إعداد/ حسناء تمام كمال
يشهد العراق اليوم ١٠ أكتوبر أولى ايام الاقتراع العام ، وتأتي الانتخابات امتدادًا لسلسلة التغيرات السياسية التي اتُّفق عليها عقب احتجاجات أكتوبر 2019، وذلك ضمن الخطوات السياسية والاقتصادية كمخرج وحلٍّ لتطلعات الاحتجاجات الأخيرة.
وخصوصية تلك الانتخابات في أمور عدة، أولًا: ارتباطها بسياق الاحتجاجات الأخيرة؛ لذا يُنتظر أن تُؤتي ثمارها، ومن ناحيةٍ أُخرى، فإن هذه الانتخابات تختبر قدرة المؤسسة التنفيذية “المفوضية العليا للانتخابات”، وفي الأخير، تُوبِع قانون انتخابي جديد لنظام آخر، يُعوَّلُ عليه إذابة الطائفية بالعراق، وهو التحدي الأكبر للاستقرار بالعراق.
النظام الانتخابي الجديد
اتَّبع العراق أنظمة انتخابية مختلفة، كلها كانت تراتبية، ومحاولات للتوصل لصيغة مناسبة، وآخر الصيغ اعتمادًا، هي صيغة نظام ” سانت ليجو”، وهدفها الرئيسي تمثيل كافة الطوائف صغيرةً أو كبيرةً في كتل انتخابية، مُعتمدةً على قسمة إجمالي الأصوات بكل قائمة أو كتلة، على أرقام فردية صحيحة (1و3و5و7و9و11) وبعد إجراء القسمة يتم تخصيص المقعد الأول لأكبر رقم من حصيلة القسمة، وثاني مقعد ثاني أكبر رقم من حصيلة القسمة وهكذا، حتى انتهاء توزيع المقاعد المخصصة لكل دائرة وكانت آخر جولة انتخابات بهذا النظام في عام 2018، وبعد قيام الاحتجاجات، اعتمد مجلس النواب قانون رقم 9 لعام 2020، وغيَّر النسبية الخاصة بالأنظمة السابقة ليجري الانتخاب بشكل مطلق.
كما أٌقر الترشح الفردي حصرًا بعد أن كان ترشيح القوائم الانتخابية الحزبية هو السائد سابقًا، وإجازة آلية جديدة، بتقسيم المحافظة الواحدة إلى عدة دوائر انتخابية بدلًا من جعل المحافظة دائرة واحدة، متخذين من “الكوتة” النسائية في كل محافظة معيارًا للتقسيم، فإذا كانت حصتها في محافظة ما 3 مقاعد، تُقسَّم المحافظة إلى 3 دوائر، وإذا كانت حصتها في محافظة أُخرى 4 مقاعد، فيتم تقسيمها إلى 4 دوائر، ويبلغ عدد الدوائر الانتخابية 83 دائرةً يمثلون بـ329 مقعدًا، منهم تسعُ مقاعدَ للأقليات، ومن الواضح أنها تغيرات انتخابية متنوعة، نحاول من خلال الواقع العراقي، استشراف ما إذا كان ذلك قادرًا على خلق نقلة في الواقع العراقي أم لا.
تحديات المشهد الانتخابي، والنتائج المأمولة
التحديات الأمنية: تأتي الانتخابات العراقية في ظل أجواء متوترة أمنيًّا وسياسيًّا، سواءً على المستوى الداخلي أو الخارجي، فخارجيًّا مازالت حالة الصراع بين الولايات المتحدة وإيران على خلفية الموقف الأمريكي من اتفاق البرنامج النووي الإيراني ومسار مباحثات (فيينا) المرتبطة به من ناحية ثانية، أو على مستوى السلوك الإقليمي لإيران في العديد من الملفات التي يشكل العراق إحداها، وأهمها على الإطلاق، وجود رئيس جديد من التيار الديني المحافظ المتشدد على سُدَّة الحكم في إيران، إضافةً إلى الاتجاه الأمريكي بسحب القوات من العراق.
وداخليًّا يتصاعد القلق بين الفصائل والطوائف، وتقوم الطوائف المختلفة بالتضييق على الحملات الانتخابية، أو حتى اغتيالات المرشحين، إضافةً لتدهور الأوضاع الإنسانية والأمن الاجتماعي في العديد من محافظات العراق، على رأسها الموصل، وهو ما خلق استياءً أمنيًّا لجهود المتابعة الانتخابية، وتأمين حملات المرشحين؛ ما قد يؤدي إلى تراجع تأمين تصويت الناخبين.
غياب التوافق حول القانون: من جهةٍ أُخرى تُوجد حالة من عدم الرضا عن بعض مواد قانون الانتخابات، فيرى الطوائف الشيعية والمسلمين والكرد، أن التمثيل غير آمن مقارنةً بالمناصب التي حظوا بشغلها وفقًا لنظام سانت ليجوا ؛ لذا تزايدت مطالبهم بتأجيل الانتخابات.
ضياع مجهودات في الدعوة للمقاطعة والتأجيل: منذ يناير وحتى يوليو الماضيين تزايدت الدعوات إما لمقاطعة الانتخابات، أو تأجيلها، وهو ما انعكس بعدم جاهزية الطوائف المختلفة لخوض الانتخابات، غير أن الانتخابات لم تُؤجل واضطرت الفصائل بالنهاية لإعلان مشاركتها، لكن انعكس تأخير قرار المشاركة بعدم تماسك التحالفات التي خاضتها، وعدم انطلاقها على أرضية ثابتة، وأن التأجيل يضمن مشاركة كافة الأطراف وإعادة ترتيب أوراقها.
لماذا لن تغير النخبة الحاكمة؟ “ضرورة خفض التوقعات”
بالرغم من أن هناك عددًا من التيارات قادت تحالفات واسعة داخل العراق للاندماج وخوض الانتخابات إلا أن هذه التحالفات كُشف عن ضعفها، فسياسات الأحزاب ذات البُعْد الطائفي مازالت تحتفظ بالشيء ذاته؛ لذا فالتغييرات التي أُجريت لقادتها لا لسياستها، من ناحيةٍ أُخرى إقامة التحالفات على أساس طائفي وعشائري، وهذا يتنافى مع فكرة القومية القائم عليها النظام الانتخابي.
من ناحية أُخرى، الأحزاب تشهد حالة انقسام داخليَّا حول موقفها من الانتخابات، فعلى سبيل المثال، الاتحاد الوطني الكردستاني في أربيل وفي السليمانية مازال منقسمًا على نفسه، إضافةً إلى انفصال التيارات الشيعية، حول مسألة التحالف مع الأكراد، وعدم استعداد التيار الصدري للانتخابات، وإعلانه الانضمام لها في وقت متأخر، دون ترتيب صفوفه، في حين أعلن الحشد عن المقاطعة، وفقد التواصل مع المفوضية العليا لإدارة الانتخابات.
وبالتالي فإن التيارات التي شاركت كأحزاب في تحالفات انتخابية، لم تعِ طبيعة ما رمى إليه القانون الانتخابي، وإنما حاولت جعْل القانون متكيفًا مع الأوضاع الطائفية وليس العكس؛ ما يجعل النتيجة في النهاية واحدة، وهي استمرار التكتلات الطائفية في البرلمان المقبل، بالشكل الذي كانت عليه النخبة السياسية في انتخابات عام 2018، لكن تحت مسمى تحالفات.
وفي ظل هذه المُعطيات والتي يصعُب فيها الجزم بفوز تحالف بعينه بالانتخابات، ومدى انفتاحه على سياسة القومية بدلًا من الطائفية، لكن من المؤكد أن المكونات التي ستشكل المشهد القادم هي نفسها المكونات الحالية، والتي يرجح أن يغلب عليها الطائفتان (الشيعية، والكردية)، مع بروز شخصيات معروفة أجندتها الطائفية، واستبعاد ظهور قيادات جديدة.
وفي الأخير يمكن القول: إن العراق الذي يمر بمرحلة إعادة بناء مؤسسات الدولة المختلفة بعد الاحتجاجات الداخلية، وبعد حربين أهليتين، يبقى أمامه مسار طويل للانتقال بمكوناته السياسية من الطائفية إلى القومية، هذا الطريق يمر بمراحل ومستويات مختلفة، الجانب المؤسسي الذي تسعى نحوه العراق، وتجري الانتخابات في كنفه، يحتاج بجانب النظام الانتخابي الجديد، لتدريب وتأهيل المشاركين في هذه السلطة بما يتناسب مع هدف المرحلة، وكذلك سياسات قوية تخدم الهدف وتعزز القدرة المؤسسية لها، سواءً بصلاحيات اتخاذ القرار، وبعدم احتكار قرارها السياسي لصالح فصيل طائفي بنفسه، وكذلك عدم الانحياز لأي طرف إقليمي بعينه.
وبالتالي فإن رفع سقف التوقعات عن تغيرات جذرية تطرأ على المشهد الانتخابي القادم، هو أمرٌ غير واقعي، لا يتناسب مع طبيعة التحديات التي تجري في ظلها الانتخاب، وكذلك لا يتلاءم مع مقدار جاهزية الأحزاب السياسية ومدى انسجامها مع النظام الانتخابي و هدفه، ومعرفة متطلبات هذا الهدف والظروف الرامية إلى عدم التعويل على الانتخابات بمفردها في التحول من الطائفية للتجانس القومي، وعدم رفع سقف التوقعات بشأن تغييرات جذرية تجريها، وفي الوقت نفسه إدراك أن التغير يأتي في إطار عملية متكاملة، الانتخابات جزءٌ منها، وقد تنجح فقط بالتأسيس للاتجاه نحو القومية.