بعد توقيع المغرب والصين خطة التنفيذ المشترك التابعة لمبادرة “الحزام والطريق”.. من المستفيد الأكبر؟

رضوى رمضان الشريف

وقَّع المغرب والصين خطة التنفيذ المشترك، التابعة لمبادرة “الحزام والطريق”، وتلتزم “بكين” بموجبها حثّ الشركات الصينية الكبرى على الاستثمار في المغرب في مجالات متعددة، منها (صناعة السيارات والطيران والتكنولوجيا الفائقة والتجارة الإلكترونية)، ويُذكر أن المغرب من أوائل البلدان الأفريقية التي وقَّعت مذكرة تفاهم بشأن  “مبادرة الحزام والطريق ” في عام 2017، ومن ثمَّ تزايد حجم التجارة بين البلدين بنسبة 50%.

زاد التقارب الصيني المغربي من خلال مواكبة ومتابعة الدبلوماسية الصينية للبُعْد الاقتصادي والإستراتيجي والأمني المستقر للمملكة، في ظل تزايد الأزمات السياسية والجيوستراتيجية، التي شهدتها المغرب مؤخرًا؛ نتيجة فشل تدبير السياسات الاقتصادية والاجتماعية والشؤون الخارجية لبعض البلدان في شمال أفريقيا.

ولكن هل تأتي تلك الاتفاقية في إطار سعْي الصين لترسيخ نفوذها في شمال أفريقيا؟

 

أهداف الاتفاقية

كان الرئيس “شي جين بينغ”، قد أطلق سنة 2013 تحت مسمى “حزام واحد، طريق واحد”، مبادرة “الحزام والطريق”، وهي عبارة عن مجموعة من الخطوط البحرية والسكك الحديدية التي تربط بين الصين والبلدان المنضمة لهذه المبادرة.

وتنص هذه المبادرة على تعزيز فرص التعاون الجديدة بين الصين والدول الـ140 المنضمة لهذه المبادرة، وتقوم هذه الأخيرة على مبدأ الحوار والشراكة والتعلم المتبادل عوض المواجهة والاصطفاف.

ومنذ إطلاقها، كان المغرب أول بلد في أفريقيا ينضم إلى مبادرة “الحزام والطريق”، وتهدف خطة التنفيذ المشتركة الموقَّعة بين المغرب والصين إلى تعزيز الولوج إلى التمويل الصيني، الذي توفره مبادرة الحزام والطريق؛ لإنجاز مشاريع كبرى في المغرب، أو تسهيل المبادلات التجارية، وإقامة مشاريع مشتركة في مختلف المجالات بالبحث والتنمية والتعاون التكنولوجي والتقني.

وتتعهد الحكومة الصينية، بموجب هذه الاتفاقية، بتشجيع الشركات الصينية الكبرى بالاستثمار على الأراضي المغربية بـ(صناعة السيارات، والطيران، والتكنولوجيا الفائقة، والتجارة الإلكترونية، والصناعة الزراعية، والنسيج، إلخ…).

إذن، فإن المبادرة التنموية لمشروع مبادرة الحزام والطريق، سَتُمكِّنُ المغرب من تجويد مكانتها الاقتصادية ورُتبتها الصناعية على المستويين (الأفريقي والدولي)، كما سَتُعطي في الوقت نفسه دينامية اقتصادية جديدة ممزوجة بروح التعاون الدولي المغربي الصيني في مجال الطاقة المتجددة والبنية التحتية، وكذلك في مجالات متنوعة أُخرى ذات أبعاد تكنولوجية متقدمة كـ(الفضاء والأقمار الصناعية)، إذن، مبادرة “الحزام والطريق” التي أعطت انطلاقتها الرئيس الصيني، “شي جين بينغ”، سنة 2013، ستعطي ثمارها من خلال النهوض بالبُعْد (الاقتصادي والمالي) للمغرب، وتنويع مصادر التمويل (الصناعي والاستثماري الخارجي)، الذي يُوثق مفهوم التعاون (الاقتصادي والجيوسياسي) بين المغرب والصين.

لماذا المغرب؟

وفي وقت تسعى فيه الصين إلى توسيع حجم مجالها التجاري، يتميز المغرب بموقع جغرافي، يمكنه من أن يكون بلدًا محوريًّا بالنسبة إلى الصين، في مجال تدعيم تجارتها الخارجية، فبعض الخبراء يرون أن مخطط “الحزام والطريق” الذي رُصدت له ميزانية تُقدّر بـ124 مليار دولار، سيجعل من المغرب النقطة المحورية للصين؛ من أجل الاستثمار ضمن مجموعة من مناطق العالم؛ نظرًا إلى الموقع الإستراتيجي الذي تتمتع به كنقطة التقاء مع دول أوروبا من جهة، والعمق الأفريقي من جهة أُخرى، كما أنه يُعدُّ نقطة امتداد للعالم العربي والمحيط الأطلسي، عبر مشروع ميناء الداخلة الأطلسي؛ للوصول إلى القارة الأمريكية.

علاقة الصين ببلدان شمال أفريقيا

تعود علاقات الصين مع بلدان شمال أفريقيا، ولا سيّما (الجزائر ومصر)، إلى أواخر فترة الاستعمار، وقد أتت نتيجة دعم أيديولوجي لحركات التحرير الوطني، وشكَّلت الصين ــ البلد غير العربي الأول ــ التي اعترفت بالحكومة المؤقتة لجمهورية الجزائر بين عامَي (1958 و1962)، وقدّمت دعمًا دبلوماسيًّا مهمًّا لحرب الاستقلال التي شنّتها جبهة التحرير الوطني بين عامَي (1954 و1962)، وكان جمال عبد الناصر، من جهته، القائد العربي والأفريقي الأول الذي اعترف في العام 1956 بجمهورية الصين الشعبية.

وفي بداية الألفية، حوّلت الصين اهتمامها في هذه المنطقة لأسباب اقتصادية، متمثلة في مبادرة “الحزام والطريق”، بالطبع، تُعدُّ جنوب آسيا المستفيد من أغلبية المشاريع الناجمة عن هذه المبادرة، غير أنّ التوسع نحو الغرب باتجاه أوروبا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا جارٍ على قدم وساق، فقد أنشأت “بكين” شراكة إستراتيجية شاملة مع الجزائر ومع مصر في عام 2014، وشراكة إستراتيجية مع المغرب في عام 2016.

وبجانب (الجزائر والمغرب ومصر)، تسعى الصين أيضًا إلى توطيد علاقاتها التجارية مع (تونس وليبيا)، ففي العام 2018، وقّعت مذكرات تفاهم في إطار مبادرة “الحزام والطريق” مع هذيْن البلدَيْن.

ونظرًا إلى اهتمام الصين بالسيطرة على الطُرُق البحرية، استثمرت من خلال شركة “كوسكو” الصينية للملاحة البحرية، في موانئ طنجة وشرشال بـ(الجزائر)، وبورسعيد والإسكندرية بـ(مصر)، كما تخصصت الصين أيضًا في مدِّ الكابلات البحرية، وهو عنصر مهم في إستراتيجيتها لتطوير الاتصالات، فقد صمّمت شركة شبكات هواوي البحرية كابلًا يربط تونس بإيطاليا، ومدته في العام 2009، بالإضافة إلى مدّها كابلًا مهمًا آخر يربط ليبيا باليونان في العام 2010.

وتسعى الصين أيضًا إلى زيادة نفوذها في منطقة شمال أفريقيا، من خلال انخراط ثقافي أكبر؛ ففي إطار مذكرات التفاهم الموقعة بين “ملك المغرب”، والرئيس “شي” في العام 2016، تمّ تدشين مركز ثقافي صيني في الرباط، في ديسمبر 2018، وتضمّ مصر معهدي “كونفوشيوس”، واقعَيْن في (جامعة القاهرة، وجامعة قناة السويس)، بالإضافة إلى أنّها تضمّ مركزًا ثقافيًّا صينيًّا في العاصمة، وفي تونس، افتُتح معهد “كونفوشيوس”، الأول في نوفمبر 2018، وفي خلال قمة “بكين” لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي، في سبتمبر 2018، قرَّرت الحكومة الصينية أيضًا أن تزيد من عدد المِنَح للطلاب الأفريقيين، بمن فيهم الطلاب بشمال القارة؛ لكي يتمكنوا من متابعة دراساتهم العليا في الصين، فوعدت بتقديم 50 ألف منحة، و50 ألف مساعدة أُخرى للتعليم، وبالنسبة إلى الطلاب الأفريقيين، باتت تُشكِّل الصين الوجهةَ الثانية بعد فرنسا، فقد ارتفع عددهم من (2000 في العام 2003 إلى قرابة 50 ألف في العام 2015)، أي بازدياد قدره 25 ضعفًا.

ولكي تُثْبِتُ الصين نفوذها، أسّست منظمات إقليمية، مثل (منتدى التعاون الصيني الأفريقي، ومنتدى التعاون بين الصين والدول العربية)، على الرغم من أنّها تتعامل حاليًّا مع كل بلد شمال أفريقي بشكل أساسي ضمن إطار ثنائي، ويعكس هذا الانخراط الدبلوماسي مبدأ نوع جديد من علاقات القوة المهمة، الذي تسعى الصين بموجبه إلى أن تنخرط مع بلدان أصغر، متى تضافرت ضمن منتديات إقليمية مهمة؟.

خلاصة القول: بالرغم من أن المغرب من أقوى حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، خاصةً بعدما قامت الولايات باعتراف سيادة المغرب على منطقة الصحراء، بينما تمثل الصين من أقوى المنافسين للولايات المتحدة، إلا أن المغرب أصبحت تسعى لتنويع وربط علاقات اقتصادية مع دول وأنظمة اقتصادية مختلفة، سواء في آسيا أو أوروبا بجانب أمريكا؛ فسوف يعطي ذلك تجربة كبيرة ومهمة للمغرب، وسيُمكِّنُها من اختيار الشريك الاقتصادي المفيد.

بالطبع سيكون للاتفاقية تداعيات إيجابية باتجاه تقوية حضور المغرب في المجالات السياسية والجيواقتصادية على المستويَيْن (الإقليمي والقاري)، والمشاريع المتوقعة من هذا الاتفاق ستُمكّن حتمًا من خلْق مجموعة من فرص العمل، وتدعيم اكتساب الخبرات.

كما يمكن إجمالًا، القول: إن الصين رسَّخت موقعها في شمال أفريقيا، لكن لا يزال من المبكر استخلاص نتيجة نهائية من هذا التمركز، فما زال ينبغي تقييم تداعيات حضورها الزائد، الذي قد يترك على المدى البعيد آثارًا سلبية في الحسابات العامة، ولا سيّما في حال ما إذا كانت المشاريع المموَّلة غير ضرورية، وبالمثل، لا تنفك الاستثمارات الإستراتيجية، ولا سيّما في الموانئ، تزيد من قلق البلدان الغربية المدركة لإمكانية استخدام هذه البُنَى التحتية لغايات أمنية واستخباراتية.

كلمات مفتاحية