المشهد السياسي في غينيا بيساو بعد إحباط محاولة انقلابية

إعداد: شيماء ماهر

باحثة في الشؤون الأفريقية

تشهد غينيا بيساو في الوقت الحالي، حالةً من عدم الاستقرار الأمني والتوترات السياسية؛ إذ مرت في يوم الخميس الموافق 30 نوفمبر  2023م، بمحاولة انقلابية، كادت أن تُكلَّل بالنجاح، بعد الانقلابات الأخرى التي شهدتها المنطقة، والمتمثلة في انقلابيْ “النيجر، والجابون”، ولكن سرعان ما قامت القوات المسلحة بالسيطرة على الوضع، وذلك في ظل معاناة غينيا بيساو من تراجُع التقدُّم الديمقراطي، وتفاقُم السيولة الأمنية، وتصاعُد أنشطة الجماعات الإرهابية، وباتت جميع هذه التحديات تعْصِفُ ليس فقط باستقرار الدولة بعد معاناتها من انقلابات عسكرية في أكثر من مرةٍ؛ للمضي قُدُمًا نحو الاستقرار السياسي، بل إنها تُؤثِّرُ على بقاء الدولة واستمرارها.

محاولة انقلاب جديدة تعصف بمنطقة غرب أفريقيا

في ظلِّ كثرة عدوى الانقلابات العسكرية، التي شهدتها بلدان منطقة غرب أفريقيا، وصلت عدوى الانقلابات هذه المرة إلى غينيا بيساو؛ إذ اندلعت بها اشتباكات مسلحة بين فصيليْ الجيش، في يوم الخميس 30 نوفمبر، واستمرت حتى الجمعة، بعد أن أطلق جنود الحرس الوطني سراح وزير الاقتصاد والمالية سليمان سيدي، ووزير الدولة للخزانة العامة أنتونيو مونتيرو، في مقرِّ الشرطة القضائية في بيساو؛ إذ وُضع الوزيران قيْد التوقيف في مركز الشرطة القضائية، بعدما استدعاهما القضاء، وتمَّ خضوعها لاستجواب استمرَّ ساعات، في قضية سحْب 10 ملايين دولار من خزائن الدولة، واستجوبت الشرطة القضائية الوزيريْن؛ بناءً على أوامر المُدعي العام المُعيَّن من قِبَلِ الرئيس.

وفي أعقاب ذلك، أعلن رئيس غينيا بيساو، أومارو سيسوكو إمبالو، أن أعمال العنف التي وقعت في العاصمة بيساو، بين الجيش وعناصر من الحرس الوطني، كانت محاولة انقلاب، وقد أفاد بعد عودته من مؤتمر المناخ “كوب – 28” في دبي، بأنه لم يتمكن من العودة في أسرع وقت؛ نظرًا إلى محاولة الانقلاب، ودعا جيش غينيا بيساو قوات الحرس الوطني إلى العودة إلى ثكناتها، بعد وقوع أعمال العنف، والتي أوْدت بحياة شخصيْن على الأقل، وتمَّ إجلاء ستة جنود مصابين إلى السنغال المجاورة.

سياسات النظام الحاكم في غينيا بيساو بعد إحباط المحاولة الانقلابية

في محاولةٍ نحو إعادة الأوراق، وبعد فشل المحاولة الانقلابية، أصدر رئيس غينيا بيساو أومارو سيسوكو، مرسومًا رئاسيًّا، يقتضي حلّ البرلمان الذي تسيطر المعارضة على أغلبية مقاعده، وقد جاء في المرسوم الذي وقَّعه رئيس غينيا بيساو، بأنه سوف يتم تحديد موعد الانتخابات التشريعية المقبلة في الوقت المناسب، وفقًا لأحكام الدستور، وقد برَّر أن السبب في حلِّ البرلمان؛ يرجع إلى حصول عملية تواطؤ بين الحرس الوطني وبعض المصالح السياسية داخل جهاز الدولة، وأكَّد على أن البلاد تمُرُّ بأزمةٍ سياسيةٍ كُبْرى.

والجدير بالذكر، أن غينيا بيساو من الدول التي تزداد فيها حِدَّة وتيرة الانقلابات والاضطرابات منذ استقلالها عن البرتغال، في عام 1974م؛ إذ شهدت أربعة انقلابات عسكرية، منذ ذلك الوقت، آخرها الانقلاب الذي حدث في عام 2012م، فضلًا عن المحاولة الانقلابية التي تمَّ إحباطُها في عام 2022م.

وقد أدانت المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا “إيكواس” بشدة أعمال العنف، وجميع المحاولات التي تهدف إلى الإخلال بالنظام الدستوري وسيادة القانون في غينيا بيساو، ودعت إلى توقيف وملاحقة مرتكبي هذه الأحداث، وأعربت عن تضامنها الكامل مع جميع سلطات الشعب وجميع السلطات الدستورية في البلاد، كما دعت الأمم المتحدة إلى احترام سيادة القانون، وحثَّت قوات الأمن والجيش على مواصلة الامتناع من أيِّ تدخُّل في السياسة الوطنية.

أبعاد وتداعيات الانقلاب الأخير في غينيا بيساو

تُمثِّلُ المحاولة الانقلابية الأخيرة التي شهدتها غينيا بيساو، تحديًا كبيرًا بالنسبة للاستقرار السياسي وانعكاساته على الأمن الإقليمي في منطقة غرب أفريقيا، خاصَّةً أن الرؤساء السابقين في غينيا بيساو لم يُكملوا فترة ولاياتهم بشكلٍ كاملٍ، فقد شهدت غينيا بيساو أربعة انقلابات عسكرية، منذ استقلالها في عام 1974م، فعلى الرغم من تمتُّع غينيا بيساو بحالةٍ كبيرةٍ من الاستقرار السياسي، منذ تولِّي “إمبالو” سُدَّة الحكم، في عام 2020م، إلا أن حالة عدم الاستقرار، وكثرة المحاولات الانقلابية، قد تخلق بيئةً ملائمةً للتهديدات الأمنية، والإرهابية خاصَّةً.

 وهناك تقارير تشير إلى وجود روابط متينة بين التنظيمات المسلحة في غينيا بيساو والتنظيمات الإرهابية في غرب أفريقيا؛ مثل تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، وحركة أنصار الدين؛ ما يجعل البلاد ملاذًا آمنًا ومركزًا لعمليات الإرهاب، وتوسيع تجارة المخدرات، ونجد أن هناك ثلاثة فاعلين أساسيين في الحياة السياسية في غينيا بيساو؛ متمثلين فيما يلي:

  • المؤسسة العسكرية: تلعب المؤسسة العسكرية في غينيا بيساو دوْرًا مهمًا في عمليات التغيير التي تشهدها البلاد منذ الاستقلال، خاصَّةً في ظل تراجُع النُّخب العسكرية ودورها في تحريك الأوضاع السياسية في البلاد، خلال السنوات الماضية، فتتكون غينيا بيساو من 30 قبيلةً، ويعيش الجزء الأكبر من سكان الريف، ويعانون من أوضاع اقتصادية صعبة تواجهها؛ مثل الفشل الاقتصادي، وارتفاع معدلات الفقر، وفساد النخبة السياسية.
  • النخبة السياسية والحزبية: تُوصف بأنها متعددة الانتماءات السياسية والدينية، وأصبحت رهينةً لحسابات بعيدة عن المصالح الوطنية، كما أن بعضها أصبح رهينةً لمصالح المؤسسة العسكرية.
  • الأطراف الدولية: تتسم غينيا بيساو بروابط متينة بين الأطراف الدجولية؛ مثل الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبعض القوى الدولية والإقليمية، فضلًا عن الضغوط الخارجية، المتمثلة في المعونات؛ لخلق حالة من التبعية لتعظيم مصالح تلك القوى الأجنبية الاستراتيجية في البلاد والمنطقة.

السيناريوهات المحتملة للمشهد السياسي في غينيا بيساو:

في حالة عودة الاشتباكات المسلحة، واستمرار حالة الشَّغَب، وعدم تمكُّن السلطات الحاكمة من احتواء الأزمة قبْل مرور عام على انعقاد الانتخابات الرئاسية، المتوقع عقدها، يونيو 2024م، ثمَّةَ مجموعة من السيناريوهات، بشأن مستقبل الوضع في غينيا بيساو، سوف نقوم بتوضيحها على النحو الآتي:

  • السيناريو الأول: احتمالية القيام بانقلاب عسكريٍّ جديدٍ، فربما يستغل قادة الحرس الوطني حالة عدم الاستقرار التي تشهدها البلاد في المرحلة الحالية، واستمرار تأثير الدومينو على المنطقة، ويقومون بانقلاب عسكري مماثل لانقلاب “النيجر، والجابون”، ولكن الأمر يتوقف على مدى قدرة قادة الانقلاب في القيام بذلك، في ظل ما يحظى به نظام أومارو سيسوكو إمبالومن، بتأييد معظم أفراد الجيش، فمن الممكن أن يندلع صراع مسلح بين فصيليْ الجيش، وتنجرف البلاد في حالةٍ من الحرب التي لا نهاية لها، وخير دليل على ذلك، ما تشهده الدولة السودانية في وقتنا الحالي.
  • السيناريو الثاني: ربما تحدث بعض التغييرات على مستوى القيادات في المؤسسة العسكرية في البلاد، ومحاولة تحسين رواتب الجنود؛ من أجل تفادِي حدوث محاولة انقلابية أخرى، وضمان ولاء جميع أفراد المؤسسة العسكرية للنظام الحاكم في غينيا.
  • السيناريو الثالث: إبقاء الوضع كما هو عليه، فقد يسير الوضع الداخلي في غينيا بيساو على نفس الوتيرة، وقد ينجح “إمبالو” في احتواء المشهد الداخلي في البلاد، ووقْف خطر المعارضين له؛ حتى إجراء انتخابات رئاسية في الموعد المحدد لها، وينطوي هذا السيناريو على الكثير من التحديات، منها؛ انعدام الأمن، وتنامي نفوذ الجماعات الإرهابية، وحتى يتمكن “إمبالو” من السيطرة على الوضع؛ عليه الوفاء بتعهُّداته التي تتعلق باستعادة الاستقرار، والسيطرة على الأراضي الواقعة تحت سيطرة الجماعات الإرهابية، ويتطلب ذلك توافُر الكثير من الإمكانات، وتعزيز قدرات وأسلحة الجيش في مواجهة الجماعات الإرهابية، والسيطرة على كافَّة الانقسامات في صفوف الجيش، وتلبية مطالب الجنود.

إجمالًا:

تثير تجربة كثرة الانقلابات العسكرية في غينيا بيساو الكثير من الدلالات، وتطرح الكثير من التساؤلات، بشأن مستقبل الدولة، في ظلِّ رغبة النخبة العسكرية في الاستئثار بالحكم في غينيا بيساو؛ مثل غيرهم من الدول المجاورة، التي سيطرت فيها النخبة العسكرية على سُدَّة الحكم، من خلال انقلابٍ عسكريٍّ مماثلٍ، وذلك في ظل وجود العديد من التحديات التي تقف حائلًا أمام القيادة السياسية في غينيا بيساو؛ من أجل تحقيق أهداف، منها؛ تفاقُم حِدَّة الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، والاعتماد بشكلٍ كبيرٍ على المعونات الخارجية، بالإضافة إلى عدم تمتُّع القيادة السياسية بتأييدٍ، سواء من قِبَلِ النخبة السياسية في البلاد، أو من بعض أفراد المؤسسة العسكرية، وتنامي خطر التنظيمات الإرهابية؛ الأمر الذي يتطلب الكثير من المراجعات من قِبَلِ القيادة السياسية في غينيا بيساو، وتغليب المصلحة الوطنية على أيّة مصالح شخصية، وبذْل الكثير من الجهود؛ لكسب ثقة أفراد المجتمع، وتجنُّب الأفعال والتصريحات التي تؤدي إلى عدم استقرار الوضع الداخلي؛ بهدف انتشال الدولة من دائرة العنف وعدم الاستقرار المسيطرة عليها.

كلمات مفتاحية