المشهد السياسى التركى قبل الانتخابات العامة

إعداد: أحمد محمد فهمي

قبل ساعات من انطلاق ماراثون الانتخابات العامة فى الداخل التركى فى 14 مايو الجارى، والتى حسمت فيها الهيئة العليا للانتخابات موقف مرشحى السباق الرئاسى بين أربعة مرشحين، وهم كل من الرئيس الحالى “رجب طيب أردوغان” مرشح تحالف الشعب الحاكم، و”كمال كليتشدار أوغلو” مرشح تحالف الأمة المعارض، و”محرم اينجه” رئيس حزب البلد، و”سنان أوغان” مرشح تحالف الأجداد “أتا”، وكذلك الإعلان بشكل رسمى عن خمس تحالفات انتخابية وهم تحالف الشعب وتحالف الأمة وتحالف الأجداد وتحالف العمل والحرية وتحالف اتحاد القوى الاشتراكية، فقد برزت على الساحة السياسية عدة مشاهد ودلالات رسمت إلى حد ما السيناريوهات الاستشرافية لنتائج الانتخابات القادمة.

وهذه المشاهد كان بعضها نتاج ظروف خارجية كالزلزال المدمر الذى ضرب مدن الجنوب التركى، فى فبراير الماضى وخلف آلاف القتلى، وكذلك تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية والتى ألقت بظلالها على مسارات العملية الدعائية للمرشحين، وأيضًا تطلعات الخارج وبالأخص دول الغرب لنتائج الانتخابات، وبعضها نتيجة الدعاية والبرامج والتصريحات للمرشحين وللتحالفات الانتخابية، ولكن جميعها رسمت توقعات محتملة حول نتائج الانتخابات، والتى بلا شك هى انتخابات مميزة عن جميع الاستحقاقات السابقة، وذلك بعد ظهور تحالفات بارزة للمعارضة، ووعود انتخابية كبيرة من أغلب المرشحين، وبروز أدوار جديدة للأحزاب الصغيرة، وغيرها من معالم المشهد الانتخابى التركى.

أولًا: على صعيد السباق الرئاسي:

نبذة عامة عن مرشحى الانتخابات الرئاسية وأبرز نقاط برامجهم الانتخابية:

المرشح رجب طيب أردوغان (69 عامًا):

رئيس حزب العدالة والتنمية ومرشح تحالف الشعب الحاكم، تولى منصب رئاسة الوزراء منذ عام 2002، ثم ترشح للانتخابات الرئاسية وفاز بها عام 2014، وبعد تعديلات دستورية نتج عنها تحويل نظام الحكم من النظام البرلمانى إلى النظام الرئاسى عام 2017، استطاع الفوز من جديد بمنصب رئيس الجمهورية بعد انتخابات عام 2018.

وأعلن أردوغان فى برنامجه الانتخابى عدة أهداف طموحة تتصدرها الأهداف والخطط الاقتصادية، وذلك لمواجهة الإخفاقات التى طالت الاقتصاد التركى على وجه الخصوص فى السنوات الأخيرة، نتيجة للتحديات الناتجة عن السياسات التى اتبعها أردوغان إقليميًا وعالميًا، وأبرز تلك الوعود الانتخابية رفع حجم التجارة الخارجية إلى تريليون دولار وذلك من خلال التركيز على الإنتاج والاستثمار والتصدير، وتخفيض معدل البطالة إلى حدود 7%، كما وعد بإنشاء بنك الأسرة والشباب وذلك من عائدات الغاز الطبيعى والنفط، وتعزيز الاستثمارات السياحية لتعزيز هدف 90 مليون سائح وتحقيق إيرادات من هذا القطاع بقيمة 100 مليار دولار سنويًا، وأخيرًا أعلن أن تركيا مقبلة على حقبة جديدة أسماها “قرن تركيا” وهى عبارة عن رؤية لحزبه العدالة والتنمية للـ100 عام المقبلة، وتتكون من 16 بندًا وهى الاستدامة، الهدوء، التنمية، القيم، القوة، النجاح، السلام، العلم، صاحب الحق، الفاعلية، الاستقرار، المحبة، الاتصال، الرقمية، الإنتاج، المستقبل.

المرشح كمال كليتشدار أوغلو (75 عامًا):

رئيس حزب الشعب الجمهورى ومرشح تحالف الأمة المعارض، وعلى الرغم من أن “أوغلو” له نشاط سياسى واسع خصوصًا بعد توليه منصب رئيس حزب الشعب الجمهورى عام 2010، إلا أن هذه هى المرة الأولى التى يعلن فيها الترشح للانتخابات الرئاسية أمام أردوغان، إذ أن الحزب كان قد أعلن عن دعمه لترشيح “أكمل الدين إحسان أوغلو” فى الانتخابات الرئاسية عام 2014، كما دعم ترشيح القيادى السابق بالحزب “محرم اينجه” فى الانتخابات الرئاسية التى جرت عام 2018.

وعلى الرغم من الانتقاد الدائم للسياسات الاقتصادية للرئيس أردوغان، إلا أن “أوغلو” ركز فى برنامجه الانتخابى على نقاط سياسية بعضها مستوحى من الحقبة الكمالية، وهو ما أثار العديد من النقاشات والمخاوف فى الشارع التركى،  فعلى الصعيد الداخلى أعلن استعادة الديمقراطية وتعزيزها والذى يرى أن الخطوة الأولى فيها تعديل الدستور وإعادة النظام البرلمانى من جديد، كما أعلن أن لديه خطه لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم فى غضون عامين، وعلى صعيد السياسة الخارجية، دعا “أوغلو” إلى إعادة البوصلة التركية للتوجه غربًا، وإلى أن تركيا ستحاول من جديد الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، وأنه فى حال فوزه بالانتخابات سوف تتبنى بلاده وجهة النظر الغربية فى التعامل مع روسيا.

المرشح محرم اينجه (58 عامًا):

بعد خسارته للانتخابات الرئاسية أمام أردوغان عام 2018 فور حصوله على أكثر من 30% من الأصوات، وذلك إبان وجوده فى حزب الشعب الجمهورى، انشق “اينجه” لاحقًا بعد خلافه مع “كليتشدار أوغلو”، وأسس حزب “البلد”.

وكان “اينجه” قد أسس مع بعض الأحزاب اليمينة تحالفًا يقوم على أفكار مؤسس الجمهورية “مصطفى كمال أتاتورك” والذى تشكل من أربعة أحزاب وهم حزب البلد وحزب النصر وحزب اليمين وحزب العدالة، إلا أن الخلافات التى وقعت بين “اينجه” وبين زعيم حزب النصر “أوميت أوزداغ”، أدت لخروجه من التحالف، وذلك بعد دعوة الأخير لعمدة بلدية أنقرة والمنتمى لحزب الشعب الجمهورى “منصور يافاش” للترشح عن حزبه فى الانتخابات الرئاسية.

وحاول تحالف الأمة المعارض عقد صفقة مع “اينجه” تتمثل فى تنازله عن الترشيح مقابل دعم مرشح التحالف “كليتشدار أوغلو”، إلا أن المباحثات بائت بالفشل وذلك بعد اشتراط “اينجه” انسحاب كل من رئيس حزب المستقبل “أحمد داود أوغلو” ورئيس حزب الديمقراطية والتقدم “على باباجان” من التحالف لينسحب من منافسة كليتشدار أوغلو.

وبينما لم يطرح “اينجه” الكثير من الأفكار والأطروحات حول برنامجه الانتخابى،  لكنه أعلن سابقًا تأثره بأفكار المؤسس “أتاتورك” وأفكاره القومية والعلمانية، والتى جعلته يتخذ موقفًا متشددًا من اللاجئين السوريين وعن رغبته الطامحة فى طردهم من الأراضى التركية فى حالة فوزه بالانتخابات الرئاسية.

المرشح سنان أوغان (55 عامًا):

عضو سابق فى حزب الحركة القومية، لكنه لم ينضم لأى حزب سياسى بعد طرده من الحزب، وهو مرشح تحالف الأجداد، وهو التحالف الذى يضم أحزابًا قومية يمينية متطرفة.

وعلى الرغم من أن “أوغان” والذى كان عضوًا فى البرلمان التركى بعد انتخابات عام 2011، ليس له رصيد سياسى كبير مثل المرشحين السابقين، ويرتكز برنامجه الانتخابى على مواقف يمينية وقومية متطرفة، ودعوته لترسيخ مبادئ مؤسس الجمهورية “مصطفى أتاتورك” وعنصريته الشديدة تجاه اللاجئين والأجانب بجانب الإعلان عن رغبته بإلغاء النظام الرئاسى والعودة إلى النظام البرلمانى، وذلك دون وجود برامج سياسية أخرى واضحة.

ثانيًا: على صعيد التحالفات الانتخابية:

بعد المناقشات والاتفاقيات المُبرمة بين الأحزاب التركية، وبسبب قانون الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والذى يجبر الأحزاب السياسية على الدخول فى تحالفات وفق التعديلات الدستورية التى نقلت البلاد إلى النظام الرئاسى بدلاً من البرلمانى عام 2018، أُعلنت بشكل رسمى خمس تحالفات ستشارك فى الانتخابات القادمة.

تحالف الشعب الحاكم: والذى يضم كلًا من حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية وحزب الوحدة الكبرى وحزب الرفاه من جديد، ويدعم التحالف بشكل غير رسمى حزب “هدى بار” الكردى الإسلامى، وحزب اليسار الديمقراطى، وهذان الحزبان قدّما مرشحيهما فى قوائم “العدالة والتنمية”، وأعلنا دعم “أردوغان” فى الانتخابات الرئاسية.

تحالف الأمة المعارض: والذى يضم كلًا من حزب الشعب الجمهورى وحزب الجيد وحزب السعادة والحزب الديمقراطى وحزب الديمقراطية والتقدم وحزب المستقبل، ويدعم التحالف ترشيح “كمال كليتشدار أوغلو” للرئاسة.

تحالف الأجداد: وهو التحالف الذى يضم الأحزاب اليمنية القومية المتطرفة، ويضم كلًا من حزب النصر وحزب العدالة وحزب بلدى وحزب التحالف التركى، وقدّم هذا التحالف “سنان أوغان” للانتخابات الرئاسية.

تحالف العمل والحرية: والذى يضم الأحزاب الكردية، ويضم كلًا من حزب اليسار الأخضر وحزب العمال التركى وحزب الحركة العاملة وحزب العمل وحزب الشعوب الديمقراطى واتحاد المجالس الاشتراكية وحزب الحرية الاجتماعية، وقرر التحالف دعم مرشح تحالف الأمة “كليتشدار أوغلو” للرئاسة.

تحالف اتحاد القوى الاشتراكية: والذى يضم كلًا من حزب الحركة الشيوعية والحزب التركى الشيوعى والحزب اليسارى، لكنه لم يدعم أى مرشح للرئاسة حتى الآن.

ثالثًا: أبرز المشاهد السياسية قبل الانتخابات:

تدشين أردوغان لمشروعات قومية:

شهدت الأسابيع الماضية افتتاح الرئيس التركى أردوغان مجموعة من المشروعات المهمة، والتى تخص البنى التحتية والصناعات المحلية والثروات الباطنية، والتى ستُسهم بلا شك فى دعايته الانتخابية وكذلك فى دعم رؤيته “قرن تركيا”.

ومن أبرز تلك المشاريع التى دشنها تسليم الدفعة الأولى من سيارات توغ (TOGG) محلية الصنع، وافتتاح خطوط جديدة من شبكات المواصلات وأبرزها تشغيل خط القطارات فائقة السرعة بين العاصمة أنقرة ومدينة سيواس، وافتتاح خط مترو الأنفاق الواصل بين باشاك شهير ومدينة ساكورا الطبية وكايا شهير، كما سلَّم الجيش التركى السفينة TCG Anadolu وهى أكبر سفينة حربية وحاملة مسيرات هجومية، وكذلك تسليم دبابات “ألطاي” الجديدة، كما جرى إطلاق أول قمر صناعى محلى الصنع “إيمجه”، وافتتاح منطقة البنوك فى مركز إسطنبول المالى، كما أنجزت تركيا مشروعًا ترعاه مؤسسة البترول التركية ويتجسد فى تطوير حقل غاز سكاريا ليبدأ نقل الغاز الطبيعى من البحر الأسود إلى الشبكة العامة، كما افتُتحت محطة “آق قويو” على صفة محطة نووية وضخ أول كمية من الطاقة الكهربائية إلى شبكة التوزيع العامة والتى تأتى أهميتها من تحول تركيا إلى أحد أهم الدول المنتجة للطاقة الكهربائية من الطاقة النووية.

عدم تجانس التحالفات الانتخابية:

فالتحالفات الانتخابية البارزة لم تتكون من أحزاب ذات توجهات وأيدولوجيات مشتركة، ففى تحالف الشعب الحاكم يتواجد حزب الحركة القومية مع حزب هدى بار الكردى المتناقض فى التوجه معه، وفى تحالف الأمة المعارض حيث يتزعمه حزب الشعب الجمهورى ذو التوجهات العلمانية الكمالية، ويضم كذلك حزب المستقبل والسعادة ذو التوجهات المحافظة، وهو ما يُثير تساؤلات حول مستقبل التحالفات والتى تضم كيانات أيدلوجية مختلفة فى إطار التعامل مع القضايا والتطلعات المستقبلية، وذلك على خلاف التحالفات الأخرى مثل تحالف العمل والحرية والذى ينطلق من خلفية قومية كردية، وتحالف الأجداد ذو التوجهات العلمانية والقومية، وكذلك اتحاد القوى الاشتراكية والتى تضم كيانات يسارية تقدمية.

فشل توحيد أصوات المعارضة:

تعانى المعارضة التركية بشكل عام من عدم توحيد الرؤى والأهداف فيما بينها، وذلك على عكس التحالف الحاكم، فبينما حسم تحالف الشعب الموقف بالدفع بمرشحهم الرئيس الحالى أردوغان، كان تحالف الأمة فى خلافات مستمرة وعميقة حول الدفع بمرشح واحد يعبر عن كافة التيارات المنضوية تحت راية التحالف، وبعد خلافات وانسحابات ومفاوضات تم الاتفاق على الدفع بالمرشح “كليتشدار أوغلو” ولكن بعد أن تأثرت صورة المعارضة لدى الشارع التركى بخلافاتهم والذى استغله تحالف الشعب جيدًا فى دعايتهم الانتخابية، وكذلك لم يوفق تحالف الأمة فى الاتفاق مع المرشح الرئاسى “محرم اينجه” فى التنازل عن الترشيح لصالحهم وهو الأمر الذى سيفتت أصوات المعارضة ويخدم تطلعات ومصالح أردوغان.

الدور الكردى فى الانتخابات:

فى الاستحقاقات الانتخابية الماضية استطاع الأكراد تجميع كتلتهم التصويتية لصالح مرشحين أكراد ولخدمة القضايا الكردية فى المقام الأول، ففى الانتخابات العامة عام 2018 دعم الأكراد المرشح الرئاسى “صلاح الدين دميرطاش” زعيم حزب الشعوب الديمقراطى وهو أكبر الأحزاب الكردية، وعلى صعيد الانتخابات البرلمانية استطاع حزب الشعوب الديمقراطى الحصول على 11.7% من الأصوات، إذ صوّت له أكثر من 5 ملايين و800 ألف ناخب، وفى الانتخابات المحلية عام 2019 استطاع الأكراد من خلال كتلتهم التصويتية حسم الانتخابات فى المدن الكبرى كإسطنبول وأنقرة لصالح مرشحى حزب الشعب الجمهورى المعارض أمام مرشحى حزب العدالة والتنمية الحاكم.

وفى الانتخابات المقبلة وبالأخص الرئاسية يتطلع الناخبون الأكراد والتى تقدر أعدادهم فى تركيا ما بين 12-14% من إجمالى أصوات الناخبين، والبالغ عددهم قرابة 65 مليون ناخب، فى ترجيح كفة مرشح تحالف الأمة المعارض “كمال كليتشدار أوغلو” بعد عقد اتفاق بين الطرفين، لرفضهم بقاء الرئيس الحالى أردوغان لاتهامه بالتضييق الأمنى على الأقلية الكردية.

تصريحات ووعود كليتشدار أوغلو المثيرة للجدل:

تعددت التصريحات والوعود الانتخابية لزعيم حزب الشعب الجمهورى المثيرة للجدل فى الشارع التركى والتى من أبرزها تصريحه بانتمائه للأقلية العلوية وهو ما يعتبر كسر لأحد المحرمات فى تركيا خاصةً وأن تصريحه سوف يوثر على أصوات الناخبين السُنَّة المحافظين وهم الأغلبية الكاسحة فى البلاد، وكذلك وعوده بتحويل مطار أتاتورك إلى مركز لمشاريع الطيران مع شركة “سييرا نيفادا” الأمريكية، والتى لها إسهامات لخدمة الأمن القومى والمصالح الأمريكية وتخضع لسيطرة الدولة العميقة فى أمريكا، وهو ما أثار تكهنات حول الهدف من التعاون مع هذه الشركة والتى قد تؤثر على برنامج الفضاء التركى وتحييد مجموعة “بيرقدار” وهو ما أعرب عنه “خلوق بيرقدار”، المدير التنفيذى لشركة “بايكار” التركية وقلقه من هذا الوعد الانتخابى لكليتشدار أوغلو، كما تعهد أوغلو بوقف مشروع محطة الطاقة النووية “آق قويو” التى تعد روسيا شريكًا فيها.

الخطاب القومى المتطرف:

صار هذا الخطاب من أهم ملامح المشهد السياسى الحالى فى تركيا، فهناك مرشحان للرئاسة يتبنيان هذا الخطاب وهما “محرم اينجه وسنان أوغان”، كما قد تأسس تحالف الأجداد “أتا” على هذا الفكر وقد شخص هذا التحالف كل أزمات تركيا بأن سببها هو الغرباء، واصفًا تركيا بأنها أرض الأجداد، وأنه لابد من طرد كل غريب عنها، وبالأخص اللاجئين السوريين والعرب وأنهم السبب فى تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكذلك الثقافية فى البلاد، وهذه الأفكار لها تأثير وصدى لدى بعض القوميين الأتراك خصوصًا من المخلصين لأفكار المؤسس “أتاتورك” والرافضين للسياسات التى اتبعها حزب العدالة والتنمية خلال السنوات الماضية.

تباين مصالح القوى الدولية:

للقوى الدولية مصالح فى وصول مرشحين لسدة الحكم لخدمة مصالحهم وتوجهاتهم، فروسيا تأمل فى فوز أردوغان وهو الذى رفض الانضمام إلى مواقف حلف الناتو تجاه روسيا وفرض عقوبات عليها، بالتالى ردت موسكو الدعم لأردوغان فى حملته الانتخابية بالعديد من المواقف منها دعم اتجاه أنقرة لعقد مصالحة مع دمشق، وذلك فى ظل احتياج أردوغان لإنجاز هذا الملف قبل المعترك الانتخابى.

كما شارك الرئيس الروسى بوتين فى افتتاح محطة “آق قويو” النووية والتى شهدت توجيه أردوغان الشكر لبوتين على المساعدة فى بناء المحطة النووية، فى المقابل تدعم الدول الغربية والولايات المتحدة بشكل غير مباشر مرشح المعارضة “كليتشدار أوغلو” وهو الذى وعد بأنه حال فوزه بالانتخابات سيدعم السياسات الغربية وبالأخص تجاه روسيا، وخلال الفترة الماضية انتقدت عدة وسائل إعلام غربية – بعضها حكومى- الرئيس أردوغان واصفة إياه بـ”الديكتاتور” وأنه “يجب عليه الرحيل”، وقد دعمت صحيفة “الإيكونوميست” المعارضة التركية بعدما أشارت إلى أن “الحكومة الجديدة ستصلح العلاقات المتصدعة مع الغرب، بما فى ذلك مع حلف شمال الأطلسى الناتو”، معتبرة أن “أردوغان كان لاعبًا معطلًا فى الشرق الأوسط وسعى إلى توثيق العلاقات مع روسيا”.

كما عنونت مجلة “دير شبيغل” الألمانية صورة غلاف عددها الأخير بـ”أردوغان، الفوضى أو الانقسام فى حال الخسارة”، فيما نشرت مجلة “لوبوان” الفرنسية تقريرًا شبّهَت فيه أردوغان بنظريه الروسى بوتين وأن الاثنين يسعيان لتحقيق حلم الإمبراطورية.

رابعًا: أبرز السيناريوهات المتوقعة لنتائج الانتخابات الرئاسية:

اللجوء إلى الجولة الثانية:

ويعد هذا أبرز السيناريوهات المتوقعة فى ظل انقسام المعارضة بين المرشحين الثلاثة “كليتشدار أوغلو ومحرم اينجه وسنان أوغان” وكذلك عدم استطاعة أردوغان حسم الجولة الأولى له، نظرًا لعدة عوامل من أبرزها انقسام الشارع التركى حول سياسته الاقتصادية خلال السنوات الأخيرة وتأييد الأكراد لمرشح المعارضة، بالتالى فإن السيناريو الأرجح يشير إلى الانتقال إلى جولة ثانية من التصويت، والتى من المتوقع أن تكون بين الرئيس أردوغان وزعيم المعارضة كليتشدار أوغلو.

فوز الرئيس أردوغان:

على الرغم من صعوبة تحقيق هذا السيناريو من الجولة الأولى، لكنه ثانى أقوى الاحتمالات وذلك اعتمادًا على عدة محددات، من أبرزها الاستعداد الجيد للحملة الدعائية لأردوغان ودعم التحالف الموالى له بشكل قوى عكس الخلافات التى استمرت لفترة طويلة بين صفوف المعارضة، وبرنامجه الانتخابى الشامل لكافة البرامج والقضايا التى تهم الشارع التركى، ونجاح خطواته السريعة فى معالجة آثار الزلزال المدمر التى تعرضت له تركيا فى فبراير الماضى، والنجاحات الأخيرة التى تم تحقيقيها على صعيد السياسة الخارجية وبالأخص فى ملف المصالحات مع الدول التى كانت فى حالة مقاطعة مع تركيا، وأخيرًا نجاح تركيا فى استغلال الأزمات الدولية التى استطاع من خلالها حصد مكاسب اقتصادية وجيوسياسية لتركيا، وانطلاقًا مما سبق قد يدعم ذلك موقف حسم أردوغان للسباق الانتخابى من الجولة الأولى وذلك على الرغم  من تقدمه فى السن وانتشار الشائعات حول حالته الصحية، والتى وصلت إلى انقطاع البث التلفزيونى خلال مقابلة مباشرة مشتركة مع قناتى Ulke وKanal 7 التركيتين لإصابته بوعكة صحية، بجانب تكليف نائبه “فؤاد أقطاى”، للقيام ببعض الجولات الانتخابية نيابة عنه.

فوز كليتشدار أوغلو:

يعد هذا السيناريو مهمًا وإن كان مستبعدًا نظرًا لعدد من الدلالات، إلا أنه فى حال حدوثه سيكون له واقع سياسى كبير ليس على الصعيد الداخلى التركى فحسب وإنما على الصعيد الإقليمى والدولى، لكن يدعم هذا السيناريو حالة القلق لدى الأتراك من استمرار أردوغان وسياساته والتى أثرت على نجاحاته خلال سنوات حكمه لتركيا، بالتالى صار هناك تطلع إلى التغيير والبحث عن أشخاص آخرين يستطيعون إصلاح الأخطاء، كما أن هناك العديد من الأتراك يرون أن السياسيات الأردوغانية أثرت على القومية التركية كاستضافة وتجنيس اللاجئين السوريين وكذلك الانغماس فى مشاكل الشرق الأوسط بعدة أشكال سواء سياسية أو عسكرية وهى المخالفة للفكر الأتاتوركي.

وإجمالًا:

يعتبر الرئيس أردوغان هو الأوفر حظًا فى حسم نتيجة الانتخابات الرئاسية حتى ولو تم اللجوء إلى جولة ثانية، فلا يمكن إغفال الكتلة التصويتية الكبيرة التى يحظى بها حتى على الرغم من ضعفها فى المدن الكبرى كأنقرة وإسطنبول المؤيدة للمعارضة ومدن الشرق ذات الكتلة التصويتية الكردية، أما فيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية فإنه من المتوقع أن تشهد مفاجآت أمام تطلعات التحالف الحاكم وهى التى ستوثر بالتالى على تشكيل الجمعية الوطنية.

وكان من المتوقع أن تشهد هذه الانتخابات ترجيحًا لكفة المعارضة بشكل فارق بسبب التأثير السلبى للسياسيات الأردوغانية، لكنها أضاعت هذه الفرصة بسبب تشتتها وعدم اتفاقها بشكل أعمق من الواقع الحالى، كما أن دعايتها الانتخابية لم تراعِ الكتلة التصويتية للتيار المحافظ فى البلاد والمؤيد لحزب العدالة والتنمية، وذلك مقابل اعتمادها على إثارة المشاعر القومية واستحضار أفكار “أتاتورك” والتى لم تعد مواكبة لمستجدات السياسة العالمية الحالية، وهو ما يجعل “أردوغان” وتحالفه الأكثر شعبية والأوفر حظًا فى النجاح فى الانتخابات المقبلة.

المصادر:

  • أحمد محمد فهمى، “خارطة وملامح المشهد الانتخابى التركى المرتقب”، مركز شاف للدراسات المستقبلية، 23/1/2023، متاح على: https://bit.ly/3psNK0B.
  • بولنت أوراك أوغلو، “إذا تم انتخاب كليجدار أوغلو”، صحيفة ينى شفق التركية، 1/5/2023، متاح على: https://bit.ly/3HW7LTy.
  • ياسين اكتاى، “حملة انتخابية مثيرة للاهتمام”، صحيفة ينى شفق التركية، 28/4/2023، متاح على: https://bit.ly/44MLGjT.
  • مليح التنوك، “ما علاقة الانتخابات فى تركيا بعملية الولايات المتحدة ضد روسيا؟”، صحيفة ديلى صباح التركية، 17/3/2023، متاح على: https://bit.ly/3nUFdCS.
  • “5 تحالفات فى الانتخابات التركية: أى مبادئ وحسابات تجمعها؟”، موقع العربى الجديد، 2/5/2023، متاح على: https://bit.ly/3LO6SO4.
  • “تحالف الأجداد: حركة “طورانية” تركية لطرد اللاجئين”، موقع المدن، 6/5/2023، متاح على: https://bit.ly/3VNpoum.
  • “الانتخابات التركية: سباق على كسب الصوت الكردي”، موقع العربى الجديد، 9/5/2023، متاح على: https://bit.ly/3HVFEUq.
  • “لماذا هاجمت الصحف الغربية أردوغان مع اقتراب الانتخابات فى تركيا؟”، موقع عربى 21، 8/5/2023، متاح على: https://bit.ly/3nKSm1k.
  • سعيد الحاج، “قرن تركيا.. رؤية إستراتيجية أم دعاية انتخابية؟”، موقع الجزيرة للدراسات، 13/11/2022، متاح على: https://bit.ly/3B9OE4D.

كلمات مفتاحية