبلية، فيه محاولة لاسترضاء واحتواء مراكز القوى في العملية السياسية؛ إذ يتم الاختيار بناءً على نظام المحاصصة من الأسرة الحاكمة ومن الشخصيات ورجال القبائل البارزين، ودون إشراك للتيارات والجمعيات السياسية الموجودة في الكويت؛ ما يجعل الحكومة في النهاية مشكّلة من وزراء غير منسجمين، ولا يجمعهم توجُّه أو مشروع، وإنما أفراد يعمل كل واحد منهم بشكلٍ منعزلٍ عن الآخر.

– الممارسة السياسية الشخصانية؛ غلبت على الممارسة السياسية في الكويت طوال تلك السنوات، الممارسة العليلة، وفي الغالب تكون شخصانية، مثل رضوخ شخوص الحكومة لمطالب نواب المجلس؛ خوفًا من المساءلة، وبالتالي؛ تحوَّلت آلية الرقابة والمساءلة من أداة إيجابية إلى أداة بالغة السلبية، وهذا يرجع لأن الحكومات لا تنبثق من المجلس، وبالتالي؛ تتجه غالبًا لشراء الولاء السياسي، وتلبية مطالب من يُسمَّوْن بنواب الخدمات؛ ما يُكرِّس ثقافة المحسوبية ويشرعنها، بل ويجعلها حالة طبيعية في النظام السياسي، وهذا يثقل كاهل الدولة، ويجعل الإنفاق الحكومي يتجه لبنْد الرواتب أكثر من المشاريع والاستثمارات، التي تحقق مصلحة البلاد على المدى البعيد؛ لتصبح وظيفة الحكومة بذلك؛ محاولة البقاء والاستمرار أكثر من التخطيط للمستقبل، فهي تبحث عن المكاسب السريعة لا أكثر.

– تكرار سيناريو الأزمة دون جدوى؛ فقرار المحكمة الدستورية ليس الأول من نوعه؛ إذ تم إبطال مجلس الأمة مرتيْن؛ ففي 2012، قضت المحكمة الدستورية ببطلان حلِّ مجلس الأمة 2009، وإجراءات الدعوة لانتخابات 2012، وبذلك عاد مجلس 2009، وفي عام 2013، تم إبطال المجلس؛ بسبب عدم دستورية مرسوم إنشاء اللجنة الوطنية العليا للانتخابات، وفي الحالتيْن لم يؤدِّ القرار إلى إنهاء الأزمة.

– عقدة الصراع المهلك بين بعض الأطراف السياسية الفاعلة؛ هناك صراعٌ من البعض على السلطة، بدلًا من الصراع من أجل السلطة، فالصراع على السلطة جعلها هدفًا بحدِّ ذاته، في حين يتوجب أن يكون الصراع من أجل أن تتمكن السلطة بأفرادها وآلياتها من خدمة الدولة والشعب.

تداعيات القرار

لا شكَّ أن قرار المحكمة الدستورية ببطلان مجلس الأمة 2022، وعودة مجلس 2020، سيترك آثارًا بالغة على الحياة السياسية والاقتصادية في الكويت، خاصةً وأن المجلس العائد عانى من صراعات وانقسامات عديدة، وعلى رأسها؛ الخلاف على شخصية «الغانم»، ورفضه من قِبَلِ نواب المعارضة، وبالتالي؛ من غير المتوقع أن يكون قرار المحكمة الدستورية حلًّا للأزمة، وفيما يلي أبرز تبعات القرار:

– تصعيد في علاقة المجلس مع الحكومة الجديدة؛ من المرتقب أن تؤثر عودة مجلس 2020، على التشكيل الحكومي المرتقب الذي سيشكله «أحمد نواف»، وفقًا للتكليف الأميري، الصادر في 5 مارس الجاري، كما أنه ليس من المستبعد أن تلجأ حكومة تصريف الأعمال الحالية، بعد أدائها اليمين أمام المجلس العائد، إلى رفْع مرسومٍ بحلِّ هذا المجلس، والدعوة إلى انتخابات نيابية جديدة.

– ضغط نيابي لإقرار قانون المفوضية العليا للانتخابات؛ مع تكرار سيناريو حلِّ مجالس الأمة؛ نتيجةً لشبهة مخالفات دستورية تشوب العملية الانتخابية، ارتفعت الأصوات النيابية المطالبة بإنشاء مفوضية عليا، تكون مسؤولة عن إدارة وتنظيم الانتخابات، وسدّ الثغرات التشريعية التي أدَّت إلى إبطال الانتخابات الأخيرة، وخلقت حالةً من الفوضى الدستورية، وبالتالي؛ تكفل سلامة الإجراءات وصحتها ونزاهتها وشفافيتها.

– اشتداد الصراع السياسي في الكويت؛ حكم المحكمة الدستورية قد يكون بدايةً لأزمة متعددة الأوجه داخل البرلمان والحكومة؛ فرئيس الوزراء المُكلَّف غير منسجم مع رئاسة المجلس الذي تمَّت إعادته، وبما أن الاستقرار السياسي في الكويت يعتمد بشكلٍ دائمٍ على التعاون بين الحكومة والبرلمان، فلا يبدو أن عودة المجلس المُحلّ ستضع نهايةً للأزمة السياسية في البلاد، بل الأرجح أن تكون بدايةً لفصْل آخر من فصولها، وإذا حدث ذلك ستكون الكويت أمام حلٍّ جديدٍ للمجلس العائد وانتخابات جديدة في غضون ثلاثة أشهر.

ويدعم احتمالية عدم استمرار مجلس 2020 حتى نهاية فترته النيابية، في 2024، ردود الفعل الصادرة تجاه قرار المحكمة الدستورية؛ إذ أصدرت خمس قوى سياسية، هي الحركة الدستورية الإسلامية “حدس”، وهي الجناح السياسي للإخوان المسلمين في الكويت، والمنبر الديمقراطي الكويتي، وحركة العمل الشعبي “حشد”، والتآلف الإسلامي الوطني الشيعي، وتجمع العدالة والسلام الشيعي، بيانًا يوم 21 مارس، أعربت فيه عن أن عودة المجلس مرفوضةٌ جُمْلةً وتفصيلًا؛ لأنه حُلّ بإرادة شعب، وبتوافقٍ مع القيادة السياسية، ولن ينتج منها إلا تعقيد أكبر للمشهد السياسي، مطالبة السلطة بالرجوع إلى الشعب ليختار ممثليه في انتخابات نزيهة.

– التأثير الاقتصادي للأزمة؛ التوترات المتواصلة بين السلطة التنفيذية والتشريعية، أعاقت أيَّ محاولة للإصلاح والتنمية، وعطَّلت كثيرًا من مشاريع الاستثمار؛ فالاختلالات السياسية في السنوات الأخيرة، منعت البلاد من اتّخاذ الإجراءات اللازمة للسيطرة على ارتفاع الإنفاق، وتوليد الإيرادات غير النفطية، وتنويع اقتصادها المرتهن على النفط.

وفي 31 يناير 2023، قدّمت وزارة المالية الكويتية مشروع ميزانيتها الجديدة للدولة للعام المالي «2023- 2024»، الذي يبدأ في أبريل المقبل، وتضمَّن عجزًا بـ 5 مليارات دينار كويتي، أيْ نحو 16.4 مليار دولار، مقارنةً بـ10.3 مليارات دولار في العام الماضي، وهذا العجز يرتبط بالأزمة السياسية التي تشهدها البلاد؛ حيث أدى الخلاف بين المجالس التشريعية المنتخبة السابقة والحكومات الـ6 السابقة، إلى منْع الحكومة من إصدار قوانين تسمح لها بالاقتراض، ووقف السحب من صندوقي الأجيال القادمة والاحتياطي العام، ولم تدخل البلاد سوق الدين منذ طرح سندات دولية لأول مرة، في عام 2017؛ بسبب غياب قانون يسمح لها بذلك؛ الأمر الذي يعطل قدرتها على الاقتراض لتغطية عجز موازنتها للعام المالي المقبل، كما لم يقر مجلس الأمة حتى الآن قانون الدين العام؛ ما يعرقل فرصًا اقتصادية كبيرة على الحكومة الكويتية ترتبط بسوق الدين العالمي.

إجمالًا:

تدور الكويت في حلقةٍ مُفْرَغةٍ تضرُّ بالحياة السياسية؛ فحل مجلس أو إعادة آخر لن يأتي بجديد؛ إذ لا يمكن إعادة ترتيب المشهد السياسي الكويتي بالآليات نفسها التي أثبتت فشلها في معالجة الأزمة طوال عدة سنوات ماضية؛ لذلك يجب على القيادة السياسية في الكويت، اتخاذ خطوات حقيقية تنهي الأزمة؛ منها: أن تقوم السلطة التنفيذية بتقديم مبادرة إصلاحية شاملة، بدء حوار وطني حقيقي لتحديد التعديلات الدستورية التوافقية اللازمة، توحّد القوى السياسية والشعبية والمدنية على مشروع محدد للإصلاح، يتضمن تحديث الدستور وجعله أكثر فاعلية، إيجاد تسوية مختلفة لشكل العلاقة بين مجلس الأمة والحكومة، تقوم على فكرة الفصل بين الوزارات الخدمية والسيادية، السماح بوجود الأحزاب السياسية، وتغيير نظام الصوت الواحد ليتوافق مع طبيعة العمل الجماعي؛ إذ لا يمكن أن يعمل أيُّ برلمان، وتتشكل منه حكومات لديها برامج، بناءً على أفراد لا يجمعهم أيُّ تصوُّرٍ.

كلمات مفتاحية