جديد المفاوضات الروسية الأوكرانية والمصير الملتبس لأوكرانيا

بقلم البروفيسور أيمن سلامة: أستاذ القانون الدولي العام

مقدمة

نَيف وشهر من العدائيات العسكرية العنيفة في أوكرانيا ولم يحقق العدوين اللدودين هدفهما الرئيسي من القتال، فلا الدب الروسي فلح في إسقاط العاصمة الأوكرانية و لا إسقاط أيضا النظام السياسي المُناكف لروسيا ، وفي  المقابل لم تستطع أوكرانيا بالطبع في رد الجحافل الروسية عن حدودها  الدولية إلي روسيا .

بين كر وفر المقاتلين في الميدان بدأت جولات عديدة من المفاوضات بين الساسة والأركان و بوساطة الرئيس التركي أردوجان، والظاهر للعيان أن المفاوضات تجري بين الدولتين ولكن الماثل والنافل أن المحفزين و المخططين والمديرين لهذه المفاوضات هم الفاعلين الخارجيين.

ماهية المفاوضات الدبلوماسية

يشير البعض لمصلح المفاوضات بأنها: ” عملية يجتمع بموجبها طرفان أو أكثر لإجراء مباحثات تهدف إلى التوصل إلى اتفاق حول مسألة معينة، أو بالأحرى هي عملية مواجهة أو مساومة أو مناقشة غرضها الوصول إلى اتفاق “، و يرى آخرون بأن التفاوض ينصرف إلى: التباحث مع طرف آخر بهدف التراضي أو بهدف الاتفاق، فيما يزعم البعض أن المفاوضات تعني : تبادل الأفكار بقصد تغيير العلاقات ، إذ يلتقون بهدف الاتفاق ، وبمعنى آخر فهم يتفاوضون ” .

بالرغم من الاختلافات غير الجوهرية في التعريفات التي سبق عرضها لمفهوم المفاوضات والتفاوض، لكن يكاد يتحقق إجماع مطلق علي الخصائص المهمة التي تميز المفاوضات عن سائر الوسائل الأخرى للتسوية السياسية للنزاعات الدولية.

المزايا التفضيلية للمفاوضات

تتميز المفاوضات بتعدد أطرافها فهي – عملية تتم بين طرفين أو العادة التفاوض بين طرفين أو قد يتسع نطاقه ليشمل أكثر من ذلك يتم نظرا لتشعب المصالح وتعارضها بين الأطراف، وقد تكون المحادثات مباشرة بل تتم عن طريق وسيط.

كما تتصف المفاوضات بأنها تستند إلى الرضا التام لأطرافها، وبهذا فهي عملية إرادية تدخل بها الأطراف رغبة منها وبشكل طوعي بهدف تحقيق مصالحها وأهدافها المبتغاة.

تعد المفوضات أيضا وسيلة للتوازن بين المصالح المتضاربة، إذ فيها تتم تهيئة المناخ المناسب للتوصل إلى حلول في إطار توازن المصالح والقوی والتساوي بين أطرافه، ونظرا لأن المنازعات الدولية تخص أشخاصا قانونية دولية مستقلة عن بعضها البعض الآخر ومتساوية قانونا في السيادة وبالتالي لا يمكن أو يفرض رأي أي منهم على الآخر أثناء التفاوض. وبعكسه نكون أمام إجحاف وعدم عدالة بحق أحد الأطراف وهو ما لا يمكن تصوره عند افتراض المساواة في السيادة.

يعمل التفاوض سواء إن كان بين أشخاص القانون الدولي العام كالدول أو بین کیانين أحدهما دولة وأخرى مجموعة مسلحة، على تنمية الأفكار وتقديم الحلول السلمية لبعض القضايا التي يتم بلورتها خطوة بخطوة للتوصل إلى نتائج وحلول غير مطروحة وقد تكون مستحيلة قبل معالجتها.

تعد المرونة من الأهمية بمكان حيث تتوقف عليها عملية نجاح المفاوضات وتتطلب قدرات هائلة للتكيف المستمر والمواءمة الكاملة مع المتغيرات المحيطة بالعملية التفاوضية، وهو عبارة عن حدود استجابة الأطراف لطلبات بعضهم البعض الآخر، وما يمكن أن يقدموه من مساومات وتنازلات أثناء المباحثات والمناقشات التي تجري فيما بينهم، بصورة مباشرة أو غير مباشرة وفقا لمصالحهم المشتركة.

الولايات المتحدة ……الفاعل الأهم

لا جَرم أن الولايات المتحدة الأمريكية نهضت من فورها واستفاقت ليس من مباغتة الدب الروسي ولكن من المقاومة العنيدة المعجزة للدولة الأوكرانية بعد أن استضعفتها و استهان بها العدوين الروسي و الأمريكي في آن، و النهوض الأمريكي لن يكون سهلا أو ظرفيا و لكن سيمتد لتحقيق غاية ميكافيلية يندر تحقيقه خارج السياق الحاصل في أوكرانيا وهو صيد ثم قتل الدرب الروسي.

جَلي أن الولايات المتحدة الأمريكي لن تقبل بإبرام أي صك دولي بعد مخاض الحرب الروسية الأوكرانية يفضي إلى التقليم الكامل لأظافر أوكرانيا وتجريدها من السلاح و تحييدها أي فرض الحياد عليها بالقوة العسكرية وعن طريف مفاوضات و معاهدات غير متكافئة.

لا جرم أن الضامنين الدوليين و من بينهم بالطبع الولايات المتحدة الأمريكية سيكون لهم الدور الأكبر في صياغة واحدة من أهم معاهدات السلام في أوروبا بعد فرساي التي أبرمت بعد انتهاء الحرب  العظمي ”  العالمية الاولي ” و بوتسدام التي ابرمت بعد  الحرب  العالمية الثانية .

قضايا عالقة وشائكة

بدهي أن تتناول المفاوضات بين الضدين اللدودين مسائل قانوينة وسياسية وعسكرية و أمنية وعسكرية مستقبلية هي جد عويصة وهذا يفضي و لا مشاحة لإطالة أمد هذه المفاوضات، فتسليح أوكرانيا بعد انتهاء الحرب و الوضعية القانونية للأقاليم التي ضمتها روسا لها أو اعترفت بها و ضمان عدم انضمام أوكرانيا لأي حلف عسكري والتعهد بعدم استقبال قوات أجنبية في أراضيها كل هذه المسائل  الشائكة لا يمكن لأحد من الأحاد أن يزعم بتسويتها بين ليلة وضحاها

بناء الثقة

تعد تدابير بناء  الثقة بين المفاوضين أحد أهم القضايا و المبادئ  الأساسية التي يمكن أن تنجح  المفاوضات الصعبة ، و تحرك الأحجار العثرة التي تعرقل سير المفاوضات بشكل  عام ، وما من شك يثور حول  التصريحات  البناءة التي أتت من  الدولتين المتحاربتين ، فروسيا قررت ، و لأول مرة ، تخفيف القصف الجوي و  المدفعي للعاصمة كييف و الأخيرة بالنسبة لروسيا و أوكرانيا تعد علي حد سواء ” درة التاج ” و ” المغنم  الأول ” ، وفي المقابل تواترت التصريحات الأوكرانية المطمئنة بتعهدها بعد  الانضمام لحلف الناتو فضلا عن الوعد بتسوية وضعية إقليم “دوناباس”  تحديدا .

المدفع الروسي حاضر

طلي أن الطرف الروسي يعد الطرف الحاكم في المفاوضات و ما بعدها فحتي هذه اللحظة يستغل الدرب الروسي ” القوة العسكرية ” في فرض إرادته السياسية علي طاولة المفاوضات، و لم يقدم الروس أي تنازل ملموس بصدد وقف إطلاق النار أو سحب القوات الروسية لمناطق في شرق أوكرانيا أو وقف التصعيد القصفي الجوي و المدفعي و البحري للمدن و القطاعات الأوكرانية، ولذلك بدأت الولايات المتحدة الأمريكية و أنصارها في التلويح للدب بالجزرة بعد أن استخدموا العصا الغليظة لشهر ونيف.

الجزرة الأمريكية أيضا حاضرة

تعد التصريحات الغربية الأخيرة تجاه روسيا برفع  أقسي جزاءات وعقوبات دولية  في التاريخ الحديث فرضتها الولايات المتحدة وأنصارها في العرب و الشرق عند ابرام اتفاق  السلام مع أوكرانيا حزمة مهمة من  المُحفزات و المُرغبات التي لا يمكن تجاهلها من جانب الرئيس الروسي ، وهذه المحفزات يمكن أيضا دمغها بالمقايضات  السياسية و الاقتصادية الاستراتيجية التي ما فتئت الإدارة الأمريكية تتميز بحسن استغلالها في كثير النزاعات الدولية وتحديدا من أجل استمالة الخصوم أو تحييد الأعداء ، لذلك فالخطاب  الأمريكي  الأخير للدب  الروسي و  الممهور ب ” رفع العقوبات ” يُشَنف آذان الدب  الروسي أيضا بعبارة حاسمة ” الكرة في ملعبك الآن”.

في  المقابل فلربما لا ترضي هذه المحفزات الاقتصادية وحدها الدرب الروسي و لا تحفظ ماء وجهه بعد أن خسر المليارات جراء  العقوبات و  الغزو الأخير لأوكرانيا ، فنتائج المعادلة العسكرية الحسابية تفتح ، ولا مشاحة ، شهية الدب  الروسي في قنص العديد من  المغانم  السياسية الأبدية التي تثقل من وزنه و تحفظ بل وتعزز مركزه الاستراتيجي في مجابهة الأعداء كما يصمهم الرئيس  الروسي شخصيا ، فالتمدد البري و البحري الروسي الحالي  تجاه  الساحل  الأوكراني علي البحر  الأسود والذي يمر عبره 60 في المائة من صادرات أوكرانيا و 50 في المائة من الواردات ، فضلا عن السيطرة على الممرات المائية العذبة شمال شبه جزيرة القرم سيستخدمها بالطبع  الدب الروسي كأوراق مقايضة مؤثرة  علي أوكرانيا ومن وراءها .

شبه جزيرة القرم والحلول المقترحة

تُعد قضية شبه جزيرة القرم – برميل الوقود المشتعل – هي القضية الأكثر تعقيدا من كافة القضايا الشائكة بين العدوين اللدودين ، فاذا كان الاتفاق علي حياد أوكرانيا مسألة مرتقبة و في المتناول و لم تتحفظ عليها أوكرانيا منذ اطلاق الرصاصة الروسية الاولي ي في فبراير الماضي لكن فإن أي صفقة تنطوي على الاعتراف بادعاء روسيا بالسيادة على الأراضي التي تم الاستيلاء عليها من خلال العدوان تبدو غير مجدية بالنسبة للغرب وأوكرانيا ، وذلك بسبب الالتزامات بالقانون الدولي والمخاوف من تشجيع المزيد من العدوان في أماكن أخرى.

هناك  العديد من  الحلول  القانونية التي يمكن أن تحفظ ماء وجه روسيا و أوكرانيا في آن ، فقد جربت  العديد من الدول حلولاً سلمية لمسألة التنازع علي  السيادة علي  الأقاليم و الجزر ، ومن بين هذه الطرق : الإيجار لمدة محددة مثل الايجار  الذي انتزعته بريطانيا من الصين على هونج كونج في عام 1898، أو السماح للمواطنين  من الدولة الأخرى بامتيازات محددة في جزء معين من إقليم الدولة التي تمنح هذه الامتيازات مثل حالة المزارعين الإسرائيليين في  الغمر و الباقورة الأردنيتين لمدة 25 عاما إعمالا لملحق اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية عام 1994، وقد تكون  المقايضة أي مبادلة أجزاء الإقليم مع  الدول  الأخرى و فعلتها فرنسا و إيطاليا منذ قرون خلت ، كما تكون الإدارة المشتركة لكل الإقليم بين دولتين او أكثر كما فعلت المملكة البريطانية و المملكة المصرية حين أدارا ” السودان ” حتي استقلاله في غرة يناير عام 1956 .

 

 

 

كلمات مفتاحية